سورة النملوهى مكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى طس تلك ءايات القرءان وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين تقدم القول فى الحروف المقطعة وعطف الكتاب على القرءان وهما لمسمى واحد من حيث هما صفتان لمعنيين فالقرءان لانه اجتمع والكتاب لانه يكتب واقامة الصلاة ادامتها واداؤها على وجهها وقوله تعالى زينا لهم أعمالهم اي جعل سبحانه عقابهم على كفرهم ان حتم عليهم الكفر وحبب اليهم الشرك وزينة فى نفوسهم والعمة الحيرة والتردد فى الضلال ثم توعدهم تعالى بسوء العذاب فمن ناله منه شىء فى الدنيا بقى عليه عذاب الآخرة ومن لم ينله عذاب الدنيا كان سوء عذابه فى موته وفى ما بعده ٦وقوله تعالى وانك لتلقى القرءان تلقى مضاعف لقى يلقى ومعناه تعطى كما قال وما يلقاها الا ذو حظ عظيم وهذه الآية رد على كفار قريش فى قولهم ان القرءان من تلقاء محمد ومن لدن معناه من عنده ومن جهته ثم قص تعالى خبر موسى حين خرج بزوجه بنت شعيب عليه السلام يريد مصر وقد تقدم فى طه قصص الآية وقوله سئاتيكم منها بخبر آتيكم بشهاب قبس الآية اصل الشهاب الكوكب المنقص فى اثر مسترق السمع وكل ما يقال له شهاب من المنيرات فعلى التشبيه والقبس يحتمل ان يكون اسما ويحتمل ان يكون صفة وقرأ الجمهور باضافة شهاب الى قبس وقرأ حمزة والكساءى وعاصم بتنوين شهاب قبس فهذا على الصفة ص وقوله جاءها ضمير المفعول عائد على النار وقيل على الشجرة انتهى وبورك معناه قدس ونمى خيره والبركة مختصة بالخير وقوله تعالى من فى النار قال ابن عباس اراد النور وقال الحسن وابن عباس واراد بمن حولها الملائكة وموسى قال ع ويحتمل ان تكون من للملائكة لان ذلك النور الذى حسبه موسى نارا لم يخل من ملائكة ومن حولها لموسى والملائكة المطيفين به وقرأ ابى بن كعب ان بوركت النار ومن حولها ٨وقوله تعالى وسبحان اللّه رب العالمين هو تنزيه للّه تعالى مما عساه ان يخطر ببال فى معنى النداء من الشجرة اي هو منزه عن جميع ما تتوهمه الاوهام وعن التشبيه والتكييف والضمير فى انه للأمر والشأن ١٠وقوله سبحانه وألق عصاك الآية امره تعالى بهذين الأمرين إلقاء العصا وامر اليد تدريبا ! له فى استعمالهما والجان الحيات لأنها تجن انفسها اي تسترها وقالت فرقة الجان صغار الحيات وقوله تعالى ولى مدبرا ولم يعقب اي ولى فارا قال مجاهد ولم يرجع وقال قتادة ولم يلتفت قال ع وعقب الرجل اذا ولى عن امر ثم صرف بدنه اووجهه اليه ثم ناداه سبحانه مؤنسا له يا موسى لا تخف انى لا يخاف لدى المرسلون ١١وقوله تعالى إلا من ظلم قال الفراء وجماعة الاستثناء منقطع وهو اخبار عن غير الانبياء كأنه سبحانه قال لكن من ظلم من الناس ثم تاب فإنى غفور رحيم وهذه الآية تقتضى المغفرة للتائب والجيب الفتح فى الثوب لرأس الانسان وقوله تعالى فى تسع ءايات متصل بقوله الق وادخل يدك وفيه اقتضاب وحذف والمعنى فى جملة تسع ءايات وقد تقدم بيانها والضمير فى جاءتهم لفرعون وقومه وظاهر قوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها حصول الكفر عنادا وهى مسئلة خلاف قد تقدم بيانها وظلما معناه على غير استحقاق للجحد والعلو فى الارض اعظم ءافة على طالبه قال اللّه تعالى تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الارض ولا فسادا ١٥وقوله تعالى ولقد آتينا داود وسليمان علما الآية هذا ابتداء