سورة الحج

وهى مكية

سوى ثلاث ءايات وهى هذا خصمان الى تمام ثلاث ءايات هذا قول ابن عباس ومجاهد وقال الجمهور السورة مختلطة منها مكى ومنها مدني وهذا هو الأصح لأن الآيات تقتضى ذلك بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

 قوله عز و جل يا ايها الناس اتقو ربكم ان زلزلة الساعة شىء عظيم الزلزلة التحريك العنيف وذلك مع نفخة الفزع ومع نفخة الصعق حسبما تضمنه حديث ابى هريرة من ثلاث نفخات والجمهور على ان زلزلة الساعة هى كالمعهودة فى الدنيا الا انها فى غاية الشدة

واختلف المفسرون فى الزلزلة المذكورة هل هي فى الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم القيامة ام هى فى يوم القيامة على جميع العالم فقال الجمهور هى فى الدنيا والضمير فى ترونها عائد عندهم على الزلزلة وقوى قولهم ان الرضاع والحمل انما هو فى الدنيا

وقالت فرقة الزلزلة فى يوم القيامة والضمير عندهم عائد على الساعة والذهول الغفلة عن الشىء بطريان ما يشغل عنه من هم أووجع  غيره قال ابن زيد المعنى تترك ولدها للكرب الذى نزل بها ت وخرج البخارى وغيره عن ابى سعيد الخدرى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال يقول اللّه عز و جل يوم القيامة يا ءادم فيقول لبيك ربنا وسعديك فيقول اخرج بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف

تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار وواحدا الى الجنة فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد الحديث انتهى وهذا الحديث نص صريح فى انه يوم القيامة وانظر قوله يوما يجعل الولدان سيبا

وقوله واذا العشار عطلت تجده موافقا للحديث وجاء فى حديث ابى هريرة فيما ذكره على بن معبد ان نفخة الفزع تمتد وان ذلك يوم الجمعة فى النصف من شهر رمضان فيسير اللّه الجبال فتمر مر السحاب ثم تكون سرابا ثم ترتج الأرض بأهلها رجا وتضع الحوامل ما فى بطونها ويشيب الولدان ويولى الناس مدبرين ثم ينظرون الى السماء فإذا هى كالمهل ثم انشقت ثم قال النبى صلى اللّه عليه و سلم والموتى لا يعلمون شيأ من ذلك قلت يا رسول اللّه فمن استثنى اللّه عز و جل يقول ففزع من فى السموات ومن فى الارض الا من شاء اللّه قال أولائك هم الشهداء انتهى مختصرا وهذا الحديث ذكره الطبرى والثعلبى وصححه ابن العربى فى سراج المريدين وقال عبد الحق بل هو حديث منقطع لا يصح والذى عليه المحققون ان هذه الأهوال هى بعد البعث قاله صاحب التذكرة وغيره انتهى والحمل بفتح الحاء ما كان فى بطن  على رأس شجرة

وقوله سبحانه وترى الناس سكارى تشبيها لهم اي من الهم ثم نفى عنهم السكر الحقيقى الذى هو من الخمر قاله الحسن وغيره وقرأ حمزة والكساءى سكرى فى الموضعين قال سيبويه وقوم يقولون سكرى جعلوه مثل مرضى ثم جعلوا روبى مثل سكرى وهم المستثقلون نوما من شرب الرائب

وقوله سبحانه ومن الناس من يجادل فى اللّه بغير علم ويتبع كل شيطان مريد قال ابن جريج هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث وابى بن خلف

وقيل فى ابي جهل بن هشام ثم هي بعد تتناول كل من اتصف بهذه الصفة ومجادلتهم فى ان اللّه تعالى لا يبعث من يموت والشيطان هنا هو مغويهم

من الجن ويحتمل من الإنس والمريد المتجرد من الخير للشر ومنه الأمرد وشجرة مرداء اي عارية من الورق وصرح ممرد اي مملس والضمير فى عليه عائد على الشيطان قاله قتادة ان يعود على المجادل وانه فى موضع رفع على المفعول الذى لم يسم فاعله وانه الثانية عطف على الأولى موكدة مثلها

وقيل هى مكررة للتأكيد فقط وهذا معترض بأن الشىء لا يؤكد الا بعد تمامه وتمام ان الأولى إنما هو بصلتها فى قوله السعير وكذلك لا يعطف عليه ولسيبويه فى مثل هذا انه بدل

وقيل انه الثنية خبر مبتدأ محذوف تقديره فشأنه انه يضله قال ع ويظهر لى ان الضمير فى انه الاولى للشيطان وفى الثانية لمن الدى هو المتولى وقرأ ابو عمرو فإنه بالكسر فيهما

٥

وقوله عز و جل يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث الآية هذا احتجاج على العالم بالبدأة الأولى وضرب سبحانه وتعالى فى هذه الآية مثلين إذا اعتبرهما الناظر جوز فى العقل البعثة من القبور ثم ورد الشرع بوقوع ذلك

وقوله فانا خلقناكم من تراب يريد ءادم عليه السلام ثم من نطفة يريد المنى والنطفة تقع على قليل الماء وكثيره ثم من علقة يريد من الدم الذى تعود النطفة اليه فى الرحم  المقارن للنطفة والعلق الدم الغليظ

وقيل العلق الشديد الحمرة ثم من مضغة يريد مضغة لحم على قدر ما يمضغ

وقوله مخلقة معناه متممة وغير مخلقة غير متممة اي التى تسقط قاله مجاهد وغيره فاللفظة بناء مبالغة من خلق ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل واحد منها مختص بخلق حسن فى جملته تضعيف الفعل لأن فيه خلقا كثيرا

وقوله سبحانه لنبين لكم قالت فرقة معناه امر البعث ونقر اي ونحن نقر فى الأرحام والأجل المسمى مختلف بحسب حين حين فثم من يسقط وثم من يكمل أمره ويخرج حيا

