سورة صوهي مكية بإجماع بسم اللّه الرحمن الرحيم قرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق صاد بكسر الدال والمعنى ماثل القرءان بعملك وقاربه بطاعتك وكذا فسره الحسن أي انظر أين عملك منه وقال الجمهور أنه حرف معجم يدخله ما يدخل أوائل السور من الأقوال ويختص هذا بأن قال بعض الناس معناه صدق محمد وقال الضحاك معناه صدق اللّه وقال محمد بن كعب القرظي هو مفتاح أسماء اللّه صمد صادق ونحوه ١وقوله والقرءان ذى الذكر قسم قال ابن عباس وغيره معناه ذى الشرف الباقى المخلد وقال قتادة ذى التذكرة للناس والهداية لهم قالت فرقة ذى الذكر للأمم والقصص والغيوب ت ولا مانع من أن يراد الجميع قال ع وأما جواب القسم فاختلف فيه فقالت فرقة الجواب في قوله ص إذ هو بمعنى صدق اللّه صدق محمد وقال الكوفيون والزجاج الجواب في قوله أن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقال بعض البصريين ومنهم الأخفش الجواب قي قوله أن كل الأكذب الرسل قال ع وهذان القولان بعيدان وقال قتادة والطبري الجواب مقدر قبل بل وهذا هو الصحيح تقديره والقرآن ما الأمر كما يزعمون ونحو هذا من التقدير فتدبره وقال أبو حيان الجواب انك لمن المرسلين وهو ما أثبت جوابا للقرآن حين أقسم به انتهى وهو حسن قال أبو حيان وقوله في عزة هي قراءة الجمهور وعن الكسائي بالغين المعجمة والراءاي في غفلة انتهى والعزة هنا المعازة والمغالبة والشقاق ونحوه أي هم في شق والحق في شق وكم للتكثير وهي خبر فيه مثال ووعيد وهي في موضع نصب بأهلكنا وقوله فنادوا معناه مستغيثين والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفعهم ذلك ولم يكن في وقت نفع ولات بمعنى ليس واسمها مقدر عند سيبويه تقديره ولات الحين حين مناص والمناص المفرناص ينوص اذا فروفات قال ابن عباس المعنى ليس بحين نزولا ولا فرار ضبط القوم والضمير في عجبوا الكفار قريش ٦قوله تعالى وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم الآية روى في قصص هذه الآية أن اشراف قريش اجتمعوا عند مرض أبي طالب وقالوا أن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ونوذي محمدا بعده فتقول العرب تركوه مدة عمه فلما مات ءاذوه ولكن لنذهب الى أبي طالب فينصفنا منه ويربط بيننا وبينه ربطا فنهضوا اليه فقالوا يا أبا طالب أن محمدا يسب آلهتنا ويسفه آراءنا ونحن لا نقاره على ذلك ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك بأن يقيم في منزله يعبد ربه الذي يزعم ويدع آلهتنا وسبها ولا يعرض لأحد منا بشيء من هذا فبعث أبو طالب الى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا محمد إن قومك قد دعوك الى النصفة وهي أن تدعهم وتعبد ربك وحدك فقال غير ذلك يا عم قال وما هو قال يعطونني كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي اليهم الجزية بها العجم قالوا وما هي فانا نبادر اليها قال لا اله الا اللّه فنفروا عند ذلك وقالوا ما يرضيك منا غير هذا قال واللّه لو أعطيتموني الأرض ذهبا ومالا وفي رواية لو جعلتم الشمس في يميني والقمر في شمالي ما أرضاني منكم غيرها فقاموا عند ذلك وبعضهم يقول لبعض اجعل الآلهة الها واحدا أن هذا لشيء عجاب ويرددون هذا المعنى وعقبة بن ابي معيط يقول امشوا واصبروا على آلهتكم فقوله تعالى وانطلق الملأ عن خروجهم عن أبي طالب وانطلاقهم من ذلك الجمع هذا قول جماعة من المفسرين وقوله أن امشوا نقل الامام الفخران أن بمعنى أي انتهى وقولهم أن هذا لشيء يراد يريدون ظهور محمد وعلوه أي يراد منا الانقياد له وأن نكون له اتباعا ويريدون بالملة الآخرة