سورة المؤمنين

وهى مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله سبحانه قد افلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون اخبر اللّه سبحانه عن فلاح المؤمنين وانهم نالوا البغية واحرزوا البقاء الدائم ت وعن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذا نزل عليه الوحى يسمع عند وجهه صلى اللّه عليه و سلم دوى كدوى النحل فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة وسرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال

اللّهم زدنا ولا تنقصنا واكرمنا ولا تهنا واعطنا ولا تحرمنا وءاثرنا ولا تؤثر علينا وارضنا وارض عنا ثم قال انزلت على عشر ءايات من اقامهن دخل الجنة ثم قرأ قد افلح المؤمنون حتى ختم عشر ءايات رواه الترمذى واللفظ له والنساءى والحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى من سلاح المؤمن ت وقد نص بعض ائمتنا على وجوب الخشوع فى الصلاة قال الغزالى رحمه اللّه ومن مكائد الشيطان ان يشغلك فى الصلاة بفكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات لتمتنع عن فهم ما تقرأة واعلم ان كل ما اشغلك عن معانى قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها انتهى من الأحياء

وروى عن مجاهد ان اللّه تعالى لما خلق الجنة واتقن حسنها قال قد افلح المؤمنون ثم وصف تعالى هؤلاء المفلحين فقال الذين هم فى صلاتهم خاشعون والخشوع التطامن وسكون الاعضاء والوقار وهذا انما يظهر فى الأعضاء ممن فى قلبه

خوف واستكانه لأنه اذا خشع قلبه خشعت جوارحه

وروى ان سبب الآية ان المسلمين كانوا يلتفتون فى صلاتهم يمنة ويسرة فنزلت هذه الآية وأمروا ان يكون بصر المصلى حذاء قبلته  بين يديه وفى الحرم الى الكعبة واللغو سقط القول وهذا يعم جميع ما لا خير فيه ويجمع ءاداب الشرع وكذلك كان النبى صلى اللّه عليه و سلم واصحابه اي يعرضون عن اللغو وكأن الآية فيها موادعة

والذين هم للزكوة فاعلون ذهب الطبرى وغيره الى انها الزكاة المفروضة فى الأموال وهذا بين ويحتمل اللفظ ان يريد بالزكاة الفضائل كأنه اراد الأزكى من كل فعل كما

قال تعالى خير منه زكاة واقرب رحما

٥

وقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الى قوله العادون يقتضى تحريم الزنا والاستمناء ومواقعة البهائم وكل ذلك داخل فى قوله وراء ذلك ويريد وراء هذا الحد الذى حد والعادى الظالم والأمانة والعهد يجمع كل ما تحمله الانسان من امر دينه ودنياه قولا وفعلا وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك ورعاية ذلك حفظه والقيام به والأمانة اعم من العهد اذ كل عهد فهو امانة وقرأ الجمهور صلوتهم وقرأ حمزة والكساءى صلاتهم بالافراد والوارثون يريد الجنة وفى حديث ابى هريرة عن النبى صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تعالى جعل لكل انسان مسكنا فى الجنة ومسكنا فى النار فاما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويحصل الكفار فى منازلهم فى النار ت وخرجه ابن ماجه ايضا بمعناه عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما منكم الا من له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فإذا مات يعنى الانسان ودخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك

قوله تعالى اولئك هم الوارثون قال القرطبى فى التذكرة اسناده صحيح انتهى من التذكرة قال ع ويحتمل ان يسمى اللّه تعالى حصولهم فى الجنة وراثة من حيث حصلوها دون غيرهم وفى الحديث عنه صلى اللّه عليه

وسلم انه قال ان اللّه احاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غراسها بيده وقال لها تكلمى فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزل الملوك خرجه البغوى فى المسند المنتخب له انتهى من الكوكب الدرى

١٢

وقوله سبحانه ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الآية اختلف فى قوله الانسان فقال قتادة وغيره اراد ءادم عليه السلام لانه استل من الطين وقال ابن عباس وغيره المراد ابن ءادم والقرار المكين من المرأة هو موضع الولد والمكين المتمكن والعلقة الدم الغليظ والمضغة بضعة اللحم قدر ما يمضغ

واختلف فى الخلق الآخر فقال ابن عباس وغيره هو نفخ الروح فيه وقال ابن عباس ايضا هو خروجه الى الدنيا وقال ايضا تصرفه فى امور الدنيا

وقيل هو نبات شعره قال ع وهذا التخصيص كله لاوجه له وانما هو عام فى هذا وغيره من وجوه النطق والادراك وحسن المحاولة وتبارك مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة

