سورة النور

وهى مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى سورة انزلناها وفرضناها الآية معنى فرضنا اوجبنا واثبتنا وقال الثعلبى والواحدى فرضناها اي اوجبنا ما فيها من الأحكام انتهى وقال البخارى قال ابن عباس سورة انزلناها بيناها انتهى وما تقدم ابين ص فرضناها الجمهور بتخفيف الراء اي فرضنا احكامها وابو عمرو وابن كثير بتشديد الراء اما للمبالغة فى الايجاب واما لان فيها فرائض شتى انتهى وآلايات البينات امثالها ومواعظها واحكامها

٢

وقوله تعالى الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة الآية هذه الآية ناسخة لآية الحبس باتفاق وحكم المحصنين منسوخ بأية الرجم والسنة المتواترة على ما تقدم فى سورة النساء وقرأ الجمهور

رأفة بهمزة ساكنة من رأف اذا رق ورحم والرأفة المنهى عنها هى فى اسقاط الحد اي اقيموه ولابد وهذا تأويل ابن عمر وغيره وقال قتادة وغيره هى فى تخفف الضرب عن الزناة ومن رأيهم ان يخفف ضرب الخمر والفرية دون ضرب الزنا

وقوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المومنين اي اغلاظا على الزناة وتوبيخا لهم ولاخلاف ان الطائفة كلما كثرت فهو اليق بامتثال الامر

واختلف فى اقل ما يجزئى فقال الزهرى الطائفة ثلاثة فصاعدا وقال عطاء لابد من اثنين وهذا هو مشهور قول مالك فرءاها موضع شهادة

٣

وقوله تعالى الزانى لا ينكح الا زانية  مشركة مقصد الآية تشنيع الزنا وتشنيع امره وانه محرم على المومنين ويريد بقوله لا ينكح اي لا يطأ فالنكاح هنا بمعنى الجماع كقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وقد بينه صلى اللّه عليه و سلم فى الصحيح انه بمعنى الوطء حيث قال لا حتى تذوقى عسيلته الحديث وتحتمل الآية وجوها هذا احسنها

٤

وقوله سبحانه والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء الآية نزلت بسبب القاذفين وذكر تعالى فى الآية قذف النساء من حيث هو اهم وابشع وقذف الرجال داخل فى حكم الآية بالمعنى والاجماع على ذلك والمحصنات هنا العفائف وشدد تعالى على القاذف بأربعة شهداء رحمه بعباده وسترا لهم وحكم شهادة الأربعة ان تكون على معاينة مبالغة كالمرود فى المكحلة فى موطن واحد فإن اضطرب منهم واحد جلد الثلاثة والجلد الضرب ثم امر تعالى ان لا تقبل للقذفة المحدودين شهادة ابدا وهذا يقتضى مدة اعمارهم ثم حكم بفسقهم ثم استثنى تعالى من تاب واصلح من بعد القذف فالاستثناء غير عامل فى جلده بإجماع وعامل فى فسقه بإجماع

واختلف فى عمله فى رد الشهادة والجمهور انه عامل فى رد الشهادة فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ثم اختلفوا فى صورة توبته فقيل بان يكذب

نفسه والا لم تقبل

وقالت فرقة منها مالك توبته ان يصلح وتحسن حاله وان لم يرجع عن قوله بتكذيب

واختلف فقهاء المالكية متى تسقط شهادة القاذف فقال ابن الماجشون بنفس قذفه وقال ابن القاسم وغيره لا تسقط حتى يجلد فإن منع من جلده مانع عفو  غيره لم ترد شهادته قال اللخمى شهادته فى مدة الأجل للإثبات موقوفة وتابوا معناه رجعوا وقد رجح الطبرى وغيره قول مالك

واختلف ايضا على القول بجواز شهادته فقال مالك تجوز فى كل شىء بإطلاق وكذلك كل من حد فى شىء وقال سحنون من حد فى شىء فلا تجوز شهادته فى مثل ما حد فيه واتفقوا فيما احفظ على ولد الزنا ان شهادته لا تجوز فى الزنا

٦

وقوله سبحانه والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم الآية لما رمى هلال بن امية الواقفى زوجته بشريك بن سحماء عزم النبى صلى اللّه عليه و سلم على ضربه حد القذف فنزلت هذه الآية حسبما هو مشروح فى الصحاح فجمعهما صلى اللّه عليه و سلم فى المسجد وتلاعنا وجاء ايضا عويمر العجلانى فرمى امرأته ولاعن والمشهور ان نازلة هلال قبل وانها سبب الآية والأزواج فى هذه الآية يعم المسلمات والكافرات والإماء فكلهن يلاعنهن الزوج للانتفاء من الحمل وتختص الحرة بدفع حد القذف عن نفسها وقرأ السبعة غير نافع ان لعنه وان غضب بتشديد ان فيهما ونصب اللعنة والغضب والعذاب المدرأ فى قول الجمهور هو الحد وجعلت اللعنة للرجل الكاذب لأنه مفتر مباهت فأبعد باللعنة وجعل الغضب الذى هو اشد على المرأة التى باشرت المعصية بالفعل ثم كذبت وباهتت بالقول واللّه اعلم واجمع مالك واصحابه على وجوب اللعان بادعاء الرؤية زنا لاوطء من الزوج بعده وذلك مشهور المذهب وقال مالك ان اللعان يجب بنفى حمل يدعى قبله استبراء والمستحب من الفاظ اللعان ان يمشى مع ترتيب القرءان ولفظه فيقول الزوج اشهد باللّه

لرأيت هذه المرأة تزنى وانى فى ذلك لمن الصادقين ثم يقول فى الخامسة ولعنة اللّه على ان كنت من الكاذبين واما فى لعان نفى الحمل فيقول ما هذا الولد منى وتقول المرأة اشهد باللّه ما زنيت وانه فى ذلك لمن الكاذبين ثم تقول غضب اللّه علي ان كان من الصادقين فان منع جهلهما من ترتيب هذه الألفاظ واتيا بما فى معناها اجزأ ذلك ومشهور المذهب ان نفس تمام اللعان بينهما فرقه ولا يحتاج معها الى تفريق حاكم وتحريم اللعان ابدى باتفاق فيما احفظ من مذهب مالك وجواب لولا محذوف تقديره لكشف الزناة بأبسر من هذا  لأخذهم بعقابه ونحو هذا

