سورة الشعراءوهى مكية كلها فى قول الجمهور بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى طسم تلك ءايات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين تقدم الكلام على الحروف التى فى اوائل السور والباخع القاتل والمهلك نفسه بالهم والخضوع للآية المنزلة اما لخوف هلاك كنتق الجبل على بنى اسراءيل واما لاجل الوضوح وبهر العقول بحيث يقع الاذعان لها والاعناق الجارحة المعلومة وذلك ان خضوع العنق والرقبة هو علامة الذلة والانقياد وقيل المراد بالاعناق جماعتهم يقال جاء عنق من الناس اي جماعة ٥وقوله تعالى وما ياتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فسيأتيهم انباء ما كانوا به يستهزءون لم يروا الى الارض كم انبتنا فيها من كل زوج كريم تقدم تفسير هذه الجملة فانظره فى محله وقوله تعالى فسياتيهم وعيد بعذاب الدنيا كبدر وغيرها ووعيد بعذاب الاخرة والزوج النوع والصنف والكريم الحسن المتقن قاله مجاهد وغيره وقوله تعالى وما كان أكثرهم مؤمنين حتم على اكثرهم بالكفر ثم توعد تعالى بقوله وان ربك لهو العزيز الرحيم اي عزيز فى انتقامه من الكفار رحيم بأوليائه المؤمنين ١٠وقوله تعالى واذ نادى ربك موسى التقدير واذكر اذ نادى ربك موسى وسوق هذه القصة تمثيل لكفار قريش فى تكذيبهم النبى صلى اللّه عليه و سلم وقوله فأرسل الى هارون معناه يعيننى ولهم علي ذنب يعنى قتله القبطى وقوله تعالى كلا ردا لقوله انى اخاف اي لا تخف ذلك وقول فرعون لموسى الم نربك فينا وليدا هو على جهة المن عليه والاحتقار اي ربيناك صغيرا ولم نقتلك فى جملة من قتلنا ولبثت فينا من عمرك سنين فمتى كان هذا الذى تدعيه ثم قرره على قتل القبطى بقوله وفعلت فعلتك والفعلة بفتح الفاء المرة وقوله وانت من الكافرين يريد وقتلت القبطى وانت فى قتلك اياه من الكافرين اذ هو نفس لا يحل قتلها قاله الضحاك يريد وانت من الكافرين بنعمتى فى قتلك اياه قاله ابن زيد ويحتمل ان يريد وانت الان من الكافرين بنعمتى وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطى وبين رجوعه نبيا الى فرعون احد عشر عاما غير اشهر وقوله قال فعلتها اذا من كلام موسى والضمير فى قوله فعلتها لقتله القبطى وقوله وانا من الضالين قال ابن زيد معناه من الجاهلين بأن وكزتى اياه تأتى على نفسه وقال ابو عبيدة معناه من الناسين ونزع بقوله ان تضل احداهما وفى قراءة ابن مسعود وابن عباس وانا من الجاهلين ويشبه ان تكون هذه القرءاة على جهة التفسير وحكما يريد النبوءة وحكمتها وقوله وجعلنى من المرسلين درجة ثانية للنبوءة فرب نبىء ليس برسول وقوله وتلك نعمة تمنها على الآية قال قتادة هذا من موسى على جهة الانكار على فرعون كأنه يقول يصح لك ان تعد على نعمة ترك قتلى من اجل انك ظلمت بنى اسراءيل وقتلتهم اي ليست بنعمة لأن الواجب كان الا تقتلنى ولا تقتلهم ولا تستعبدهم وقرأ الضحاك وتلك نعمة ما لك ان تمنها على وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل وقال الطبرى والسدى هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الاقرار بالنعمة كأنه يقول نعم وتربيتك نعمة على من حيث عبدت غيرى وتركتنى ولكن ذلك لا يدفع رسالتى ولما لم يجد فرعون حجة رجع الى معارضة موسى فى قوله ومارب العالمين واستفهمه استفهاما فقال موسى هو رب السموات والارض الآية فقال فرعون عند ذلك الا تستمعون على معنى الاغراء