وقوله احسن الخالقين معناه الصانعين يقال لمن صنع شيأ خلقه وذهب بعض الناس الى نفى هذه اللفظة عن الناس فقال ابن جريج انما قال الخالقين لأنه تعالى اذن لعيسى فى ان يخلق واضطرب بعضهم فى ذلك قال ع ولا تنفى اللفظة عن البشر فى معنى الصنع وانما هى منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم

١٥

وقوله سبحانه ثم انكم بعد ذلك لميتون اي بعد هذه الاحوال المذكورة ويريد بالسبع الطرائق السموات والطرائق كل ما كان طبقات بعضه فوق بعض ومنه طارقت نعلى ويجوز ان تكون الطرائق بمعنى المبسوطات من طرقت الشىء ت

١٨

وقوله تعالى وانزلنا من السماء ماء بقدر الآية ظاهر الآية انه ماء المطر واسند ابو بكر ابن لخطيب فى اول تاريخ بغداد عن ابن عباس عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال انزل اللّه من الجنة الى الارض خمسة انهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر انزلها اللّه تعالى

من عين واحدة من عيون الجنة من اسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل فاستودعها الجبال واجراها فى الأرض وجعل فيها منافع للناس فى اصناف معايشهم فذلك

قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الارض فاذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل اللّه تعالى جبريل فرفع من الأرض القرءان والعلم كله والحج من ركن البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك كله الى السماء فذلك

قوله تعالى وانا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد اهلها خير الدين والدنيا وفى رواية خير الدنيا والآخرة انتهى فان صح هذا الحديث فلا نظر لأحد معه ونقل ابن العربى فى احكامه هذا الحديث ايضا عن ابن عباس وغيره ثم قال فى ءاخره وهذا جائز فى القدرة ان صحت به الرواية انتهى قال ع

قوله تعالى ماء بقدر قال بعض العلماء اراد المطر وقال بعضهم انما اراد الأنهار الأربعة سيحان وجيحان والفرات والنيل قال ع والصواب ان هذا كله داخل تحت الماء الذى انزله اللّه تعالى

وقوله تعالى لكم فيها فواكه كثيرة يحتمل ان يعود الضمير على الجنات فيشمل انواع الفواكه ويحتمل ان يعود على النخيل والأعناب خاصة اذ فيهما مراتب وانواع والأول اعم لسائر الثمرات

٢٠

وقوله سبحانه وشجرة عطف على قوله جنات ويريد بها الزيتونة وهى كثيرة في طور سيناء من ارض الشام وهو الجبل الذى كلم فيه موسى عليه السلام قاله ابن عباس وغيره والطور الجبل فى كلام العرب

واختلف فى سيناء فقال قتادة معناه الحسن وقال الجمهور هو اسم الجبل كما تقول جبل احد وقرأ الجمهور تنبت بفتح التاء وضم الباء فالتقدير تنبت ومعها الدهن كما تقول خرج زيد بسلاحه وقرأ ابن كثير وابو عمرو تنبت بضم التاء وكسر الباء

واختلف فى التقدير على هذه القراءة فقالت فرقة الباء زائدة

كما فى

قوله تعالى ولا تلقوا بأيدكم الى التهلكة

وقالت فرقة التقدير تنبت جناها ومعه الدهن فالمفعول محذوف

وقيل نبت وانبت بمعنى فيكون المعنى كما مضى فى قراءة الجمهور والمراد بالآية تعيد ! النعم على الانسان وباقى الآية بين

٢٣

وقوله سبحانه ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال يا قوم اعبدوا اللّه مالكم من اله غيره افلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم الآية هذا ابتداء تمثيل لكفار قريش بامم كفرت بانبيائها فاهلكوا وفى ضمن ذلك الوعيد بان يحل بهؤلاء نحو ما حل بأولائك والملأ الأشراف والجنة الجنون وحتى حين معناه الى وقت يريحكم القدر منه ثم ان نوحا عليه السلام دعا على قومه حين يئس منهم وان كان دعاؤه فى هذه الآية ليس بنص وانما هو ظاهر من قوله بما كذبون فهذا يقتضى طلب العقوبة واما النصرة بمجردها فكانت تكون بردهم الى الايمان

٢٧

وقوله عز و جل فاوحينا اليه ان اصنع الفلك باعيننا ووحينا فإذا جاء امرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا انهم مغرقون فإذا استويت انت ومن معك على الفلك الحمد للّه قوله بأعيننا عبارة عن الادراك هذا مذهب الحذاق ووقفت الشريعة على اعين وعين ولا يجوز ان يقال عينان من حيث لم توقف الشريعة على التثنية ووحينا معناه فى كيفية العمل ووجه البيان لجميع حكم السفينة وما يحتاج اليه وامرنا يحتمل ان يكون واحد الأوامر ويحتمل ان يريد واحد الأمور والصحيح من الأقوال فى التنور انه تنور الخبز وانها إمارة كانت بين اللّه تعالى وبين نوح عليه السلام