وقوله سبحانه ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم

من بعد علم شيأ قد تقدم بيان هذه المعانى والرد الى أرذل العمر هو حصول الانسان فى زمانه واختلال العقل والقوة فهذا مثال واحد يقتضى للمعتبر به ان القادر على هذه المناقل المتقن لها قادر على إعادة تلك الأجساد التى اوجدها بهذه المناقل إلى حالها الأولى

وقوله عز و جل وترى الأرض هامدة فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج هذا هو المثال الثانى الذى يعطى للمعتبر فيه جواز بعث الاجساد وذلك ان احياء الارض بعد موتها بين فكذلك الأجساد وهامدة معناه ساكنة دارسة بالية واهتزاز الأرض هو حركتها بالنبات وغير ذلك مما يعتريها بالماء وربت معناه نشزت وارتفعت ومنه الربوة وهى المكان المرتفع والزوج النوع والبهيج من البهجة وهى الحسن قاله قتادة وغيره

وقوله ذلك إشارة الى كل ما تقدم ذكره وباقى الآية بين

٨

وقوله سبحانه ومن الناس من يجادل فى اللّه بغير علم الآية الاشارة بقوله ومن الناس الى القوم الذين تقدم ذكرهم وكرر هذه الآية على جهة التوبيخ فكانه يقول فهذه الأمثال فى غاية الوضوح ومن الناس مع ذلك من يجادل وثانى حال من الضمير فى يجادل

وقوله ثانى عطفه عبارة عن المتكبر المعرض قاله ابن عباس وغيره وذلك ان صاحب الكبر يرد وجهة عمن يتكبر عنه فهو برد وجهه يصعر خده ويولى صفحته ويلوي عنقه ويثني عطفه وهذه هى عبارات المفسرين والعطف الجانب

١٠

وقوله تعالى ذلك بما قدمت يداك اي يقال له ذلك

واختلف فى الوقف على يداك فقيل لا يجوز لان التقدير وبان اللّه اي ان هذا هو العدل فيك يحرائمك

وقيل يجوز بمعنى والأمر أن اللّه ليس بظلام للعبيد

١١

وقوله سبحانه ومن الناس من يعبد اللّه على حرف الآية نزلت فى اعراب وقوم لا يقين لهم كان احدهم اذا اسلم فاتفق له اتفاقات حسان من

نمو مال وولد يرزقه وغير ذلك قال هذا دين جيد وتمسك به لهذه المعانى وان كان الأمر بخلاف ذلك تشاءم به وارتد كما فعل العرنيون قال هذا المعنى ابن عباس وغيره

وقوله على حرف معناه على الخراف منه عن العقيدة البيضاء وقال البخارى على حرف على شك ثم اسند عن ابن عباس ما تقدم من حال الأعراب انتهى

١٢

وقوله يدعوا من دون اللّه ما لا يضره يريد الأوثان ومعنى بدعو يعبد ويدعو ايضا فى ملماته واللام فى قوله لمن ضره لام موذنة بمجيء القسم والثانية فى لبيس لام القسم والعشير القريب المعاشر فى الامور ت وفى الحديث فى شأن النساء ويكفرن العشير يعنى الزوج قال ابو عمر بن عبد البر قال اهل اللغة العشير الخليط من المعاشرة والمخالطة ومنه قوله عز و جل لبئس المولى ولبئس العشير انتهى من التمهيد والذى يظهر ان المراد بالمولى والعشير هو الوثن الذى ضره اقرب من نفعه وهو قول مجاهد ثم عقب سبحانه بذكر حالة اهل الايمان وذكر ما وعدهم به فقال ان اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار الآية ثم اخذت الآية فى توبيخ أولائك الأولين كأنه يقول هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق وظنوا ان اللّه تعالى لن ينصر محمدا واتباعه ونحن انما امرناهم بالصبر وانتظار وعدنا فمن ظن غير ذلك فليمدد بسبب وهو الحبل وليختنق هل يذهب بذلك غيطه قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر فى قولهم دونك الحبل فاختنق والسماء على هذا القول الهواء علوا فكأنه أراد سقفا  شجرة ولفظ البخاري وقال ابن عباس بسبب الى سقف البيت انتهى والجمهور على ان القطع هنا هو الاختناق قال الخليل وقطع الرجل إذا اختنق بحبل ونحوه ثم ذكر الآية ويحتمل المعنى من ظن ان محمدا لا ينصر فليمت كمدا هو منصور لا محالة فليختنق هذا الظان غيطا وكمدا ويؤيد

ان الطبرى والنقاش قالا وبقال نزلت فى نفر من بنى أسد وغطفان قالوا نخاف ان لا ينصر محمد فينقطع الذى بيننا وبين حلفائنا من يهود من المنافع والمعنى الاول الذى قيل للعابدين على حرف ليس بهذا ولكنه بمعنى من قلق واستبطأ النصر وظن ان محمدا لا ينصر فليختنق سفاهة اذ تعدى الأمر الذى حد له فى الصبر وانتظار صنع اللّه وقال مجاهد الضمير فى ينصره عائد على من والمعنى من كان من المتقلقين من المؤمنين وما فى قوله ما يغيظ بمعنى الذى ويحتمل ان تكون مصدرية حرفا فلا عائد عليها وابين الوجوه فى الآية التاويل الاول وباقى الآية بين

وقوله وكثير من الناس أي ساجدون مرحومون بسجودهم

وقوله وكثير حق عليه العذاب معادل له ويؤيد هذا

١٩

قوله تعالى هذان خصمان اختصموا فى ربهم الآية نزلت هذه الآية فى المتبارزين يوم بدر وهم ستة نفر حمزة وعلى وعبيدة ابن الحارث رضي اللّه عنهم بارزوا لعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة قال على بن ابى طالب انا اول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي اللّه تعالى واقسم ابو ذر على هذا القول ووقع فى صحيح البخارى رحمه اللّه تعالى ان الآية فيهم وقال ابن عباس الإشارة الى المؤمنين واهل الكتاب وذلك انه وقع بينهم تخاصم فقالت اليهود نحن اقدم دينا منكم ونحو هذا فنزلت الآية وقال مجاهد وجماعة الإشارة الى المومنين والكفار على العموم