والتعجب من شنعة المقالة اذ كانت عقيدة القوم ان فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك فزاده موسى فى البيان بقوله ربكم ورب ءابائكم الاولين فقال فرعون حينئذ على جهة الاستخفاف ان رسولكم الذى ارسل اليكم لمجنون فزاده موسى فى بيان الصفات التى تظهر نقص فرعون وتبين انه فى غاية البعد عن القدرة عليها وهى ربوبية المشرق والمغرب ولم يكن لفرعون الاملك مصر ولما انقطع فرعون فى باب الحجة رجع الى الاستعلاء والتغلب فقال لموسى لئن اتخذت الها غيرى لاجعلنك من المسجونين وفى توعده بالسجن ضعف لأنه خارت طباعة معه وكان فيما روى انه يفزع من موسى فزعا شديدا حتى كان لا يمسك بوله وكان عند موسى من امر اللّه والتوكل عليه مالا يفزعه توعد فرعون فقال له موسى على جهة اللطف به والطمع فى ايمانه لو جئتك بشىء مبين يتضح لك معه صدقى فلما سمع فرعون ذلك طمع ان يجد اثناءه موضع معارضة فقال له فات به ان كنت من الصادقين فالقى موسى عصاه فاذا هى ثعبان مبين على ما تقدم بيانه ونزع يده من جيبه فاذا هى تتلألأ كأنها قطعة من الشمس فلما رأى فرعون ذلك هاله ولم يكن له فيه مدفع غير انه فزع الى رميه بالسحر وقوله يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحرة تقدم بيانه وكذلك قولهم وابعث فى المدائن حاشرين ياتوك بكل سحار عليم تقدم بيانه وقوله تعالى قال نعم وانكم اذا لمن المقربين يريد بتقريبهم الجاه الزائد على العطاء الذى طلبوه ٤٦وقوله تعالى فألقى السحرة ساجدين قالوا ءامنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذى علمكم السحر فلسوف تعلمون لأ قطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير انا الى ربنا منقلبون تقدم بيان هذه الجملة والحمد للّه فانظره فى محله قال ابن العربى فى احكامه قال مالك دعا موسى فرعون اربعين سنة الى الاسلام وان السحرة ءامنوا فى يوم واحد انتهى وقولهم لا ضير اي لا يضرنا ذلك مع انقلابنا الى مغفرة اللّه ورضوانه وقولهم ان كنا اول المومنين يريدون من القبط وصنيفتهم والا فقد كانت بنو اسراءيل ءامنت والشرذمة الجمع القليل المحتقر وشرذمة كل شىء بقيته الخسيسة وقوله لغائظون يريد بخلافهم الأمر وبأخذهم الاموال عارية وحذرون جمع حذر والضمير فى قوله فأخرجناهم عائد على القبط والجنات والعيون بحافتى النيل من اسوان الى رشيد قاله ابن عمر وغيره والمقام الكريم قال ابن لهيعة هو الفيوم وقيل هو المنابر وقيل مجالس الامراء والحكام وقيل المساكن الحسان ومشرقين معناه عند شروق الشمس وقيل معناه نحو المشرق والطود هو الجبل وازلفنا معناه قربنا وقرأ ابن عباس وأزلقنا بالقاف واتل عليهم نبأ ابراهيم الآية هذه الآية تضمنت الاعلام بغيت والعكوف الزوم وقوله فانهم عدو لى الارب العالمين قالت فرقة هو استثناء متصل لان فى الاباءالأقدمين من قد عبد اللّه تعالى وقالت فرقة هو استثناء منقطع لأنه انما اراد عباد الأوثان من كل قرن منهم واسند ابراهيم عليه السلام المرض الى نفسه والشفاء الى ربه عز و جل وهذا حسن ادب فى العبارة والكل من عند اللّه واوقف عليه السلام نفسه على الطمع فى المغفرة وهذا دليل على شدة خوفه مع علو منزلته عند اللّه وروى االترمذى عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من عاد مريضا زار اخا له فى اللّه ناداه مناد ان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى وفى صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال من عاد مريضا لم يزل فى خرفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول اللّه وما خرفة الجنة قال جناها انتهى وعنه صلى اللّه عليه و سلم من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عنده سبع مرات اسأل اللّه العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك الا عافاه اللّه سبحانه خرجه أبو داود والترمذى والحاكم فى المستدرك على الصحيحين بالاسناد الصحيح انتهى من حلية النووى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عند رأسه سبع مرات اسأل اللّه العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك الا عافاه اللّه من ذلك المرض رواه أبو داود واللفظ له والترمذى والنساءى والحاكم وابن حبان فى صحيحيهما بمعناه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين يعنى البخارى ومسلما وفى رواية النساءى وابن حبان كان النبى صلى اللّه عليه و سلم اذا عاد المريض جلس عند رأسه ثم قال فذكر مثله بمعناه انتهى من السلاح وقوله خطيئتى ذهب اكثر المفسرين الى انه اراد كذباته الثلاث قوله هى اختى فى شأن سارة وقوله انى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم وقالت فرقة اراد بالخطيئة اسم الجنس فدعا فى كل امره من غير تعيين قال ع وهذا اظهر عندى وقوله رب هب لى حكما اي حكمة ونبوءة ودعاؤه فى مثل هذا هو فى معنى التثبيت والدوام ولسان الصدق هو الثناء الحسن واستغفاره لابيه فى هذه الآية هو قبل ان يتبين له انه عدو للّه وقوله بقلب سليم معناه خالص من الشرك والمعاصى وعلق الدنيا المتروكة وان كانت مباحة كالمال والبنين قال سفيان هو الذى يلقى ربه وليس فى قلبه شىء غيره قال ع وهذا يقتضى عموم اللفظة ولكن السليم من الشرك هو الأهم وقال الجنيد بقلب لديغ من خشية اللّه والسليم اللديع ص الا من اتى اللّه الظاهر انه استثناء منقطع اي لكن من اتى اللّه بقلب سليم نفعته سلامة قلبه انتهى وازلفت معناه قربت والغاوون الذين برزت لهم الجحيم هم المشركون ثم اخبر سبحانه عن حال يوم القيامة من ان الاصنام تكبكب فى النار اي تلقى كبه واحدة وقال ص فكبكبوا اي قلب بعضهم على بعض وحروفه كلها اصول عند جمهور البصريين وذهب الزجاج وابن عطيه وغيرهما الى انه مضاعف الباء من كب وقال غيرهما وجعل التكرير من اللفظ دليلا على التكرير فى المعنى وذهب الكوفيون الى ان اصله كبب والكاف بدل من الباء الثانية انتهى والغاوون الكفرة الذين شملتهم الغواية وجنود ابليس نسله وكل من يتبعه لأنهم جند له واعوان ثم وصف تعالى ان اهل النار يختصمون فيها ويتلاومون قائلين لاصنامهم تاللّه ان كنا لفى ضلال مبين فى ان نعبدكم ونجعلكم سواء مع اللّه الذى هو رب العالمين ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم اي ما اضلنا الا كبراؤنا واهل الجرم والجراءة ثم قالوا على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والانبياء والعلماء نافعة فى اهل الايمان عموما وشفاعة الصديق فى صديقه خصوصا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم والحميم الولى والقريب الذى يخصك امره وحامة الرجل خاصته وباقى الآية بين وقول نوح عليه السلام انى لكم رسول امين اي امين على وحى اللّه ورسالته ص قرأ الجمهور واتبعك والجملة حال اي وقد اتبعك ويعقوب واتباعك وعن اليمانى واتباعك