وقوله فاسلك معناه فادخل يقال سلك واسلك بمعنى وقرأ حفص عن عاصم من كل بالتنوين والباقون بغير تنوين والزوجان كل ما شأنه الاصطحاب من كل شىء نحوالذكر والانثى من الحيوان ونحو النعال

وغيرها هذا موقع اللفظة فى اللغة

وقوله وأهلك يريد قرابته ثم استثنى من سبق عليه القول بأنه كافر وهو ابنه وامرأته ثم أمر نوح ان لا يراجع ربه ولا يخاطبه شافعا فى احد من الظالمين ثم امر بالدعاء فى بركة المنزل

٣٠

وقوله سبحانه ان فى ذلك لآيات خطاب لنبينا صلى اللّه عليه وسلم ثم اخبر سبحانه انه يبتلى عباده الزمن بعد الزمن على جهة الوعيد لكفار قريش بهذا الأخبار واللام فى لمبتلين لام تأكيد ومبتلين معناه مصيبين ببلاء ومختبرين اختبارا يؤدى الى ذلك

٣١

وقوله سبحانه ثم انشانا من بعدهم قرنا آخرين قال الطبرى رحمه اللّه ان هذا القرن هم ثمود قوم صالح قال ع وفى جل الروايات ما يقتضى ان قوم عاد اقدم الا انهم لم يهلكوا بصيحة ت وهو ظاهر ترتيب قصص القرءان ان عادا اقدم واترفناهم معناه نعمناهم وبسطنا لهم الأموال والارزاق وقولهم ايعدكم استفهام على جهة الاستبعاد وانكم الثانية بدل من الاولى عند سيبويه وقولهم هيهات هيهات استبعاد وهيهات احيانا تلى الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد اي بعد ذلك ومنه قول جرير ... فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصله ...

أحيانا يكون الفاعل محذوفا وذلك عند وجود اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود لما توعدن قال ص ورد بأن فيه حذف الفاعل وحذف المصدر وهو الوجود وذلك غير جائز عند البصريين وذكر ابو البقاء ان اللام زائدة ما فاعل أي بعد ما توعدون قال أبو حيان وهذا تفسير معنى لا اعراب لأنه لم تثبت مصدرية هيهات انتهى وقولهم ان هى الا حياتنا الدنيا ارادوا انه لا وجود لنا غير هذا الوجود وانما تموت منا طائفة فتذهب وتجىء طائفة جديدة وهذا هو كفر الدهرية

وقوله قال عما قليل ليصبحن نادمين المعنى قال اللّه لهذا النبى الداعي عما قليل يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم ومن ذكر الصيحة ذهب الطبرى

الى انهم قوم ثمود

وقوله بالحق اي بما استحقوا بافعالهم وبما حق منا فى عقوبتهم والغثاء ما يحمله السيل من زبده الذى لا ينتفع به فيشه كل هامد وتالف بذلك قال ابو حيان وبعدا منصوب بفعل محذوف اي بعدوا بعدا اي هلكوا انتهى ثم اخبر سبحانه انه انشأ بعد هؤلاء امما كثيرة كل امة باجل وفى كتاب لا تتعداه فى وجودها وعند موتها وتترى مصدر من تواتر الشىء

وقوله سبحانه فاتبعنا بعضهم بعضا اي فى الإهلاك

وقوله تعالى وجعلناهم احاديث يريد احاديث مثل وقلما يستعل الجعل حديثا الا فى الشر وعالين معناه قاصدين للعلو بالظلم وقولهم وقومهما لنا عأبدون معناه خادمون متذللون والطريق المعد المذلل ومن المهلكين يريد بالغرق

٤٩

وقوله سبحانه ولقد آتينا موسى الكتاب يعنى التوراة ولعلهم يريد بنى اسراءيل لأن التوراة انما نزلت بعد هلاك فرعون والقبط والربوة المرتفع من الأرض والقرار التمكن وبين ان ماء هذه الربوة يرى معينا جاريا على وجه الأرض قاله ابن عباس والمعين الظاهر الجرى للعين فالميم زائدة وهو الذى يعاين جريه لا كالبير ونحوه ويحتمل ان يكون من قولهم معن الماء اذا كثر وهذه الربوة هى الموضع الذى فرت اليه مريم وقت وضع عيسى عليه السلام هذا قول بعض المفسرين

