٢٢

وقوله سبحانه وما انت بمسمع من فى القبور تمثيل بما يحسه البشر ويعهده جميعا من ان الميت الشخص

الذى فى القبر لا يسمع واما الارواح فلا نقول انها فى القبر بل تتضمن الاحاديث ان ارواح المؤمنين فى شجر عند العرش وفى قناديل وغير ذلك وان ارواح الكفرة فى سجين ويجوز فى بعض الاحيان ان تكون الارواح عند القبور فربما سمعت وكذلك اهل قليب بدر انما سمعت ارواحهم فلا تعارض بين الآية وحديث القليب

وقوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير معناه أن دعوة اللّه تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى بنيه ثم لم تنقطع النذارة إلى زمن صلى اللّه عليه وسلم والبينات والزبر والكتاب المنير شيء واحد لكنه أكد أوصاف بعضها ببعض

وقوله تعالى ومن الجبال جدد الآية جمع جدة وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولا وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه أنه يقال جدد في جمع جديد ولا معنى لمدخل الجديد في هذه الآية وقال الثعلبي

وقيل الجدد القطع جددت الشيء إذا قطعته انتهى

وقوله وغرابيب سود لفظان لمعنى واحد وقدم الوصف الابلغ وكان حقه ان يتأخر وكذلك هو فى المعنى لكن كلام العرب الفصيح يأتى كثيرا على هذا النحو والمعنى ومنها اي من الجبال سود غرابيب

وروى عن النبى صلى اللّه عليه و سلم انه قال ان اللّه يبغض الشيخ الغربيب يعنى الذى يخضب بالسواد ومن الناس والدواب والانعام اي خلق مختلف الوانه

وقوله تعالى كذلك يحتمل ان يكون من كلام الاول فيجىء الوقف عليه حسنا والى هذا ذهب كثير من المفسرين ويحتمل ان يكون من الكلام الثانى خرج مخرج السبب كأنه قال كما جاءت القدرة فى هذا كله كذلك انما يخشى اللّه من عبادة العلماء اي المحصلون لهذه العبر الناظرون فيها وفى الحديث عن النبى صلى اللّه عليه و سلم اعلمكم باللّه اشدكم له خشية وقال صلى اللّه عليه و سلم رأس

الحكمة مخافة اللّه وقال الربيع بن انس من لم يخش اللّه فليس بعالم وقال ابن عباس فى تفسير هذه الآية كفى بالزهد علما ويقال ان فاتحة الزبور رأس الحكمة خشية اللّه وقال ابن مسعود كفى بخشية اللّه علما وبالاغترار به جهلا وقال مجاهد والشعبى انما العالم من يخشى اللّه وانما فى هذه الآية تحضيض للعملاء لا للحصر قال ابن عطاء اللّه فى الحكم العلم النافع هو الذى ينبسط فى الصدر شعاعه ويكشف به عن القلب قناعه خير العلم ما كانت الخشية معه والعلم ان قارنته الخشية فلك والا فعليك وقال فى التنوير اعلم ان العلم حيث ما تكرر فى الكتاب العزيز  فى السنة فانما المراد به العلم النافع الذى تقارنه الخشية وتكتنفه المخافة

قال تعالى انما يخشى اللّه من عباده العلماء فبين سبحانه ان الخشية تلازم العلم وفهم من هذا ان العلماء انما هم اهل الخشية انتهى قال ابن عباد فى شرح الحكم واعلم ان العلم النافع المتفق عليه فيما سلف وخلف انما هو العلم الذى يؤدى صاحبه الى الخوف والخشية وملازمة التواضع والذلة والتخلق باخلاق الايمان الى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا والزهادة فيها وايثار الاخرة عليها ولزوم الادب بين يدى اللّه تعالى الى غير ذلك من الصفات العلية والمناحى السنية انتهى وهذه المعانى كلها محصلة فى كتب الغزالى وغيره رضى اللّه عن جميعهم ونفعنا ببركاتهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية العلم النافع ما زهدك فى دنياك ورغبك فى اخراك وزاد فى خوفك وتقواك وبعثك على طاعة مولاك وصفاك من كدر هواك وقال رحمة اللّه العلوم النافعة ما كانت للّهمم رافعة وللاهواء قامعة وللشكوك صارفة دافعة انتهى

﴿ ٢٢