سورة سبإوهى مكية واختلف فى قوله تعالى ويرى الذين اوتوا العلم الآية فقيل ذلك مكى وقيل مدنى بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى الحمد للّه الذى له ما فى السموات وما فى الارض الالف واللام فى الحمد لاستغراق جنس المحامد اي الحمد على تنوعه هو للّه تعالى من جميع جهات الفكرة ويلج معناه يدخل ويعرج معناه يصعد ٣وقوله تعالى وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة روى ان قائل هذه المقالة هو ابو سفيان ابن حرب واللام من قوله ليجزى يصح ان تكون متعلقة بقوله لتأتينكم والذين معطوف على الذين الأولى اي وليجزى الذين سعوا ومعاجزين معناه محاولين تعجيز قدرة اللّه فيهم ثم اخبر تعالى بان الذين اوتوا العلم يرون الوحى المنزل على محمد عليه السلام حقا والذين اوتو العلم قيل هم من اسلم من اهل الكتاب وقال قتادة هم امة محمد المؤمنون به ثم حكى اللّه تعالى عن الكفار مقالتهم التى قالوها على جهة التعجب والهزء واستبعاد البعث هل ندلكم على رجل يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم لى اللّه عليه و سلم ينبئكم اذا مزقتم كل ممزق بالبلى وتقطع الاوصال فى القبور وغيرها وجديد بمعنى مجدد وقولهم افترى على اللّه كذبا هو ايضا من قول بعضهم لبعض ثم اضرب عن قولهم فقال بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب يريد عذاب الاخرة لأنهم صائرون اليه ويحتمل ان يريد عذاب الدنيا ايضا والضمير فى قوله افلم يروا لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالاخرة وقفهم اللّه على قدرته وخوفهم من احاطتها بهم والمعنى اليس يرون امامهم ووراءهم سماءى وارضى وباقى الآية بين ثم ذكر اللّه تعالى نعمته على داود وسليمان احتجاجا على ما منح محمدا واوبى معناه رجعى معه قال ابن عباس وغيره معنها يا جبال سبحى معه اي يسبح هو وترجع هى معه التسبيح اي تردده بالذكر وقال مؤرج اوبى سبحى بلغة الحبشة وقرأ عاصم والطير بالرفع عطفا على لفظ قوله يا جبال وقرأ نافع وابن كثير والطير بالنصب قال سيبويه عطف على موضع قوله يا جبال لأن موضع المنادى المفرد نصب وقيل نصبها باضمار فعل تقديره وسخرنا الطير والنا له الحديد معناه جعلناه لينا وروى قتادة وغيره ان الحديد كان له كالشمع لا يحتاج فى عمله الى نار والسابغات الدروع الكاسيات ذوات الفضول وقوله تعالى وقدر فى السرد قال ابن زيد الذى امر به هو فى قدر الحلقة اي لا تعملها صغيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع ولا تعملها كبيرة فينال لابسها من خلالها وقال ابن عباس التقدير الذى امر به هو فى المسمار وذكر البخارى فى صحيحه ذلك فقال المعنى لا تدق المسمار فيتسلل ولا تغلظه فينقصم بالقاف وبالفاء ايضا رواية ت قال الهروى قوله تعالى وقدر فى السرد السرد متابعة حلق الدرع شيأ بعد شىء حتى يتناسق يقال فلان يسرد الحديث سردا اي يتابعه انتهى ١٢وقوله تعالى ولسليمان الريح المعنى ولسليمان سخرنا الريح وغدوها شهر ورواحها شهر قال قتادة معناه انها كانت تقطع به فى الغدو الى قرب الزوال مسيرة شهر ونقطع فى الرواح من بعد الزوال الى الغروب مسيرة شهر وكان سليمان اذا اراد قوما لم يشعروا حتى يظلهم فى جو السماء وقوله تعالى واسلنا له عين القطر قال ابن عباس وغيره كانت تسيل له باليمن عين جارية من نحاس يصنع له منها جميع ما احب والقطر النحاس ويزغ معناه يمل اي ينحرف