سورة العنكبوت

وهى مكية الا الصدر منها العشر الآيات فإنها مدنية نزلت فى شأن من كان من المسلمين بمكة هذا اصح ما قيل هنا

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى ألم تقدم الكلام على هذه الحروف

٢

وقوله تعالى احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون نزلت هذهاآلاية فى قوم من المؤمنين بمكة وكان كفار قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الاسلام فكانت صدورهم تضيق لذلك وربما استنكر بعضهم ان يمكن اللّه الكفرة من المومنين قال مجاهد وغيره فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة ان هذه هى سيرة اللّه فى عباده اختبارا للمؤمنين ليعلم الصادق من الكاذب وحسب بمعنى ظن

والذين من قبلهم يريد بهم المؤمنين مع الانبياء فى سالف الدهر

٤

وقوله تعالى ام حسب الذين يعملون السيئات ام معادلة للّهمزة فى قوله احسب وكأنه تعالى قرر الفريقين قرر المؤمنين على ظنهم انهم لا يفتنون وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات فى تعذيب المومنين وغير ذلك على ظنهم انهم يسبقون عقاب اللّه ويعجزونه ثم الآية بعد تعم كل عاص وعامل سيئة من المسلمين وغيرهم وفى الآية وعيد شديد للكفرة الفاتنين وفى

قوله تعالى من كان يرجوا لقاء اللّه تثبيت للمؤمنين وباقى الآية بين واللّه الموفق وقال ص قول ع ام معادلة للألف فى قوله احسب يقتضى انها هنا متصلة وليس كذلك بل ام هنا منقطعة مقدره ببل للاضراب بمعنى الانتقال لا بمعنى الإبطال وهمزة الاستفهام للتقرير والتوبيخ فلا تقتضى جوابا انتهى

٩

وقوله تعالى والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم اخبار عن المؤمنين المهاجرين الذين هم فى اعلى رتبة من البدار الى اللّه تعالى نوه بهم عز و جل وبحالهم ليقيم نفوس المتخلفين عن الهجرة وهم الذين فتنهم الكفار

ولنجزينهم احسن اي ثواب احسن الذى كانوا يعملون

وقوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به

علم فلا تطعهما روى عن قتادة وغيره انها نزلت فى شأن سعد بن ابى وقاص وذلك انه هاجر فحلفت امه ان لا تستظل بظل حتى يرجع اليها ويكفر بمحمد فلج هو فى هجرته ونزلت الآية

وقيل بل نزلت فى عياش بن ابى ربيعة وكانت قصته كهذه ثم خدعه ابو جهل ورده الى امه الحديث فى كتب السيرة وباقى الآية بين ثم كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين ليحرك النفوس الى نيل مراتبهم قال الثعلبى

قوله تعالى لندخلنهم فى الصالحين اي فى زمرتهم وقال محمد بن جرير فى مدخل الصالحين وهو الجنة

وقيل فى بمعنى مع والصالحون هو الأنبياء والأولياء انتهى

وقوله تعالى ومن الناس من يقول ءامنا باللّه الى قوله المنافقين نزلت فى المتخلفين عن الهجرة المتقدم ذكرهم قاله ابن عباس ثم قررهم تعالى على علمه بما فى صدورهم اي لو كان يقينهم تاما واسلامهم خالصا لما توقفوا ساعة ولركبوا كل هول الى هجرتهم ودار نبيهم

وقوله تعالى وليعلمن اللّه الذين ءامنوا وليعلمن المنافقين هنا انتهى المدنى من هذه السورة

١٢

وقوله تعالى وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا الآية روى ان قائل هذه المقالة هو الوليد بن المغيرة

وقيل بل كانت شائعة من كفار قريش لاتباع النبى صلى اللّه عليه و سلم

وقوله تعالى وليحملن اثقالهم الآية لانه يلحق كل داع الى ضلاله كفل منها حسبما صرح به الحديث المشهور