بالجر عطفا على الضمير فى لك انتهى والارذلون جمع الأرذل ولا يستعمل الا معرفا مضافا بمن قال ع ويظهر من الآية ان مراد قوم نوح بنسبة الرذيلة الى المومنين تهجين افعالهم لا النظر فى صنائعهم وذهب اشراف قوم نوح فى استنقاصهم ضعفة المؤمنين مذهب كفار قريش فى شأن عمار بن ياسر وصهيب وبلال وغيرهم وقولهم من المرجومين يحتمل ان يريدوا بالحجارة بالقول والشتم وقوله افتح معناه احكم والفتاح القاضى بلغة يمانية والفلك السفينة والمشحون معناه المملوء وقول هود عليه السلام لقومه أتبنون هو على جهة التوبيخ والريع المرتفع من الارض وله فى كلام العرب شواهد وعبر المفسرون عن الريع بعبارات وجملة ذلك انه المكان المشرف وهو الذى يتنافس البشر فى مبانية والاية البنيان قال ابن عباس ءاية علم وقال مجاهد ابراج الحمام وقيل القصور الطوال والمصانع جمع مصنع وهو ما صنع واتقن فى بنيانه من قصر مشيد ونحوه قال البخارى كل بناء مصنعة انتهى وقوله لعلكم تخلدون اي كأنكم تخلدون وكذا نقله البخارى عن ابن عباس غير مسند انتهى والبطش الآخذ بسرعة والجبار المتكبر ثم ذكرهم عليه السلام بأياد اللّه تعالى فيما منحهم وحذرهم من عذابه فكانت مراجعتهم ان سووا بين وعظه وتركه الوعظ وقرأ نافع وغيره خلق الأولين بضم اللام فالإشارة بهذا الى دينهم اي ما هذا الذى نحن عليه الاخلق الناس وعادتهم وقرأ ابن كثير وغيره خلق بسكون اللام فيحتمل المعنى ما هذا الذى تزعمه الا اخلاق الأولين من الكذبة فانت على منهاجهم وروى علقمة عن ابن مسعود الا اختلاق الأولين وقول صالح لقومه اتتركون فيما ها هنا تخويف لهم بمعنى اتطمعون ان تقروا فى النعم على معاصيكم والهضيم معناه اللين الرطب والطلع الكفرى وهو عنقود التمر قبل ان يخرج من الكم فى اول نباته فكان الاشارة الى ان طلعها يتم ويرطب قال ابن عباس اذا اينع وبلغ فهو هضيم وقال الزجاج هو قيل الذى رطبه بغير نوى وقال الثعلبى قال ابن عباس هضيم لطيف ما دام فى كفراه انتهى وقرأ الجمهور تنحتون بكسر الحاء وفرهين من الفراهة وهى جودة منظر الشىء وخبرته وقوته وقوله ولا تطيعوا امر المسرفين خاطب به جمهور قومه وعن بالمسرفين كبراءهم واعلام الكفر والإضلال فيهم قالوا انما انت من المسحرين اي قد سحرت ص قرأ الجمهور شرب بكسر الشين اي نصيب وقرأ ابن ابى عبلة بضم الشين فيهما انتهى ١٦٠وقوله تعالى كذبت قوم لوط المرسلين اذ قال لهم اخوهم لوط قال النقاش ان فى مصحف ابن مسعود وابى وحفصة اذ قال لهم لوط وسقط اخوهم وقوله انى لعملكم من القالين القلى البغض فنجاه اللّه بان امره بالرحلة على ما تقدم فى قصصهم وقوله تعالى كذب اصحاب ليكة المرسلين قرأ نافع وابن كثير وابن عامر اصحاب ليكة على وزن فعله هنا وفى ص وقرأ الباقون الايكة وهى الدوحة الملتفة من الشجر على الاطلاق وقيل من شجر معروف له غضارة تالفة الحمام والقمارى ونحوها وليكة اسم البلد فى قراءة من قرأ ذلك قاله بعض المفسرين وذهب قوم الى انها مسهلة من الأيكة وانها وقعت فى المصحف هنا وفى ص بغير الف وقوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين وكذلك ما بعده بلفظ الجمع من حيث ان تكذيب نبيىء واحد يستلزم تكذيب جميع الانبياء لانهم كلهم يدعون الخلق الى الايمان باللّه تعالى واليوم الآخر وفى قول الانبياء عليهم السلام الا تتقون عرض رفيق وتلطف كما قال تعالى فقل هل لك الى ان تزكى والجبلة الخليقة والقرون