سورة الاحزاب

وهى مدنية باجماع فيما علمت

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى يا ايها النبى ءاتق اللّه الآية قوله اتق معناه دم على التقوى ومتى امر احد بشيىء وهو به متلبس فانما معناه الدوام فى المستقبل على مثل الحالة الماضية وحذره تعالى من طاعة الكافرين والمنافقين تنبيها على عداوتهم وان لا يطمئن الى ما يبدونه من نصائحهم والباء فى قوله وكفى باللّه زائدة على مذهب سيبويه وكأنه قال وكفى اللّه وغيره يراها غير زائدة متعلقة بكفى على انه بمعنى اكتف باللّه

واختلف فى السبب فى

٤

قوله تعالى ما جعل اللّه لرجل من قلبين فى جوفه فقال ابن عباس سببها ان بعض المنافقين قال ان محمدا له قلبان

وقيل غير هذا قال ع ويظهر من

الآية يحملتها انها نفى لاشياء كانت العرب تعتقدها فى ذلك الوقت واعلام بحقيقة الامر فمنها ان العرب كانت تقول ان الانسان له قلب يأمره وقلب ينهاه وكان تضادا الخواطر يحملها على ذلك وكذلك كانت العرب تعتقد الزوجة اذا ظاهر منها بمنزلة الام وتراه طلاقا وكانت تعتقد الدعى المتبنى ابنا فنفى اللّه ما اعتقدوه من ذلك

وقوله سبحانه وما جعل ادعياءكم أبناءكم سببها امر زبد بن حارثة كانوا يدعونه زيد بن محمد والسبيل هنا سبيل الشرع والايمان ثم امر تعالى فى هذه الآية بدعاء الادعياء لآبائهم اي الى ءابائهم للصلب فمن جهل ذلك فيه كان مولى واخا فى الدين فقال الناس زيد بن حارثة وسالم مولى ابى حذيفة الى غير ذلك واقسط معناه اعدل

وقوله عز و جل وليس عليكم جناح الآية رفع الحرج عمن وهم ونسى واخطأ فجرى على العادة من نسبة زيد الى محمد وغير ذلك مما يشبهه وابقى الجناح فى المتعمد والخطأ مرفوع عن هذه الامة عقابه قال صلى اللّه عليه و سلم وضع عن امتى الخطأ مرفوع والنسيان وما اكرهوا عليه وقال عليه السلام ما اخشى عليكم الخطأ وانما اخشى العمد قال السهيلى ولما نزلت الآية وامتثلها زيد فقال انا زيد بن حارثة جبر اللّه وحشته وشرفه بان سماه باسمه فى القرءان فقال فلما قضى زيد منها وطرا ومن ذكره سبحانه باسمه فى الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرءانا يتلى فى المحاريب فقد نوه به غاية التنويه فكان فى هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة سيدنا صلى اللّه عليه وسلم له الا ترى الى قول ابى بن كعب حين قال له النبى صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تعالى امرنى ان اقرأ عليك سورة كذا فبكى ابى وقال  ذكرت هنالك وكان بكاؤه من الفرح حين اخبر ان اللّه تعالى ذكره فكيف بمن صار اسمه قرءانا يتلى مخلدا لا يبيد يتلوه اهل الدنيا اذا قرءوا القرءان

واهل الجنة كذلك فى الجنان ثم زاده في الآية غاية الاحسان ان قال واذ تقول للذى انعم اللّه عليه يعنى بالايمان فدل على انه عند اللّه من اهل الجنان وهذه فضيلة اخرى هى غاية منتهى امنية الانسان انتهى

٦

وقوله تعالى النبى اولى بالمومنين من انفسهم ازال اللّه بهذه الآية احكاما كانت فى صدر الاسلام منها ان النبى صلى اللّه عليه و سلم كان لا يصلى على ميت عليه دين فدكر اللّه تعالى انه اولى بالمؤمنين من انفسهم فجمع هذا ان المومن يلزم ان يحب النبى صلى اللّه عليه و سلم اكثر من نفسه حسب حديث عمر بن الخطاب ويلزم ان يمتثل اوامره احبت نفسه ذلك  كرهت وقال النبى صلى اللّه عليه و سلم حين نزلت هذه الآية انا اولى بالمؤمنين من انفسهم من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا اوضياعا فالى وعلى انا وليه اقرءوا ان شئتم النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم ت ولفظ البخارى من رواية ابى هريرة ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قال ما من مؤمن الا وانا اولى به فى الدنيا وآلاخرة اقرءوا ان شئتم النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا فان ترك دينا اوضياعا فلياتنى فأنا مولاه قال ابن العربى فى احكامه فهذا الحديث هو تفسير الولاية فى هذه الآية انتهى قال ع وقال بعض العارفين هو صلى اللّه عليه و سلم اولى بالمؤمنين من انفسهم لأن انفسهم تدعوهم الى الهلاك وهو يدعوهم الى النجاة قال ع ويؤيد هذا قوله صلى اللّه عليه و سلم فانا ءاخذ بحجزكم عن النار وانتم تقحمون فيها تقحم الفراش قال عياض فى الشفا قال اهل التفسير فى

قوله تعالى النبى ءاولى بالمؤمنين من انفسهم اي ما انفذه فيهم من امر فهو ماض عليهم كما يمضى حكم السيد على عبده

وقيل اتباع امره اولى من اتباع رأى النفس انتهى وشرف تعالى ازواج نبيه بأن جعلهن امهات

المؤمنين فى المبرة وحرمة النكاح وفى مصحف ابى بن كعب وازواجه امهاتهم وهو اب لهم وقرأ ابن عباس من انفسهم وهو اب لهم ووافقه ابى على ذلك ثم حكم تعالى بأن اولى الارحام بعضهم اولى ببعض فى التوارث مما كانت الشريعة وقررته من التوارث باخوة الاسلام وفى كتاب اللّه يحتمل ان يريد القرءان  اللوح المحفوظ