وقوله تعالى إن الذين جاءو بالإفك الآية نزلت فى شأن ام المؤمنين عائشة رضى اللّه عنها ففى البخارى فى غزوة بنى المصطلق عن عائشة رضى اللّه عنها قالت وانزل اللّه العشر الآيات فى براءتى ان الذين جاءو بالإفك الآيات والإفك الزور والكذب وحديث الإفك فى البخارى ومسلم وغيرهما مستوعب والعصبة الجماعة من العشرة الى الأربعين

وقوله سبحانه لا تحسبوه خطاب لكل من ساءه ذلك من المومنين

وقوله تعالى بل هو خير لكم معناه انه تبرئه فى الدنيا وترفيع من اللّه تعال فى ان نزل وحيه بالبراءة من ذلك واجر جزيل فى الآخرة وموعظة للمؤمنين فى غابر الدهر واكتسب مستعملة فى المأثم والإشارة بقوله تعالى والذى تولى كبره هي الى عبد اللّه بن ابى ابن سلول وغيره من المنافقين وكبره مصدر كبر الشىء وعظم ولكن استعملت العرب ضم الكاف فى السن

وقوله تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا الآية الخطاب للمؤمنين حاشى من تولى كبره وفى هذا عتاب للمؤمنين اي كان الانكار واجبا عليهم ويقيس فضلاء المؤمنين الأمر على انفسهم فإذا كان ذلك يبعد فيهم فأم المؤمنين ابعد لفضلها ووقع هذا النظر السديد من ابى ايوب

وامرأته وذلك انه دخل عليها فقالت له يا ابا ايوب اسمعت ما قيل فقال نعم وذلك الكذب أكنت انت يا ام ايوب تفعلين ذلك قالت لا واللّه قال فعائشة واللّه افضل منك قالت ام ايوب نعم فهذا الفعل ونحوه هو الذى عاتب اللّه فيه المؤمنين اذ لم يفعله جميعهم والضمير فى قوله لولا جاءو اللذين تولوا كبره

١٠

وقوله تعالى ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة لمسكم فيما افضتم فيه عذاب عظيم هذا عتاب من اللّه تعالى بليغ فى تعاطيهم هذا الحديث وان لم يكن المخبر والمخبر مصدقين ولكن نفس التعاطى والتلقي من لسان الى لسان والإفاضة فى الحديث هو الذى وقع العتاب فيه وقرأ ابن يعمرو عائشة رضى اللّه عنها وهى اعلم الناس بهذا الامر إذ تلقونه بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف ومعنى هذه القراءة من قول العرب ولق الرجل ولقا اذا كذب وحكى الطبرى ان هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذى هو اسراعك بالشىء بعد الشىء يقال ولق فى سيره إذا أسرع والضمير فى تحسبونه للحديث والخوض فيه والإذاعة له

وقوله تعالى سبحانك اي تنزيها للّه ان يقع هذا من زوج نبيه صلى اللّه عليه و سلم وحقيقة البهتان ان يقال في الانسان ما ليس فيه والغيبة ان يقال فى الانسان ما فيه ثم وعظهم تعالى فى العودة الى مثل هذه الحالة

١٩

وقوله سبحانه ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة فى الذين ءامنوا الآية قال مجاهد وغيره الاشارة بهذة الآية الى المنافقين وعذابهم الاليم فى الدنيا الحدود وفى الآخرة النار

وقالت فرقة الآية عامة فى كل قاذف وهذا هو الأظهر

وقوله تعالى واللّه يعلم معناه يعلم البرىء من المذنب ويعلم سائر الأمور وجواب لولا ايضا محذوف تقديره لفضحكم بذنوبكم  لعذبكم ونحوه

وقوله تعالى يا ايها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان الآية خطوات جمع خطوة وهى ما بين القدمين فى المشى فكان المعنى لا تمشوا فى سبله وطرقه ت وفى

٢٠

قوله سبحانه

ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا ما يردع العاقل عن الاشتغال بغيره ويوجب له الاهتمام باصلاح نفسه قبل هجوم منيته وحلول رمسه وحدث ابو عمر فى التمهيد بسنده عن اسماعيل بن كثير قال سمعت مجاهدا يقول ان الملائكة مع ابن ءادم فإذا ذكر اخاه المسلم بخير قالت الملائكة ولك مثله واذا ذكره بشر قالت الملائكة ابن ءادم المستور عورته اربع على نفسك واحمد اللّه الذى يستر عورتك انتهى

وروينا فى سنن ابى داود عن سهل بن معاذ بن انس الجهنى عن ابيه عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال من حمى مؤمنا من منافق اراه قال بعث اللّه ملكا يحمى لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلما بشىء يريد به شينه حبسه اللّه عز و جل على جسر جهنم حتى يخرج مما قال

وروينا ايضا عن ابى داود بسنده عن جابر بن عبد اللّه وابى طلحة بن سهل الأنصاريين انهما قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ما من امرئى يخذل امرءا مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه الا خذله اللّه فى موطن يحب فيه نصرته وما من امرئى ينصر مسلما فى موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته الا نصره اللّه فى موضع يحب فيه نصرته انتهى ثم ذكر تعالى انه يزكى من يشاء ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح امارة على سبق السعادة له

وقوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم الآية المشهور من الروايات ان هذه الآية نزلت فى قصة ابى بكر رضى اللّه عنه ومسطح بن اثاثة وكان من قرابة ابى بكر وكان ابو بكر ينفق عليه لمسكنته فلما وقع امر الإفك بلغ ابا بكر أنه وقع مسطح مع من وقع فحلف ابو بكر لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة ابدا فجاء مسطح معتذرا وقال انما كنت اسمع ولا اقول فنزلت الآية والفضل الزيادة فى الدين والسعة هنا هى المال ثم

قال تعالى الا تحبون ان يغفر اللّه لكم الآية اي كما تحبون عفو اللّه لكم عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم فروينا ان ابا بكر قال