واختلف الناس فى موضع الربوة فقال ابن المسيب هى الغوطة بدمشق وهذا اشهر الأقوال لأن صفة الغوطة انها ذات قرار ومعين على الكمال وقال كعب الاحبار الربوة بيت المقدس وزعم ان فى التوراة ان بيت المقدس اقرب الأرض الى السماء وانه يزيد على الأرض ثمانية عشر ميلا قال ع ويترجح ان الربوة فى بيت لحم من بيت المقدس لأن ولادة عيسى هنالك كانت وحينئذ كان الإيواء وقال ابن العربى فى احكامه اختلف الناس فى تعيين هذه الربوة على اقوال منها ما تفسر لغة ومنها ما تفسر نقلا فيفتقر الى صحة سنده الى النبى صلى اللّه عليه و سلم الا

ان ها هنا نكتة وذلك انه اذا نقل الناس نقل تواتر ان هذا موضع كذا إن هذا الأمر جرى كذا وقع العلم به ولزم قبوله لان الخبر المتواتر ليس من شرطه الإيمان وخبر الآحاد لابد من كونه المخبر به بصفة الإيمان لأنه بمنزلة الشاهد والخبر المتواتر بمنزلة العيان وقد بينا ذلك فى اصول الفقه والذى شاهدت عليه الناس ورأيتهم يعينونه تعيين تواتر موضع فى سفح الجبل فى غربى دمشق انتهى وما ذكره من ان التواتر ليس من شرطه الإيمان هذا هو الصحيح وفيه خلاف الا انا لا نسلم ان هذا متواتر لاختلال شرطه انظر المنتهى لابن الحاجب

٥١

وقوله سبحانه يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم يحتمل ان يكون معناه وقلنا يا ايها الرسل

وقالت فرقة الخطاب بقوله يا ايها الرسل للنبى صلى اللّه عليه و سلم قال ع والوجه فى هذا ان يكون الخطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم وخرج بهذه الصيغة ليفهم وجيزا ان المقالة قد خوطب بها كل نبى أوهى طريقتهم التى ينبغى لهم الكون عليها كما تقول لعالم يا علماء انكم ائمة يقتدى بكم فتمسكوا بعلمكم وقال الطبرى الخطاب لعيسى ت والصحيح فى تاويل الآية انه أمر للمرسلين كما هو نص صريح فى الحديث الصحيح فلا معنى للتردد فى ذلك وقد روى مسلم والترمذى عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ان اللّه طيب ولا يقبل الا طيبا وان اللّه امر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم وقال يا ايها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك اه

وقوله تعالى وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون وهذه

الآية تقوى ان

قوله تعالى يا ايها الرسل انما هو مخاطبة لجميعهم وانه بتقدير حضورهم واذا قدرت يا ايها الرسل مخاطبة للنبى صلى اللّه عليه و سلم قلق اتصال هذه واتصال قوله فتقطعوا ومعنى الامة هنا الملة والشريعة والاشارة بهذه الى الحنيفية السمحة ملة ابراهيم عليه السلام وهو دين الاسلام

٥٣

وقوله سبحانه فتقطعوا يريد الأمم اي افترقوا وليس بفعل مطاوع كما تقول تقطع الثوب بل هو فعل متعد بمعنى قطعوا وقرأ نافع زبرا جمع زبور وهذه القراءة تحتمل معنيين احدهما ان الامم تنازعت كتبا منزلة فانبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الانجيل ثم حرف الكل وبدل وهذا قول قتادة والثانى انهم تنازعوا امرهم كتبا وضعوها وضلالة الفوها قاله ابن زيد وقرأ ابو عمروبخلاف زبرا بضم الزاى وفتح الباء ومعناها فرقا كزبر الحديد ومن حيث كان ذكر الأمم فى هذه الآية مثالا لقريش خاطب اللّه سبحانه نبيه صلى اللّه عليه وسلم فى شأنهم متصلا بقوله فذرهم اي فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم والغمرة ما عمهم من ضلالهم وفعل بهم فعل الماء الغمر بما حصل فيه والخيرات هنا نعم الدنيا

٦٠

وقوله سبحانه والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة الآية اسند الطبرى عن عائشة انها قالت قلت يا رسول اللّه

قوله تعالى يوتون ماءاتوا اهى فى الذى يزنى ويسرق قال لا يابنت ابى بكر بل هى فى الرجل يصوم ويتصدق وقلبه وجل يخاف ان لا يتقبل منه قال ع ولا نظر مع الحديث والوجل نحو الاشفاق والخوف وصورة هذا الوجل اما المخلط فينبغى ان يكون ابدا تحت خوف من ان يكون ينفذ عليه الوعيد بتخليطه واما التقى  التائب فخوفه امر الخاتمة وما يطلع عليه بعد الموت وفى

قوله تعالى انهم الى ربهم راجعون تنبيه على الخاتمة وقال الحسن معناه الذين يفعلون ما يفعلون من البر ويخافون ان لا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم وهذه عبارة حسنة

 