وقوله من المؤمنين متعلق بأولى الثانية

وقوله تعالى الا ان تفعلوا الى اوليائكم معروفا يريد الاحسان فى الحياة والصلة والوصية عند الموت والكتاب المسطور يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا

٧

وقوله سبحانه وإذ اخذنا من النبيين ميثاقهم المعنى واذكر اذ اخذنا من النبيين وهذا الميثاق قال الزجاج وغيره انه الذى اخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب ءادم كالذر بالتبليغ وبجميع ما تضمنته النبوءة

وروى نحوه عن ابى بن كعب

وقالت فرقة بل اشار الى اخذ الميثاق عليهم وقت بعثهم والقاء الرسالة اليهم وذكر تعالى النبيين جملة ثم خصص اولى العزم منهم تشريفا لهم واللام فى قوله ليسأل يحتمل ان تكون لام كى  لام الصيرورة

٩

وقوله تعالى يا ايها الذين ءامنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم اذ جاءتكم جنود الآيات الى

قوله تعالى يا ايها النبى قل لازواجك نزلت فى شأن غزوة الخندق وما اتصل بها من امر بنى قريظة وذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اجلى بنى النضير من موضعهم عند المدينة الى خيبر فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود وخرجوا الى مكة مستنهضين قريشا الى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجسروهم على ذلك وازمعت قريش السير الى المدينة ونهض اليهود الى غطفان وبنى اسد ومن امكنهم من اهل نجد وتهامة فاستنفروهم الى ذلك وتحزبوا وساروا الى المدينة واتصل خبرهم بالنبى صلى اللّه عليه و سلم فحفر الخندق حول المدينة وحصنها فوردت

الاحزاب وحصروا المدينة وذلك فى شوال سنة خمس

وقيل اربع من الهجرة وكانت قريظة قد عاهدوا النبى صلى اللّه عليه و سلم وعاقدوه الا يلحقه منهم ضرر فلما تمكن ذلك الحصار وداخلهم بنو النضير غدروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونقضوا عهده وضاق الحال على المومنين ونجم النفاق وساءت ظنون قوم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع ذلك يبشر ويعد النصر فالقى اللّه عز و جل الرعب فى قلوب الكافرين وتخاذلوا ويئسوا من الظفر وارسل اللّه عليهم ريحا وهى الصبا وملائكة تسدد الريح وتفعل نحو فعلها وتلقى الرعب فى قلوب الكفرة وهى الجنود التى لم تر فارتحل الكفرة وانقلبوا خائبين

وقوله تعالى اذ جاءوكم من فوقكم يريد اهل نجد مع عيينه بن حصن ومن اسفل منكم يريد اهل مكة وسائر تهامة قاله مجاهد وزاغت الابصار معناه مالت عن مواضعها وذلك فعل الواله الفزع المختبل وبلغت القلوب الحناجر عبارة عما يجده الهلع من ثوران نفسه وتفرقها ويجد كان حشوته وقلبه يصعد علوا

وروى ابو سعيد ان المؤمنين قالوا يوم الخندق يا نبى اللّه بلغت القلوب الحناجر فهل من شىء نقوله قال نعم قولوا اللّهم استر عوراتنا وامن روعاتنا فقالوها فضرب اللّه وجوه الكفار بالريح فهزمهم

وقوله سبحانه وتظنون باللّه الظنونا الآية عبارة عن خواطر خطرت للمومنين لا يمكن البشر دفعها واما المنافقون فنطقوا ونجم نفاقهم وابتلى المؤمنون معناه اختبروا وزلزلوا معناه حركوا بعنف ثم ذكر تعالى قول المنافقين والمرضى القلوب على جهة الذم لهم ما وعدنا اللّه ورسوله الاغرورا فروى عن يزيد بن رومان ان معتب بن قشير قال يعدنا محمد ان نفتتح كنوز كسرى وقيصر ومكة ونحن آلان لا يقدر احدنا ان يذهب الى الغائط ما يعدنا الا غرورا وقال غيره من المنافقين نحو هذا

١٣

وقوله سبحانه واذ قالت طائفة منهم اي من المنافقين

لا مقام لكم اي لا موضع قيام وممانعة فارجعوا الى منازلكم وبيوتكم وكان هذا على جهة التخذيل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والفريق المستأذن هو اوس بن قيظي استأذن فى ذلك على اتفاق من اصحابه المنافقين فقال ان بيوتنا عورة اي منكشفة للعدو فاكذبهم اللّه تعالى ولو دخلت المدينة من اقطارها اي من نواحيها واشتد الخوف الحقيقى ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد واصحابه لبادروا اليها واتوها محبين فيها ولم يتلبثوا فى بيوتهم لحفظها الايسيرا قيل قدر ما ياخذون سلاحهم ثم اخبر تعالى عنهم انهم قد كانوا عاهدوا اللّه اثر احد لا يولون الادبار وفى

قوله تعالى وكان عهد اللّه مسئولا توعد وباقى الآية بين ثم وبخهم بقوله قد يعلم اللّه المعوقين منكم وهم الذين يعوقون الناس عن نصره الرسول ويمنعونهم بالاقوال والافعال من ذلك ويسعون على الدين واما القائلون لاخوانهم هلم الينا فقال ابن زيد وغيره اراد من كان من المنافقين يقول لاخوانه فى النسب وقرابته هلم اي الى المنازل والاكل والشرب واترك القتال

وروى ان جماعة منهم فعلت ذلك واصل هلم ها المم وهذا مثل تعليل رد من اردد والبأس القتال والا قليلا معناه الا اتيانا قليلا واشحة جمع شحيح والصواب تعميم الشح ان يكون بكل ما فيه للمومنين منفعة