الماضية والكسف القطع واحدها كسفه ويوم الظلة هو يوم عذابهم وصورته فيما روى ان اللّه امتحنهم بحر شديد وانشأ اللّه سبحانه فى بعض قطرهم فجاء بعضهم الى ظلها فوجد لها بردا وروحا فتداعوا اليها حتى تكاملوا فاضطرمت عليهم نارا فأحرقتهم عن آخرهم وقيل غير هذا والحق انه عذاب جعله اللّه ظلة عليهم وقوله تعالى وانه لتنزيل رب العالمين يعنى القرءان وقوله بلسان عربى متعلق بنزل اي سمعة النبى صلى اللّه عليه و سلم من جبريل حروفا عربية وهذا هو القول الصحيح وما سوى هذا فمردود وقوله سبحانه وانه لفى زبر الاولين اي القرءان مذكور فى الكتب المنزلة القديمة منبه عليه مشار اليه لم يكن لهم ءاية ان يعلمه علماء بنى اسراءيل كعبد اللّه بن سلام ونحوه قاله ابن عباس ومجاهد قال مقاتل هذه الآية مدنية ومن قال ان الآية مكية ذهب الى ان علماء بنى اسراءيل ذكروا لقريش ان فى التوراة صفة النبى الآمى وان هذا زمانه فهذه الاشارة الى ذلك ان قريشا بعثت الى الاحبار يسئلونهم عن امر النبى صلى اللّه عليه و سلم ثم اخبر تعالى ان هذا القرءان لو سمعوه من اعجم اي من حيوان غير ناطق من جماد والاعجم كل ما لا يفصح ما كانوا يؤمنون والاعجمون جمع اعجم وهو الذى لا يفصح وان كان عربى النسب وكذلك يقال للحيوانات والجمادات ومنه الحديث جرح العجماء جبار والعجمى هو الذى نسبه فى العجم وان كان افصح الناس وقرأ الحسن الأعجميين قال ابو حاتم اراد الاعجمى المنسوب الى العجم وقال الثعلبى معنى الآية ولو نزلناه على رجل ليس بعربى اللسان فقرأه عليهم بغير لغة العرب لما ءامنوا به انفة من اتباعه انتهى ٢٠٠وقوله تعالى كذلك سلكناه فى قلوب المجرمين قال ع وسلكناه معناه ادخلناه والضمير فيه للكفر الذي يتضمنه قوله ما كانوا به مؤمنين قاله الحسن وقيل الضمير للتكذيب وقيل للقرءان ورجح بأنه المتبادر الى الذهن والمجرمون اراد به مجرمي كل امة اي ان هذه عادة اللّه فيهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب فكفار قريش كذلك وهل نحن منظرون اي مؤخرون وقوله سبحانه افبعذابنا يستعجلون توبيخ لقريش على استعجالهم العذاب وقولهم للنبى صلى اللّه عليه و سلم اسقط علينا كسفا من السماء وقولهم اين ما تعدنا ثم خاطب سبحانه نبيه عليه السلام بقوله افرأيت ان متعناهم سنين قال عكرمة سنين يريد عمر الدنيا ثم اخبر تعالى انه لم يهلك قرية من القرى الا بعد ارسال من ينذرهم عذاب اللّه عز و جل ذكرى لهم وتبصرة وقوله تعالى وما تنزلت به الشياطين الضمير فى به عائد على القرءان وقوله تعالى انهم عن السمع لمعزولون اي لان السماء محروسة بالشهب الجارية اثر الشياطين ثم وصى تعالى نبيه بالثبوت على التوحيد والمراد امته فقال فلا تجعل مع اللّه الها آخر الآية وقوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين الآية وفى صحيح البخارى وغيره عن ابن عباس لما نزلت هذه الآية خرج النبى صلى اللّه عليه و سلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال أرأيتم ان اخبرتكم ان خيلا تخرج من سفح هذا الجبل اكنتم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد الحديث وخص بإنذاره عشيرته لانهم مظنة الطواعية واذ يكنه من الإغلاظ عليهم ما لا يحتمله غيرهم ولان الانسان غير متهم على عشيرته والعشيرة قرابة الرجل وخفض الجناح استعارة معناه لين الكلمة وبسط الوجه والبر والضمير فى عصوك عائد على عشيرته