بلى انى احب ان يغفر اللّه لى ورجع الى مسطح ما كان يجرى عليه من النفقة والاحسان قال ابن العربى فى احكامه وفى هذه الآية دليل على ان الحنث اذا رءاه الإنسان خيرا هو اولى من البر ولقول النبى صلى اللّه عليه و سلم فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه انتهى وقال بعض الناس هذه ارجى ءاية فى كتاب اللّه عز و جل من حيث لطف سبحانه بالقذفة العصاة بهذا اللفظ قال ع وانما تعطى الآية تفضلا من اللّه تعالى فى الدنيا وانما الرجاء فى الآخرة إما أن الرجاء فى هذه الآية بقياس اي اذا امر اولى الفضل والسعة بالعفو فطرد هذا التفضل بسعة رحمته سبحانه لا رب غيره انما ءايات الرجاء

قوله تعالى قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم

وقوله تعالى اللّه لطيف بعباده وسمعت ابى رحمه اللّه يقول ارجى ءاية فى كتاب اللّه عندى

قوله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا وقال بعضهم ارجى ءاية

قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى

٢٣

وقوله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الآية قال ابن جبير هذه الآية خاصة فى رماة عائشة وقال ابن عباس وغيره بل ولجميع ازواج النبى صلى اللّه عليه و سلم لمكانهن من الدين ولم يقرن بآخر الآية توبة قال ع وقاذف غيرهن له اسم الفسق وذكرت له التوبة ولعن الدنيا الأبعاد وضرب الحد والعامل فى قوله يوم فعل مضمر تقديره يعذبون يوم  نحو هذا والدين فى هذه الآية الجزاء وفى مصحف ابن مسعود وابى يومئذ يوفيهم اللّه الحق دينهم بتقديم الصفة على الموصوف

وقوله ويعلمون ان اللّه هو الحق المبين يقوى قول من ذهب ان الآية فى المنافقين عبد اللّه بن ابى وغيره

وقوله تعالى الخبيثات للخبيثين الآية قال ابن عباس وغيره الموصوف بالخبث والطيب الأقوال والأفعال وقال ابن زيد الموصوف بالخبث والطيب النساء والرجال ومعنى هذا التفريق بين حكم ابن ابى واشباهه وبين حكم النبى صلى اللّه عليه

وفضلاء اصحابه وامته

وقوله تعالى اولئك مبرءون اشارة الى الطيبين المذكورين

وقيل الاشارة بأولئك الى عائشة رضى اللّه عنها ومن فى معناها

وقوله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا سبب هذه الآية فيما روى الطبرى ان امرأة من الأنصار قالت يا رسول اللّه انى اكون فى منزلى على الحال التى لا احب ان يرانى احد عليها لا والد ولا ولد وأنه لا يزال يدخل على رجل من اهلى وانا على تلك الحال فنزلت هذه الآية ثم هى عامة فى الأمة غابر الدهر وبيت الإنسان هو الذى لا احد معه فيه  البيت الذى فيه زوجته  امته وما عدا هذا فهو غير بيته وتستانسوا معناها تستعلموا من فى البيت وتستبصروا تقول آنست اذا علمت عن حس واذا ابصرت ومنه

قوله تعالى آنستم منهم رشدا واستانس وزنه استفعل فكان المعنى فى تستأنسوا تطلبوا ان تعلموا ما يؤنسكم ويؤنس اهل البيت منكم واذا طلب الانسان ان يعلم امر البيت الذى يريد دخوله فذلك يكون بالاستيذان على من فيه  بان يتنحنح ويشعر بنفسه بأي وجه أمكنه وبتأنى قدر ما يتحفظ منه ويدخل اثر ذلك وذهب الطبرى فى تستأنسوا الى انه بمعنى حتى تؤنسوا اهل البيت بأنفسكم بالتنحنح والاستيذان ونحوه وتؤنسوا نفوسكم بأن تعلموا ان قد شعر بكم قال ع وتصريف الفعل يأبى ان يكون من انس وقرأ ابى وابن عباس حتى تستأذنوا وتسلموا وصورة الاستيذان ان يقول الانسان السلام عليكم أأدخل فان اذن له دخل وان امر بالرجوع انصرف وان سكت عنه استاذن ثلاثا ثم ينصرف جاءت فى هذا كله ءاثار والضمير فى قوله تجدوا فيها للبيوت التى هى بيوت الغير واسند الطبرى عن قتادة انه قال قال رجل من المهاجرين لقد طلبت عمرى كله هذه الآية فما ادركتها ان استاذن على بعض اخوانى فيقول لى فارجع وانا مغتبط لقوله تعالى هو أزكى لكم

وقوله تعالى واللّه بما تعملون عليم توعد لأهل التجسس

٢٩

وقوله تعالى ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة الآية اباح سبحانه فى هذه الآية رفع الاستيذان فى كل بيت لا يسكنه احد لأن العلة فى الاستيذان خوف الكشفة على المحرمات فاذا زالت العلة زال الحكم وباقى الآية بين ظاهر التوعد وعن مالك رحمه اللّه انه بلغه أنه كان يستحب اذا دخل البيت غير المسكون ان يقول الذى يدخله السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين انتهى اخرجه فى الموطإ

٣٠

وقوله تعالى قل للمومنين يغضوا من ابصارهم اظهر ما فى من ان تكون للتبعيض لان اول نظرة لا يملكها الانسان وانما يغض فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض بخلاف الفروج اذ حفظها عام لها والبصر هو الباب الأكبر الى القلب وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه وحفظ الفرج هو عن الزنا وعن كشفه حيث لا يحل ت النواظر صوارم مشهورة فأغمدها فى غمد الغض والحياء من نظر المولى والاجرحك بها عدو الهوى لا ترسل بريد النظر فيجلب لقلبك ردىء الفكر غض البصر يورث القلب نورا واطلاقه يقدح فى القلب نارا انتهى من الكلم الفارقية فى الحكم الحقيقية قال ابن العربى فى احكامه

قوله تعالى ذلك ازكى لهم يريد اطهر وانمى يعنى اذا غض بصره كان اطهر له من الذنوب وانمى لعمله فى الطاعة قال ابن العربى ومن غض البصر كف التطلع الى المباحات من زينة الدنيا وجمالها كما قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و سلم ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى يريد ما عند اللّه تعالى انتهى

٣١

وقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن الآية امر اللّه تعالى النساء فى هذه الآية بغض البصر عن كل ما يكره من جهة الشرع النظر اليه وفى حديث ام سلمة قالت كنت انا وعائشة عند النبى صلى اللّه عليه و سلم فدخل ابن ام مكتوم فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم احتجبن فقلن انه اعمى فقال صلى اللّه عليه و سلم