١٤

وقوله تعالى ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم الآية العطف بالفاء يقتضى ظاهرة انه لبث هذه المدة رسولا يدعو الى عبادة اللّه تعالى والطوفان العظيم الطامى ويقال ذلك لكل طام خرج عن العادة من ماء  نار  موت

وقوله وهم ظالمون يريد بالشرك ثم ذكر تعالى قصة ابراهيم وقومه وذلك ايضا تمثيل لقريش

وتخلقون افكا قال ابن عباس هو نحت الاصنام وقال مجاهد هو اختلاق الكذب فى امر الأوثان وغير ذلك

١٩

وقوله تعالى  لم يروا كيف يبدئى اللّه الخلق ثم يعيده الآية هذه الحالة هى

على ما يظهر مع الاحيان من احياء الارض والنبات واعادته ونحو ذلك مما هو دليل على البعث من القبور ثم امر تعالى نبيه محمد عليه السلام ويحتمل ان يكون ابراهيم بان يأمرهم على جهة الاحتجاج بالسير فى الارض والنظر فى اقطارها والنشأة الاخرة نشأة القيام من القبور

وقوله تعالى وما انتم بمعجزين فى الارض ولا فى السماء الآية قال ابن زيد لا يعجزه اهل الارض فى الارض ولا اهل السماء فى السماء ان عصوه

وقيل معناه ولا فى السماء لو كنتم فيها

وقيل المعنى ليس للبشر حيلة الى صعود  نزول يفلتون بها قال قتادة ذم اللّه قوما هانوا عليه فقال اولئك يئسوا من رحمتى الآية قال ع وما تقدم من قوله اولم يروا كيف الى هذه الآية المستأنفة يحتمل ان يكون خطابا لصلى اللّه عليه وسلم ويكون اعتراضا فى قصة ابراهيم عليه السلام ويحتمل ان يكون خطابا لابراهيم ومحاورة لقومه وعند ءاخر ذلك ذكر جواب قومه

وقوله تعالى فأنجاه اللّه من النار اي بان جعلها بردا وسلاما قال كعب الاحبار ولم تحرق النار الا الحبل الذى اوثقوه به وجعل سبحانه ذلك ءاية وعبره ودليلا على توحيده لمن شرح صدره ويسره للايمان ثم ذكر تعالى ان ابراهيم عليه السلام قررهم على ان اتخاذهم الاوثان انما كان اتباعا من بعضهم لبعض وحظا لمودتهم الدنيوية وانهم يوم القيامة يجحد بعضهم بعضا ويتلاعنون لأن توادهم كان على غير تقوى والاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين

وقوله تعالى فئامن له لوط معناه صدق وآمن يتعدى باللام والباء والقائل انى مهاجر هو ابراهيم عليه السلام قاله قتادة والنخعى

وقالت فرقة هو لوط عليه السلام

٢٧

وقوله تعالى ووهبنا له اسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوءة والكتاب وءاتيناه اجره فى الدنيا الآية الأجر الذى ءاتاه اللّه فى الدنيا العافية من النار ومن الملك الجائر والعمل الصالح  الثنا الحسن قاله مجاهد ويدخل فى عموم اللفظ غير ما ذكر وانه

فى الاخرة لمن الصالحين اي فى عداد الصالحين الذين نالوا رضا اللّه عز و جل وقول لوط ائنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل قالت فرقة كان قطع الطريق بالسلب فاشيا فيهم

وقيل غير هذا والنادى المجلس الذى يجتمع الناس فيه

واختلف فى هذا المنكر الذى يأتونه فى ناديهم فقالت فرقة كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته ام هانىء عن النبى صلى اللّه عليه و سلم وكانت خلقهم مهملة لا يربطهم دين ولا مروءة وقال مجاهد كانوا يأتون الرجال فى مجالسهم وبعضهم يرى بعضا وقال ابن عباس كانوا يتضارطون ويتصافعون فى مجالسهم

وقيل غير هذا وقد تقدم قصص الآية مكررا والرجز العذاب

٣٥

وقوله تعالى ولقد تركنا منها اي من خبرها وما بقى من آثارها وآلاية موضع العبرة وعلامة القدرة ومزدجر النفوس عن الوقوع فى سخط اللّه تعالى