عاصيا وقال عن امرنا ولم يقل عن ارادتنا لانه لا يقع فى العالم شىء يخالف ارادته سبحانه ويقع ما يخالف الامر وقوله من عذاب السعير قيل عذاب الاخرة وقيل بل كان قد وكل بهم ملك بيده سوط من نار السعير فمن عصى ضربه فاحرقه والمحاريب الابنية العالية الشريفة قال قتادة القصور والمساجد والتماثيل قيل كانت من زجاج ونحاس تماثيل اشياء ليست بحيوان والجوابي جمع جابية وهى البركة التى يجبى اليها الماء وراسيات معناه ثابتات لكبرها ليست مما ينقل يحمل ولا يستطيع على عمله الا لجن ثم امروا مع هذه النعم بان يعملوا بالطاعات وشكرا يحتمل نصبه على الحال على جهة المفعول اي اعملوا عملا هو الشكر كأن العبادات كلها هى نفس الشكر وفى الحديث ان النبى صلى اللّه عليه و سلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال ثلاث من اوتيهن فقد اوتى العمل شكرا العدل فى الرضا والغضب والقصد فى الفقر والغنى وخشية اللّه فى السر والعلانية وهكذا نقل ابن العربى هذا الحديث فى احكامه وعبارة الداودى وعن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قرأ على المنبر اعملوا ءال داود شكرا وقال ثلاث من اوتيهن فقد اوتى مثل ما اوتى ءال داود العدل فى الغضب والرضا والقصد فى الفقر والغنى وذكر اللّه فى السر والعلانية قال القرطبى الشكر تقوى اللّه والعمل بطاعته انتهى قال ثابت روى ان داود كان قد جزأ ساعات الليل والنهار على اهله فلم تكن تاتى ساعة من ساعات الليل والنهار الا وانسان من آل داود قائم يصلى يتناوبون دائما وكان سليمان عليه السلام فيما روى يأكل الشعير ويطعم اهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك وروى انه ما شبع قط فقيل له فى ذلك فقال اخاف ان شبعت ان انسى الجياع وقوله تعالى وقليل من عبادى الشكور يحتمل ان تكون مخاطبة لآل داود ويحتمل ان تكون مخاطبة لنبينا محمد عليه السلام وعلى كل وجه ففيها تحريض وتنبيه قال ابن عطاء اللّه فى الحكم من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها وقال صاحب الكلم الفارقية لا تغفل عن شكر الصنائع وسرعة استرجاع الودائع وقال ايضا ياميتا نشر من قبر العدم بحكم الجود والكرم لا تنس سوالف العهود والذمم اذكر عهد الايجاد وذمة الاحسان والإرفاد وحال الإصدار والإيراد وفاتحة المبدأ وخاتمة المعاد وقال رحمة اللّه يا دائم الغفلة عن عظمة ربه اين النظر فى عجائب صنعه والتفكر فى غرائب حكمته اين شكر ما افاض عليك من ملابس احسانه ونعمه ياذا الفطنة اغتنم نعمة المهلة وفرصة المكنة وخلسة السلامة قبل حلول الحسرة والندامة انتهى ١٤قوله تعالى فلما قضينا عليه الموت الآية روى عن ابن عباس وابن مسعود فى قصص هذه الآية كلام طويل حاصلة ان سليمان عليه السلام لما احس بقرب اجله اجتهد عليه السلام وجد فى العبادة وجاءه ملك الموت واخبره انه امر بقبض روحه وانه لم يبق له الامدة يسيرة قال الثعلبى وقال سليمان عند ذلك اللّهم علي الجن موتى حتى يعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب اشياء وانهم يعلمون ما فى غد ولما اعلمه ملك الموت بقرب الاجل امر حينئذ الجن فصنعت له قبة من زجاج تشف ودخل فيها يتعبد ولم يجعل لها بابا وتوكأ على عصاه على وضع يتماسك معه وان مات ثم توفى عليه السلام على تلك الحالة فلما مضى لموته سنة خر عن عصاه والعصا قد اكلتها الارضة وهى الدودة التى تاكل العود فرأت الجن انخراره