وروى عن الحسن ايضا انه قال المومن يجمع احسانا وشفقه والمنافق يجمع اساءة وامنا ت ولهذا الخطب العظيم اطال الأولياء فى هذه الدار حزنهم واجروا على الوجنات مدامعهم قال ابن المبارك فى رقائق اخبرنا سفيان قال انما الحزن على قدر البصيرة قال ابن المبارك واخبرنا مالك بن مغول عن رجل عن الحسن قال ما عبد اللّه بمثل طول الحزن وقال ابن المبارك ايضا اخبرنا مسعر عن عبد الأعلى التيمى قال ان من اوتى من العلم مالا يبكيه لخليق ان لا يكون اوتى علما ينفعه لأن اللّه تعالى نعت العلماء فقال ان الذين اوتو العلم من قبله اذا يتلى عليهم الى قوله ويخرون للاذقان يبكون انتهى

٦١

وقوله سبحانه اولائك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون اي اليها سابقون وهذا قول بعضهم فى قوله لها

وقالت فرقة معناه وهم من اجلها سابقون وقال الطبرى عن ابن عباس المعنى سبقت لهم السعادة فى الأزل فهم لها ورجحه الطبرى بأن اللام متمكنه فى المعنى

وقوله سبحانه ولدينا كتاب ينطق بالحق اظهر ما قيل فيه انه اراد كتاب احصاء الأعمال الذى ترفعه الملائكة

وقيل الاشارة الى القرءان والاول اظهر

٦٣

وقوله سبحانه بل قلوبهم فى غمرة من هذا اختلف فى الإشارة بقوله من هذا هل هى الى القرءان  الى كتاب الإحصاء  الى الدين بجملته  الى النبى صلى اللّه عليه و سلم ولهم اعمال اي من الفساد هم لها عاملون فى الحال والاستقبال والمترف المنعم فى الدنيا الذى هو منها فى سرف ويجرون معناه يستغيثون بصياح كصياح البقر وكثر استعال الجواز فى البشر ومنه قول الأعشى ... يراوح من صلوات المليك ... طورا سجودا وطورا جؤارا ...

وقال ص جأر الرجل الى اللّه تعالى اي تضرع قاله الحوفى انتهى وذهب مجاهد وغيره الى ان هذا العذاب المذكور هو الوعيد بيوم بدر

وقيل غير هذا

وقوله سبحانه لا تجئروا اليوم اي يقال لهم يوم العذاب لا تجئروا اليوم

وقوله قد كانت آياتى تتلى عليكم يعنى القرءان وتنكصون معناه ترجعون وراءكم وهذه استعارة للإعراض والإدبار عن الحق ومستكبرين حال والضمير فى به عائد على الحرم والمسجد وان لم يتقدم له ذكر لشهرته والمعنى انكم تعتقدون فى نفوسكم ان لكم بالمسجد الحرام اعظم الحقوق على الناس والمنزلة عند اللّه فانتم تستكبرون لذلك وليس الاستكبار من الحق

وقالت فرقة الضمير عائد على القرءان المعنى يحدث لكم سماع ءاياتى كبرا وطغيانا وهذا قول جيد وذكر منذر ابن سعيد ان الضمير للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو متعلق بما بعده كأن الكلام تم في قوله مستكبرين ثم قال بصلى اللّه عليه وسلم وهو متعلق بما بعده كأن الكلام تم فى قوله مستكبرين ثم قال بمحمد عليه السلام سامرا تهجرون وسامرا حال وهو مفرد بمعنى الجمع يقال قوم سمر وسمر وسامر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الأشخاص من ضوء القمر وكانت العرب تجلس للسمر تتحدث وهذا اوجب معرفتها بالنجوم لأنها تجلس فى الصحراء فترى الطوالع من الغوارب وقرأ ابو رجاء سمارا وقرأ ابن عباس وغيره سمرا وكانت قريش تسمر حول الكعبة فى اباطليها وكفرها وقرأ السبعة غير نافع تهجرون بفتح التاء وضم الجيم قال ابن عباس معناه تهجرون الحق وذكر اللّه وتقطعونه من الهجران المعروف وقال ابن زيد هو من هجر المريض اذا هذى اي تقولون اللغو من القول وقاله ابو حاتم وقرأ نافع وحده تهجرون بضم التاء وكسر الجيم وهى قراءة اهل المدينة ومعناه تقولون الفحش والهجر من القول وهذه اشارة الى سبهم النبى صلى اللّه عليه و سلم واصحابه قاله ابن عباس ايضا وغيره ثم وبخهم سبحانه بقوله افلم يدبروا القول لأنهم بعد التدبير والنظر الفاسد قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وغير ذلك ام جاءهم ما لم يات ءاباءهم الأولين اي ليس ببدع بل قد جاء آباءهم الأولين وهم سالف الامم الرسل كنوح وابراهيم واسماعيل وغيرهم وفى هذا التأويل من التجوز ان جعل سالف المم ءاباء اذ الناس فى الجملة ءاخرهم من اولهم