٣٦

وقوله تعالى والى مدين اخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا اللّه وارجوا اليوم الاخر الآية الرجاء فى الآية على بابه وذهب ابو عبيدة الى ان المعنى وخافوا وتعثوا معناه تفسدوا والسبيل هى طريق الايمان ومنهج النجاة من النار وما كانوا سابقين اي مفلتين اخذنا وعقابنا

وقيل معناه وما كانوا سابقين الأمم الى الكفر وباقى الآية بين

٤٢

وقوله تعالى ان اللّه يعلم ما تدعون من دونه من شيىء قيل معناه ان اللّه يعلم الذين تدعون من دونه من جميع الاشياء

وقيل ما نافية وفيه نظر

وقيل ما استفهامية قال جابر قال النبى صلى اللّه عليه و سلم فى

قوله تعالى وما يعقلها الا العالمون العالم من عقل عن اللّه تعالى فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته

وخلق اللّه السموات والارض بالحق اي لا للعبث واللعب بل ليدل على سلطانه وتثبيت شرائعه ويضع الدلالة لاهلها ويعم بالمنافع الى غير ذلك مما لا يحصى عدا ثم امر تعالى نبيه عليه السلام بالنفوذ لأمره وتلاوة القرءان الذى اوحى اليه واقامة الصلاة اي ادامتها والقيام بحدودها ثم اخبر

سبحانه حكما منه ان الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر قال ع وذلك عندى بان المصلى اذا كان على الواجب من الخشوع والاخبات وتذكر اللّه وتوهم الوقوف بين يديه وان قلبه واخلاصه مطلع عليه مرقوب صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب اللّه تعالى فاطرد ذلك فى اقواله وافعاله وانتهى عن الفحشاء والمنكر ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة اخرى يرجع بها الى افضل حاله فهذا معنى هذا الاخبار لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغى ان تكون وقد روى عن بعض السلف انه كان اذا اقام الصلاة ارتعد واصفر لونه فكلم فى ذلك فقال انى اقف بين يدى اللّه تعالى قال ع فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر واما من كانت صلاته دائرة حول الأجزاء بلا تذكر ولا خشوع ولا فضائل فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان

وقوله تعالى ولذكر اللّه اكبر قال ابن عباس وابو الدرداء وسلمان وابن مسعود وابو قرة معناه ولذكر اللّه اياكم اكبر من ذكركم اياه

وقيل معناه ولذكر اللّه اكبر مع المداومة من الصلاة فى النهى عن الفحشاء والمنكر وقال ابن زيد وغيره معناه ولذكر اللّه اكبر من كل شيىء

وقيل لسليمان اي الاعمال افضل فقال اما تقرأ ولذكر اللّه اكبر والاحاديث فى فضل الذكر كثيرة لا تنحصر وقال ابن العربى فى إحكامه قوله ولذكر اللّه اكبر فيه اربعة اقوال الاول ذكر اللّه لكم افضل من ذكركم له اضاف المصدر الى الفاعل الثانى ذكره اللّه افضل من كل شيىء الثالث ذكر اللّه فى الصلاة افضل من ذكره فى غيرها يعنى لأنهما عبادتان الرابع ذكر اللّه فى الصلاة اكبر من الصلاة وهذه الثلاثة الأخيرة من اضافة المصدر الى المفعول وهذه كلها صحيحة وان للصلاة بركة عظيمة انتهى قال ع وعندى ان المعنى ولذكر اللّه اكبر على الاطلاق اي هو الذى ينهى عن

الفحشاء والمنكر فالجزء الذى منه فى الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل فى غير الصلاة لان الانتهاء لا يكون الا من ذاكر للّه تعالى مراقب له وثواب ذلك الذكر ان يذكره اللّه تعالى كما فى الحديث الصحيح ومن ذكرني فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم والحركات التى فى الصلاة لا تأثير لها فى نهى والذكر النافع هو مع العلم واقبال القلب وتفرغه الا من اللّه واما ما لا يتجاوز اللسان ففى رتبة اخرى وذكر اللّه تعالى للعبد هو افاضة الهدى ونور العلم عليه وذلك ثمرة ذكر العبد ربه