فتوهمت موته والمنساة العصا وقرأ الجمهور تبينت الجن بإسناد الفعل اليها اي بان امرها كأنه قال افتضحت الجن اي للانس هذا تأويل ويحتمل ان يكون قوله تبينت الجن بمعنى علمت الجن وتحققت ويريد بالجن جمهورهم والخدمة منهم ويريد بالضمير فى كانوا رؤساءهم وكبارهم لانهم هم الذيم يدعون علم الغيب لاتباعهم من الجن والانس وقرأ يعقوب تبينت الجن على بناء الفعل للمفعول اي تبينها الناس والعذاب المهين ما هم فيه من الخدمة والتسخير وغير ذلك والمعنى ان الجن لو كانت تعلم الغيب لما خفى عليها موت سليمان وقد ظهر انه خفي عليها بدوامها فى الخدمة الصعبة وهو ميت فالمهين المذل من الهوان وحكى الثعلبى ان الشياطين قالت للأرضة لو كنت تأكلين الطعام لأتيناك بأطيب الطعام والشراب ولكنا سننقل اليك الماء والطين فهم ينقلون اليها ذلك حيث كانت شكرا لها انتهى ١٥وقوله تعالى لقد كان لسبإ فى مساكنهم ءاية الآية هذا مثل لقريش بقوم انعم اللّه عليهم فلم يشكروا فانتقم منهم اي فأنتم ايها القوم مثلهم وسبأ هنا يراد به القبيل واختلف لم سمى القبيل بذلك فقالت فرقة هو اسم امرأة وقيل اسم موضع سمسي به القبيل وقال الجمهور هو اسم رجل هو ابو القبيل كله وفيه حديث فروة بن مسيك المتقدم فى سورة النمل خرجه الترمذى وءاية معناه عبرة وعلامة على فضل اللّه وقدرته وجنتان مبتدأ وخبره عن يمين وشمال خبر مبتدإ محذوف تقديره هى جنتان وقيل جنتان بدل من آية وضعف وروي فى قصصهم انه كان فى ناحية اليمن واد عظيم بين جبلين وكانت جنبتا الوادي فواكه وزروعا وكان قد بنى فى رأس الوادى عند اول الجبلين جسر عظيم من حجارة من الجبل الى الجبل فاحتبس الماء فيه وصار بحيرة عظيمة واخذ الماء من جنبتيها فمشى مرتفعا يسقي جنات كثيرة جنبتي الوادى قيل بنته بلقيس وقيل بناه حمير ابو القبائل اليمانية كلها وكانوا بهذه الحال فى ارغد عيش وكانت لهم بعد ذلك قرى ظاهرة متصلة من اليمن الى الشام وكانوا ارباب تلك البلاد فى ذلك الزمان ت وقول ع وكان قد بنى فى رأس الوادى عند اول الجبلين صوابه وكان قد بنى فى اسفل الوادى عند ءاخر الجبلين وكلوا فيه حذف معناه قيل لهم كلوا وطيبة معناه كريمة التربة حسنة الهواء وروى ان هذه المقالة من الامر بالأكل والشكر والتوقيف على طيب البلدة وغفران الرب مع الايمان به هى من قول الانبياء لهم وبعث اليهم فيما روى ثلاثة عشر نبيا فكفروا بهم واعرضوا فبعث اللّه على ذلك السد جرذا اعمى توالد فيه وخرقة شيأ بعد شىء فانخرق السد وفاض الماء على اموالهم وجناتهم فغرقها واهلك كثيرا من الناس ممن لم يمكنه الفرار واختلف فى العرم فقال المغيرة بن حكيم وابو ميسرة هو كل ما بنى سنم ليمسك الماء وقال ابن عباس وغيره العرم اسم وادى ذلك الماء بعينه الذى كان السد بنى له وقال ابن عباس ايضا العرم الشديد قال ع فكانه صفة للسيل من العرامة والإضافة الى الصفة مبالغة وهى كثيرة فى كلام العرب وقيل العرم صفة للمطر الشديد الذى كان عنه ذلك السيل وقوله تعالى وبدلناهم بجنتيهم جنتين فيه تجوز واستعارة وذلك ان البدل من الخمط والاثل لم يكن جنات لكن هذا كما تقول لمن جرد ثوبا جيدا وضرب ظهره هذا الضرب ثوب صالح لك ونحو هذا والخمط شجر الأراك قاله ابن عباس وغيره وقيل الخمط كل شجر له شوك وثمرته كريهة الطعم بمرارة حموضة نحوه ومنه تخمط اللبن اذا تغير طعمه والاثل ضرب من الطرفاء هذا هو الصحيح والسدر معروف وهو له نبق