افعمياوان انتما ومن الكلام فيها كالتى قبلها قال ابن العربى فى احكامه وكما لا يحل للرجل ان ينظر الى المرأة لا يحل للمرأة ان تنظر الى الرجل فان علاقته بها كعلاقتها به وقصده منها كقصدها منه ثم استدل بحديث ام سلمة المتقدم انتهى وحفظ الفرج يعم الفواحش وستر العورة وما دون ذلك مما فيه حفظ ثم امر تعالى بأن لا يبدين زينتهن الا ما يظهر من الزينة قال ابن مسعود ظاهر الزينة هو الثياب وقال ابن جبير وغيره الوجه والكفان والثياب

وقيل غير هذا قال زينتها ع ويظهر لى بحكم الفاظ الآية ان المرأة مأمورة بأن لا تبدى وان تجتهد فى الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فى كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه  اصلاح شأن فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه وذكر ابو عمر الخلاف فى تفسير الآية كما تقدم قال

وروى عن ابى هريرة فى

قوله تعالى ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها قال القلب والفتخة قال جرير بن حازم القلب السوار والفتخة الخاتم انتهى من التمهيد

وقوله تعالى وليضربن بخمورهن على جيوبهن قال ابن العربى الجيب هو الطوق والخمار هو المقنعة انتهى قال ع سبب الآية ان النساء كن فى ذلك الزمان اذا غطين رؤوسهن بالأخمرة سدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك فأمر اللّه تعالى بلى الخمار على الجيوب وهيئة ذلك يستر جميع ما ذكرناه وقالت عائشة رضى اللّه عنها رحم اللّه المهاجرات الأول لما نزلت هذه الآية عمدن الى اكثف المروط فشققنها اخمرة وضربن بها على الجيوب

وقوله سبحانه أونسائهن يعنى جميع المؤمنات ويخرج منه نساء المشركين وكتب عمر الى ابى عبيدة بن الجراح ان يمنع نساء اهل الذمة ان يدخلن الحمام مع نساء المسلمين فامتثل

وقوله سبحانه  ما ملكت أيمانهن يدخل فيه الإماء الكتابيات والعبيد وقال ابن عباس وجماعة لا يدخل العبد على سيدته فيرى شعرهاالا ان يكون

وغدا

وقوله تعالى  التابعين يريد الاتباع ليطعموا وهم فسول الرجال الذين لا إربة لهم فى الوطء ويدخل في هذه الصنيفة المجبوب والشيخ الفانى وبعض المعتوهين والذى لا إربة له من الرجال قليل والإربة الحاجة الى الوطء والطفل اسم جنس ويقال طفل ما لم يراهق الحلم ويظهروا معناه يطلعوا بالوطء

وقوله تعالى ولا يضربن بارجلهن الآية قيل سببها ان امرأة مرت على قوم فضربت برجلها الأرض فصوت الخلخال وسماع صوت هذه الزينة اشد تحريكا للشهوة من ابدائها ذكره الزجاج ثم امر سبحانه بالتوبة مطلقة عامة من كل شىء صغير وكبير

٣٢

وقوله تعالى وانكحوا الايامى منكم الأيم من لازوجه له  لازوج لها فالأيم يقال للرجل والمرأة

وقوله والصالحين يريد للنكاح وهذا الأمر بالنكاح يختلف بحسب شخص شخص ففى نازلة يتصور وجوبه وفى نازلة الندب وغير ذلك حسبما هو مذكور فى كتب الفقه قال ابن العربى فى احكامه

قوله تعالى والصالحين من عبادكم الأظهر فيه انه امر بانكاح العبيد والإماء كما امر بانكاح الايامى وذلك بيد السادة فى العبيد والاماء كما هو فى الإحرار بيد الأولياء انتهى ثم وعد تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلب رضا اللّه عنهم واعتصاما من معاصيه ثم امر تعالى كل من يتعذر عليه النكاح ان يستعفف حتى يغنيهم اللّه من فضله اذ الغالب من موانع النكاح عدم المال فوعد سبحانه المتعفف بالغنى والمكاتبة مفاعلة من حيث يكتب هذا على نفسه وهذا على نفسه ومذهب مالك ان الأمر بالكتابة هو على الندب وقال عطاء ذلك واجب وهو ظاهر مذهب عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه

وقوله إن علمتم فيهم خيرا قالت فرقة الخير هنا المال وقال مالك إنه ليقال الخير القوة والأداء وقال عبيدة السلمانى الخير هو الصلاح فى الدين

وقوله تعالى وءاتوهم قال المفسرون هو امر لكل مكاتب ان يضع عن

العبد من مال كتابته ورأى مالك هذا الأمر على الندب ولم ير لقدر الوضيعة حدا واستحسن على بن ابى طالب رضى اللّه عنه ان يوضع عنه الربع

وقيل الثلث

وقيل العشر ورأى عمر ان يكون ذلك من اول نجومه مبادرة الى الخير وخوف ان لا يدرك آخرها ورأى مالك وغيره ان يكون الوضع من آخر نجم وعلة ذلك انه ربما عجز العبد فرجع هو وماله الى السيد فعادت اليه وضيعته وهى شبه الصدقة ت والظاهر ان هذا لا يعد رجوعا كما لو رجع اليه بالميراث ورأى الشافعى وغيره ان الوضيعة واجبة يحكم بها وقال الحسن وغيره الخطاب بقوله تعالى وآتوهم للناس اجمعين فى ان يتصدقوا على المكاتبين وقال زيد بن اسلم انما الخطاب لولاه الامور

وقوله سبحانه ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا الآية روى ان سبب الآية هو ان عبد اللّه بن ابى سلول كانت له امة فكان يامرها بالزنا والكسب به فشكت ذلك الى النبى صلى اللّه عليه و سلم فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين

وقوله ان اردن تحصنا راجع الى الفتيات وذلك ان الفتاة اذا ارادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور ان يكون السيد مكرها ويمكن ان ينهى عن الإكراه واذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور ان يقال للسيد لا تكرهها لأن الاكراه لا يتصور فيها وهى مريدة للفساد فهنا امر فى سادة وفتيات حالهم هذه وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين فقال بعضهم قوله إن أردن راجع الى الأيامى فى قوله وانكحوا الأيامى منكم وقال بعضهم هذا الشرط فى قوله ان اردن ملغى ونحو هذا مما هو ضعيف واللّه الموفق للصواب برحمته ت وما اختاره ع هو الذى عول عليه ابن العربى ونصه وانما ذكر اللّه تعالى ارادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذى يصور الإكراه فأما اذا كانت هى راغبة فى الزنا لم يتحصل الإكراه فحصلوه ان شاء اللّه انتهى من الأحكام وقرأ ابن مسعود وغيره فإن اللّه من بعد اكراههن غفور رحيم

ثم عدد سبحانه نعمة على المؤمنين فى قوله ولقد انزلنا اليكم ءايات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ليقع التحفظ مما وقع اولئك فيه

٣٥

وقوله تعالى اللّه نور السموات والأرض الآية النور فى كلام العرب الأضواء المدركة بالبصر ويستعمل مجازا فيما صح من المعانى ولاح فيقال كلام له نور ومنه الكتاب المنير واللّه تعالى ليس كمثله شىء فواضح انه ليس من الأضواء المدركة ولم يبق الا ان المعنى منور السموات والأرض اي به وبقدرته انارت اضواؤها واستقامت امورها كما تقول الملك نور الأمة اي به قوام امورها وصلاح جملتها والأمر فى الملك مجاز وهو فى صفة اللّه تعالى حقيقة محضة وقرأ ابو عبد الرحمن السلمى وغيره اللّه نور بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء والضمير فى نوره يعود على اللّه تعالى قاله جماعة وهو اضافة خلق الى خالق كما تقول ناقة اللّه وبيت اللّه ثم اختلفوا فى المراد بهذا النور فقيل هو صلى اللّه عليه وسلم

وقيل هو المؤمن

وقيل هو الإيمان والقرءان وفى قراءة ابى ابن كعب مثل نور المومنين والمشكاة هى الكوة غير النافذة فيها القنديل ونحوه وهذه الأقوال الثلاثة يطرد فيها مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل فعلى قول من قال الممثل صلى اللّه عليه وسلم وهو قول كعب الاحبار فرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو المشكاة  صدره والمصباح هو النبوءة وما يتصل بها من علمه وهداه والزجاجة قلبه والشجرة المباركة هى الوحى والزيت هو الحجج والبراهين وعلى قول من قال ان الممثل به هو المؤمن وهو قول ابى بن كعب فالمشكاة صدره والمصباح الايمان والعلم والزجاجة قلبه والشجرة القرءان وزيتها هو الحجج والحكمة التى تضمنها قول ابى فهو على احسن الحال يمشى فى الناس كالرجل الحى فى قبور الأموات وتحتمل الآية معنى آخر وهو ان يريد مثل نور اللّه الذى هو هداه فى الوضوح

كهذه الجملة من النور الذى تتخذونه انتم على هذه الصفة التى هى ابلغ صفات النور الذى هو بين ايديكم ايها البشر وقال ابو موسى المشكاة الحديدة  الرصاصة التى يكون فيها القنديل فى جوف الزجاجة والأول اصح

وقوله فى زجاجة لأنه جسم شفاف المصباح فيه انور منه فى غير الزجاجة والمصباح الفتيل بناره

وقوله كأنه كوكب دري اي فى الإنارة والضوء وذلك يحتمل معنيين اما ان يريد انها بالمصباح كذلك واما ان يريد انها فى نفسها لصفائها وجودة جوهرها وهذا التاويل ابلغ فى التعاون على النور قال الضحاك الكوكب الدرى الزهرة وقرأ ابن كثير وابو عمرو توقد بفتح التاء والدال والمراد المصباح وقرأ نافع وغيره يوقد أي المصباح

وقوله من شجرة اي من زيت شجرة والمباركة المنماة

وقوله تعالى لا شرقية ولا غربية قال الحسن اي ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وانما هو مثل ضربه اللّه تعالى لنوره ولو كانت فى الدنيا لكانت اما شرقية واما غربية

وقيل غير هذا

وقوله سبحانه يكاد زيتها يضىء الآية مبالغة فى صفة صفائه وحسنه

وقوله نور على نور اي هذه كلها ومعان تكامل بها هذا النور الممثل به وفى هذا الموضع تم المثال وباقى الآية بين

وقوله تعالى فى بيوت اذن اللّه ان ترفع قال ابن عباس وغيره هى المساجد المخصوصة بعبادة اللّه التى من عادتها ان تنور بهذا النوع من المصابيح

وقوله اذن اللّه بمعنى امر وقضى وترفع قيل معناه تبنى وتعلى قاله مجاهد وغيره كقوله تعالى واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت وقال الحسن معناه تعظم ويرفع شأنها وذكر اسمه تعالى هو بالصلاة والعبادة قولا وفعلا ويسبح له فيها اي فى المساجد بالغدو والآصال قال ابن عباس اراد ركعتى الضحى والعصر وان ركعتى الضحى لفى كتاب اللّه وما يغوص عليها الاغواص ثم وصف تعالى المسبحين بانهم لمراقبتهم امر اللّه تعالى وطلبهم رضاه لا يشغلهم عن الصلاة وذكر اللّه شىء

من امور الدنيا ت وعن عمر رضى اللّه عنه ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قال يجمع الناس فى صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعى فينادى مناد سيعلم اهل الجمع لمن الكرم اليوم ثلاث مرات ثم يقول اين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ثم يقول اين الذين كانوا لا يلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه الى ءاخر الآية ثم ينادى مناد سيعلم اهل الجمع لمن الكرم اليوم ثم يقول اين الحمادون الذين يحمدون ربهم مختصرا رواه الحاكم فى المستدرك على الصحيحين وله طرق عن ابى اسحاق انتهى من السلاح ورواه ايضا ابن المبارك من طريق ابن عباس قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد ستعلمون اليوم من اصحاب الكرم ليقم الحامدون للّه تعالى على كل حال فيقومون فيسرحون الى الجنة ثم ينادى ثانية ستعلمون من اصحاب الكرم ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال فيقومون فيسرحون الى الجنة ثم ينادى ثالثة ستعلمون اليوم من اصحاب الكرم ليقم الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار فيقومون فيسرحون الى الجنة انتهى من التذكرة والزكاة هنا عند ابن عباس الطاعة للّه وقال الحسن هى الزكاة المفروضة فى المال واليوم المخوف هو يوم القيامة ومعنى الآية ان ذلك اليوم لشدة هوله القلوب والابصار فيه مضطربة قلقة متقلبة ت ومن الكلم الفارقية سعادة القلب اقباله على مقلبه والعالم بحال مئاله ومنقلبه القلوب بحار جواهرها المعارف وسواحلها الألسنة وغواصها الفكرة النافذة غواص بحر الصور يغوص بصورته فى طلب مكسبه والعارف يغوص بمعنى قلبه فى بحار غيب ربه فيلتقط جواهر الحكمة ودرر الدراية قلوب العارفين كالبحار تنعقد فى اصداف ضمائرهم جواهر المعارف والأسرار القلوب كالاراضى الى من اسلمت اليه قلبك