قال اللّه عز و جل فاذكرونى اذكركم وعبارة الشيخ ابن ابى جمرة ولذكر اللّه اكبر معناه ذكره لك فى الأزل ان جعلك من الذاكرين له اكبر من ذكرك انت آلآن له انتهى قال القشيرى فى رسالته الذكر ركن قوى فى طريق الحق سبحانه وهو العمدة فى هذا الطريق ولا يصل احد الى اللّه سبحانه الا بدوام الذكر ثم الذكر على ضربين ذكر باللسان وذكر بالقلب فذكر اللسان به يصل العبد الى استدامة ذكر القلب والتأثير لذكر القلب فاذا كان العبد ذاكرا بلسانه وقلبه فهو الكامل فى وصفه سمعت ابا على الدقاق يقول الذكر منشور الولاية فمن وفق للذكر فقد وفق للمنشور ومن سلب الذكر فقد عزل والذكر بالقلب مستدام فى عموم الحالات واسند القشيرى عن المظفر الجصاص قال كنت انا ونصر الخراط ليلة فى موضع فتذاكرنا شيأ من العلم فقال الخراط الذاكر للّه تعالى فائدته فى اول ذكره ان يعلم ان اللّه ذكره فبذكر اللّه له ذكره قال فخالفته فقال لو كان الخضر ها هنا لشهد لصحته قال فاذا نحن بشيخ يجىء بين السماء والارض حتى بلغ الينا وقال صدق الذاكر للّه بفضل اللّه وذكره له ذكره فعلمنا انه الخضر عليه السلام انتهى وباقى الآية ضرب من التوعد وحث على المراقبة قال الباجى فى سنن الصالحين قال بعض العلماء ان اللّه عز و جل يقول ايما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكرى توليت سياسته

وكنت جليسه ومحادثه وانيسه انتهى

٤٦

وقوله تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن هذه الآية مكية ولم يكن يومئذ قتال وكانت اليهود يومئذ بمكة وفيما جاورها فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدال واحتجاج فى امر الدين وتكذيب فأمر اللّه المؤمنين الايجادلوهم الا بالتى هى احسن دعاء الى اللّه تعالى وملاينة ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين وحصلت منه اذية فإن هذه الصنيفة استثنى لأهل الاسلام معارضتها بالتغيير عليها والخروج معها عن التى هى احسن ثم نسخ هذا بعد بأية القتال وهذا قول قتادة وهو احسن ما قيل فى تأويل الآية ت قال عز الدين بن عبد السلام فى اختصاره لقواعد الأحكام فائدة لا يجوز الجدال والمناظرة الا لاظهار الحق ونصرته ليعرف ويعمل به فمن جادل لذلك فقد اطاع ومن جادل لغرض آخر فقد عصى وخاب ولا خير فيمن يتحيل لنصره مذهبه مع ضعفه وبعد ادلته من الصواب انتهى تنبيه روى الترمذى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال الحياء والعى شعبتان من الايمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق

وروى أبو داود والترمذى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ان اللّه يبغض البليغ من الرجال الذى يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها حديث غريب انتهى وهما فى مصابيج البغوى

وروى أبو داود عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال  الناس لم يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا انتهى

وقوله تعالى وقولوا ءامنا الآية قال ابو هريرة كان اهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ءامنا بالذى انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون

وروى ابن مسعود ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قال لا تسئلوا اهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا

اما ان تكذبوا بحق اما ان تصدقوا بباطل

وقوله تعالى فالذين ءاتيناهم الكتاب يريد التوراة والانجيل كانوا فى وقت نزول الكتاب عليهم يؤمنون بالقرءان ثم اخبر عن معاصرى نبينا صلى اللّه عليه وسلم ان منهم ايضا من يومن به ولم يكونوا ءامنوا بعد ففى هذا اخبار بغيب بينه الوجود بعد ذلك