ام لم يعرفوا رسولهم المعنى الم يعرفوا صدقه وامانته مدة عمره صلى اللّه عليه و سلم

٧١

وقوله سبحانه ولو اتبع الحق اهواءهم قال ابن جريج وابو صالح الحق اللّه تعالى قال ع وهذا ليس من نمط الآية وقال غيرهما الحق هنا الصواب والمستقيم قال ع وهذا هو الأحرى ويستقيم على فساد السموات والأرض ومن فيهن لو كان بحكم هوى هؤلاء وذلك انهم جعلوا للّه شركاء واولادا ولو كان هذا حقا لم تكن للّه عز و جل الصفات العلية ولو لم تكن له سبحانه لم تكن الصنعة ولا القدرة كما هى وكان ذلك فساد السموات والارض ومن فيهن لو كان فيهما ءالهة الا اللّه لفسدتا

وقوله سبحانه بل اتيناهم بذكرهم قال ابن عباس بوعظهم ويحتمل بشرفهم وهو مروى ام تسئلهم خرجا الخرج والخراج بمعنى وهو المال الذى يجبى ويؤتى به لأوقات محدودة

وقوله سبحانه فخراج ربك خير يريد ثوابه ويحمل ان يريد بخراج ربك رزقه ويؤيده قوله وهو خير الرازقين والصراط المستقيم دين الاسلام وناكبون اي مجادلون ومعرضون وقال البخارى لناكبون لعادلون انتهى قال ابو حيان يقال نكب عن الطريق ونكب بالتشديد اي عدل عنه انتهى ثم اخبر تعالى عنهم انهم لو زال عنهم القحط ومن اللّه عليهم بالخصب ورحمهم بذلك لبقوا على كفرهم ولجوا فى طغيانهم وهذه الآية نزلت فى المدة التى اصاب فيها قريشا السنون الجدبة والجوع الذى دعا به النبى صلى اللّه عليه و سلم فى قوله

اللّهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف الحديث ولقد اخذناهم بالعذاب قال ابن عباس وغيره هو الجوع والجدب حتى اكلوا الجلود وما جرى مجراها

وروى انهم لما بلغهم الجهد ركب ابو سفيان وجاء الى النبى صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة فقال يا محمد الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى قال قد قتلت الآباء بالسيف والابناء بالجوع وقد اكلنا العلهز فنزلت الآية واستكانوا معناه تواضعوا وانخفضوا

٧٧

وقوله سبحانه حتى اذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد الآية

توعد بعذاب غير معين وهذا هو الصواب وهذه المجاعة انما كانت بعد وقعة بدر والملبس الذى قد نزل به شر ويئس من زواله ونسخه بخير ثم ابتدا تعالى بتعديد نعم فى نفس تعديدها استدلال بها على عظم قدرته سبحانه فقال وهو الذى أنشأ لكم السمع والأبصار الآية أنشأ بمعنى اخترع والأفئدة القلوب وذرأ بث وخلق

وقوله بل اضراب والجحد قبله مقدر كأنه ليس لهم نظر فى هذه الآيات  نحو والاولون يشير به الى الأمم الكافرة كعاد وثمود

وقوله تعالى لقد وعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل ٦ الآية قولهم وءاباؤنا ان حكى المقالة عن العرب فمرادهم من سلف من العالم جعلوهم ءاباء من حيث النوع واحد وكونهم سلفا وفيه تجوز وان حكى ذلك عن الاولين فالامر مستقيم فيهم

٨٤

وقوله سبحانه قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون للّه قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون للّه قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون للّه قل فانى تسحرون امر اللّه تعالى نبيه عليه السلام بتوقيفهم على هذه الاشياء التى لا يمكنهم الا الإقرار بها ويلزم من الاقرار بها توحيد اللّه واذعانهم لشرعه ورسالة رسله وقرأ الجميع فى الاول للّه بلا خلاف

واختلف فى الثانى

والثالث فقرأ ابو عمرو وحده اللّه جوابا على اللفظ وقرأ باقى السبعة للّه جوابا على المعنى كانه قال فى السؤال لمن ملك السموات السبع

وقوله سبحانه فأنى تسحرون استعارة وتشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها ما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك

وقالت فرقة تسحرون معناه تمنعون وحكى بعضهم ذلك لغة والإجارة المنع والمعنى ان اللّه اذا اراد منع احد فلا يقدر عليه واذا اراد اخذه فلا مانع له