بذر فيه ما عنده من بذر نفسه ووسواسة العفن المسوس  بذر فيه معرفته بالرب المقدس انتهى ت فإن اردت سلامتك فى ذلك اليوم فليكن قلبك الآن مقبلا على طاعة مولاك فانه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى اللّه بقلب سليم قال الواحدى تتقلب فيه القلوب بين الطمع فى النجاة والخوف من الهلاك والإبصار تتقلب فى اي ناحية يوخذ بهم أذات اليمين ام ذات الشمال ومن اي جهة يؤتون كتبهم انتهى

٣٨

وقوله سبحانه ليجزيهم اي فعلوا ذلك ليجزيهم احسن ما عملوا اي ثواب احسن ما عملوا ولما ذكر تعالى حالة المؤمنين وتنويره قلوبهم عقب ذلك بذكر الكفرة واعمالهم فقال والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة وهى جمع قاع والقاع المنخفض البساط من الأرض ويريد بجاءه جاء موضعه الذى تخيله فيه ويحتمل أن يعود الضمير فى جاءه على السراب ثم يكون في الكلام بعد ذلك متروك يدل عليه الظاهر تقديره فكذلك الكافر يوم القيامة يظن عمله نافعا حتى اذا جاءه لم يجده شيأ

وقوله ووجد اللّه عنده اي بالمجازات والظمير فى عنده عائد على العمل وباقى الآية وعيد بين

٤٠

وقوله تعالى  كظلمات عطف على قوله كسراب وهذا المثال الأخير تضمن صفة اعمالهم فى الدنيا اي انهم من الضلال فى مثل هذه الظلمات المجتمعة من هذه الأشياء وذهب بعض الناس الى ان فى هذا المثال اجزاء تقابل اجزاء من الممثل به فقال الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة والبحر اللجى صدر الكافر وقلبه واللجى معناه ذو اللجة وهى معظم الماء وغمرة واجتماع ما به اشد لظلمته والموج هو الضلال والجهالة التى قد غمرت قلبه والسحاب هو شهوته فى الكفر وإعراضه عن الإيمان قال ع وهذا التأويل سائغ وان لايقدر هذا االتقابل سائغ

وقوله إذا اخرج يده لم يكد يراها لفظ يقتضى مبالغة الظلمة

واختلف فى هذه اللفظة هل معناها انه لم يريده البتة  المعنى انه رءاها

بعد عسر وشدة وكاد ان لا يراها ووجه ذلك ان كاد اذا صحبها حرف النفي وجب الفعل الذى بعدها واذا لم يصحبها انتفى الفعل وكاد معناها قارب

وقوله تعالى ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور قالت فرقة يريد فى الدنيا اي من لم يهده اللّه لم يهتد

وقالت فرقة اراد فى الآخرة اي من لم يرحمه اللّه وينور حاله بالمغفرة والرحمة فلا رحمة له قال ع والأول ابين واليق بلفظ الآية وايضا فذلك متلازم ونور الآخرة انما هو لمن نور قلبه فى الدنيا

٤١

وقوله تعالى الم تر أن اللّه يسبح له من فى السموات والأرض الآية الرؤية هنا قلبية والتسبيح التنزيه والتعظيم والاية عامة عند المفسرين لكل شىء من العقلاء والجمادات

وقوله تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه قال الزجاج وغيره المعنى كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه وقال الحسن المعنى كل قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه

وقالت فرقة المعنى كل قد علم صلاة اللّه وتسبيح اللّه اللذين امر بهما وهدى اليهما فهذه اضافة خلق الى خالق وباقي الآية وعيد ويزجى معناه يسوق والركام الذى يركب بعضه بعضا ويتكاثف والودق المطر قال البخارى من خلاله اي من بين اضعاف السحاب انتهى

وقوله تعالى وينزل من السماء من جبال فيها من برد قيل ذلك حقيقة وقد جعل اللّه فى السماء جبالا من برد

وقالت فرقة ذلك مجاز وانما اراد وصف كثرته وهذا كما تقول عند فلان جبال من مال وجبال من العلم ت وحمل اللفظ على حقيقته اولى ان لم يمنع من ذلك مانع ومن كتاب الفرج بعد الشدة للقاضى ابى على التنوخى احد الرواة عن ابى الحسن الدارقطنى والمختصين به قال اخبرنا ابو بكر الصولى عن بعض العلماء قال رأيت امرأة بالبادية وقد جاء البرد فذهب بزرعها فجاء الناس يعزونها فرفعت رأسها الى السماء وقالت اللّهم انت المأمول لأحسن الخلف وبيدك التعويض مما تلف فافعل بنا ما انت أهله فإن أرزاقنا عليك وءامالنا مصروفه اليك قال فلم ابرح حتى مر

رجل من الاجلاء فحدث بما كان فوهب لها خمسمائة دينار فأجاب اللّه دعوتها وفرج فى الحين كربتها انتهى والسنا مقصورا الضوء وبالمد المجد والساء فى قوله بالأبصار يحتمل ان تكون زائدة

٤٥

وقوله سبحانه واللّه خلق كل دابة من ماء الآية ءاية اعتبار والدابة كل ما دب من جميع الحيوان

وقوله من ماء قال الجمهور يعنى ان خلقة كل حيوان فيها ماء كما خلق آدم من الماء والطين وقال النقاش اراد منى الذكور والمشى على البطن للحيات والحوت والدود وغيره وعلى رجلين للانسان والطير اذا مشى وعلى اربع لسائر الحيوان وفى مصحف ابى بن كعب ومنهم من يمشى على اكثر فعمم بهذه الزيادة جميع الحيوان