وقوله فإذا جاء الخوف قيل معناه فإذا قوى الخوف رأيت هؤلاء المنافقين ينظرون اليك نظر الهلع المختلط الذى يغشى عليه فاذا ذهب ذلك الخوف العظيم وتنفس المختنق سلقوكم اي خاطبوكم بليغة يقال خطيب سلاق ومسلاق ومسلق ولسان ايضا كذلك اذا كان فصيحا مقتدرا ووصف الألسنة بالحدة لقطعها المعانى ونفوذها في الاقوال قالت فرقة وهذا السلق هو فى مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة

وقوله اشحة حال من الضمير فى سلقوكم

وقوله على الخير يدل على عموم الشح فى قوله اولا

اشحة عليكم

وقيل المراد بالخير المال اي اشحة على مال الغنائم واللّه اعلم ثم اخبر تعالى عنهم انهم لم يؤمنوا وجمهور المفسرين على ان هذه الاشارة الى منافقين لم يكن لهم قط ايمان ويكون قوله فأحبط اللّه اعمالهم اي انها لم تقبل قط والاشارة بذلك فى قوله وكان ذلك الى حبط اعمال هؤلاء المنافقين والضمير فى قوله يحسبون الاحزاب للمنافقين والمعنى انهم من الفزع والجزع بحيث رحل الاحزاب وهزمهم اللّه تعالى وهؤلاء يظنون انها من الخدع وانهم لم يذهبوا وان يأت الاحزاب اي يرجعوا اليهم كرة ثانية يودوا من الخوف والجبن لو انهم بادون اي خارجون الى البادية فى الاعراب وهم أهل العمود ليسلموا من القتال يسئلون اي من ورد عليهم ثم سلى سبحانه عنهم وحقر شأنهم بأن اخبر انهم لو حضروا لما اغنوا ولما قاتلوا الا قتالا قليلا لا نفع له ثم

قال تعالى على جهة الموعظة لقد كان لكم فى رسول اللّه اسوة حسنة حين صبر وجاد بنفسه واسوة معناه قدوة ورجاء اللّه تابع للمعرفة به ورجاء اليوم آلاخر ثمرة العمل الصالح وذكر اللّه كثيرا من خير الاعمال فنبه عليه ت وعن ابى هريرة عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه عز و جل يقول انا مع عبدى اذا هو ذكرنى وتحركت بى شفتاه رواه ابن ماجة واللفظ له وابن حبان فى صحيحه ورواه الحاكم فى المستدرك من حديث ابى الدرداء

وروى جابر بن عبد اللّه قال خرج علينا النبى صلى اللّه عليه و سلم فقال يا ايها الناس ان اللّه سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر فى الارض فارتعوا فى رياض الجنة قالوا واين رياض الجنة يا رسول اللّه قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا فى ذكر اللّه وذكروه انفسكم من كان يحب ان يعلم منزلته عند اللّه فلينظر كيف منزلة اللّه عنده فإن اللّه ينزل العبد منه حيث انزله من نفسه رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد وعن معاذ بن جبل قال سألت النبى صلى اللّه عليه و سلم اي

الاعمال احب الى اللّه تعالى قال ان تموت ولسانك رطب من ذكر اللّه رواه ابن حبان فى صحيحه انتهى من السلاح ولولا خشية الاطالة لأتيت فى هذا الباب باحاديث كثيرة

وروى ابن المبارك فى رقائقه قال اخبرنا سفيان ابن عيينة عن ابن ابى نجيح عن مجاهد قال لا يكون الرجل من الذاكرين اللّه كثيرا والذاكرات حتى يذكر اللّه قائما وقاعدا ومضطجعا انتهى وفى مصحف ابن مسعود يحسبون الاحزاب قد ذهبوا فاذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا انهم بادون فى الاعراب

٢٢

وقوله تعالى ولما رأى المؤمنون الاحزاب الآية قالت فرقة لما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحفر الخندق اعلمهم بأنهم سيحصرون وامرهم بالاستعداد لذلك واعلمهم بانهم سينصرون بعد ذلك فلما رأوا الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله الآية

وقالت فرقة ارادوا بوعد اللّه ما نزل فى سورة البقرة من

قوله تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الى قوله قريب قال ع ويحتمل انهم ارادوا جميع ذلك ثم اثنى سبحانه على رجال عاهدوا اللّه على الاستقامة فوفوا وقضوا نحبهم اي نذرهم وعهدهم والنحب فى كلام العرب النذر والشيء الذى يلتزمه الانسان وقد يسمى الموت نحبا وبه فسر ابن عباس وغيره هذه الآية ويقال للذى جاهد فى امر حتى مات قضى فيه نحبه ويقال لمن مات قضى فلان نحبه فممن سمى المفسرون انه اشير اليه بهذه الآية انس بن النضر عم انس بن مالك وذلك انه غاب عن بدر فساءه ذلك وقال لئن شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشهدا ليرين اللّه ما اصنع فلما كان احد ابلى بلاء حسنا حتى قتل ووجد فيه نيف على ثمانين جرحا فكانوا يرون ان هذه الآية فى انس بن النضر ونظرائه

وقالت فرقة الموصوفون بقضاء النحب هم جماعة من اصحاب

النبى صلى اللّه عليه و سلم وفوا بعهود الاسلام على التمام فالشهداء منهم والعشرة الذين شهد لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالجنة منهم الى من حصل فى هذه المرتبة ممن لم ينص عليه ويصحح هذه المقالة ايضا ما روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان على المنبر فقال له اعرابى يا رسول اللّه من الذى قضى نحبه فسكت عنه النبى صلى اللّه عليه و سلم ساعة ثم دخل طلحة بن عبيد اللّه على باب المسجد وعليه ثوبان اخضران فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اين السائل فقال ها انا ذا يا رسول اللّه قال هذا ممن قضى نحبه قال ع فهذا ادل دليل على ان النحب ليس من شرطه الموت وقال معاوية بن ابى سفيان انى سمعت النبى صلى اللّه عليه و سلم يقول طلحة ممن قضى نحبه وروت عائشة نحوه