العناب لكنه دونه فى الطعم بكثير وللخمط ثمرغث هو البرير وللأثل ثمر قليل الغناء غير حسن الطعم وقرأ نافع وابن كثير اكل بضم الهمزة وسكون الكاف والباقون بضمهما وهما بمعنى الجنى والثمرة ومنه تؤتى اكلها كل حين اي جناها وقرأ ابو عمرو اكل خمط باضافة اكل الى خمط وقوله تعالى ذلك اشارة الى ما اجارة عليهم وقوله وهل يجازى اي يناقش ويقارض بمثل فعله قدرا بقدر لأن جزاء المؤمن انما هو بتفضل وتضعيف ثواب واما الذى لا يزاد ولا ينقص فهو الكافر وقرأ حمزة والكساءى وهل نجازى بالنون وكسر الزاى الكفور بالنصب ١٨وقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى الآية هذه الآية وما بعدها وصف حالهم قبل مجىء السيل وهى ان اللّه تعالى مع ما كان منحهم من الجنتين والنعمة الخاصة بهم كان قد اصلح لهم البلاد المتصلة وعمرها وجعلهم اربابها وقدر السير بان قرب القرى بعضها من بعض حتى كان المسافر من مأرب الى الشام يبيت فى قرية ويقيل فى قرية فلا يحتاج الى حمل زاد والقرى المدن والقرى التى بورك فيها هى بلاد الشام بإجماع المفسرين والقرى الظاهرة هى التى بين الشام ومأرب وهى اسم بلدهم قال ابن عباس وغيره هى قرى عربية بين المدينة والشام واختلف فى معنى ظاهرة فقالت فرقة معناه مستعلية مرتفعه فى الأكام وهى اشرف القرى وقالت فرقة معناه يظهر بعضها من بعض فهى ابدا فى قبضة عين المسافر لا يخلو عن رؤية شىء منها قال ع والذى يظهر لى ان معنى ظاهرة خارجة عن المدن فهى عبارة عن القرى الصغار التى هى فى ظواهر المدن واللّه اعلم وءامنين اي من الخوف والجوع والعطش وآفات السفر ثم حكى سبحانه عنهم مقاله قالوها على جهة البطر والاشر وهى طلب البعد بين الاسفار كأنهم ملوا النعمة فى القرب وطلبوا استبدال الذى هو ادنى بالذى هو خير وظلموا انفسهم ففرق اللّه شملهم وخرب بلادهم وجعلهم احاديث ومنه المثل السائر تفرقوا أيادي سبأ وأيدي سبأ يقال المثل بالوجهين وهذا هو تمزيقهم كل ممزق فتيامن منهم ستة قبائل وتشاءمت منهم اربعة حسبما فى الحديث ثم اخبر تعالى محمد عليه السلام وامته على جهة التنبيه بأن هذا القصص فيه ءايات وعبر لكل مؤمن متصف بالصبر والشكر ٢٠وقوله تعالى ولقد صدق عليهم ابليس ظنه الآية قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر ولقد صدق بتخفيف الدال وقرأ حمزة والكساءى صدق بتشديدها فالظن على هذه القراءة مفعول بصدق ومعنى الآية ان ابليس ظن فيهم ظنا حيث قال ولا تجد اكثرهم شاكرين وغير ذلك فصدق ظنه فيهم واخبر تعالى انهم اتبعوه وهو اتباع فى كفر لأنه فى قصة قوم كفار وقوله ممن هو منها في شك يدل على ذلك ومن فى قوله من المؤمنين لبيان الجنس لا للتبعيض وقوله وما كان له عليهم من سلطان اي من حجة قال الحسن واللّه ما كان له سيف ولا سوط ولكنه استمالهم فمالوا بتزيينه ٢٢وقوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللّه يريد الاصنام والملائكة وذلك ان منهم من كان يعبد الملائكة وهذه ءاية تعجيز واقامة حجة ويروى ان الآية نزلت عند الجوع الذى اصاب قريشا ثم جاء بصفة هؤلاء الذين يدعونهم ءالهة أنهم لا يملكون ملك اختراع مثقال ذرة فى السموات ولا فى الارض وانهم لا شرك لهم فيهما وهذان نوعا الملك اما استبداد واما مشاركة فنفى عنهم جميع ذلك ونفي ان يكون منهم للّه تعالى معين فى شىء والظهير المعين ثم قرر فى الآية بعد ان الذين يظنون انهم يشفعون لهم عند