قصص فيه غيوب وعبر وورث سليمان داود اي ورث ملكه ومنزلته من النبوءة بعد موت ابيه وقوله علمنا منطق الطير اخبار بنعمة اللّه تعالى عندهما فى ان فهمهما من اصوات الطير المعانى التى فى نفوسها وهذا نحو ما كان النبى صلى اللّه عليه و سلم يسمع اصوات الحجارة بالسلام عليه وغير ذلك حسب ما هو فى الآثار قال قتادة وغيره انما كان هذا الأمر فى الطير خاصة والنملة طائر اذ قد يوجد لها جناحان وقالت فرقة بل مكان ذلك فى جميع الحيوان وانما خص الطير لأنه كان جندا من جنود سليمان يحتاجه فى التظليل من الشمس وفى البعث فى الأمور والنمل حيوان فطن قوى شمام جدا يدخر ويتخذ القرى ويشق الحب بقطعتين ليلا ينبت ويشق الكزبرة بأربع قطع لأنها تنبت اذا قسمت شقين ويأكل فى عامة نصف ما جمع ويستبقي سائره عدة قال ابن العربى فى احكامه ولا خلاف عند العلماء فى ان الحيوانات كلها لها افهام وعقول وقد قال الشافعى الحمام اعقل الطير انتهى وقوله وأوتينا من كل شىء معناه يصلح لنا ونتمناه وليست على العموم ثم ذكر شكر فضل اللّه تعالى واختلف فى مقدار جند سليمان عليه السلام اختلافا شديدا لا ارى ذكره لعدم صحة التحديد غير ان الصحيح فى هذا ان ملكه كان عظيما ملأ الارض وانقادت له المعمورة كلها وكان كرسيه يحمل اجناده من الانس والجن وكانت الطير تظله من الشمس ويبعثها فى الامور ويوزعون معناه يرد اولهم الى ءاخرهم ويكفون قال قتادة فكان لكل صنف وزعة ومنه قول الحسن البصري حين ولى قضاء البصرة لابد للحاكم من وزعة ومنه قول ابى قحافة للجارية ذلك يا بنية الوازع ومنه قول الشاعر ... على حين عاتبت المشيب على الصبا ... فقلت الما اصح والشيب وازع ... اي كاف وهكذا نقل ابن العربى عن مالك فقال يوزعون اي يكفون قال ابن العربى وقد يكون بمعنى يلهمون من قوله اوزعنى ان اشكر نعمتك اي الهمنى انتهى من الاحكام وقوله تعالى فتبسم ضاحكا من قولها التبسم هو ضحك الانبياء فى غالب امرهم لا يليق بهم سواه وكان تبسمه سرورا بنعمة اللّه تعالى عليه فى أسماعه وتفهيمه وفى قول النملة وهم لا يشعرون ثناء على سليمان وجنوده يتضمن تنزيههم عن تعمد القبيح ثم دعا سليمان عليه السلام ربه ان يعينه ويفرغه لشكر نعمته وهذا معنى ايزاع الشكر وقال الثعلبى وغيره اوزعنى معناه الهمنى وكذلك قال العراقى اوزعنى الهمنى انتهى وقوله تعالى وتفقد الطير الآية قالت فرقة ذلك بحسب ما تقتضيه العناية بالمملكة والتهمم بكل جزء منها وهذا ظاهر الآية انه تفقد جميع الطير وقالت فرقة بل تفقد الطير لان الشمس دخلت من موضع الهدهد فكان ذلك سبب تفقد الطير ليبين من اين دخلت الشمس وقال عبد اللّه بن سلام انما طلب الهدهد لانه احتاج الى معرفة الماء على كم هو من وجه الارض لانه كان نزل فى مفازة عدم فيها الماء وان الهدهد كان يرى باطن الارض وظاهرها فكان يخبر سليمان بموضع الماء ثم كانت الجن تخرجه فى ساعة وقيل غير هذا واللّه اعلم بما صح من ذلك ثم توعد عليه السلام الهدهد بالعذاب فروى عن ابن عباس وغيره ان تعذيبه للطير كان بنتف ريشه والسلطان الحجة حيث وقع فى القرءان قاله ابن عباس وفعل سليمان هذا بالهدهد اغلاظا على العاصين وعقابا على اخلاله بنبوته ورتبته والضمير فى مكث يحتمل ان يكون لسليمان اوللّهدهد وفى قراءة ابن مسعود فتمكث ثم جاء فقال وفى قراءة ابى فتمكث ثم قال احطت ت وهاتان القراءتان تبينان