وقوله تعالى ومنهم من ينتظر يريد ومنهم من ينتظر الحصول فى اعلى مراتب الايمان والصلاح وهم بسبيل ذلك وما بدلوا ولاغيروا واللام فى ليجزي يحتمل ان تكون لام الصيرورة  لام كيى وتعذيب المنافقين ثمرة ادامتهم الإقامة على النفاق الى موتهم والتوبة موازية لتلك الإدامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان إدامة على نفاق اوتوبة منه وعنهما ثمرتان تعذيب  رحمة ثم عدد سبحانه نعمة على المؤمنين فى هزم الاحزاب فقال ورد اللّه الذين كفروا بغيظهم الآية

٢٦

وقوله تعالى وانزل الذين ظاهروهم يريد بنى قريظة وذلك انهم لما غدروا وظاهروا الاحزاب اراد اللّه النقمة منهم فلما ذهب الاحزاب جاء جبريل الى النبى صلى اللّه عليه و سلم وقت الظهر فقال يا محمد ان اللّه يامرك بالخروج الى بنى قريظة فنادى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الناس وقال لهم لا يصلين احد العصر الا فى بنى قريظة فخرج الناس اليهم وحصرهم النبى صلى اللّه عليه و سلم خمسا وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم سعد

بان تقتل المقاتلة وتسبى الذرية والعيال والاموال وان تكون الارض والثمار للمهجرين دون الانصار فقالت له الانصار فى ذلك فقال اردت ان يكون للمهاجرين اموال كما لكم اموال فقال له النبى صلى اللّه عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة ارقعة فامر صلى اللّه عليه و سلم برجالهم فضربت اعناقهم وفيهم حيي بن اخطب النضيري وهو الذى كان ادخلهم فى الغدر وظاهر معناه عاونوهم والصياصي الحصون واحدها صيصة وهى كل ما يتمنع به ومنه يقال لقرون البقر الصياصى والفريق المقتول الرجال والفريق الماسور العيال والذرية

وقوله سبحانه وارضا لم تطئوها يريد بها البلاد التى فتحت على المسلمين بعد كالعراق والشام واليمن وغيرها فوعد اللّه تعالى بها عند فتح حصون بنى قريظة واخبر انه قد قضى بذلك قاله عكرمة

٢٨

وقوله تعالى يا ايها النبى قل لازواجك ان كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها الآية ذكر جل المفسرين ان ازواج النبى صلى اللّه عليه و سلم سألنه شيأ من عرض الدنيا وآذينة بزيادة النفقة والغيرة فهجرهن وءالى ان لا يقربهن شهرا فنزلت هذه الآية فبدأ بعائشة وقال يا عائشة اني ذاكرلك امرا ولا عليك ان لا تعجلى حتى تستأمرى ابويك ثم تلا عليها الآية فقالت له وفى اي هذا استمر أبوي فانى اريد اللّه ورسوله والدار الاخرة قالت وقد علم ان ابوى لا يامرانى بفراقه ثم تتابع ازواج النبى صلى اللّه عليه و سلم على مثل قول عائشة فاخترن اللّه ورسوله رضى اللّه عنهن قالت فرقة قوله بفاحشته مبينة يعم جميع المعاصى ولزمهن رضى اللّه عنهن بحسب مكانتهن اكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهن الاجر والعذاب

وقوله ضعفين معناه يكون العذاب عذابين اي يضاف الى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله ويقنت معناه يطيع ويخضع بالعبودية قاله الشعبى وقتادة والرزق الكريم

الجنة ثم خاطبهن اللّه سبحانه بأنهن لسن كأحد من نساء عصرهن فما بعد بل هن افضل بشرط التقوى وانما خصصنا النساء لان فيمن تقدم ءاسية ومريم فتأمله وقد اشار الى هذا قتادة ثم نهاهن سبحانه عما كانت الحال عليه فى نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم القول ولا تخضعن معناه لا تلن قال ابن زيد خضع القول ما يدخل فى القلوب الغزل والمرض فى هذه الآية قال قتادة هو النفاق وقال عكرمة الفسق والغزل والقول المعروف هو الصواب الذى لا تنكره الشريعة ولا النفوس وقرأ الجمهور وقرن بكسر القاف وقرأ نافع وعاصم وقرن بالفتح فأما الأولى فيصح ان تكون من الوقار ويصح ان تكون من القرار واما قرءاة الفتح فعلى لغة العرب قررت بكسر الراء اقر بفتح القاف فى المكان وهى لغة ذكرها ابو عبيد فى الغريب المصنف وذكرها الزجاج وغيره فامر اللّه تعالى فى هذه آلايةنساء النبى بملازمة بيوتهن ونهاهن عن التبرج والتبرج اظهار الزينة والتصنع بها ومنه البروج لظهورها وانكشافها للعيون

واختلف الناس فى الجاهلية الاولى فقال الشعبى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام

وقيل غير هذا قال ع والذى يظهر عندى انه اشار الى الجاهلية التى لحقنها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهى ما كان قبل الشرع من سبره الكفرة وجعلها اولى بالاضافة الى حاله الاسلام وليس المعنى ان ثم جاهلية آخرة والرجس اسم يقع على الاثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص فاذهب اللّه جميع ذلك عن اهل البيت قالت ام سلمة نزلت هذه الآية فى بيتى فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فدخل معهم تحت كساء خيبريى وقال هؤلاء اهل بيتى وقرأ الآية وقال اللّهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت ام سلمة فقلت وانا يا رسول اللّه فقال انت من ازواج النبى صلى اللّه عليه و سلم

وانت الى خير والجمهور على هذا وقال ابن عباس وغيره اهل البيت ازواجه خاصة والجمهور على ما تقدم قال ع والذى يظهر لى ان اهل البيت ازواجه وبنته وبنوها وزوجها اعنى عليا ولفظ الآية يقتضى ان الزوجات من اهل البيت لان الآية فيهن والمخاطبة لهن قال ص واهل البيت منصوب على النداء  على المدح  على الاختصاص وهو قليل فى المخاطب واكثر ما يكون فى المتكلم كقوله ... نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق ...