وقوله سبحانه وانهم لكاذبون اي فيما ذكروه من الصاحبة والولد والشريك تعالى اللّه

عن قولهم علوا كبيرا وفى

٩١

قوله سبحانه وما كان معه من اله الآية دليل التمانع وهذا هو الفساد الذى تضمنه

قوله تعالى لو كان فيهما ءالهة الا اللّه لفسدتا والجزء المخترع محال ان تتعلق به قدرتان فصاعدا وقد تقدم الكلام على هذا الدليل فاغنى عن اعادته

وقوله اذا جواب لمحذوف تقديره لو كان معه اله اذا لذهب

وقوله عالم الغيب المعنى هو عالم الغيب وقرأ ابو عمرو وغيره عالم بالجر اتباعا للمكتوبة

٩٣

وقوله سبحانه قل رب اما ترينى ما يوعدون رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين أمر اللّه تعالى نبيه عليه السلام ان يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة ان كان قضى ان يرى ذلك وان شرط وما زائدة وترينى جزم بالشرط لزمته النون الثقيلة وهى لا تفارق اما عند المبرد ويجوز عند سيبويه ان تفارق ولكن استعمال القرءان لزومها فمن هنالك الزمه المبرد وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من اجله ثم نظيره لسائر الأمة دعاء فى حسن الخاتمة

وقوله ثانيا رب اعتراض بين الشرط وجوابه

٩٦

وقوله سبحانه ادفع بالتى هى احسن السيئة امر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها لهذا فهو محكم باق فى الأمة ابدا وما كان بمعنى الموادعة فمنسوخ بآية القتال

وقوله نحن اعلم بما يصفون يقتضى انها ءاية موادعة وقال مجاهد الدفع بالتى هى احسن هو السلام تسلم عليه اذا لقيته وقال الحسن واللّه لا يصيبها احد حتى يكظم غيظه ويصفح عما يكره وفى الآية عدة للنبى صلى اللّه عليه و سلم اي اشتغل انت بهذا وكل امرهم الينا ثم امره سبحانه بالتعوذ من همزات الشياطين وهى سورات الغضب التى لا يملك الانسان فيها نفسه وكأنها هى التى كانت تصيب المومنين مع الكفار فتقع المجادلة ولذلك اتصلت بهذه الآية وقال ابن زيد همز الشيطان الجنون وفى مصنف ابى داود ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال اللّهم انى اعوذ بك من الشيطان همزه ونفخه ونفثة قال

ابوداود همزة الموتة ونفخة الكبر ونفثة السحر قال ع والنزغات وسورات الغضب من الشيطان وهى المتعوذ منها فى الآية واصل الهمز الدفع والوكز بيدا وغيرها ت قال صاحب سلاح المومن وهمزات الشياطين خطراتها التى تخطرها بقلب الانسان انتهى وقال الواحدى همزات الشياطين نزغاتها ووساوسها انتهى

٩٩

وقوله سبحانه حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت حتى فى هذا الموضع حرف ابتداء والضمير فى قوله احدهم للكفار

وقوله ارجعون اي الى الحياة الدنيا والنون فى ارجعون نون العظمة وقال النبى صلى اللّه عليه و سلم لعائشة اذا عاين المؤمن الموت قالت له الملائكة نرجعك فيقول الى دار الهموم والأحزان بل قدما الى اللّه واما الكافر فيقول ارجعون لعلى اعمل صالحا

وقوله كلا رد وزجر

وقوله انها كلمة هو قائلها تحتمل ثلاثة معان

أحدها الأخبار الموكد بأن هذا الشىء يقع ويقول هذه الكلمة الثانى ان يكون المعنى انها كلمة لا تغنى اكثر من انه يقولها ولا نفع له فيها ولا غوث الثالث ان يكون اشارة الى انه لورد لعاد والضمير فى ورائهم للكفار والبرزخ فى كلام العرب الحاجز بين المسافتين ثم يستعار لما عدا ذلك وهو هنا للمدة التى بين موت الانسان وبين بعثه هذا اجماع من المفسرين

١٠١

وقوله عز و جل فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم الآية قال ابن مسعود وغيره هذا عند النفخة الثانية وقيام الناس من القبور فهم حينئذ لهول المطلع واشتغال كل امرئى بنفسه قد انقطعت بينهم الوسائل وزال انتفاع الأنساب فلذلك نفاها سبحانه والمعنى فلا انساب نافعة

وروى عن قتادة انه ليس احد ابغض الى الإنسان فى ذلك اليوم ممن يعرف لانه يخاف ان يكون له عنده مظلمة وفى ذلك اليوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه ويفرح كل احد يومئذ ان يكون له حق على ابنه وابيه وقد ورد بهذا حديث وكأن

ارتفاع التساؤل لهذه الوجوه ثم تأتى فى القيامة مواطن يكون فيها السؤال والتعارف قال ع وهذا التأويل حسن وهو مروى المعنى عن ابن عباس وذكر البزار من حديث انس عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال ملك موكل بالميزان فيؤتى بابن ءادم فيوقف بين كفتى الميزان فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلأن سعادة لا يشقى بعدها ابدا وان خف ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها ابدا انتهى من العاقبة