ان الضمير فى مكث للّهدهد وهو الظاهر ايضا فى قراءة الجماعة ومعنى مكث اقام وقوله غير بعيد يعنى فى الزمن وقوله احطت اي علمت وقرأ الجمهور سبإ بالصرف على انه اسم رجل وبه جاء الحديث عن النبى صلى اللّه عليه و سلم من حديث فروة بن مسيك وغيره سئل عليه السلام عن سبإ فقال كان رجلا له عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم اربعة ورواه الترمذى من طريق فروة بن مسيك وقرأ ابن كثير وابو عمرو سبأ بفتح الهمزة وترك الصرف على انه اسم بلدة وقاله الحسن وقتادة وقوله واوتيت من كل شىء اي مما تحتاجه المملكة قال الحسن من كل امر الدنيا وهذه المرأة هى بلقيس ووصف عرشها بالعظم فى الهيئة ورتبة الملك واكثر بعض الناس فى قصصها بما رأيت اختصاره لعدم صحته وانما اللازم من الآية انها امرأة ملكة على مدائن اليمن ذات ملك عظيم وكانت كافرة من قوم كفار ٢٥وقوله الا يسجدوا للّه الى قوله العظيم ظاهره انه من قول الهدهد وهو قول ابن زيد وابن اسحاق ويحتمل ان يكون من قول اللّه تعالى اعتراضا بين الكلامين وقراءة التشديد فى الا تعطي ان الكلام للّهدهد وهى قراءة الجمهور وقراءة التخفيف وهى للكساءى تمنعه وتقوى الآخر فتأمله وقرأ الأعمش هلا يسجدون وفى حرف عبد اللّه الأهل تسجدون بالتاء والخبء الخفى من الامور وهو من خبأت الشىء واللفظة تعم كل ما خفى من الأمور وبه فسر ابن عباس وقرأ الجمهور يخفون ويلعنون بياء الغائب وهذه القراءة تعطي ان الآية من كلام الهدهد وقرأ الكساءى وحفص عن عاصم تخفون وتعلنون بتاء الخطاب وهذه القراءة تعطى ان الآية من خطاب اللّه تعالى لامة صلى اللّه عليه وسلم قوله فألقه اليهم ثم تول عنهم قال وهب بن منبه امره بالتولى حسن ادب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك بمعنى وكن قريبا حتى ترى مراجعاتهم وليكل الامر الى حكم ما فى الكتاب دون ان تكون للرسول ملازمة ولا الحاح وروى وهب بن منبه فى قصص هذه الآية ان الهدهد وصل فوجد دون هذه الملكة حجب جدرات فعمد الى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عند طلوعها لمعنى عبادتها اياها فدخل منها ورمى بالكتاب اليها فقرأته وجمعت اهل ملكها فخاطبتهم بما يأتى بعد قالت يا ايها الملأ تعنى الاشراف انى القى الى كتاب كريم وصفت الكتاب بالكريم اما لانه من عند عظيم لانه بدىء باسم كريم ثم اخذت تصف لهم ما فى الكتاب ثم اخذت فى حسن الادب مع رجالها ومشاورتهم فى امرها فراجعها قومها بما يقر عينها من اعلامهم اياها بالقوة والبأس ثم سلموا الامر الى نظرها وهذه محاورة حسنة من الجميع وفى قراءة عبد اللّه ما كنت قاضية امرا بالضاد من القضاء ثم اخبرت بلقيس بفعل الملوك بالقرى التى يتغلبون عليها وفى كلامها خوف على قومها وحيطة لهم قال الداودى وعن ابن عباس اذا دخلوا قرية افسدوها قال اذا اخذوها عنوة اخربوها انتهى وقوله وكذلك يفعلون قالت فرقة هو من قول بلقيس وقال ابن عباس هو من قول اللّه تعالى معرفا لمحمد عليه السلام وامته بذلك وانى مرسلة اليهم بهدية الآية روى ان بلقيس قالت لقومها انى اجرب هذا الرجل بهدية فيها نفائس الأموال فإن كان ملكا دنيويا ارضاه المال وان كان نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا الا ان نتبعه على دينه فينبغى ان نؤمن به ونتبعه على دينه فبعث اليه بهدية عظيمة ٣٦وقوله تعالى فلما جاء سليمان