انتهى ت واستصوب ابن هشام نصبه على النداء قاله فى المغني

وقوله تعالى واذكرن يعطى ان اهل البيت نساؤه وعلى قول الجمهور هى ابتداء مخاطبة والحكمة السنة فقوله واذكرن يحتمل مقصدين كلا هما موعظة احدهما ان يريد تذكرنه واقدرنه قدرة وفكرن فى ان من هذه حالة ينبغى ان تحسن افعاله والثانى ان يريد اذكرن بمعنى احفظن واقرأن والزمنه السنتكن ت ويحتمل ان يراد باذكرن افشاؤه ونشره للناس واللّه اعلم وهذا هو الذى فهمه ابن العربى من الآية فانه امر اللّه ازواج رسوله ان يخبرن بما ينزل من القرءان فى بيوتهن وبما يرين من افعال النبى صلى اللّه عليه و سلم واقواله حتى يبلغ ذلك الى الناس فيعملوا بما فيه ويقتدوا به انتهى وهو حسن وهو ظاهر الآية وقد تقدم له نحو هذا في

قوله تعالى وان امرأة خافت من بعلها نشوزا  اعراضا الآية ذكره فى احكام القرءان

٣٣

وقوله تعالى ان المسلمين والمسلمات الآية روى فى سببها ان ام سلمة قالت يا رسول اللّه يذكر اللّه تعالى الرجال فى كتابة فى كل شيىء ولا يذكرنا فنزلت الآية فى ذلك والفاظ الآية فى غاية البيان

وقوله سبحانه والذاكرين اللّه كثيرا والذاكرات الآية وفى الحديث الصحيح عنه صلى اللّه عليه و سلم قال سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول

اللّه قال الذاكرون اللّه كثيرا والذاكرات رواه مسلم واللفظ له والترمذى وعنده قالوا يا رسول اللّه وما المفردون قال المستهترون فى ذكر اللّه يضع الذكر عنهم اثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا قال عياض والمفردون ضبطناه على متقنى شيوخنا بفتح الفاء وكسر الراء وقال ابن الأعرابى فرد الرجل اذا تفقه واعتزل الناس وخلا لمراعاة الامر والنهى وقال الازهرى هم المتخلون من الناس بذكر اللّه تعالى

وقوله المستهترون فى ذكر اللّه هو بفتح التاءين المثناتين يعنى الذين اولعوا بذكر اللّه يقال استهتر فلان بكذا اي اولع به انتهى من سلاح المومن

٣٦

وقوله سبحانه وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله أمرا ان تكون لهم الخيرة الآية قوله وما كان لفظه النفى ومعناه الحظر والمنع والخيرة مصدر بمعنى التحيز قال ابن زيد نزلت هذه الآية بسبب ان ام كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وهبت نفسها للنبى فزوجها من زيد بن حارثة فكرهت ذلك هى واخوها فنزلت الآية بسبب ذلك فأجابا الى تزويج زيد

وقيل غير هذا والعصيان هنا يعم الكفر فما دون وفى حديث الترمذى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال من سعادة ابن ءادم رضاه بما قضاه اللّه ومن شقاوة ابن ءادم

سخطه بما قضاه اللّه له انتهى

٣٧

وفقوله تعالى واذ تقول للذى انعم اللّه عليه وانعمت عليه الآية ذهب جماعة من المتأولين الى ان الآية لا كبير عتب فيها على النبى صلى اللّه عليه و سلم فروى عن علي بن الحسين ان النبى صلى اللّه عليه و سلم كان قد اوحى اليه ان زيدا يطلق زينب وانه يتزوجها بتزويج اللّه اياها له فلما تشكى زيد للنبى صلى اللّه علليه وسلم خلق زينب وانها لا تطيعه واعلمه بأنه يريد طلاقها قال له النبى صلى اللّه عليه و سلم على جهة الأدب والوصية اتق اللّه اي فى قولك وامسك عليك زوجك وهو يعلم انه سيفارقها وهذا هو الذى اخفى صلى اللّه عليه و سلم فى نفسه ولم يرد ان يأمره بالطلاق لما علم من انه سيتزوجها وخشى صلى اللّه عليه و سلم ان يلحقه قول من الناس فى ان يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد امره بطلاقها فعاتبه اللّه على هذا القدر من ان خشي الناس فى شىء قد اباحه اللّه تعالى له قال عياض وتأويل علي بن الحسين احسن التأويلات واصحها وهو قول ابن عطاء وصححه واستحسنه انتهى

وقوله أنعم اللّه عليه يعنى بالاسلام وغير ذلك وانعمت عليه يعنى بالعتق وهو زيد بن حارثة وزينب هى بنت جحش بنت اميمة بنت عبد المطلب عمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم اعلم تعالى نبيه انه زوجها منه لما قضى زيد وطره منها لتكون سنة للمسلمين فى ازواج ادعيائهم وليبين انها ليست كحرمة البنوة والوطر الحاجة والبغية

وقوله تعالى وكان امر اللّه مفعولا فيه حذف مضاف تقديره وكان حكم امر اللّه  مضمن امر اللّه والا فالامر قديم لا يوصف بأنه مفعول ويحتمل ان يكون الأمر واحد الأمور التى شأنها ان تفعل وعبارة الواحدي وكان امر اللّه مفعولا اي كائنا لا محالة وكان قد قضى فى زينب ان يتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى

٣٨

وقوله تعالى ما كان على النبى من حرج فيما فرض اللّه له الآية هذه مخاطبة من اللّه تعالى لجميع الأمة

