سورة فاطر

وهى مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

 الحمد للّه فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا أولي اجنحة الآية رسلا معناه بالوحى وغير ذلك من اوامره سبحانه كجبريل وميكاءيل وعزراءيل رسل والملائكة المتعاقبون رسل وغير ذلك ومثنى وثلاث ورباع الفاظ معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة عدلت فى حالة التنكير فتعرفت بالعدل فهى لا تنصرف للعدل والتعريف

وقيل للعدل والصفة وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن مثنى بمنزلة قولك اثنين اثنين قال قتادة ان انواع الملائكة هم هكذا منها ماله جناحان ومنها ماله ثلاثة ومنها ماله اربعة ويشذ منها ماله اكثر من ذلك

وروى ان لجبريل عليه السلام ست مائة جناح منها اثنان يبلغان من المشرق الى المغرب

وقوله تعالى يزيد فى الخلق ما يشاء تقرير لما يقع فى النفوس من التعجب عند الخبر بالملائكة اولى الاجنحة اي ليس هذا ببدع فى قدرة اللّه تعالى فانه يزيد فى الخلق ما يشاء

وروى عن الحسن وابن شهاب انهما قالا المزيد هو حسن الصوت قال الهيثم الفارسى رأيت النبى صلى اللّه عليه و سلم فى النوم فقال لى انت الهيثم الذى تزين القرءان بصوتك جزاك اللّه خيرا

وقيل من الأقوال فى الزيادة غير هذا وذلك على جهة المثال لا ان المقصد هى فقط

وقوله تعالى ما يفتح اللّه ما شرط ويفتح مجزوم بالشرط

وقوله من رحمة عام فى كل خير يعطيه اللّه تعالى لعباده

وقوله من بعده فيه حذف مضاف اي من بعد امساكه ومن هذه الآية

سمت الصوفية ما تعطاه من الاموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات

٥

وقوله تعالى يا ايها الناس خطاب لقريش وهو متوجه لكل كافر

وقوله سبحانه فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ت هذه الآية معناها بين قال ابن عطاء اللّه ينبغى للعبد ان يقلل الدخول فى اسباب الدنيا فقد قال النبى صلى اللّه عليه و سلم ان قليل الدنيا يلهى عن كثير الآخرة وقال صلى اللّه عليه و سلم ما طلعت شمس الا وبجنبيها ملكان يناديان يا ايها الناس هلموا الى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر والهى انتهى من لطائف المنن وقرأ جمهور الناس الغرور بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس

وقوله ان الشيطان لكم عدو الآية يقوى قراءة الجمهور فاتخذوه عدوا اي بالمباينة والمقاطعة والمخالفة له باتباع الشرع

٨

وقوله تعالى افمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا توقيف وجوابه محذوف يمكن ان يقدر كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير واحسن التقدير ما دل اللفظ بعد عليه وقرأ الجمهور فلا تذهب بفتح التاء والهاء نفسك بالرفع وقرأ قتادة وغيره تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك بالنصب

ورويت عن نافع والحسرة هم النفس على فوات امر وهذه الآية تسلية للنبى صلى اللّه عليه وسللم عن كفر قومه ووجب التسليم للّه عز و جل فى اضلال من شاء وهداية من شاء

٩

وقوله سبحانه واللّه الذى ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت هذه ءاية احتجاج عل الكفرة فى انكارهم البعث من القبور

وقوله تعالى من كان يريد العزة يحتمل ان يريد من كان يريد العزة بمغالبة فللّه العزة اي ليست لغيره ولا تتم الا به ونحا اليه مجاهد وقال من كان يريد العزة بعبادة الاوثان قال ع وهذا تمسك بقوله تعالى واتخذوا من دون اللّه ءالهة ليكونوا لهم عزا ويحتمل ان يريد من كان يريد العزة وطريقها القويم وكحب نيلها على وجهها فللّه العزة اي به وعن اوامره لا تنال عزته الا بطاعته ونحا اليه قتادة