اللّه لا تصح منهم شفاعة لهم اذ هؤلاء كفرة ولا يأذن اللّه فى الشفاعة فى كافر وقرأ حمزة والكساءى وابو عمرو اذن بضم الهمزة وقوله تعالى حتى اذا فزع عن قلوبهم الآية الضمير فى قلوبهم عائد على الملائكة الذين دعوهم ءالهة قال ع وتظاهرت الاحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لى الللّهعليه وسلم ان هذه الآية اعنى قوله حتى اذا فزع عن قلوبهم انما هى فى الملائكة اذا سمعت الوحى الى جبريل الأمر يأمر اللّه به سمعت كجر سلسلة الحديد على الصفوان فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة للّه تبارك وتعالى وقيل خوفا ان تقوم الساعة فاذا فرغ ذلك فزع عن قلوبهم اي اطير الفزع عنها وكشف فيقول بعضهم لبعض ولجبريل ماذا قال ربكم فيقول المسئولون قال الحق وهو العلى الكبير ت ولفظ الحديث من طريق ابى هريرة ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قال اذا قضى اللّه امرا فى السماء ضربت الملائكة باجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير انتهى وقرأ الجمهور فزع بضم الفاء ومعناه اطير الفزع عنهم وقولهم وهو العلى الكبير تمجيد وتحميد ثم امر اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم على جهة الاحتجاج واقامة الدليل على الرازق لهم من السموات والارض من هو ثم امره ان يقتضب الاحتجاج بأن يأتى بجواب السؤال اذ هم فى بهتة ووجمة من السؤال واذ لا جواب لهم الا ان يقولوا هو اللّه وهذه السبيل فى كل سؤال جوابه فى غاية الوضوح لان المحتج يريد ان يقتضب ويتجاوز الى حجة اخرى يوردها ونظائرها فى القرءان كثير وقوله وانا اياكم تلطف فى الدعوة والمحاورة والمعنى كما تقول لمن خالفك فى مسئلة احدنا مخطىء اي تثبت وتنبه والمفهوم من كلامك ان مخالفك هو المخطئى فكذلك هذا معناه وانا لعلى هدى فى ضلال مبين وانكم لعلى هدى فى ضلال مبين فتنبهوا والمقصد ان الضلال فى حيزهم وحذف احد الخبرين لدلالة الباقي عليه ٢٥وقوله قل لا تسئلون الآية مهادنة ومتاركة منسوخة وقوله تعالى قل يجمع بيننا ربنا اخبار بالعبث ويفتح معناه يحكم والفتاح القاضي وهو مشهور فى لغة اليمن وارونى هى رؤية قلب وهذا هو الصحيح اي ارونى بالحجة والدليل وقوله كلا رد لما تقرر من مذهبهم فى الاشراك ٢٨وقوله تعالى وما ارسلناك الا كافة للناس الآية اعلام من اللّه تعالى بأنه بعث محمدا عليه السلام الى جميع العالم وهى احدى خصائصه التى خص بها من بين سائر الانبياء وباقى الآية بين قال ابو عبيدة الوعد والوعيد والميعاد بمعنى وخولف فى هذا والذى عليه الناس ان الوعد اذا اطلق ففى الخير والوعيد فى المكروه والميعاد يقع لهذا ولهذا ٣١وقوله تعالى وقال الذين كفروا لن نومن بهذا القرءان ولا بالذى بين يديه هذه المقالة قالها بعض قريش وهى انهم لا يؤمنون بالقرءان ولا بالذى بين يديه من التوراة والانجيل والزبور فكأنهم كذبوا بجميع كتب اللّه عز و جل وانما فعلوا هذا لما وقع الاحتجاج عليهم بما فى التوراة من امر محمد عليه السلام قال الواحدي قوله تعالى يرجع بعضهم الى بعض القول اي فى التلاوم انتهى وباقى الآية بين وقولهم بل مكر الليل والنهار المعنى بل كفرنا بمكركم بنا فى الليل والنهار واضاف المكر الى الليل والنهار من حيث هو فيهما ولتدل هذه الاضافة على الدءوب والدوام والضمير فى اسروا عام لجميعهم من المستضعفين والمستكبرين ٣٤وقوله تعالى وما ارسلنا فى قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما ارسلتم به كافرون هذه لآية تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم عن فعل قريش وقولها اي هذه يا محمد سيرة الامم فلا يهمنك امر قومك والقرية المدينة والمترف الغنى المنعم القليل تعب النفس والبدن فعادتهم المبادرة بالتكذيب ٣٥وقوله وقولوا نحن اكثر اموالا لآية يحتمل ان يعود الضمير فى قالوا على المترفين ويحتمل ان يكون لقريش ويكون كلام المترفين قد تم قبله وفى صحيح مسلم عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ان اللّه لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم انتهى واعلم ان المال الزائد على قدر الحاجة قل ان يسلم صاحبه من الآفات الا من عصمه اللّه ولو بسط اللّه الرزق لعبادة لبغوا فى الارض وقد جاء فى صحيح البخارى وغيره من رواية ابى ذر عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال الاكثرون مالا هم الاقلون يوم القيامة الا من قال بالمال هكذا وهكذا واشار ابن شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم اه
وروى ابن المبارك فى رقائقه قال اخبرنا حيوة بن شريح عن عقيل بن خالد عن سلمة بن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابيه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان الشيطان قال لن ينجو منى الغنى من احدى ثلاث اما ان ازين ماله فى عينيه فيمنعه من حقه واما ان اسهل له سبيله فينفقه فى غير حقه واما ان احببه فيكسبه بغير حقه انتهى والزلفى مصدر بمعنى القرب وقوله الا من آمن استثناء منقطع وقرأ الجمهور جزاء الضعف بالاضافة والضعف هنا اسم جنس اي بالتضعيف اذ بعضهم يجازى الى عشرة وبعضهم اكثر صاعدا الى سبع مائة بحسب الاعمال ومشيئة اللّه فيها ٣٨وقوله تعالى والذين يسعون فى ءاياتنا معاجزين تقدم تفسيره ومحضرون من الإحضار والإعداد ثم كرر القول ببسط الرزق لا على المعنى الاول بل هذا هنا على جهة الوعظ والتزهيد فى الدنيا والحض على النفقة فى الطاعات ثم وعد بالخلف فى ذلك اما فى الدنيا واما فى الاخرة وفى البخارى ان ملكا ينادى كل يوم اللّهم اعط منفقا خلفا ويقول ملك ءاخر اللّهم اعط ممسكا تلفا وروى الترمذى عن ابى كبشة الانصارى انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ثلاث اقسم عليهن واحدثكم حديثا فاحفظوه قال ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها الا زاده اللّه عزا ولا فتح عبد باب مسئلة الا فتح اللّه عليه باب فقر كلمة نحوها الحديث قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله تعالى ويوم نحشرهم الآية تقدم تفسير نظيرها مكررا وفى القرءان ءايات يظهر منها ان الجن عبدت فى سورة الانعام وغيرها ثم قال تعالى فاليوم اي يقال لمن عبد ومن عبد اليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ٤٤وقوله تعالى وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها الآية المعنى ان هؤلاء الكفرة يقولون بئارئهم فى كتاب اللّه فيقول بعضهم سحر وبعضهم افتراء وذلك منهم تسور لا يستندون فيه الى اثارة علم فانا ما ءاتيناهم من كتب يدرسونها وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير يباشرهم ويشافههم فيمكنهم ان يسندوا دعواهم اليه وقوله تعالى وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم الضمير فى بلغوا يعود على قريش وفى ءاتيناهم