وروى أبو داود فى سننه عن عائشة انها ذكرت النار فبكت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يبكيك قالت ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون اهليكم يوم القيامة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اما فى ثلاثة مواطن فلا يذكر احد احدا عند الميزان حتى يعلم ايخف ميزانه ام يثقل وعند الكتاب حتى يقول هاؤم اقرءوا كتابيه حتى يعلم اين يعطى كتابه افى يمينه ام في شماله ام من وراء ظهره وعند الصراط اذا وضع بين ظهرى جهنم انتهى ولفح النار اصابتها بالوهج والإحراق والكلوح انكشاف الشفتين عن الأسنان وقد شبه ابن مسعود ما فى الآية بما يعترى رءوس الكباش اذا شيطت بالنار فانها تكلح ومنه كلوح الكلب والأسد ت وفى الترمذى عن ابى سعيد الخدرى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال وهم فيها كالحون قال تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السفلى حتى تضرب سرته الحديث قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب انتهى وهذا هو المعول فى فهم الآية واما قول البخارى كالحون معناه عابسون فغير ظاهر ولعله لم يقف على الحديث

١٠٥

وقوله سبحانه الم تكن آياتى اي يقال لهم والآيات هنا القرءان وقرأ حمزة شقاوتنا ثم وقع جواب رغبتهم بحسب ما حتمه اللّه من عذابهم بقوله اخسئوا فيها ولا تكلمون ويقال ان

هذه الكلمة اذا سمعوها يئسوا من كل خير فتنطبق عليهم جهنم وبقع اليأس عافانا اللّه من عذابه بمنه

وقوله اخسئوا زجر وهو مستعمل فى زجر الكلاب

وقوله عز و جل انه كان فريق من عبادى يقولون ربنا ءامنا الآية الهاء فى انه مبهمة وهى ضمير الامر والشأن والفريق المشار اليه كل مستضعف من المؤمنين يتفق ان تكون حاله مع كفار مثل هذه الحال ونزلت الآية فى كفار قريش مع صهيب وعمار وبلال ونظرائهم ثم هى عامة فيمن جرى مجراهم قديما وبقية الدهر وقرأ نافع وحمزة والكساءي سخريا بضم السين والباقون بكسرها فقيل هما بمعنى واحد ذكر ذلك الطبرى وقال ذلك ابو زيد الانصارى انهما بمعنى الهزء وقال ابو عبيدة وغيره ان ضم السين من السخرة والاستخدام وكسرها من السخر وهو الاستهزاء ومعنى الاستهزاء هنا اليق الا ترى الى قوله وكنتم منهم تضحكون

وقوله سبحانه كم لبثتم فى الارض عدد سنين الآية قوله فى الأرض قال الطبرى معناه فى الدنيا احياء وعن هذا وقع السؤال ونسوا لفرط هول العذاب حتى قالوا يوما  بعض يوم والغرض توقيفهم على ان اعمارهم قصيرة اداهم الكفر فيها الى عذاب طويل عافانا اللّه من ذلك بمنه وقال الجمهور ومعناه كم لبثتم فى جوف التراب امواتا قال ع وهذا هو الأصوب من حيث انكروا البعث وكان قولهم انهم لا يقومون من التراب

وقوله ءاخرا وانكم الينا لا ترجعون يقتضى ما قلناه ت الآيات محتملة للمعنيين واللّه اعلم بما اراد سبحانه قال البخارى قال ابن عباس فاسأل العادين اي الملائكة انتهى ص قرأ الجمهور العادين بتشديد الدال اسم فاعل من عد وقرأ الحسن والكساءى فى رواية العادين بتخفيف الدال اي الظلمة وان من قوله ان لبثتم نافية اي ما لبثتم الا قليلا وعبثا معناه باطلا لغير غاية مرادة وخرج ابو نعيم الحافظ عن حنش الصنعانى عن ابن مسعود انه قرأ فى اذن مبتلى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا الى ءاخر السورة فأفاق

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ما قرأت فى اذنه قال قرأت افحسبتم الى آخر السورة فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم لو ان رجلا موقنا قرأها على جبل لزال انتهى وخرجه ابن السنى ايضا ذكره النووى

وقوله سبحانه فتعالى اللّه الملك الحق المعنى فتعالى اللّه عن مقالتهم فى دعوى الشريك والصاحبة والولد ثم توعد سبحانه عبده الأوثان بقوله فانما حسابه عند ربه وفى حرف عبد اللّه عند ربك وفى حرف ابى عند اللّه ثم امر تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالدعاء والذكر له فقال وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين

﴿ ٠