وقوله تعالى اليه يصعد

الكلم الطيب اي التوحيد والتحميد وذكر اللّه ونحوه

وقوله والعمل الصالح يرفعه قيل المعنى يرفعه اللّه وهذا ارجح الاقوال وقال ابن عباس وغيره ان العمل الصالح هو الرافع للكلم وهذا التأويل انما يستقيم بأن يتأول على معنى انه يزيد فى رفعة وحسن موقعه ت وعن ابن مسعود قال اذا حدثناكم بحديث اتيناكم بتصديق ذلك فى كتاب اللّه سبحانه ان العبد اذا قال سبحان اللّه والحمد للّه واللّه اكبر وتبارك اللّه قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه وصعدبهن لايمر بهن على جمع من الملائكة الا استغفروا لقائلهن حتى يجاء بهن وجه الرحمن سبحانه ثم تلا عبد اللّه بن مسعود اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد انتهى من السلاح ويمكرون السيئات اي المكرات السيئات ويبور معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه

١١

وقوله تعالى واللّه خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم ازواجا وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الآية قيل معنى الازواج هنا الانواع

وقيل اراد تزويج الرجال النساء والضمير فى عمره قال ابن عباس وغيره ما مقتضاه انه عائد على معمر الذى هو اسم جنس والمراد غير الذى يعمر وقال ابن جبير وغيره بل المراد شخص واحد وعليه يعود الضمير اي ما يعمر انسان ولا ينقص من عمره بأن يحصى ما مضى منه اذا مر حول كتب ما مضى منه فاذا مر حول آخر كتب ذلك ثم حول ثم حول فهذا هو النقص قال ابن جبير فما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذى يعمره

١٢

وقوله تعالى وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تاكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون تقدم تفسير نظير هذه الآية

وقوله تعالى وسخر الشمس والقمر كل لاجل مسمى الآية الاجل المسمى هو قيام

الساعة

وقيل ءاماد الليل وءاما النهار والقطمير القشرة الرقيقة التى على نوى التمرة وقال الضحاك وغيره القطمير القمع الذى فى رأس التمرة والاول اشهر واصوب ثم بين تعالى بطلان الاصنام بثلاثة اشياء اولها انها لا تسمع ان دعيت والثانى انها لا تجيب ان لو سمعت وانما جاء بهذه لان القائل متعسف ان يقول عساها تسمع

والثالث انها تتبرأ يوم القيامة من الكفرة

وقوله تعالى ولا ينبئك مثل خبير قال المفسرون الخبير هنا هو اللّه سبحانه فهو الخبير الصادق الخبر ونبأ بهذا فلا شك فى وقوعه

١٥

وقوله تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى اللّه الآية ءاية وعظ وتذكير والانسان فقير الى اللّه تعالى فى دقائق الأمور وجلائلها لا يستغنى عنه طرفة عين وهو به مستغن عن كل احد واللّه هو الغنى الحميد اي المحمود بالاطلاق

وقوله بعزيز اي بمتنع وتزر معناه تحمل وهذه الآية فى الذنوب وانثت وازرة لانه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك اجريت مثقلة واسم كان مضمر تقديره ولوكان الداعى ثم اخبر تعالى نبيه انه انما ينذر اهل الخشية ثم حض على التزكى بأن رجى عليه غاية الترجية ثم توعد بعد ذلك بقوله والى اللّه المصير قال ع وكل عبارة فهى مقصرة عن تفسير هذه الآية وكذلك كتاب اللّه كله ولكن يظهر الأمر لنا نحن فى مواضع اكثر منه فى مواضع بحسب تقصيرنا

١٩

وقوله سبحانه وما يستوى الاعمى والبصير الآية مضمن هذه الآية الطعن على الكفرة وتمثيلهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بإزائهم بالبصراء والانوار والحرور شدة الحر قال الفراء وغيره ان السموم يختص بالنهار والحرور يقال فى حر الليل وحر النهار وتأول قوم الظل فى هذه الآية الجنة والحرور جهنم وشبه المؤمنين بالأحياء والكفرة بالأموات من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه

٢٢

وقوله سبحانه وما انت بمسمع من فى القبور تمثيل بما يحسه البشر ويعهده جميعا من ان الميت الشخص

الذى فى القبر لا يسمع واما الارواح فلا نقول انها فى القبر بل تتضمن الاحاديث ان ارواح المؤمنين فى شجر عند العرش وفى قناديل وغير ذلك وان ارواح الكفرة فى سجين ويجوز فى بعض الاحيان ان تكون الارواح عند القبور فربما سمعت وكذلك اهل قليب بدر انما سمعت ارواحهم فلا تعارض بين الآية وحديث القليب

وقوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير معناه أن دعوة اللّه تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى بنيه ثم لم تنقطع النذارة إلى زمن صلى اللّه عليه وسلم والبينات والزبر والكتاب المنير شيء واحد لكنه أكد أوصاف بعضها ببعض

وقوله تعالى ومن الجبال جدد الآية جمع جدة وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولا وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه أنه يقال جدد في جمع جديد ولا معنى لمدخل الجديد في هذه الآية وقال الثعلبي

وقيل الجدد القطع جددت الشيء إذا قطعته انتهى

وقوله وغرابيب سود لفظان لمعنى واحد وقدم الوصف الابلغ وكان حقه ان يتأخر وكذلك هو فى المعنى لكن كلام العرب الفصيح يأتى كثيرا على هذا النحو والمعنى ومنها اي من الجبال سود غرابيب

وروى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ان اللّه يبغض الشيخ الغربيب يعنى الذى يخضب بالسواد ومن الناس والدواب والانعام اي خلق مختلف الوانه

وقوله تعالى كذلك يحتمل ان يكون من كلام الاول فيجىء الوقف عليه حسنا والى هذا ذهب كثير من المفسرين ويحتمل ان يكون من الكلام الثانى خرج مخرج السبب كأنه قال كما جاءت القدرة فى هذا كله كذلك انما يخشى اللّه من عبادة العلماء اي المحصلون لهذه العبر الناظرون فيها وفى الحديث عن النبى صلى اللّه عليه و سلم اعلمكم باللّه اشدكم له خشية وقال صلى اللّه عليه و سلم رأس

الحكمة مخافة اللّه وقال الربيع بن انس من لم يخش اللّه فليس بعالم وقال ابن عباس فى تفسير هذه الآية كفى بالزهد علما ويقال ان فاتحة الزبور رأس الحكمة خشية اللّه وقال ابن مسعود كفى بخشية اللّه علما وبالاغترار به جهلا وقال مجاهد والشعبى انما العالم من يخشى اللّه وانما فى هذه الآية تحضيض للعملاء لا للحصر قال ابن عطاء اللّه فى الحكم العلم النافع هو الذى ينبسط فى الصدر شعاعه ويكشف به عن القلب قناعه خير العلم ما كانت الخشية معه والعلم ان قارنته الخشية فلك والا فعليك وقال فى التنوير اعلم ان العلم حيث ما تكرر فى الكتاب العزيز  فى السنة فانما المراد به العلم النافع الذى تقارنه الخشية وتكتنفه المخافة

قال تعالى انما يخشى اللّه من عباده العلماء فبين سبحانه ان الخشية تلازم العلم وفهم من هذا ان العلماء انما هم اهل الخشية انتهى قال ابن عباد فى شرح الحكم واعلم ان العلم النافع المتفق عليه فيما سلف وخلف انما هو العلم الذى يؤدى صاحبه الى الخوف والخشية وملازمة التواضع والذلة والتخلق باخلاق الايمان الى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا والزهادة فيها وايثار الاخرة عليها ولزوم الادب بين يدى اللّه تعالى الى غير ذلك من الصفات العلية والمناحى السنية انتهى وهذه المعانى كلها محصلة فى كتب الغزالى وغيره رضى اللّه عن جميعهم ونفعنا ببركاتهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية العلم النافع ما زهدك فى دنياك ورغبك فى اخراك وزاد فى خوفك وتقواك وبعثك على طاعة مولاك وصفاك من كدر هواك وقال رحمة اللّه العلوم النافعة ما كانت للّهمم رافعة وللاهواء قامعة وللشكوك صارفة دافعة انتهى

٢٩

وقوله تعالى ان الذين يتلون كتاب اللّه واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم الآية قال مطرف بن عبد اللّه بن الشخير هذه ءاية القراء قال ع وهذا على ان يتلون بمعنى يقرءون وان جعلناه بمعنى يتبعون صح معنى الآية وكانت فى القراء وغيرهم

ممن اتصف بأوصاف الآية وكتاب اللّه هو القرءان واقامة الصلاة اي بجميع شروطها والنفقة هى فى الصدقات ووجوه البر ولن تبور معناه لن تكسد ويزيدهم من فضله قالت فرقة هو تضعيف الحسنات