قال ع وهذا قول تعضده الآية وذلك انه تقدم قوله وكثير من الناس المعنى هم مؤمنون ساجدون ثم

قال تعالى وكثير حق عليه العذاب ثم اشار الى هذين الصنفين بقوله هذان خصمان والمعنى ان الإيمان وأهله والكفر واهله خصمان مذ كانا الى يوم القيامة بالعداوة والجدال والحرب وخصم مصدر يوصف به الواحد والجمع ويدل على انه اراد الجمع قوله اختصموا فإنه قراءة الجمهور وقرأ ابن

ابى عبلة اختصما ت وهذه التأويلات متفقات فى المعنى وقد ورد ان اول ما يقضي به بين الناس يوم القيامة فى الدماء ومن المعلوم ان اول مبارزة وقعت فى الاسلام مبارزة على واصحابه فلا جرم كانت اول خصومة وحكومة يوم القيامة وفى صحيح مسلم عنه صلى اللّه عليه و سلم

نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق وفى رواية المقضي بينهم

وقوله فى ربهم اي فى شأن ربهم وصفاته وتوحيده ويحتمل فى رضى ربهم وفى ذاته وقال ص فى ربهم اي فى دين ربهم انتهى ثم بين سبحانه حكم الفريقين فتوعد تعالى الكفار بعذابه الأليم وقطعت معناه جعلت لهم بتقدير كما يفصل الثوب

وروى انها من نحاس ويصهر معناه يذاب

وقيل معناه ينضج قيل ان الحميم بحرارته يهبط كل ما فى الجوف ويكشطه ويسلته وقد روى ابو هريرة نحوه عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه يسلته ويبلغ به قدميه ويذيبه ثم يعاد كما كان

٢٢

وقوله سبحانه كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها روى فيه ان لهب النار اذا ارتفع رفعهم فيصلون إلى أبواب النار فيريدون الخروج فتردهم الزبانية بمقامع الحديد وهى المقارع

٢٣

وقوله سبحانه ان اللّه يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات الآية معادلة لقوله فالذين كفروا واللؤلؤ الجوهر واخبر سبحانه بان لباسهم فيها حرير لأنه من أكمل حالات الدنيا قال ابن عباس لاتشبه أمور الآخرة امور الدنيا الا فى الاسماء فقط واما الصفات فمتبابنة والطيب من القول لا اله الا اللّه وما جرى معها من ذكر اللّه وتسبيحه وتقديسه وسائر كلام اهل الجنة من محاورة وحديث طيب فانها لا تسمع فيها لاغية وصراط الحميد هو طريق اللّه الذى دعا عباده اليه ويحتمل ان يريد بالحميد نفس الطريق فاضاف اليه على حد اضافته فى قوله دار الآخرة وقال البخارى وهدوا الى الطيب اي الهموا الى قراءة القرءان وهدوا الى صراط

الحميد اي الى الإسلام انتهى

٢٥

وقوله سبحانه ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه هذه الآية نزلت عام الحديبية حين صد النبى صلى اللّه عليه و سلم وجاء يصدون مستقبلا اذ هو فعل يديمونه وخبر ان محذوف مقدر عند قوله والبادى تقديره خسروا  هلكوا والعاكف المقيم فى البلد والبادى القادم عليه من غيره

وقوله بالحاد قال ابو عبيدة الباء فيه زائدة ت قال ابن العربى فى احكامه وجعل الباء زائدة لا يحتاج اليه فى سبيل العربية لأن حمل المعنى على القول اولى من حمله على الحروف فيقال المعنى ومن يهم فيه بميل لأن الالحاد هو الميل فى اللغة الا انه قد صار فى عرف الشرع ميلا مذموما فرفع اللّه الاشكال وبين سبحانه ان الميل بالظلم هو المراد هنا انتهى

قال ع والإلحاد الميل وهو يشمل جميع المعاصى من الكفر الى الصغائر فلعظم حرمة المكان توعد اللّه تعالى على نية السيئة فيه ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك الا فى مكة هذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم قال ص

وقوله ان لا تشرك ان مفسرة لقول مقدر اي قائلين له  موحين له لا تشرك وفى التقدير الأول نظر فانظر انتهى

وقوله تعالى وطهر بيتي للطائفين والقائمين الآية تطهير البيت عام فى الكفر والبدع وجميع الأنجاس والدماء وغير ذلك والقائمون هم المصلون وخص سبحانه بالذكر من اركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود

وروي أن ابراهيم عليه الصلاة و السلام لما امر بالآذان بالحج قال يا رب واذا اذنت فمن يسمعنى فقيل له ناد يا ابراهيم فعليك النداء وعلينا البلاغ فصعد على أبي قبيس

وقيل على حجر المقام ونادى ايها الناس ان اللّه تعالى قد امركم بحج هذا البيت فحجوا فروى ان يوم نادى اسمع كل من يحج الى يوم القيامة فى اصلاب الرجال واجابه كل شيء فى ذلك الوقت من جماد وغيره لبيك اللّهم لبيك فجرت التلبية

على ذلك قاله ابن عباس وابن جبير ورجالا جمع راجل والضامر قالت فرقة اراد بها الناقة وذلك انه يقال ناقة ضامر

وقالت فرقة لفظ ضامر يشمل كل من اتصف بذلك من جمل  ناقة وغير ذلك

قال ع وهذا هو الأظهر وفى تقديم رجالا تفضيل للمشاة فى الحج واليه نحا ابن عباس قال ابن العربى فى احكامه

قوله تعالى يأتين رد الضمير الى الابل تكرمة لها لقصدها الحج مع اربابها كما

قال تعالى والعاديات ضبحا فى خيل الجهاد تكرمه لها حين سعت فى سبيل اللّه انتهى والفج الطريق الواسعة والعميق معناه البعيد قال الشاعر ... إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة ...