على الامم الذين من قبلهم والمعنى من القوة والنعم والظهور فى الدنيا قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد والمعشار العشر ولم يأت هذا البناء الا فى العشرة والأربعة فقالوا مرباع ومعشار والنكير مصدر كالانكار فى المعنى وكالعذير فى الوزن وكيف تعظيم للأمر وليست استفهاما مجردا وفى هذا تهديد لقريش اي انهم متعرضون لنكير مثله ثم امر تعالى نبية عليه السلام ان يدعوهم الى عبادة اللّه تعالى والنظر فى حقيقة نبوته هو ويعظهم بأمر مقرب للافهام فقوله بواحدة معناه بقضية واحدة ايجازا لكم وتقريبا عليكم وهو ان تقوموا للّه اي لاجل اللّه لوجه اللّه مثنى اي اثنين اثنين متناظرين وفرادى اي واحدا واحدا ثم تتفكروا هل بصاحبكم جنة هو بريء من ذلك والوقف عند ابى حاتم تتفكروا فيجيء ما بصاحبكم نفيا مستانفا وهو عند سيبويه جواب ما تنزل منزلة القسم وقيل فى الآية غير هذا مما هو بعيد من الفاظها فتعين تركه ٤٧وقوله تعالى قل ما سألتكم من اجر فهو لكم معنى الآية بين واضح لا يفتقر الى بيان وقوله يقذف بالحق يريد بالوحي وءايات القرءان واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بئاياته وحكمه ٤٩وقوله سبحانه قل جاء الحق يريد الشرع بجملته وما يبدىء الباطل وما يعيد قالت فرقة الباطل غير الحق من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه كأنه قال وما يصنع الباطل شيأ وقوله فبما يوحى يحتمل ان تكون ما بمعنى الذى اومصدرية ٥١وقوله تعالى ولو ترى اذ فزعوا الآية قال الحسن بن ابى الحسن ذلك فى الكفار عند خروجهم من القبور فى القيامة قال ع وهو ارجح الاقوال هنا واما معنى الآية فهو التعجيب من حالهم اذا فزعوا من اخذ اللّه اياهم ولم يتمكن لهم ان يفوت منهم احد واخذوا من مكان قريب اي ان الآخذ يجيئهم من قرب فى طمأنينتهم وبعقبها بينما الكافر يؤمل ويترجى اذ غشيه الاخذ ومن غشيه اخذ من قريب فلا حيلة له ولا روية وقالوا ءامنا به الضمير فى به عائد على اللّه تعالى وقيل على محمد وشرعه والقرءان وقرأ نافع وعامة القراء التناوش دون همز ومعناه التناول من قولهم ناش ينوش اذا تناول وعبارة الواحدى وانى لهم التناوش اي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم انتهى وقرأ ابو عمرو وحمزة والكساءى التناوش بالهمز فيحتمل ان يكون تفسيره كالقراءة الاولى ويحتمل ان يكون من الطلب تقول انتأشت الخير اذا طلبته من بعد ت وقال البخارى التناوش الرد من الاخرة الى الدنيا انتهى ويقذفون بالغيب اي يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسول وكتاب اللّه وذلك غيب عنهم فى قولهم سحر وافتراء وغير ذلك قاله مجاهد وقال قتادة قذفهم بالغيب هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار ٥٤وقوله سبحانه وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال الحسن معناه من الايمان والتوبة والرجوع الى الانابة والعمل الصالح وذلك انهم اشتهوه فى وقت لا تنفع فيه التوبة وقاله ايضا قتادة وقال مجاهد وحيل بينهم وبين نعيم الدنيا وقيل معناه حيل بينهم وبين الجنة ونعيمها كما فعل بأشياعهم من قبل والاشياع الفرق المتشابهة فأشياع هؤلاءهم الكفرة من كل امة ص قال ابو حيان ومريب اسم فاعل من آراب اي اتى بريبة وأربته اوقعته فى ريبة ونسبة الأرابة الى الشك مجاز قال ع والشك المريب اقوى ما يكون من الشك واشده اظلاما انتهى |
﴿ ٠ ﴾