اعلمهم انه لا حرج على نبيه فى نيل ما فرض اللّه له واباحه من تزويجه لزينب بعد زيد ثم اعلم ان هذا ونحوه هو السنن الأقدم فى الأنبياء من ان ينالوا ما احله اللّه لهم وعبارة الواحدي ما كان على النبى من حرج فيما فرض اللّه له اي احل اللّه له من النساء سنة اللّه فى الذين خلوا من قبل يقول هذه سنة قد مضت لغيرك يعنى كثرة ازواج داود وسليمان عليهما السلام وكان امر اللّه قدرا مقدورا قضاء مقضيا الذين يبلغون رسالات اللّه من نعت قوله فى الذين خلو من قبل انتهى

٤٠

وقوله تعالى ما كان محمد ابا احد من رجالكم الى قوله كريما اذهب اللّه بهذه الآية ما وقع فى نفوس المنافقين وغيرهم لانهم استعظموا ان تزوج زوجة ابنه فنفى القرءان تلك البنوة

وقوله ابا احد من رجالكم يعنى المعاصرين له وباقى الآية بين ثم امر سبحانه عباده بان يذكروه ذكرا كثيرا وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقرير لسهولته على العبد ولعظم الاجر فيه قال ابن عباس لم يعذر احد فى ترك ذكر اللّه عز و جل الا من غلب على عقله وقال الذكر الكثير ان لا تنساه ابدا

وروى ابو سعيد عن النبى صلى اللّه عليه و سلم اكثروا ذكر اللّه حتى يقولوا مجنون ت وهذا الحديث خرجه ابن حبان فى صحيحه

وقوله وسبحوه بكرة واصيلا اراد فى كل الأوقات فحدد الزمن بطر فى نهاره وليله والاصيل من العصر الى الليل وعن ابن ابى اوفى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان خيار عباد اللّه الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر اللّه رواه الحاكم فى المستدرك انتهى من السلاح

وقوله سبحانه هو الذى يصلى عليكم وملائكته الآية صلاة اللّه على العبد هى رحمته له وصلاة الملائكة هى دعاؤهم للمؤمنين ثم اخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تانيسا لهم

وقوله تعالى تحيتهم يوم يلقونه سلام قيل يوم القيامة تحي الملائكة المؤمنين بالسلام ومعناه السلامة من كل مكروه وقال قتادة يوم دخولهم الجنة

يحي بعضهم بعضا بالسلام والاجر الكريم جنة الخلد فى جوار اللّه تبارك وتعالى

٤٥

وقوله تعالى يا ايها النبى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا الآية هذه الآية فيها تانيس للنبى صلى اللّه عليه و سلم وللمومنين وتكريم لجميعهم

وقوله وداعيا الى اللّه باذنه اي بأمره وسراجا منيرا استعارة للنور الذى تضمنه شرعه

وقوله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا قال ع قال لنا ابى رحمه اللّه هذه الآية من ارجى ءاية عندى فى كتاب اللّه عز و جل قال ابو بكر بن الخطيب اخبرنا ابو نعيم الحافظ ثم ذكر سنده الى ابن عباس قال قال النبى صلى اللّه عليه و سلم انزلت على ءاية يا ايها النبى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا قال شاهدا على امتك ومبشرا بالجنة ونذيرا من النار وداعيا الى شهادة ان لا اله الا اللّه باذنه بأمره وسراجا منيرا بالقرءان انتهى من تاريخ بغداد له من ترجمة محمد بن نصر

وقوله تعالى ودع اذاهم يحتمل ان يريد ان يأمره تعالى بترك ان يؤذيهم هو ويعاقبهم فالمصدر على هذا مضاف الى المفعول ويحتمل ان يريد اعرض عن اقوالهم وما يوذونك به فالمصدر على هذا التأويل مضاف الى الفاعل وهذا تاويل مجاهد وباقي الآية بين

٥٠

وقوله تعالى يا ايها النبى انا احللنا لك ازواجك الآية ذهب ابن زيد والضحاك فى تفسير هذه الآية الى ان اللّه تعالى احل لنبيه ان يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها واباح له كل النساء بهذا الوجه وانما خصص هؤلاء بالذكر تشريفا لهن فالاية على هذا التأويل فيها اباحة مطلقة فى جميع النساء حاشى ذوات المحارم المذكور حكمهن فى غير هذه الآية ثم قال بعد هذا تزجى من تشاء منهن اي من هذه الأصناف كلها ثم تجرى الضمائر بعد ذلك على العموم الى

قوله تعالى ولا ان نبدل بهن فيجىء هذا الضمير مقطوعا من الاول عائدا على ازواجه التسع فقط على الخلاف فى ذلك وتأول غير ابن زيد فى قوله احللنا لك ازواجك من فى عصمته ممن تزوجها

بمهروان ملك اليمين بعد حلال له وان اللّه اباح له مع المذكورات بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ممن هاجر معه والواهبات خاصة فيجىء الامر على هذا التأويل اضيق على النبى عليه السلام ويؤيد هذا التاويل ما قاله ابن عباس كان النبى صلى اللّه عليه و سلم يتزوج فى اي النساء شاء وكان ذلك يشق على نسائه فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء الا من سمى سر نساؤه بذلك

وقوله سبحانه وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبى الآية قال السهيلى ذكر البخارى عن عائشة انها قالت كانت خولة بنت حكيم من اللاتى وهبن انفسهن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدل على انهن كن غير واحدة انتهى

وقوله خالصة لك اي هبة النساء انفسهن خاصة بك دون امتك قال ع ويظهر من لفظ ابى بن كعب ان معنى قوله خالصة لك يراد به جميع هذه الإباحة لأن المؤمنين لم يبح لهم الزيادة على اربع

وقوله تعالى قد علمنا فرضنا عليهم فى ازواجهم يريد هو كون النكاح بالولى والشاهدين والمهر والاقتصار على اربع قاله قتادة ومجاهد