يمد بها فى السير أشعث شاحب ...

والمنافع فى هذه الآية التجارة فى قول اكثر المتأولين ابن عباس وغيره وقال ابو جعفر محمد بن على اراد الأجر ومنافع الآخرة وقال مجاهد بعموم الوجهين ت واظهرها عندى قول ابى جعفر يظهر ذلك من مقصد الآية واللّه اعلم وقال ابن العربى الصحيح القول بالعموم انتهى

وقوله سبحانه ويذكروا اسم اللّه فى ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ذهب قوم الى ان المراد ذكر اسم اللّه على النحر والذبح وقالوا ان فى ذكر الايام دليلا على ان الذبح فى الليل لا يجوز وهو مذهب مالك واصحاب الرأي

وقالت فرقة فيها مالك واصحابه الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده

وقوله فكلوا ندب واستحب اهل العلم ان ياكل الإنسان من هديه واضحيته وان يتصدق بالأكثر والبائس الذى قد مسه ضر الفاقة وبؤسها والمراد اهل الحاجة والتفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعث ونحوه وليوفوا نذورهم وهو ما معهم من هدي وغيره وليطوفوا بالبيت العتيق يعني طواف الإفاضة الذى هو من واجبات الحج قال الطبري ولا خلاف بين

المتأولين فى ذلك قال مالك هو واجب ويرجع تاركه من وطنه الا ان يطوف طواف الوداع فإنه يجزيه عنه ويحتمل ان تكون الاشارة بالآية الى طواف الوداع وقد اسند الطبري عن عمرو بن أبي سلمة قال سألت زهيرا عن

قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق فقال هو طواف الوداع وقاله مالك فى الموطإ

واختلف فى وجه وصف البيت بالعتيق فقال مجاهد وغيره عتيق اي قديم وقال ابن الزبير لأن اللّه تعالى اعتقه من الجبابرة

وقيل اعتقه من غرق الطوفان

وقيل غير هذا

وقوله ذلك يحتمل ان يكون فى موضع رفع بتقدير فرضكم ذلك  الواجب ذلك ويحتمل ان يكون فى محل نصب بتقدير امتثلوا ذلك ونحو هذا الاضمار واحسن الاشياء مضمرا احسنها مظهرا ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير ... هذا وليس كمن يعى بخطبته ... وسط الندى اذا ما ناطق نطقا ...

والحرمات المقصودة هنا هى افعال الحج وقال ابن العربى فى احكامه الحرمات امتثال ما امر اللّه تعالى به واجتناب ما نهى عنه فإن للقسم الاول حرمة المبادرة الى الامتثال وللثاني حرمة الانكفاف والانزجار انتهى

وقوله فهو خير ظاهره انها ليست للتفضيل وانما هى عدة بخير ويحتمل ان يجعل خير للتفضيل على تجوز فى هذا الموضع ص فهو خير له اي فالتعظيم خير له انتهى

وقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان يحتمل معنيين احدهما ان نكون من لبيان الجنس اي الرجس الذى هو الأوثان فيقع النهي عن رجس الأوثان فقط وتبقى سائر الأرجاس نهيها فى غير هذا الموضع والمعنى الثاني ان تكون من لابتداء الغاية فكأنه نهاهم سبحانه عن الرجس عموما ثم عين لهم مبدأه الذى منه يلحقهم اذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ويظهر ان الإشارة الى الذبائح التى كانت للأوثان فيكون هذا مما يتلى عليهم والمروي عن ابن عباس

وابن جريج ان الآية نهى عن عبادة الأوثان والزور عام فى الكذب والكفر وذلك ان كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وقال ابن مسعود وغيره ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال

عدلت شهادة الزور بالشرك وتلا هذه الآية والزور مشتق من الزور وهو الميل ومنه فى جانب فلان زور ويظهر ان الإشارة الى زور اقوالهم فى تحريم وتحليل ما كانوا قد شرعوا فى الإنعام وحنفاء معناه مستقيمين  مائلين الى الحق بحسب ان لفظة الحنف من الأضداد تقع على الاستقامة وتقع على الميل والسحيق البعيد

٣٠

وقوله سبحانه ذلك ومن يعظم شعائر اللّه التقدير فى هذا الموضع الأمر ذلك والشعائر جمع شعيرة وهي كل شىء للّه عز و جل فيه امر اشعر به واعلم قال الشيخ ابن ابى جمرة ومن يعظم شعائر اللّه فإنها من تقوى القلوب قال تعظيم شعائر اللّه كان من البقع  من البشر  ممن شاء اللّه تعالى زيادة فى الايمان وقوة فى اليقين انتهى وقال العراقى فى ارجوزته

اعلام طاعة هى الشعائر

البيت

وقالت فرقة قصد بالشعائر فى هذه الآية الهدى والإنعام المشعرة ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بأمرها قاله ابن عباس وغيره ثم اختلف المتأولون فى

قوله سبحانه لكم فيها منافع الآية فقال مجاهد وقتادة اراد ان للناس فى انعامهم منافع من الصوف واللبن والذبح للأكل وغير ذلك مالم يبعثها ربها هديا فاذا بعثها فهو الأجل المسمى وقال عطاء اراد لكم فى الهدى المبعوث منافع من الركوب والإحتلاب لمن اضطروا لأجل نحرها وتكون ثم من قوله ثم محلها الى البيت العتيق لترتيب ابحمل لان المحل قبل الأجل ومعنى الكلام عند هذين الفريقين ثم محلها الى موضع النحر وذكر البيت لأنه اشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره وقال ابن زيد والحسن وابن عمر ومالك الشعائر فى هذه الآية مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا

والمروة والبيت وغير ذلك وفى الآية التى تأتي ان البدن من الشعائر والمنافع التجارة وطلب الرزق  الأجر والمغفرة والأجل المسمى الرجوع الى مكة لطواف الافاضة ومحلها مأخوذ من إحلال المحرم والمعنى ثم اخروا هذا كله الى طواف الافاضة بالبيت العتيق فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه قاله مالك فى الموطإ ت واظهر هذه التاويلات عندى تاويل عطاء وفى الثالث بعض تكلف ثم اخبر تعالى انه جعل لكل امة من الامم المؤمنة منسكا اي موضع نسك وعبادة هذا على ان المنسك ظرف ويحتمل ان يريد به المصدر كأنه قال عبادة والناسك العابد وقال مجاهد سنة فى هراقة دماء الذبائح

وقوله ليذكروا اسم اللّه معناه امرناهم عند ذبائحهم بذكر اللّه وان يكون الذبح له لأنه رازق ذلك

وقوله فله أسلموا اي ءامنوا ويحتمل ان يريد استسلموا ثم امر سبحانه نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان يبشر بشارة على الإطلاق وهى ابلغ من المفسرة لأنها مرسلة مع نهاية التخيل للمخبتين المتواضعين الخاشعين المؤمنين والخبت ما انخفض من الأرض والمخبت المتواضع الذى مشيه متطامن كأنه فى حدور من الأرض وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا قال ع وهذا مثال شريف من خلق المؤمن الهين اللين وقال مجاهد هم المطمئنون بأمر اللّه تعالى ووصفهم سبحانه بالخوف والوجل عند ذكر اللّه تعالى وذلك لقوة يقينهم ومراقبتهم لربهم وكأنهم بين يديه جل وعلا ووصفهم بالصبر وبإقامة الصلاة وإدامتها

وروي أن هذه الآية قوله وبشر المخبتين نزلت في ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم أجمعين

وقوله سبحانه والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه البدن جمع بدنة وهى ما اشعر من ناقة  بقرة قاله عطاء وغيره وسميت بذلك لأنها تبدن اي تسمن

وقيل بل هذا الاسم خاص بالإبل والخير هنا قيل فيه ما قيل

فى المنافع التى تقدم ذكرها والصواب عمومه فى خير الدنيا والآخرة

وقوله عليها يريد عند نحرها وصواف اي مصطفة وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم صوافن جمع صافنة وهي التى رفعت إحدى يديها بالعقل ليلا تضطرب ومنه فى الخيل الصافنات الجياد ووجبت معناه سقطت

وقوله فكلوا منها ندب وكل العلماء يستحب ان يأكل الإنسان من هديه وفيه اجر وامتثال اذ كان اهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم وتحرير القول فى القانع انه السائل والمعتر المتعرض من غير سؤال قاله الحسن ومجاهد وغيرهما وعكست فرقة هذا القول فحكى الطبرى عن ابن عباس انه قال القانع المستغنى بما اعطيته والمعتر هو المتعرض وحكى عنه انه قال القانع المتعفف والمعتر السائل قال ع يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع قنوعا فهو قانع اذا سأل فالقانع هو السائل بفتح النون في الماضى وقنع بكسر النون يقنع قناعة فهو قنع اذا تعفف واستغنى ببلغته قاله الخليل بن احمد

٣٧

وقوله سبحانه لن ينال اللّه لحومها الآية عبارة مبالغة وهى بمعنى لن ترفع عنده سبحانه وتتحصل سبب ثواب والمعنى ولكن تنال الرفعة عنده وتحصل الحسنة لديه بالتقوى

وقوله تعالى لتكبروا اللّه على ما هداكم وبشر المحسنين روى ان قوله وبشر المحسنين نزلت فى الخلفاء الأربعة حسبما تقدم فى التى قبلها وظاهر اللفظ العموم فى كل محسن

٣٨

وقوله سبحانه ان اللّه يدافع عن الذين ءامنوا الآية وقرأ ابو عمرو وابن كثير يدفع ولولا دفع قال ابو على اجريت دافع مجرى دفع كعاقبت اللص وطارقت النعل قال ابو الحسن الأخفش يقولون دافع دافع اللّه عنك ودفع عنك الا ان دفع اكثر فى الكلام قال ع ويحسن يدافع لانه قد عن للمؤمنين من يدفعهم ويوذيهم فيجىء دفعه سبحانه مدافعة عنهم

وروى ان هذه الآية نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة واذاهم الكفار هم بعضهم

ان يقتل من امكنه من الكفار ويغتال ويغدر فنزلت هذه الآية الى قوله كفور ثم اذن اللّه سبحانه فى قتال المؤمنين لمن قاتلهم من الكفار بقوله اذن للذين يقاتلون

وقوله بأنهم ظلموا معناه كان الاذن بسبب أنهم ظلموا قال ابن جريح وهذه الآية اول ما نقضت الموادعة قال ابن عباس وابن جريج نزلت عند هجرة النبى صلى اللّه عليه و سلم الى المدينة وقال ابو بكر الصديق لما سمعتها علمت انه سيكون قتال ت وهذا الحديث خرجه الترمذى قال ابن العربى ومعنى اذن أبيح وقرئى يقاتلون بكسر التاء وفتحها فعلى قراءة الكسر تكون الآية خبرا عن فعل الماذون لهم وعلى قراءة الفتح فالآية خبر عن فعل غيرهم وان الإذن وقع من اجل ذلك لهم ففى فتح التاء بيان سبب القتال وقد كان الكفار يتعمدون النبى صلى اللّه عليه و سلم والمؤمنين بالإذاية ويعاملونهم بالنكاية وقد قتل ابو جهل سمية ام عمار بن ياسر وعذب بلال وبعد ذلك جاء الانتصار بالقتال انتهى ثم وعد سبحانه بالنصر فى قوله وإن اللّه على نصرهم لقدير

٤٠

وقوله سبحانه الذين اخرجوا من ديارهم يريد كل من خرج من مكة وءاذاه اهلها حتى اخرجوه باذايتهم طائفة الى الحبشة وطائفة الى المدينة ونسب الإخراج الى الكفار لأن الكلام فى معرض تقرير الذنب وإلزامه لهم