وقالت فرقة هو اما النظر الى وجه اللّه عز و جل واما ان يجعلهم شافعين فى غيرهم ما قال للذين احسنوا الحسنى وزيادة ت وقد خرج ابو نعيم بإسناده عن الثورى عن شقيق عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله قال اجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع اليه المعروف فى الدنيا وخرج ابن ماجة فى سننه عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصف الناس صفوفا وقال ابن نمير اهل الجنة فيمر الرجل من اهل النار على الرجل من اهل الجنة فيقول يا فلان اما تذكر يوم استسقيتنى فسقيتك شربة قال فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول اما تذكر يوم ناولتك طهورا فيشفع له قال ابن نمير ويقول يا فلان اما تذكر يوم بعثتنى لحاجة كذا وكذا فذهبت لك فيشفع له وخرجه الطحاوى وابن وضاح بمعناه انتهى من التذكرة

٣٢

وقوله تعالى ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا الآية اورثنا معناه أعطيناه فرقة بعد موت فرقة والكتاب هنا يريد به معانى الكتاب وعلمه واحكامه وعقائده فكأن اللّه تعالى لما اعطى امة محمد القرءان وهو قد تضمن معانى الكتب المنزلة قبله فكأنه ورث امة محمد الكتاب الذى كان فى الأمم قبلها قال ابن عطاء اللّه فى التنوير قال الشيخ ابو الحسن الشاذلى رحمه اللّه تعالى اكرم المؤمنين وان كانوا عصاه فاسقين وامرهم بالمعروف وانههم عن المنكر واهجرهم رحمه بهم لا تعززا عليهم فلو كشف عن نور المؤمن العاصى لطبق السماء والارض فما ظنك بنور المؤمن المطيع ويكفيك فى تعظيم المؤمنين وان كانوا عن اللّه غافلين قول رب العالمين ثم اورثنا الكتاب

الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن اللّه فانظر كيف اثبت لهم الاصطفاء مع وجود ظلمهم واعلم انه لا بد فى مملكته من عباد هم نصيب الحلم ظهور الرحمة والمغفرة ووقوع الشفاعة انتهى والذين اصطفينا يريد بهم امة صلى اللّه عليه وسلم قاله ابن عباس وغيره واصطفينا معناه اخترنا وفضلنا والعباد عام فى جميع العالم

واختلف فى عود الضمير من قوله فمنهم فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه ان الضمير عائد على الذين اصطفينا وان الاصناف الثلاثة هى كلها فى امة نبينا صلى اللّه عليه وسلم فالظالم لنفسه العاصى المسرف والمقتصد متقى الكبائر وهم جمهور الامة والسابق المتقى على الاطلاق وقالت هذه الفرقة الاصناف الثلاثة فى الجنة وقاله ابو سعيد الخدرى والضمير فى يدخلونها عائد على الاصناف الثلاثة قالت عائشة وكعب دخلوها كلهم ورب الكعبة وقال ابو اسحاق السبيعي اما الذى سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج وقال ابن مسعود هذه الأمة يوم القيامة اثلاث ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة وثلث يجيئون بذنوب عظام فيقول اللّه عز و جل ما هؤلاء وهو اعلم بهم فتقول الملائكة هم مذنبون الا انهم لم يشركوا فيقول عز و جل ادخلوهم فى سعة رحمتى

وروى اسامة بن زيد ان النبى صلى اللّه عليه و سلم قرأ هذه الآية وقال كلهم فى الجنة وقرأ عمر هذه الآية ثم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وقال عكرمة والحسن وقتادة ما مقتضاه ان الضمير فى منهم عائد على العباد فالظالم لنفسه الكافر والمقتصد المؤمن العاصى والسابق التقى على الاطلاق وقالوا هذه الآية نظير

قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة الآية والضمير فى يدخلونها على هذا التأويل خاص بالمقتصد والسابق وباقي الآية بين والحزن فى هذه الآية عام فى جميع انواع الاحزان

وقولهم ان ربنا لغفور شكور وصفوه سبحانه بأنه يغفر الذنوب ويجازى على القليل من الاعمال بالكثير من الثواب وهذا هو شكره لارب سواه ودار المقامة الجنة والمقامة الاقامة والنصب تعب البدن واللغوب تعب النفس اللازم عن تعب البدن

٣٦

وقوله سبحانه والذين كفروا لهم نار جهنم هذه الآية تؤيد التأويل الاول من ان الثلاثة الاصناف هى كلها فى الجنة لأن ذكر الكافرين افرد هاهنا