وقوله لكي لا اي بينا هذا البيان لكى لا يكون عليك حرج ويظن بك انك قد اثمت عند ربك

٥١

وقوله تعالى ترجي من تشاء منهن الآية ترجى معناه تؤخر وتئوى معناه تضم وتقرب ومعنى هذه الآية ان اللّه تعالى فسح لنبيه فيما يفعله فى جهة النساء والضمير فى منهن عائد على من تقدم ذكره من الاصناف حسب الخلاف المذكور فى ذلك وهذا الارجاء والإيواء يحتمل معانى منها ان المعنى فى القسم اي تقرب من شئت فى القسمة لها من نفسك وتؤخر عنك من شئت وتكثر لمن شئت وتقل لمن شئت لا حرج عليك فى ذلك فاذا علمن هن ان هذا هو حكم اللّه لك رضين وقرت اعينهن وهذا تأويل مجاهد وقتادة والضحاك قال ع لان سبب هذه الآية تغاير وقع بين زوجات النبى

صلى اللّه عليه و سلم تأذى به وقال ابن عباس المعنى فى طلاق من شاء وامساك من شاء وقال الحسن بن ابي الحسن المعنى فى تزوج من شاء وترك من شاء قال ع وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على النبى صلى اللّه عليه و سلم والاباحة له وذهب هبة اللّه فى الناسخ المنسوخ له الى ان قوله ترجى من تشاء الآية ناسخ لقوله لا يحل لك النساء من بعد الآية

وقوله تعالى ومن ابتغيت ممن عزلت يحتمل معانى

أحدها ان تكون من للتبعيض اي من اردت وطلبته نفسك ممن كنت قد عزلته واخرته فلا جناح عليك فى رده الى نفسك وإيواءه اليك ووجه ثان وهو ان يكون مقويا وموكدا لقوله ترجى من تشاء وتئوى من تشاء فيقول بعد ومن ابتغيت ومن عزلت فذلك سواء لاجناح عليك فى رده نفسك وايوائه اليك

وقوله ويرضين بما ءاتيتهن اي من نفسك ومالك واتفقت الروايات على انه عليه السلام مع ما جعل اللّه له من ذلك كان يسوى بينهن فى القسم تطييبا لنفوسهن واخذا بالفضل وما خصه اللّه من الخلق العظيم صلى اللّه عليه و سلم وعلى ءاله غيره ان سودة وهبت يومها لعائشة تقمنا لمسرة رسول اللّه عليه وسلم

٥٢

وقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد قيل كما قدمنا انها حظرت عليه النساء الا التسع وما عطف عليهن على ما تقدم لابن عباس وغيره قال ابن عباس وقتادة وجازاهن اللّه بذلك لما اخترن اللّه ورسوله ومن قال بأن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا لا يحل لك النساء معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات ولا ينبغى ان يكن امهات المؤمنين

وروى هذا عن مجاهد وكذلك قدر ولا ان تبدل اليهوديات والنصرانيات بالمسلمات وهو قول ابى رزين وابن جبير وفيه بعد

وقوله تعالى يا ايها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبى الا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه هذه الآية تضمنت قصتين احداهما الأدب فى امر الطعام والجلوس والثانية امر

الحجاب قال الجمهور سببها ان النبى صلى اللّه عليه و سلم لما تزوج زينب بنت جحش اولم عليها ودعا الناس فلما طعموا قعد نفر فى طائفة من البيت يتحدثون فثقل على النبى صلى اللّه عليه و سلم مكانهم فخرج ليخرجوا بخروجه ومر على حجر نسائه ثم عاد فوجدهم فى مكانهم وزينب فى البيت معهم فلما دخل ورءاهم انصرف فخرجوا عند ذلك قال انس بن مالك فاعلم  اعلمته بانصرافهم فجاء فلما وصل الحجرة ارخى الستر بينى وبينه ودخل ونزلت ءاية الحجاب بسبب ذلك قال اسماعيل بن ابى حكيم هذا ادب ادب اللّه به الثقلاء وقالت عائشة وجماعة سبب الحجاب كلام عمر للنبى صلى اللّه عليه و سلم مرارا فى ان يحجب نساءه وناظرين معناه منتظرين واناه مصدرانى الشىء يأنى انى اذا فرغ وحان ولفظ البخارى يقال اناه ادراكه انى يأنى اناءه انتهى

وقوله تعالى واللّه لا يستحى من الحق معناه لا يقع منه ترك الحق ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفى عنه تعالى العلة الموجبة لذلك فى البشر وعن ثوبان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث لا يحل لأحد ان يفعلهن لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فان فعل فقد خانهم ولا ينظر فى قعر بيت قبل ان يستاذن فإن فعل فقد خان ولا يصلى وهو حاقن حتى يتخفف رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة والترمذى وقال الترمذى حديث حسن ورواهأبو داود ايضا من حديث ابى هريرة انتهى من السلاح

وقوله تعالى واذا سألتموهن متاعا الآية هى ءاية الحجاب والمتاع عام فى جميع ما يمكن ان يطلب من المواعين وسائر المرافق وباقى الآية بين وقد تقدم في سورة النور طرف من بيانه فأغنى عن اعادته

٥٦

وقوله تعالى ان اللّه وملائكته يصلون على النبى الآية تضمنت شرف النبى صلى اللّه عليه و سلم وعظيم منزلته عند اللّه تعالى قالت فرقة تقدير الآية ان اللّه يصلى وملائكته يصلون فالضمير فى قوله يصلون للملائكة فقط