وما يجحد بأياتنا الا الكافرون يشبه ان يراد بهذا الا غناء كفار قريش ثم بين تعالى الحجة واوضح البرهان مما يقوى ان نزول هذا القرءان من عند اللّه ان محمد عليه السلام جاء به فى غاية الاعجاز والطول والتضمن للغيوب وغير ذلك وهو امى لا يقرأ ولا يكتب ولا يتلو كتابا ولا يخط حروفا ولا سبيل له الى التعلم ولو كان ممن يقرأ  يخط لارتاب المبطلون وكان لهم فى ارتيابهم معلق واما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده بل هو ءايات بينات يعنى القرءان ويحتمل ان يعود على امر صلى اللّه عليه وسلم والظالمون والمبطلون يعم لفظهما كل مكذب للنبى صلى اللّه عليه و سلم ولكن عظم الاشارة بهما الى قريش لأنهم الأهم قاله مجاهد

وقالوا لولا انزل عليه ءايات من ربه الضمير فى قالوا لقريش ولبعض اليهود لأنهم كانوا يعلمون قريشا مثل هذه الحجة على ما مر فى غير ما موضع ثم احتج عليهم فى اقتراحهم ءاية بامر القرءان الذى هو اعظم الآيات ومعجز للجن والانس فقال سبحانه  لم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب الآية

وقوله ءامنوا بالباطل يريد الاصنام وما فى معناها

٥٣

وقوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب يريد كفار قريش وباقى الآية بين مما تقدم مكررا واللّه الموفق بفضله وبغتة فجأة وهذا هو عذاب الدنيا كيوم بدر ونحوه ثم توعدهم سبحانه بعذاب الاخرة فى قوله يستعجلونك بالعذاب وان جهنم الآية

وقوله تعالى يا عبادى الذين ءامنوا ان ارضى واسعة فاياي فاعبدون الايات هذه

الايات نزلت فى تحريض المؤمنين الكائنين بمكة على الهجرة قال ابن جبير وعطاء ومجاهد ان الارض التى فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها الى بلد حق وقاله مالك

٥٧

وقوله سبحانه كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون تحقير لأمر الدنيا ومخاوفها كان بعض المؤمنين نظر فى عاقبة تلحقه فى خروجه من وطنه انه يموت  يجوع ونحو هذا فحقر اللّه سبحانه شأن الدنيا اي وانتم لا محالة ميتون ومحشرون الينا فالبدار الى طاعة اللّه والهجرة اليه اولى يمتثل ذكر هشام بن عبد اللّه القرطبى فى تاريخه المسمى ببهجة النفس قال بينما المنصور جالس فى منزله فى اعلى قصره اذ جاءه سهم عائد فسقط بين يديه فذعر المنصور منه ذعرا شديدا ثم اخذه فجعل يقلبه فاذا مكتوب عليه بين الريشتين ... اتطمع فى الحياة الى التنادى ... وتحسب ان مالك من معاد ... وستسئل عن ذنوبك والخطايا ... وتسئل بعد ذاك عن العباد ...

ومن الجانب الآخر ... احسنت ظنك بالايام اذ حسنت ... ولم تخف سوء ما ياتى به القدر ... وساعدتك الليالى فاغتررت بها ... وعند صفو الليالى يحدث الكدر ... وفى الاخر ... هى المقادير تجرى فى اعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال ... يوما تريك خسيس القوم ترفعه ... الى السماء ويوما تخفض العالى ...

ثم قرأ على الجانب الاخر من السهم ... من يصحب الدهر لايامن تصرفه ... يوما فللدهر احلاء وامرار ... لكل شىء وان طالت سلامته ... اذا انتهى مدة لا بد اقصار ...