وقوله الا ان يقولوا ربنا اللّه استثناء منقطع قال ص واجاز ابو اسحاق وغيره ان يكون فى موضع بدلامن حق اي بغير موجب سوى التوحيد الذى ينبغى ان يكون موجب الاقرار لاموجب الاخراج ومثله هل تنقمون منا الا ان آمنا باللّه انتهى وهو حسن من حيث المعنى والانتقاد عليه مزيف

وقوله ولولا دفاع اللّه الناس الآية تقويه للأمر بالقتال وذكر انه متقدم فى الامم وبه صلحت الشرائع فكأنه قال اذن فى القتال فليقاتل المؤمنون ولولا القتال والجهاد لتغلب على الحق

فى كل امة هذا اصوب تأويلات الآية والصومعة موضع العبادة وهى بناء مرتفع منفرد حديد الاعلى والأصمع من الرجال الحديد القول وكانت قبل الاسلام مختصة برهبان النصارى وعباد الصابين قاله قتادة ثم استعملت فى مئذنة المسلمين والبيع كنائس النصارى واحدتها بيعه وقال الطبرى قيل هى كنائس اليهود ثم ادخل عن مجاهد مالا يقتضى ذلك والصلوات مشتركة لكل ملة واستعير الهدم للصلوات من حيث تعطيلها  أراد موضع صلوات وقال ابو العالية الصلوات مساجد الصابين

وقيل غير هذا

وقوله يذكر فيها الضمير عائد على جميع ما تقدم ثم وعد سبحانه بنصره دينه وشرعه وفى ذلك حض على القتال والجد فيه ثم الآية تعم كل من نصر حقا الى يوم القيامة

٤١

وقوله سبحانه الذين ان مكناهم فى الارض اقاموا الصلاة الآية قالت فرقة هذه الآية فى الخلفاء الأربعة والعموم فى هذا كله ابين وبه يتجه الأمر فى جميع الناس وانما الآية ءاخذة عهدا على كل من مكن فى الأرض على قدر ما مكن والآية أمكن ما هى فى الملوك

وقوله سبحانه وللّه عاقبة الأمور توعد للمخالف عن هذا الامور التى تقتضيها الآية لمن مكن

٤٢

وقوله سبحانه وان يكذبوك يعنى قريشا فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط واصحاب مدين وكذب موسى الآية فيها وعيد لقريش وامليت معناه أمهلت والنكير مصدر بمعنى الانكار

وقوله وبير معطلة قيل هو معطوف على العروش

وقيل على القرية وهو اصوب ثم وبخهم تعالى على الغفلة وترك الاعتبار بقوله أفلم يسيروا فى الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وهذه الآية تقتضى ان العقل فى القلب وذلك هو الحق ولا ينكر ان للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ

وقوله فتكون نصب بالفاء فى جواب الاستفهام صرف الفعل من الجزم الى النصب

وقوله سبحانه فإنها لا تعمى الأبصار لفظ مبالغة كأنه قال ليس العمى عمى العين وإنما العمى كل العمى عمى القلب ومعلوم ان الأبصار تعمى ولكن المقصود ما ذكرنا وهذا كقوله صلى اللّه عليه و سلم

ليس الشديد بالصرعة وليس المسكين بهذا الطواف والضمير فى انها للقصة ونحوها من التقدير والضمير فى يستعجلونك لقريش

وقوله ولن يخلف اللّه وعده وعيد وإخبار بان كل شىء الى وقت محدود والوعد هنا مقيد بالعذاب

وقوله سبحانه وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قالت فرقة معناه وان يوما من ايام عذاب اللّه كألف سنة من هذه لطول العذاب وبؤسه فكان المعنى اي من هذه السنين فما اجهل من يستعجل هذا وكرر قوله وكأين لأنه جلب معنى آخر ذكر اولا القرى المهلكة دون املاء بل بعقب التكذيب ثم ثنى سبحانه بالممهلة ليلا يفرح هؤلاء بتأخير العذاب عنهم وباقى الآية بين والرزق الكريم الجنة ومعاجزين معناه مغالبين كأنهم طلبوا عجز صاحب الآيات والآيات تقتضي تعجيزهم فصارت مفاعلة

٥٢

وقوله سبحانه وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الا اذا تمنى القى الشيطان فى امنيته الآية ت قال القاضى ابو الفضل عياض وقد توجهت ها هنا لبعض الطاعنين سؤالات منها ما روى من ان النبى صلى اللّه عليه و سلم لما قرأ سورة والنجم وقال افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى قال تلك الغرانيق العلى وان شفاعتها لترتجى قال عياض اعلم اكرمك اللّه ان لنا فى الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين احدهما فى توهين اصله والثانى على تقدير تسليمه اما المأخذ الاول فيكفيك ان هذا حديث لم يخرجه احد من اهل الصحة ولارواه ثقة بسند متصل سليم وانما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم وصدق القاضى ابو بكر

ابن العلاء المالكى رحمه اللّه تعالى حيث يقول لقد بلي الناس ببعض اهل الأهواء والتفسير ثم قال عياض قال ابو بكر البزار هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم باسناد متصل يجوز ذكره وانما يعرف عن الكلبى قال عياض والكلبى ممن لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما اشار اليه البزار وقد اجمعت الأمة على عصمته صلى اللّه عليه و سلم ونزاهته عن مثل هذا انتهى ونحو هذا لابن عطية قال وهذا الحديث الذى فيه هن الغرانقة وقع فى كتب التفسير ونحوها ولم يدخله البخارى ولا مسلم ولا ذكره فى علمى مصنف مشهور بل يقتضى مذهب اهل الحديث ان الشيطان القى ولا يعينون هذا السبب ولا غيره قال ع وحدثنى ابى رحمه اللّه تعالى انه لقى بالمشرق من شيوخ العلماء والمتكلمين من قال هذا لا يجوز على النبى صلى اللّه عليه و سلم وهو المعصوم فى التبليغ وانما الأمر يعنى على تقدير صحته ان الشيطان نطق بلفظ اسمعه الكفار عند قول النبى صلى اللّه عليه و سلم

افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وقرب صوته من صوت النبى صلى اللّه عليه و سلم حتى التبس الأمر على المشركين وقالوا محمد قرأها هذا على تقدير صحته وقد روى نحو هذا التأويل عن الإمام ابى المعالى ت قال عياض وقد اعاذنا اللّه من صحته وقد حكى محمد بن عقبة فى مغازيه نحو هذا وقال ان المسلمين لم يسمعوها وانما القى الشيطان ذلك فى اسماع المشركين ومعنى

قوله تعالى تمنى اي تلا ومنه

قوله تعالى لا يعلمون الكتاب الا امانى اي تلاوة فينسخ اللّه ما يلقى الشيطان اي يذهبه ويزيل اللبس به ويحكم ءاياته وعبارة البخارى وقال ابن عباس اذا تمنى القى الشيطان فى امنيته اي اذا حدث القى الشيطان فى حديثه فيبطل اللّه ما يلقى الشيطان ويحكم ءاياته ويقال امنيته قراءته انتهى قال عياض

وقيل معنى الآية هو ما يقع للنبى صلى

اللّه عليه وسلم من السهو اذا قرأ فيتنبه لذلك ويرجع عنه انتهى

٥٣

وقوله سبحانه ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة الفتنة الامتحان والاختبار والذين فى قلوبهم مرض عامة الكفار والقاسية قلوبهم خواص منهم عتاة كأبى جهل وغيره والشقاق البعد عن الخير والكون فى شق غير شق الصلاح والذين اوتو العلم هم اصحاب نبينا صلى اللّه عليه وسلم والضمير فى انه عائد على القرءان فتخبت له قلوبهم معناه تتطامن وتخضع وهو ماخوذ من الخبت وهو المطمئن من الارض كما تقدم ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه اي من القرءان والمرية الشك حتى تأتيهم الساعة يعنى يوم القيامة  يأتيهم عذاب يوم عقيم قيل يوم بدر

وقيل الساعة ساعة موتهم واليوم العقيم يوم القيامة

٥٨

وقوله سبحانه والذين هاجروا فى سبيل اللّه ثم قتلوا  ماتوا الآية ابتداء معنى آخر وذلك انه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الاسد قال بعض الناس من قتل من المهاجرين افضل ممن مات حتف انفه فنزلت هذه الآية مسوية بينهم فى ان اللّه تعالى يرزق جميعهم رزقا حسنا وليس هذا بقاض بتساويهم فى الفضل وظاهر الشريعة ان المقتول افضل وقد قال بعض الناس المقتول والميت فى سبيل اللّه شهيدان ولكن للمقتول مزية ما اصابه فى ذات اللّه والرزق الحسن يحتمل ان يريد به رزق الشهداء عند ربهم فى البرزخ ويحتمل ان يريد بعد يوم القيامة فى الجنة وقرأت فرقة مدخلا بضم الميم من ادخل فهو محمول على الفعل المذكور وقرأت فرقة مدخلا بفتح الميم من دخل فهومحمول على فعل مقدر تقديره فيدخلون مدخلا ثم اخبر سبحانه عمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة ووعد المبغى عليه بانه ينصره وذلك ان هذه الآية نزلت فى قوم من المومنين لقيهم كفار فى الاشهر الحرم فابى المؤمنين من قتالهم وابى المشركون الا القتال فلما اقتتلوا جد المومنين ونصرهم اللّه تعالى فنزلت

الآية فيهم وجعل تقصير الليل وزيادة النهار وعكسهما ايلاجا تجوزا وتشبيها وباقى الآية بين

٦٣

وقوله سبحانه ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ان اللّه لطيف خبير له ما فى السموات وما فى الارض وان اللّه لهو الغنى الحميد قوله فتصبح عبارة عن استعجالها اثر نزول الماء

وروى عن عكرمة انه قال هذا لا يكون الا بمكة وتهامة قال ع ومعنى هذا انه اخذ قوله فتصبح مقصودا به صباح ليلة المطر وذهب الى ان ذلك الاخضرار فى سائر البلاد يتأخر قال ع وقد شاهدت هذا فى السوس الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط واصبحت تلك الارض الرملة التى تسفيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق ت وقد شاهدت انا ذلك بصحراء سواكن بالمشرق وهى فى حكم مكة الا ان البحر قد حال بينهما وذلك ان التعدية من جدة الى سواكن مقدار يومين فى البحر  اقل بالريح المعتدلة وكان ذللك فى اول الخريف واجرى اللّه العادة ان امطار تلك البلاد تكون بالخريف فقط هذا هو الغالب ولما شاهدت ذلك تذكرت هذه الآية الكريمة فسبحان اللّه ما اعظم قدرته واللطيف المحكم للأمور برفق

٦٥

وقوله سبحانه الم تر ان اللّه سخر لكم ما فى الارض والفلك تجرى فى البحر بامره اي سخر لنا سبحانه ما فى الارض من الحيوان والمعادن وسائر المرافق وباقى الآية بين مما ذكر فى غير هذا الموضع

٦٧

وقوله سبحانه لكل امة جعلنا منسكا الآية المنسك المصدر فهو بمعنى العبادة والشرعة وهو ايضا موضع النسك

وقوله هم ناسكوه يعطى ان المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه

٦٨

وقوله سبحانه وإن جادلوك الآية موادعة محضة نسختها ءاية السيف وباقى الآية وعيد

٧٠

وقوله سبحانه إن ذلك فى كتاب يعنى اللوح المحفوظ

وقوله إن ذلك على اللّه يسير يحتمل أن تكون الإشارة الى الحكم فى الاختلاف

٧٢

وقوله سبحانه واذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر يعنى ان كفار قريش كانوا اذا تلى عليهم القرءان وسمعوا ما فيه من رفض ءالهتهم والدعاء الى التوحيد عرفت المساءة فى وجوههم والمنكرمن معتقدهم وعداوتهم وانهم يريدون ويتسرعون الى السطوة بالتالين والسطو ايقاع ببطش ثم امر تعالى نبيه عليه السلام ان يقول لهم على جهة الوعيد والتقريع افأنبئكم اي اخبركم بشر من ذلكم والإشارة بذلكم الى السطو ثم ابتدأ بخبر كأن قائلا قال له وما هو قال النار اي نار جهنم