يعنى رسل بلقيس وقول سليمان ارجع خطاب لرسلها لأن الرسول يقع على الجمع والافراد والتذكير والتانيت وفى قراءة ابن مسعود فلما جاءوا سليمان وقرأ ارجعوا ووعيد سليمان لهم مقترن بدوامهم على الكفر قال البخارى لا قبل لهم بها اي لا طاقة لهم انتهى ثم قال سليمان لجمعه يا ايها الملأ ايكم يأتينى بعرشها قال ابن زيد وغرضه فى استدعاء عرشها ان يريها القدرة التى من عند اللّه وليغرب عليها ومسلمين فى هذا التاويل بمعنى مستسلمين ويحتمل ان يكون بمعنى الإسلام وقال قتادة كان غرض سليمان اخذه قبل ان يعصمهم الاسلام فالإسلام على هذا التأويل يراد به الدين ت والتأويل الأول اليق بمنصب النبوءة فيتعين حمل الآية عليه واللّه اعلم وروى ان عرشها كان من ذهب وفضة مرصعا بالياقوت والجوهر وانه كان فى جوفه سبعة ابيات عليها سبعة اغلاق والعفريت هو من الشياطين القوى المارد وقوله قبل ان تقوم من مقامك قال مجاهد وقتادة معناه قبل قيامك من مجلس الحكم وكان يجلس من الصبح الى وقت الظهر فى كل يوم وقيل معناه قبل ان تستوي من جلوسك قائما وقول الذى عنده علم من الكتاب انا ءاتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك قال ابن جبير وقتادة معناه قبل ان يصل اليك من يقع طرفك عليه فى ابعد ما ترى وقال مجاهد معناه قبل ان تحتاج الى التغميض اي مدة ما يمكنك ان تمد بصرك دون تغميض وذلك ارتداده قال ع وهذان القولان يقابلان القولين قبلهما وقوله لقوى أمين معناه قوى على حمله امين على ما فيه ويروى ان الجن كانت تخبر سليمان بمناقل سير بلقيس فلما قربت قال ايكم ياتينى بعرشها فدعا الذى عنده علم من التوراة وهو الكتاب المشار اليه باسم اللّه الاعظم الذى كانت العادة فى ذلك الزمان ان لا يدعو به احد الا اجيب فشقت الارض بذلك العرش حتى نبع بين يدي سليمان عليه السلام وقيل بل جىء به فى الهواء وجمهور المفسرين على ان هذا الذى عنده علم من الكتاب كان رجلا صالحا من بنى اسراءيل اسمه آصف بن برخيا روى انه صلى ركعتين ثم قال لسليمان يا نبى اللّه امدد بصرك نحو اليمن فمد بصره فإذا بالعرش فما رد سليمان بصره الا وهو عنده وقال قتادة اسمه بلخيا وقول سليمان عليه السلام نكروا لها عرشها يريد تجربة ميزها ونظرها وروت فرقة ان الجن احست من سليمان ظنت به انه ربما تزوجها فكرهوا ذلك وعيبوها عنده بأنها غير عاقلة ولا مميزة وان رجلها كحافر دابة فجرب عقلها وميزها بتنكير السرير وجرب امر رجلها بأمر الصرح لتكشف عن ساقيها عنده وتنكير العرش تغيير وضعه وستر بعضه وقولها كانه هو تحرز فصيح وقال الحسن بن الفضل شبهوا عليها فشبهت عليهم ولو قالوا اهذا عرشك لقالت نعم ثم قال سليمان عند ذلك وأوتينا العلم من قبلها الآية وهذا منه على جهة تعديد نعم اللّه عليه وعلى ءابائه ٤٣وقوله تعالى وصدها ما كانت تعبداي عن الايمان وهذا الكلام يحتمل ان يكون من قول سليمان اومن قول اللّه اخبارا لمحمد عليه السلام قال محمد ابن كعب القرظى وغيره ولما وصلت بلقيس امر سليمان الجن فصنعت له صرحا وهو السطح فى الصحن من غير سقف وجعلته مبنيا كالصهريج وملئى ماء وبث فيه السمك وطبقه بالزجاج الابيض الشفاف وبهذا جاء صرحا والصرح ايضا كل بناء عال وكل هذا من التصريح وهو الاعلان البالغ ثم وضع سليمان فى وسط الصرح كرسيا فلما وصلته بلقيس قيل لها ادخلى الى النبى عليه السلام فلما رأت الصرح