انتهى وقرأ حمزة لنثوينهم من الجنة غرفا من اثوى يثوى بمعنى اقام

وقوله تعالى

وكأين من دابة الآية تحريض على الهجرة لان بعض المؤمنين فكر فى الفقر والجوع الذى يلحقه فى الهجرة وقالوا غربة فى بلد لادار لنا فيه ولا عقار ولا من يطعم فمثل لهم بأكثر الدواب التى لا تتقوت ولا تدخر ثم

قال تعالى اللّه يرزقها وإياكم فقوله لا تحمل يجوز ان يريد من الحمل اي لا تنتقل ولا تنظر فى ادخاره قاله مجاهد وغيره قال ع والادخار ليس من خلق الموقنين وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لابن عمر كيف بك اذا بقيت فى حثالة من الناس يخبئون رزق سنة بضعف اليقين ويجوز ان يريد من الحمالة اي لا تتكفل لنفسها قال الداودى وعن على بن الأقمر لا تحمل رزقها اي لا تدخر شيأ لغد انتهى وفى الترمذى عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لو انكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى ثم خاطب تعالى فى امر الكفار واقامة الحجة عليهم بأنهم ان سئلوا عن الأمور العظام التى هى دلائل القدرة لم يكن لهم الا التسليم بأنها للّه تعالى ويوفكون معناه يصرفون

٦٤

وقوله تعالى وما هذه الحيوة الدنيا الا لهو ولعب وصف اللّه تعالى الدنيا فى هذه الآية بأنها لهو ولعب اي ما كان منها لغير وجه اللّه تعالى واما ما كان للّه تعالى فهو من الاخرة واما امور الدنيا التى هى زائدة على الضرورى الذى به قوام العيش والقوة على الطاعات فإنما هى لهو ولعب وتأمل ذلك فى الملابس والمطاعم والأقوال والمكتسبات وغير ذلك وانظر ان حالة الغنى والفقير من الامور الضرورية واحدة كالتنفس فى الهواء وسد الجوع وستر العورة وتوقي الحر والبرد هذه عظم امر العيش والحيوان والحياة بمعنى والمعنى لا موت فيها قاله مجاهد وهو حسن ويقال اصله حييان فأبدلت احداهما واوا لاجتماع المثلين ثم وقفهم تعالى على حالهم فى البحر عند الخوف العظيم

ونسيانهم عند ذلك للاصنام وغيرها على ما تقدم بيانه فى غير هذا الموضع الموضع وليكفروا نصب بلام كي ثم عدد تعالى على كفرة قريش نعمته عليهم فى الحرم والمثوى موضع الاقامة والفاظ هذه الآية فى غاية الاقتضاب والايجاز وجمع المعانى ثم ذكر تعالى حال اوليائه والمجاهدين فيه

وقوله فينا معناه فى مرضاتنا وبغيه ثوابنا قال السدى وغيره نزلت هذه الآية قبل فرض القتال قال ع فهى قبل الجهاد العرفى وانما هو جهاد عام فى دين اللّه وطلب مرضاته قال الحسن بن ابى الحسن الآية فى العباد وقال ابراهيم ابن ادهم هى فى الذين يعلمون بما علموا وقال ابو سليمان الدارانى ليس الجهاد فى هذه الآية قتال العدو وفقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين واعظمه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومنه مجاهدة النفوس فى طاعة اللّه عز و جل وهو الجهاد الأكبر قاله الحسن وغيره وفيه حديث عن النبى صلى اللّه عليه و سلم رجعتم من الجهاد الأصغر الى الجهاد الاكبر والسبل هنا يحتمل ان تكون طرق الجنة ومسالكها ويحتمل ان تكون سبل الاعمال المؤدية الى الجنة قال يوسف بن اسباط هى اصلاح النية فى الاعمال وحب التزيد والتفهم وهو ان يجازى العبد على حسنة بازدياد حسنة وبعلم ينقدح من علم متقدم قال ص والذين جاهدوا مبتدأ خبره القسم المحذوف وجوابه وهو لنهدينهم انتهى وقال الثعلبى قال سهل بن عبد اللّه والذين جاهدوا فى اقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة انتهى واللام فى قوله لمع لام تاكيد

﴿ ٠