وقوله لا يقضى عليهم اي لا يجهز عليهم

وقولهم ربنا اخرجنا اي يقولون هذه المقالة فيقال لهم على جهة التوبيخ  لم نعمركم الآية

واختلف فى المدة التى هى حد للتذكر فقال الحسن بن ابي الحسن البلوغ يريد انه اول حال التذكر وقال ابن عباس اربعون سنة وهذا قول حسن

ورويت فيه ءاثار

وروى ان العبد اذا بلغ اربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهة وقال بأبى وجه لا يفلح

وقيل الستين وفيه حديث ت وفى البخارى من بلغ ستين سنة فقد اعذر اللّه اليه لقوله  لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير يعنى الشيب ثم اسند عن ابى هريرة عن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال اعذر اللّه امرءا اخراجله حتى بلغ ستين سنة انتهى والنذير فى قول الجمهور الانبياء قال الطبرى

وقيل النذير الشيب وهذا ايضا قول حسن

وقوله فعليه كفره اي وبال كفره والمقت احتقارك الانسان من اجل معصيته والخسار مصدر خسر يخسر وارأيتم تتنزل عند سيبويه منزلة اخبرونى ولذلك لا تحتاج الى مفعولين والرؤية فى قوله ارونى رؤية بصر ت قال ابن هشام قوله من الارض من مرادفه فى ثم قال والظاهر انها لبيان الجنس مثلها ما ننسخ من آية انتهى ثم اضرب سبحانه عنهم بقوله بل ان يعد اي بل انما يعدون انفسهم غرورا

وقوله ان تزولا اي ليلا تزولا ومعنى الزوال هنا التنقل من مكانها والسقوط من علوها وعن ابن مسعود ان السماء لا تدور وانما تجرى فيها الكواكب

وقوله تعالى ولئن زالتا

قيل اراد يوم القيامة

وقوله تعالى ان امسكهما من احد من بعده اي من بعد تركه الامساك قال ص ان امسكهما ان نافيه بمعنى ما وامسك جواب القسم المقدر قبل اللام الموطئة فى لئن وهو بمعنى يمسك لدخول ان الشرطية كقوله تعالى ولئن اتيت الذين اوتو الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك اي ما يتبعون وكقوله ولئن ارسلنا ريحا الآية الى قوله لظلوا من بعده اي ليظلون وحذف جواب ان فى هذه المواضع لدلالة جواب القسم عليه

وقوله من احد من زائدة لتأكيد الاستغراق انتهى

٤٢

وقوله تعالى واقسموا باللّه يعنى قريشا لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من احدى الأمم الآية وذلك انه روى ان كفار قريش كانت قبل الاسلام تنكر على اليهود والنصارى وتأخذ عليهم فى تكذيب بعضهم بعضا وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا اهدى من هؤلاء واحدى الأمم يريدون اليهود والنصارى فلما جاءهم نذير وهو صلى اللّه عليه وسلم ما زادهم الا نفورا وقرأ ابن مسعود ومكرا سيئا ويحيق معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل الا فى المكروه وينظرون معنه ينتظرون والسنة الطريقة والعادة

وقوله فلن تجد لسنة اللّه تبديلا اي لتعذيبة الكفرة المكذبين وفى هذا وعيد بين

٤٤

وقوله تعالى  لم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا اشد منهم قوة وما كان اللّه ليعجزه من شىء فى السموات ولا فى الارض لما توعدهم سبحانه بسنة الأولين وقفهم فى هذه الآية على رؤيتهم لما رأوا من ذلك فى طريق الشام وغيره كديار ثمود ونحوها ويعجزه معناه يفوته ويفلته

وقوله تعالى ولو يواخذ اللّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الآية قوله من دابة مبالغة والمراد بنو ءادم لأنهم المجازون

وقيل المراد الانس والجن

وقيل المراد كل مادب من الحيوان واكثره انما هو لمنفعة ابن ءادم وبسببه والضمير فى ظهرها عائد على الارض والأجل المسمى القيامة

وقوله تعالى فإن اللّه كان بعباده بصيرا وعيد وفيه للمتقين وعد وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما والحمد للّه على ما انعم انتهى الجزء الثالث من الجواهر الحسان

فى تفسير القرءان

﴿ ٠