حسبته لجة وهو معظم الماء ففزعت وظنت انها قصد بها الغرق وتعجبت من كون كرسيه على الماء ورأت ماهالها ولم يكن لها بد من امتثال الأمر فكشفت عن ساقيها فرأى سليمان ساقيها سليمة مما قالت الجن غير انها كثيرة الشعر فلما بلغت هذا الحد قال لها سليمان انه صرح ممرد من قوارير والممرد المحكوك المملس ومنه الامرد فعند ذلك قالت رب انى ظلمت نفسى واسلمت مع سليمان للّه رب العالمين فروى ان سليمان تزوجها عند ذلك واسكنها الشام قاله الضحاك وقيل تزوجها وردها الى ملكها باليمن وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة فولدت له غلاما سماه داود مات فى حياته وروى ان سليمان لما اراد زوال شعر ساقيها امر الجن بالتلطف فى زواله فصنعوا النورة ولم تكن قبل وصنعوا الحمام ٤٥وقوله تعالى ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا الآية تمثيل لقريش وفريقان يريد بهما من آمن بصالح ومن كفر به واختصامهم هو تنازعهم وقد ذكر تعالى ذلك فى سورة الأعراف ثم ان صالحا عليه السلام ترفق بقومه ووقفهم على خطإهم فى استعجالهم العذاب قبل الرحمة المعصية للّه قبل الطاعة ثم اجابوه بقولهم اطيرنا بك اي تشاءمنا بك وتسعة رهط هم رجال كانوا من اوجه القوم واعتاهم وهم اصحاب قدار والمدينة مجتمع ثمود وقريتهم وقوله تعالى تقاسموا قال الجمهور هو فعل امر أشار بعضهم على بعض بأن يتخالفوا على هذا الفعل بصالح وحكى الطبرى انه يجوز ان يكون تقاسموا فعلا ماضيا فى موضع الحال كأنه قال متقاسمين متحالفين باللّه لنبيتنه واهله وتؤيده قراءة عبد اللّه ولا يصلحون تقاسموا باسقاط قالوا قال ع وهذه الألفاظ الدالة على قسم تجاوب باللام وان لم يتقدم قسم ظاهر فاللام فى لنبيتنه جواب القسم وروى فى قصص هذه الآية ان هؤلاء التسعة لما كان فى صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة وقد اخبرهم صالح بمجيىء العذاب اتفق هؤلاء التسعة فتحالفوا على ان يأتوا دار صالح ليلا فيقتلوه واهله المختصين به قالوا فإن كان كذبا فى وعيده اوقعنا به ما يستحق وان كان صادقا كنا قد عجلناه قبلنا وشفينا به نفوسنا فجاءوا لذلك فى غار قريب من داره فروى انه انحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا وروى انها طبقت عليهم الغار فهلكوا فيه حين هلك قومهم وكل فريق لا يعلم بما جرى على الآخر وقد كانوا بنوا على جحود الأمر من قرابة صالح ويعنى بالاهل كل من آمن به قاله الحسن وقوله سبحانه ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون قال ابن العربى الحاتمي المكر ارداف النعم مع المخالفة وابقاء الحال مع سوء الأدب انتهى من شرحه لالفاظ الصوفية والتدمير الهلاك وخاوية معناه قفرا وهذه البيوت المشار اليها هى التى قال فيها النبى صلى اللّه عليه و سلم عام تبوك لا تدخلوا بيوت المعذبين الا ان تكونوا باكين الحديث فى صحيح مسلم وغيره ٥٤وقوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ائنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم تجهلون تقدم قصص هؤلاء القوم وتبصرون معناه بقلوبكم قال ابو حيان وشهوة مفعول من اجله انتهى وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن اللّه من عمل عمل لوط رواه أبو داود والترمذى والنساءى واللفظ له وابن ماجة وابن حبان فى صحيحه انتهى من السلاح ٥٩وقوله تعالى قل الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى أآللّه خير أما تشركون الايات هذا ابتداء تقرير وتنبيه لقريش والعرب وهو بعد يعم كل مكلف من الناس جميعا وافتتح ذلك بالقول بحمده سبحانه وتمجيده وبالسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوءة والايمان فهذا اللفظ عام لجميعهم من ولد ءادم وكأن هذا صدر خطبة للتقرير المذكور قالت فرقة وفى الآية حذف مضاف فى موضعين التقدير اتوحيد اللّه خير ام عبادة ما تشركون فما على هذا موصولة بمعنى الذى وقالت فرقة ما مصدرية وحذف المضاف انما هو اولا تقديره اتوحيد اللّه خير ام شرككم ت ومن كلام الشيخ العارف باللّه ابى الحسن الشاذلى قال رحمة اللّه ان اردت ان لا يصدأ لك قلب ولا يلحقك هم ولا كرب ولا يبقى عليك ذنب فأكثر من قولك سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم لا اله الا اللّه اللّهم ثبت علمها فى قلبى واغفر لي ذنبى واغفر للمؤمنين والمؤمنات وقل الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى انتهى ٦٠وقوله تعالى أمن خلق وما بعدها من التقريرات توبيخ لهم وتقرير على مالا مندوحة عن الاقرار به والحدائق مجتمع الشجر من الأعناب والنخيل وغير ذلك قال قوم لا يقال حديقة الا لما عليه جدار قد احدق به وقال قوم يقال ذلك كان جدار لم يكن لان البياض محدق بالاشجار والبهجة الجمال والنضارة وقوله سبحانه ما كان لكم ان تنبتوا شجرها اي ليس ذلك فى قدرتكم ويعدلون يجوز ان يراد به يعدلون عن طريق الحق ويجوز ان يراد به يعدلون باللّه غيره اي يجعلون له عديلا ومثيلا وخلالها معناه بينها والرواسى الجبال والبحران الماء العذب والماء الأجاج على ما تقدم والحاجز ما جعل اللّه بينهما من حواجز الارض وموانعها على رقتها فى بعض المواضع ولطافتها لولا قدرة اللّه لغلب المالح العذب ٦٢وقوله سبحانه امن يجيب المضطر اذا دعاه الآية وعن حبيب بن سلمة الفهرى وكان مجاب الدعوة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم الا اجابهم اللّه رواه الحاكم فى المستدرك انتهى من سلاح المؤمن وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ادعوا اللّه وانتم موقنون بالاجابة واعلموا ان اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه رواه الترمذى وهذا لفظه قال صاحب السلاح ورواه الحاكم فى المستدرك وقال مستقيم الاسناد انتهى والسوء عام فى كل ضر يكشفه اللّه تعالى عن عباده قال ابن عطاء اللّه ما طلب لك شىء مثل الاضطرار ولا اسرع بالمواهب لك مثل الذلة والافتقار انتهى والظلمات عام لظلمه الليل ولظلمة الجهل والضلال والرزق من السماء هو بالمطر ومن الارض بالنبات هذا هو مشهور ما يحسه البشر وكم للّه بعد من لطف خفى ثم امر تعالى نبيه ان يوقفهم على ان الغيب مما انفرد اللّه بعلمه ولذلك سمى غيبا لغيبه عن المخلوقين روى ان هذه الآية من قوله قل لا يعلم انما نزلت لاجل سؤال الكفار عن الساعة الموعود بها فجاء بلفظ يعم الساعة وغيرها واخبر عن البشر انهم لا يشعرون ايان يبعثون ص ايان اسم استفهام بمعنى متى وهى معمولة ليبعثون والجملة فى موضع نصب بيشعرون انتهى وقرأ جمهور القراء بل ادارك اصله تدارك وقرأ عاصم فى رواية ابى بكر بل ادرك على وزن افتعل وهى بمعنى تفاعل وقرأ ابن كثير وابو عمرو بل ادرك وهذه القراءات تحتمل معنيين احدهما ادرك علمهم اي تناهى