ثم امر تعالى نبيه عليه السلام بالتوكل عليه فى كل اموره ثم جاء بالصفات التى تونس المتوكل وهى العزة والرحمة وقوله الذى يراك حين تقوم يراك عبارة عن الادراك وظاهر الآية انه اراد قيام الصلاة ويحتمل سائر التصرفات وهو تأويل مجاهد وقتادة وقوله سبحانه وتقلبك فى الساجدين قال ابن عباس وغيره يريد اهل الصلاة اي صلاتك مع المصلين ٢٢١وقوله تعالى قل هل أنبئكم اي قل لهم يا محمد هل اخبركم على من تنزل الشياطين والأفاك الكذاب والاثيم الكثير الأثيم ويريد الكهنة لانهم كانوا يتلقون من الشياطين الكلمة الواحدة التى سمعت من السماء فيخلطون معها مائة كذبة حسبما جاء فى الحديث وقد ذكرناه فى غير هذا الموضع والضمير فى يلقون يحتمل ان يكون للشياطين ويحتمل ان يكون للكهنة ولما ذكر الكهنة بغفكهم وحالهم التى تقتضى نفى كلامهم عن كلام اللّه تعالى عقب ذلك بذكر الشعراء وحالهم لينبه على بعد كلامهم من كلام القرءان اذ قال بعض الكفرة فى القرءان انه شعر والمراد شعراء الجاهلية ويدخل فى الآية كل شاعر مخلط يهجو ويمدح شهوة ويقذف المحصنات ويقول الزور وقوله الغاوون قال ابن عباس هم المستحسنون لأشعارهم المصاحبون لهم وقال عكرمة هم الرعاع الذين يتبعون الشاعر ويغتنمون انشاده وقوله فى كل واد يهيمون عبارة عن تخليطهم وخوضهم فى كل فن من غث الكلام وباطله قاله ابن عباس وغيره وروى جابر بن عبد اللّه عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال من مشى سبع خطوات فى شعر كتب من الغاوين ذكره اسد بن موسى وذكره النقاش ٢٢٧وقوله تعالى الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات الآية هذا الاستثناء هو فى شعراء الاسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد اللّه بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ويروى عن عطاء بن يسار وغيره ان هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل فى الشعراء فذكروا ذلك للنبى صلى اللّه عليه و سلم فنزلت ءاية الاستثناء بالمدينة وقوله تعالى وذكروا اللّه كثيرا يحتمل ان يريد فى اشعارهم وهو تأويل ابن زيد ويحتمل ان ذلك خلق لهم وعبادة قاله ابن عباس فكل شاعر فى الاسلام يهجو ويمدح عن غير حق فهو داخل فى هذه الآية وكل تقى منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل فى الاستثناء ت قد كتبنا والحمد للّه فى هذا المختصر جملة صالحة فى فضل الأذكار عسى اللّه ان ينفع به من وقع بيده ففى جامع الترمذى عن ابى سعيد الخدرى قال سئل النبى صلى اللّه عليه و سلم اي العباد افضل درجة عند اللّه تعالى يوم القيامة قال الذاكرون اللّه كثيرا قلت ومن الغازى فى سبيل اللّه عز و جل قال لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون اللّه تعالى افضل منه وروى الترمذى وابن ماجة عن ابى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها فى درجاتكم وخيرلكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى قال ذكر اللّه تعالى قال الحاكم ابو عبد اللّه فى كتابة المستدرك على الصحيحين هذا حديث صحيح الاسناد انتهى من حلية النووى وقوله وانتصروا من بعد ما ظلموا اشارة الى ما رد به حسان وعلى وغيرهما على قريش ت قيل وانصف بيت قالته العرب قول حسان لابى سفيان لابى جهل ... اتهجوه ولست له بكفو ... فشركما لخيركما الفداء ... وباقى الآية وعيد لظلمة كفار مكة وتهديد لهم |
﴿ ٠ ﴾