وقوله وعدها اللّه الذين كفروا يحتمل ان يكون اراد ان اللّه وعدهم بالنار فيكون الوعد فى الشر ويحتمل انه اراد ان اللّه سبحانه وعد النار بأن يطعمها الكفار فيكون الوعد على بابه اذ الذى يقتضى قولها هل من مزيد ونحو ذلك ان ذلك من مسارها ت والظاهر الأول

وقوله سبحانه وان يسلبهم الذباب شيأ لا يستنقذوه منه الآية ذكر تعالى امر سلب الذباب وذلك انهم كانوا يضمخون اوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يتسلط ويذهب بذلك الطيب وكانوا يتألمون من ذلك فجعلت مثلا

واختلف المتأولون فى

قوله تعالى ضعف الطالب والمطلوب فقالت فرقة اراد بالطالب الاصنام وبالمطلوب الذباب اي انهم ينبغى ان يكونوا طالبين لما يسلب من طيبهم على معهود الأنفة فى الحيوان

وقيل معناه ضعف الكفار فى طلبهم الصواب والفضيلة من جهة الأصنام وضعف الأصنام فى اعطاء ذلك وانالته قال ع ويحتمل ان يريد ضعف الطالب وهو الذباب فى استلابه ما على الأصنام وضعف الأصنام فى ان لامنعه لهم وبالجملة فدلتهم الآية على ان الاصنام فى احط رتبة واخس منزلة لو كانوا يعقلون وما قدروا اللّه حق قدره المعنى ما وفوه حقه سبحانه من التعظيم والتوحيد

٧٥

وقوله سبحانه اللّه يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس الآية نزلت بسبب

قول الوليد بن المغيرة انزل عليه الذكر من بيننا ص ابو البقاء ومن الناس اي رسلا انتهى ثم امر سبحانه بعبادته وخص الركوع والسجود بالذكر تشريفا للصلاة

واختلف الناس هل فىهذه الآية سجدة ام لا قال ابن العربى فى احكامه

٧٧

قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا تقبلها قوم على انها سجدة تلاوة فسجدوها وقال ءاخرون هو سجود الصلاة فقصروه عليه ورأى عمر وابنه عبد اللّه رضى اللّه عنهما انها سجدة تلاوة وانى لأسجدها واراها كذلك لما روى ابن وهب وغيره عن مالك وغيره انتهى

وقوله سبحانه وافعلوا الخير ندب فيما عدا الواجبات ت وهذه الآية الكريمة عامة فى انواع الخيرات ومن اعظمها الرأفة والشفقة على خلق اللّه ومواساة الفقراء واهل الحاجة وقد روى أبو داود والترمذى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال

ايما مسلم كسا مسلما ثوبا على عرى كساه اللّه من خضر الجنة وايما مسلم اطعم مسلما على جوع اطعمه اللّه من ثمار الجنة وايما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه اللّه من الرحيق المختوم انتهى

وروى علي بن عبد العزيز البغوى فى المسند المنتخب عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ايما مسلم كسا مسلما ثوبا كان فى حفظ اللّه ما بقيت عليه منه رقعة

وروى ابن ابى شيبة فى مسنده عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ايما اهل عرصة ظل فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة اللّه انتهى من الكوكب الدرى

٧٨

وقوله سبحانه وجاهدوا فى اللّه حق جهاده قالت فرقة الآية فى قتال الكفار وقالت بل هى اعم من هذا وهو جهاد النفس وجهاد الكفار والظلمة وغير ذلك امر اللّه عباده بأن يفعلوا ذلك فى ذات اللّه حق فعله قال ع والعموم ااحسن وبين ان عرف اللفظة يقتضى القتال فى سبيل اللّه

وقوله هو اجتباكم اي تخيركم وما جعل عليكم فى الدين من حرج اي من تضييق وذلك ان الملة حنيفية سمحة ليست

كشدائد بنى اسراءيل وغيرهم بل فيها التوبة والكفارات والرخص ونحو هذا مما يكثر عده ورفع الحرج عن هذه الأمة لمن استقام منهم على منهاج الشرع واما السلابة والسراق واصحاب الحدود فهم ادخلوا الحرج على انفسهم بمفارقتهم الدين وليس فى الدين اشد من الزام رجل لاثنين فى سبيل اللّه ومع صحة اليقين وجودة العزم ليس بحرج وملة نصب بفعل مضمر من افعال الإغراء

وقوله هو سماكم قال ابن زيد الضمير لابراهيم والإشارة الى قوله ومن ذريتنا امة مسلمة لك وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد الضمير للّه عز و جل ومن قبل معناه فى الكتب القديمة وفى هذا اي فى القرءان وهذه اللفظة تضعف قول من قال الضمير لابراهيم عليه السلام ولا يتوجه الا على تقدير محذوف من الكلام مستأنف قال ص هو قيل يعود على اللّه تعالى

وقيل على ابراهيم وعلى هذا فيكون وفى هذا القرءان اي وسميتم بسببه فيه انتهى

وقوله سبحانه ليكون الرسول شهيدا عليكم اي بالتبليغ

وقوله وتكونوا شهداء على الناس اي بتبليغ رسلهم اليهم على ما اخبركم نبيكم ثم امر سبحانه بالصلاة المفروضة ان تقام ويدام عليها بجميع حدودها وبالزكاة ان تؤدى ثم امر سبحانه بالاعتصام به اي بالتعلق به والخلوص له وطلب النجاة منه ورفض التوكل على سواه

وقوله سبحانه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير المولى فى هذه الآية معناه الذى يليكم نصره وحفظه وباقى الآية بين

﴿ ٠