٤٦

وقوله تعالى لقد انزلنا آيات مبينات يعم كل ما نصب اللّه تعالى من آية

وقوله تعالى ويقولون يعنى المنافقين روى ان رجلا من المنافقين اسمه بشر دعاه يهودى الى التحاكم عند النبى صلى اللّه عليه و سلم وكان المنافق مبطلا فأبى ودعا اليهودى الى كعب بن الاشرف فنزلت هذه الآية فيه والحيف الميل

٥١

وقوله سبحانه انما كان قول المؤمنين الآية المعنى انما كان الواجب ان يقوله المؤمنون اذا دعوا الى حكم اللّه ورسوله سمعنا واطعنا

٥٢

وقوله سبحانه ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه ويتقه فاولئك هم الفائزون قال الغزالى في المنهاج التقوى فى القرءان تطلق على ثلاثة اشياء

أحدها بمعنى الخشية والهيبة

قال اللّه عز و جل واياي فاتقون وقال سبحانه واتقوا يوما ترجعون فيه الى اللّه والثانى بمعنى الطاعة والعبادة

قال تعالى يا ايها الذين ءامنوا اتقوا اللّه حق تقاته قال ابن عباس اطيعوا اللّه حق طاعته وقال مجاهد هو ان يطاع فلا يعصي وان يذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر

والثالث بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب وهذه هى الحقيقة فى التقوى دون الأوليين الا ترى ان اللّه تعالى يقول ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه ويتقه فاولئك هم الفائزون ذكر الطاعة والخشية ثم

ذكر التقوى فعلمت ان حقيقة التقوى معنى سوى الطاعة والخشية وهى تنزيه القلب عن الذنوب انتهى

وقوله تعالى واقسموا باللّه جهد ايمانهم الآية جهد اليمين بلوغ الغاية فى تعقيدها وليخرجن معناه الى الغزو وهذه فى المنافقين الذين تولوا حين دعوا الى اللّه ورسوله

وقوله تعالى قل لا تقسموا طاعة معروفة يحتمل معانى

أحدها النهى عن القسم الكاذب اذ قد عرف ان طاعتهم دغلة فكأنه يقول لا تغالطوا فقد عرف ما انتم عليه والثانى ان المعنى لا تتكلفوا القسم فطاعة معروفة على قدر الاستطاعة امثل واجدر بكم وفى هذا التأويل ابقاء عليهم

وقيل غير هذا

وقوله تولوا معناه تتولوا والذى حمل النبى صلى اللّه عليه و سلم هو التبليغ والذى حمل الناس هو السمع والطاعة واتباع الحق وباقى الآية بين

٥٥

وقوله تعالى وعد اللّه الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم الآية عامة لأمة نبينا صلى اللّه عليه وسلم فى ان يملكهم اللّه البلاد كما هو الواقع فسبحانه ما اصدق وعده وقال الضحاك فى كتاب النقاش هذه الآية تتضمن خلافه ابى بكر وعمر وعثمان وعلى والصحيح فى الآية انها فى استخلاف الجمهور واللام فى ليستخلفنهم لام القسم

وقوله يعبدوننى فعل مستأنف اي هم يعبدوننى

وقوله ومن كفر يحتمل ان يريد كفر هذه النعم ويحتمل الكفر المخرج عن الملة عياذا باللّه من سخطه وباقى الآية بين مما تقدم فى غيرها

٥٨

وقوله تعالى يا ايها الذين ءامنوا ليستاذنكم الذين ملكت ايمانكم قيل الذين ملكت ايمانهم الرجال والنساء ورجحه الطبرى

وقيل الرجال خاصة

وقيل النساء خاصة ومعنى الآية عند جماعة من العلماء ان اللّه تعالى ادب عباده بان يكون العبيد والأطفال الذين عقلوا معانى الكشفة ونحوها يستاذنون على اهليهم فى هذه الأوقات الثلاث وهى الأوقات التى تقتضى عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعرى فى المضاجع وهى عند الصباح وفى وقت

م القائلة وهى الظهيرة لأن النهار ويظهر فيها اذا علا واشتد حره وبعد العشاء لأنه وقت التعرى للنوم واما فى غير هذه الأوقات فالعرف من الناس التحرز والتحفظ فلا حرج فى دخول هذه الصنيفة بغير اذن اذ هم طوافون يمضون ويجيئون لا يجد الناس بدا من ذلك

وقوله بعضكم على بعض بدل من قوله طوافون وثلاث مرات نصب على الظرف لانهم لم يومروا بالاستيذان ثلاثا وانما امروا بالاستيذان فى ثلاث مواطن فالظرفية فى ثلاث بينة

وقوله سبحانه كذلك يبين اللّه لكم آلايات واللّه عليم حكيم بين للمتأمل

٥٩

وقوله سبحانه واذا بلغ الاطفال منكم الحلم الآية امر تعالى فى هذه الآية ان يكونوا اذا بلغوا الحلم على حكم الرجال فى الاستيذان فى كل وقت وهذا بيان من اللّه عز و جل

وقوله تعالى كذلك يبين اللّه لكم اياته واللّه عليم حكيم بين لا يحتاج الى تفسير

والقواعد من النساء هن اللواتى قد اسنن وقعدن عن الولد واحدتهن قاعد وقال ربيعة هى هنا التى تستقذر من كبرها قال غيره وقد تقعد المرأة عن الولد وفيها مستمتع ولما كان الغالب من النساء ان ذوات هذا السن لا مذهب للرجال فيهن ابيح لهن ما لم يبح لغيرهن وقرأ ابن مسعود وابى ان يضعن من ثيابهن والعرب تقول امرأة واضع للتى كبرت فوضعت خمارها ثم استثنى عليهن فى وضع الثياب ان لا يقصدن به التبرج وإبداء الزينة فرب عجوز يبدو منها الحرص على ان يظهر لها جمال والتبرج طلب البدو والظهور للعين ومنه بروج مشيدة والذى ابيح وضعه لهن الجلباب الذى فوق الخمار والرداء قاله ابن مسعود وغيره ثم ذكر تعالى ان تحفظ الجميع منهن واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلتزم الشواب من الستر افضل لهن وخير