كما تقول ادرك النبات والمعنى قد تناهى علمهم بالآخرة الى ان لا يعرفوا لها مقدارا فيومنوا وانما لهم ظنون كاذبة الى ان لا يعرفوا لها وقتا والمعنى الثانى بل ادرك بمعنى اي انهم فى الاخرة يدرك علمهم وقت القيامة ويرون العذاب والحقائق التى كذبوا بها واما فى الدنيا فلا وهذا هو تأويل ابن عباس ونحا اليه الزجاج فقوله فى الآخرة على هذا التاويل ظرف وعلى التأويل الأول فى بمعنى الباء ثم وصفهم عز و جل بأنهم فى شك منها ثم اردف بصفة هى ابلغ من الشك وهى العمى بالجملة عن امر الاخرة وعمون اصله عميون فعلون كحذرون ٦٧وقوله تعالى وقال الذين كفروا إذا كنا ترابا وءاباؤنا ائنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل ان هذا الا اساطير الأولين هذه الآية معناها واضح مما تقدم فى غيرها ثم ذكر تعالى استعجال كفار قريش امر الساعة والعذاب بقوله متى هذا الوعد معنى التعجيز وردف معناه قرب وازف قاله ابن عباس وغيره ولكنها عبارة عما يجىء بعد الشىء قريبا منه والهاء فى غائبه للمبالغة اي ما من شىء فى غاية الغيب والخفاء الا فى كتاب عند اللّه وفى مكنون علمه لا اله الا هو ثم نبه تعالى على ان هذا القرءان يقص على بنى اسراءيل اكثر الأشياء التى كان بينهم اختلاف فى صفتها جاء بها القرءان على وجهها وانه لهدى ورحمة للمؤمنين كما انه عمى على الكافرين المحتوم عليهم ثم سلى نبيه بقوله انك لا تسمع الموتى فشبههم مرة بالموتى ومرة بالصم من حيث ان فائدة القول لهؤلاء معدومة وقرأ حمزة وحده وما انت تهدى العمى بفعل مستقبل ومعنى قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اي اذا انتجز وعد عذابهم الذى تضمنه القول الأزلى من اللّه فى ذلك وهذا بمنزلة قوله تعالى حقت كلمة العذاب فمعنى الآية واذا اراد اللّه ان ينفذ فى الكافرين سابق علمه لهم من العذاب اخرج لهم دابة من الارض وروى ان ذلك حين ينقطع الخير ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يبقى منيب ولا تائب ووقع عبارة عن الثبوت واللزوم وفى الحديث ان الدابة وطلوع الشمس من المغرب من اول الأشراط وهذه الدابة روى انها تخرج من الصفا بمكة قاله ابن عمر وغيره وقيل هذا وقرأ الجمهور تكلمهم من الكلام وقرأ ابن عباس وغيره تكلمهم بفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم وهو الجرح وسئل ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم نكلمهم فقال كل ذلك واللّه تفعل تكلمهم وتكلمهم وروى انها تمر على الناس فتسم الكافر فى جبهته وتزبرة وتشتمه وربما خطمته وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه ويعرف بعد ذلك الايمان والكفر من اثرها وفى الحديث تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجوه المومنين بالعصا وتختم انف الكافر بالخاتم حتى ان الناس ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر رواه البزار انتهى من الكوكب الدرى وقرأ الجمهور ان الناس بكسر ان وقرأ حمزة الكساءى وعاصم ان بفتحها وفى قرءاة عبد اللّه تكلمهم بأن وعلى هذه القراءة فيكون قوله ان الناس الى ءاخرها من الكلام الدابة وروى ذلك عن ابن عباس ويحتمل ان يكون من كلام اللّه تعالى ٨٣وقوله تعالى ويوم نحشر من كل امة فوجا هو تذكير بيوم القيامة والفوج الجماعة الكثيرة ويوزعون معناه يكفون فى السوق اي يحبس اولهم على ءاخرهم قاله