وقالت فرقة بل الضمير فى يصلون للّه والملائكة وهذا قول من اللّه تعالى شرف به ملائكته فلا يرد عليه الاعتراض الذى جاء فى قول الخطيب من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد ضل فقال النبى صلى اللّه عليه و سلم بئس الخطيب انت وهذا القدر كاف هنا وصلاة اللّه تعالى رحمة منه وبركة وصلاة الملائكة دعاء وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم والصلاة على النبى صلى اللّه عليه و سلم فى كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التى لا يسع تركها ولا يغفلها الا من لا خير فيه وفى حديث ابن عباس انه لما نزلت هذه الآية قال قوم من الصحابة هذا السلام عليك يا رسول اللّه قد عرفناه فكيف نصلى عليك الحديث ت ولفظ البخارى عن كعب بن عجرة قال قيل يا رسول اللّه اما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة قال قولوا اللّهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم انك حميد مجيد اللّهم بارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على ابراهيم انك حميد مجيد انتهى وفيه طرق يزيد فيها بعض الرواة على بعض وفى الحديث عنه صلى اللّه عليه و سلم ان من افضل ايامكم يوم الجمعة فأكثروا على من الصلاة فيه فان صلاتكم على الحديث رواه أبو داود والنساءى وابن ماجة واللفظ لأبى داود ورواه الحاكم فى المستدرك من حديث ابى مسعود الأنصارى وقال صحيح الإسناد وعن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من احد يسلم على الا رد اللّه على روحى حتى ارد عليه السلام وعنه قال قال النبى صلى اللّه عليه و سلم صلوا على فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم رواهما أبو داود وعن ابن مسعود ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قال اولى الناس بي يوم القيامة اكثرهم على صلاة رواه الترمذى وابن حبان فى صحيحه ولفظهما سواء وقال الترمذى حسن غريب انتهى من السلاح

وقوله سبحانه يدنين عليهن من جلابيبهن الجلباب ثوب اكبر من

الخمار

وروي عن ابن عباس وابن مسعود انه الخمار

واختلف فى صورة ادنائه فقال ابن عباس وغيره ذلك ان تلويه المرأة حتى لا يظهر منها الا عين واحدة تبصر بها وقال ابن عباس ايضا وقتادة ذلك ان تلويه على الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وان ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه

وقوله ذلك ادنى ان يعرفن اي حتى لا يختلطن بالإماء فاذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرائر وليس المعنى ان تعرف المرأة حتى يعلم من هى وكان عمر اذا رأى امة قد تقنعت قنعها بالدرة محافظة على زى الحرائر

٦٠

وقوله تعالى لئن لم ينته المنافقون الآية اللام فى قوله لئن هى المؤذنة بمجىء القسم واللام فى لنغرينك هى لام القسم ت

وروى الترمذى عن ابن عمر قال صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من قد اسلم بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه المسلم يتبع اللّه عورته ومن يتبع اللّه عورته يفضحه ولو فى جوف رحله الحديث اه ورواه أبو داود فى سننه من طريق ابى برزة الأسلمى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم وتوعد اللّه سبحانه هذه الاصناف فى هذه الآية

وقوله سبحانه والذين فى قلوبهم مرض المرض هنا هو الغزل وحب الزنا قاله عكرمة والمرجفون فى المدينة هم قوم كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة ونحو هذا مما يرجفون به نفوس المؤمنين فيحتمل ان تكون هذه الفرق داخلة في جملة المنافقين ويحتمل ان تكون متباينة ونغرينك معناه نحضك عليهم بعد تعيينهم لك وفى البخارى وقال ابن عباس لنغرينك لنسلطنك انتهى

وقوله تعالى ثم لا يجاورونك اي بعد الاغراء لأنك تنفيهم بالاخافة والقتل

وقوله الا قليلا يحتمل ان يريد الا جوارا قليلا  وقتا قليلا  عددا قليلا كأنه قال الا اقلاء وثقفوا معناه حصروا وقدر عليهم واخذوا معناه اسروا والا خيذ الا سير والذين

خلوا هم منافقوا الأمم وباقى الآية متضح المعنى والسبيلا مفعول ثان لأن اضل متعد بالهمزة وهى سبيل الايمان والهدى والذين ءاذوا موسى هم قوم من بنى اسراءيل ابن عباس وابو هريرة وجماعة الاشارة الى ما تضمنه حديث النبى صلى اللّه عليه و سلم من ان بنى اسراءيل كانوا يغتسلون عراة وكان موسى رجلا ستيرا حييا لا يكاد يرى من جسده شىء فقالوا واللّه ما يمنع موسى ان يغتسل معنا الا انه ءادر اوبه برص فذهب يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فلج موسى فى اثره يقول ثوبى حجر ثوبى حجر فمر بهم فنظرواإليه فقالوا واللّه ما بموسى من بأس الحديث خرجه البخارى وغيره

وقيل فى اذايتهم غير هذا فبرأه اللّه مما قالوا والوجيه المكرم الوجه والقول السديد يعم جميع الخيرات وقال عكرمة اراد لا اله الا اللّه وباقى الآية بين

٧٢

وقوله سبحانه انا عرضنا الأمانة على السموات والارض الآية ذهب الجمهور الى ان الأمانة كل شىء يؤتمن الانسان عليه من امر ونهى وشأن دين ودنيا فالشرع كله امانة ومعنى الآية انا عرضنا على هذه المخلوقات العظام ان تحمل الأوامر والنواهي ولها الثواب ان احسنت والعقاب ان اساءت فابت هذه المخلوقات واشفقت فيحتمل ان يكون هذا بإدراك يخلقه اللّه لها ويحتمل ان يكون هذا العرض على من فيها من الملائكة وحمل الانسان الأمانة اى التزم القيام بحقها وهو فى ذلك ظلوم لنفسه جهول بقدر ما دخل فيه وهذا هو تأويل ابن عباس وابن جبير قال ابن عباس واصحابه والانسان ءادم تحمل الأمانة فما تم له يوم حتى وقع فى امر الشجرة وقال بعضهم الانسان النوع كله فعلى تأويل الجمهور يكون قولهما فى لآية الأخرى اتينا طائعين اجابة لامر امرت به وتكون هذه الآية إباية واشفاقا من امر عرض عليها وخيرت فيه

وقوله تعالى ليعذب اللام لام العاقبة وكذا قال ابو حيان اللام فى ليعذب للصيرورة لانه لم يحمل الامانة

ليعذب ولكن ءال امره الى ذلك ص ابو البقاء اللام تتعلق بحملها وقرأ الأعمش ويتوب بالرفع على الاستيناف واللّه اعلم انتهى وباقى الآية بين

﴿ ٠