وقوله تعالى واللّه سميع عليم اي سميع لما يقول كل قائل وقائلة عليم بمقصد كل احد وفى هاتين الصفتين توعد وتحذير

٦١

وقوله تعالى ليس على

الأعمى حرج الى قوله كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تعقلون ظاهر الآية وامر الشريعة ان الحرج عنهم مرفوع فى كل ما يضطرهم اليه العذر وتقتضى نيتهن الاتيان به بالاكمل ويقتضى العذران يقع منهم الأنقص فالحرج مرفوع عنهم فى هذا وللناس اقوال فى الآية وتخصيصات يطول ذكرها وذكر اللّه تعالى بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء فقال المفسرون ذلك لأنها داخلة فى قوله من بيوتكم لان بيت ابن الرجل بيته

وقوله تعالى اوما ملكتم مفاتحه يريد ما خزنتم وصار فى قبضتكم فمعظمه ما ملكه الرجل فى بيته وتحت غلقة وهو تأويل الضحاك ومجاهد وعند جمهور المفسرين يدخل فى الآية الوكلاء والعبيد والاجراء بالمعروف وقرأ ابن جبير ملكتم مفاتيحه مبنيا للمفعول وزيادة ياءبين التاء والحاء وقرن تعالى فى هذه للاية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة لأن قرب المودة لصيق قال معمر قلت لقتادة الا اشرب من هذا الجب قال انت لى صديق فما هذا الاستيذان قال ابن عباس فى كتاب النقاش الصديق اوكد من القرابة الا ترى استغاثة الجهنميين فما لنا من شافعين ولا صديق حميم

وقوله تعالى ليس عليكم جناح ان تاكلوا جميعا  اشتاتا رد لمذهب جماعة من العرب كانت لا تأكل افذاذا البتة نحت به نحو كرم الخلق فأفرطت فى الزامة وان احضار الأكيل لحسن ولكن بأن لا يحرم الانفراد قال البخارى أشتاتا وشتى واحد انتهى وقال بعض اهل العلم هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام

ان دماءكم واموالكم عليكم حرام الحديث وبقوله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر

لا يحلبن احدكم ماشية احد الا بإذنه الحديث ت والحق ان لا نسخ فى شى مما ذكر وسيأتى مزيد بيان لهذا المعنى

وقوله سبحانه فاذا دخلتم بيوتا قال النخعى اراد المساجد والمعنى سلموا على من فيها

فإن لم يكن فيها احد فالسلام ان يقول السلام على رسول اللّه السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين وقال ابن عباس وغيره المراد البيوت المسكونة اي سلموا على من فيها قالوا ويدخل فى ذلك غير المسكونة ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ت وفى سلاح المؤمن وعن ابن عباس فى قوله عز و جل فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم قال هو المسجد اذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين يعنى البخارى ومسلما انتهى وهذا هو الصحيح عن ابن عباس وفهم النووى ان الآية فى البيوت المسكونة قال ففى الترمذى عن انس قال قال لى النبى صلى اللّه عليه و سلم

يا بنى اذا دخلت على اهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى اهل بيتك قال الترمذى حديث حسن صحيح وفى ابى داود عن ابى امامة عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال ثلاثة كلهم ضامن على اللّه عز و جل رجل خرج غازيا فى سبيل اللّه عزوجل فهو ضامن على اللّه تعالى حتى يتوفاه فيدخله الجنة  يرده بما نال من اجر  غنيمة ورجل راح الى المسجد فهو ضامن على اللّه تعالى حتى يتوفاه فيدخله الجنة  يرده بما نال من اجر وغنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على اللّه تعالى حديث حسن رواه أبو داود باسناد حسن ورواه ءاخرون والضمان الرعاية للشيء والمعنى انه فى رعاية اللّه عز و جل انتهى

وقوله تعالى تحية من عند اللّه مباركة وصفها تعالى بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه ت وقد ذكرنا فى سورة النساء ما ورد فى المصافحة من رواية ابن السنى قال النووى

وروينا فى سنن ابى داود والترمذى وابن ماجة عن البراء بن عازب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان الا غفر لهما قبل ان يقترقا انتهى والكاف من قوله كذلك كاف تشبيه وذك اشارة الى هذه السنن وقال ايضا بعض الناس فى

هذه الآية إنها منسوخة بآية الاستيذان المتقدمة قال ع والنسخ لا يتصور فى شىء من هذه الآيات بل هى كلها محكمة اما قوله ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ففى التعدى والخدع ونحوه واما هذه الآية ففى اباحة طعام هذه الأصناف التى يسرها استباحة طعامها على هذه الصفة واما ءاية الاذن فعله ايجاب الاستيذان خوف الكشفة فإذا استإذن المرء ودخل المنزل بالوجه المباح صح له بعد ذلك اكل الطعام بهذه الاباحة وليس يكون فى الآية نسخ فتأمله

٦٢

وقوله تعالى انما المومنون الذين ءامنوا باللّه ورسوله الآية انما هنا للحصر والأمر الجامع يراد به ما للإمام حاجة الى جمع الناس فيه لمصلحة فالأدب اللازم فى ذلك ان لا يذهب احد لعذر الا بإذنه والإمام الذى يترقب اذنه هو امام الأمارة

وروى ان هذه الآية نزلت فى وقت حفر النبى صلى اللّه عليه و سلم خندق المدينة فكان المؤمنون يستأذنون والمنافقون يذهبون دون اذن ثم امر تعالى نبيه عليه السلام بالاستغفار لصنفى المؤمنين من اذن له ومن لم يؤذن له وفى ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم

٦٣

وقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا اي لا تخاطبوه كمخاطبة بعضكم لبعض وامرهم تعالى فى هذه الآية وفى غيرها ان يدعو رسول اللّه بأشرف اسمائه وذلك هو مقتضى التوقير فالادب فى الدعاء ان يقول يا رسول اللّه ويكون ذلك بتوقير وبر وخفض صوت قاله مجاهد واللواذ الروغان ثم امرهم تعالى بالحذر من عذاب اللّه ونقمته اذا خالفوا امره ومعنى يخالفون عن امره اي يقع خلافهم بعد امره ثم اخبر تعالى انه قد علم ما اهل الارض والسماء عليه وباقى الآية بين والحمد للّه

﴿ ٠