قتادة ومنه وازع الجيش ثم اخبر تعالى عن توقيفه الكفرة يوم القيامة وسؤالهم على جهة التوبيخ اكذبتم الآية ثم قال اما ذا كنتم تعلمون على معنى استيفاء الحجج اي ان كان لكم عمل حجة فهاتوها ثم اخبر عن وقوع القول عليهم اي نفوذ العذاب وحتم القضاء وانهم لا ينطقون بحجة وهذا فى موطن من مواطن القيامة ولما تكلم المحاسبى على اهوال القيامة قال واذكر الصراط بدقته وهوله وزلته وعظيم خطره وجهنم تخفق بأمواجها من تحته فياله من منظر ما افظعه واهوله فتوهم ذلك بقلب فارغ وعقل جامع فإن أهوال يوم القيامة انما خفت على الذين توهموها فى الدنيا بعقولهم فتحملوا فى الدنيا الهموم خوفا من مقام ربهم فخففها مولاهم يوم القيامة عنهم انتهى من كتاب التوهم ويوم ينفخ فى الصور وهو القرن فى قول جمهور الامة وصاحب الصور هو اسرافيل عليه السلام وهذه النفخة المذكوره هنا هى نفخة الفزع وروى ابو هريرة انها ثلاث نفخات نفخة الفزع وهو فزع حياة الدنيا وليس بالفزع الاكبر ونفخة الصعق ونفخة القيام من القبور وقالت فرقة انما هما نفختان كأنهم جعلوا الفزع والصعق فى نفخة واحدة مستدلين بقوله تعالى ثم نفخ فيه اخرى الآية قالوا واخرى لا يقال الا فى الثانية قال ع والأول اصح واخرى يقال فى الثالثة ومنه قوله تعالى ومعناه الثالثة الاخرى وقوله تعالى الا من شاء اللّه استثناء فيمن قضى اللّه سبحانه من ملائكته وانبيائه وشهداء عبيده ان لا ينالهم فزع النفخ فى الصور حسب ما ورد فى ذلك من الاثار قال ع واذا كان الفزع الأكبر لا ينالهم فهم حريون ان لا ينالهم هذه وقرأ حمزة وكل آتوه على صيغة الفعل الماضى والداخر المتذلل الخاضع قال ابن عباس وابن زيد الداخر الصاغر وقد تظاهرت الروايات بأن الاستثناء فى هذه الآية انما اريد به الشهداء لانهم احياء عند ربهم يرزقون وهم اهل للفزع لأنهم بشر لكن فضلوا بالأمن فى ذلك اليوم ت واختار الحليمى هذا القول قال وهو مروى عن ابن عباس ان المستثنى هم الشهداء وضعف ما عداه من الاقوال قال القرطبى فى تذكرته وقد ورد فى حديث ابى هريرة بأنهم الشهداء وهو حديث صحيح انتهى ٨٨وقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة الآية هذا وصف حال الأشياء يوم القيامة عقب النفخ فى الصور والرؤية هى بالعين قال ابن عباس جامدة قائمة والحسنة الايمان وقال ابن عباس وغيره هى لا اله الا اللّه وروى عن على بن الحسين انه قال كنت فى بعض خلواتى فرفعت صوتى بلا اله الا اللّه فسمعت قائلا يقول انها الكلمة التى قال اللّه فيها من جاء بالحسنة فله خير منها وقال ابن زيد يعطى بالحسنة الواحدة عشرا قال ع والسيئة التى فى هذه الآية هى الكفر والمعاصى فيمن حتم اللّه عليه من اهل المشيئة بدخول النار وقوله انما امرت المعنى قل يا محمد لقومك انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة يعنى مكة وان اتلوا القرءان معناه تابع فى قراءتك اى بين ءاياته واسرد قال ص وان اتلوا معطوف على ان اكون وقرأ عبد اللّه وان اتل بغير واو وقوله ومن ضل جوابه محذوف يدل عليه ما قبله اي فوبال ضلاله عليه يكون الجواب فقل ويقدر ضمير عائد من الجواب على الشرط لأنه اسم غير ظرف اي من المنذرين له انتهى وتلاوة القرءان سبب الاهتداء الى كل خير ٩٣وقوله تعالى سيريكم ءاياته توعد بعذاب الدنيا كبدر ونحوه وبعذاب الاخرة وما ربك بغافل عما تعملون فيه وعيد |
﴿ ٠ ﴾