ملة عيسى قال ابن عباس وغيره وذلك أنها ملة شهر فيها التثليث ثم توعدهم سبحانه بقوله بل لما يذوقوا عذاب أي لو أذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق ٩وقوله تعالى أم عندهم خزائن رحمة ربك الآية عبارة الثعلبي أم عندهم خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح النبؤة حتى يعطوا من اختاروا نظيرها أهم يقسمون رحمة ربك أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما يعني أن ذلك للّه تعالى يصطفي من يشاء فليرتقوا في الأسباب فليصعدوا فيما يوصلهم الى السماوات فليأتوا منها بالوحي الى من يختارون وهذا أمر توبيخ وتعجيز انتهى ونحوه كلام ع ثم وعد اللّه نبيه النصر فقال جند ما هنالك مهزوم أي مغلوب ممنوع من الصعود الى السماء من الأحزاب أي من جملة الاحزاب قال ع وهذا تأويل قوي وقالت فرقة الاشارة بهنالك الى حماية الاصنام وعضدها أي هؤلاء القوم جند مهزوم في هذه السبيل وقال مجاهد الاشارة بهنالك الى يوم بدر وهي من الأمور المغيبة أخبر بها عليه السلام وما في قوله جند ما زائدة موكدة وفيها تخصيص وباقي الآية وقال أبو حيان جند خبر مبتدأ محذوف أي هم جند وما زائدة صفة أريد بها التعظيم على سبيل الهزء بهم الاستخفاف لأن الصفة تستعمل على هذين المعنيين وهنالك ظرف مكان يشار به الى البعيد في موضع صفة لجند أي كائن هنالك متعلق بمهزوم انتهى ١٥وقوله تعالى وما ينظر هؤلاء أي ينتظر الاصيحة واحدة قال قتادة توعدهم سبحانه بصيحة القيامة والنفخ في الصور قال الثعلبي وقد روي هذا التفسير مرفوعا وقالت طائفة توعدهم اللّه بصيحة يهلكون بها في الدنيا ما لها من فواق قرأ الجمهور بفتح الفاء وقرأ حمزة والكسائي فواق بضم الفاء قال ابن عباس هما بمعنى أي ما لها من انقطاع وعودة بل هي متصلة حتى تهلكهم ومنه فواق الحلب وهي المهلة التي بين الشخبين وقال ابن زيد وغيره المعنى مختلف فالضم كما تقدم من معنى فواق الناقة والفتح بمعنى الافاقة أي لا يفيقون فيها كما يفيق المريض والمغشي عليه والقط الحظ والمصيب والقط أيضا الصك والكتاب من السلطان بصلة ونحوه واختلف في القط هنا ما أرادوا به فقال ابن جبير أرادوا به عجل لنا نصيبنا من الخير والنعيم في دنيانا وقال أبو العالية أرادوا عجل لنا صحفنا بأيماننا وذلك لما سمعوا في القرآن أن الصحف تعطي يوم القيامة بالأيمان والشمائل وقال ابن عباس وغيره أرادوا ضد هذا من العذاب ونحوه وهذا نظير قولهم فامطر علينا حجارة من السماء قال ع وعلى كل تأويل فكلامهم خرج على جهة الاستخفاف والهزء واذكر عبدنا داود ذا الأيد أي فتأس به ولا تلتفت الى هؤلاء والأيد القوة في الدين والشرع والصدع به والأواب الرجاع الى طاعة اللّه وقال مجاهد وابن زيد وفسره السدي بالمسبح وتسبيح الجبال هنا حقيقة والاشراق ضياء الشمس وارتفاعها وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني اسراءيل قال الثعلبي وليس الاشراق طلوع الشمس وإنما هو صفاؤها وضوءها انتهى قال ابن العربي في أحكامه قال ابن عباس ما كنت أعلم صلاة الضحى في القرآن حتى سمعت اللّه تعالى يقول يسبحن بالعشي والاشراق قال ابن العربي أما صلاة الضحى فهي في هذه الآية نافلة مستحبة ولا ينبغي أن تصلى حتى تتبين الشمس طالعة قد أشرق نورها وفي صلاة الضحى أحاديث أصولها ثلاثة الأولى حديث أبي ذر وغيره عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال يصبح على كل سلامي من ابن آدم صدقة تسليمه على من لقي صدقة وأمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة وإماطته الأذى عن الطريق صدقة وبضعه أهله صدقة ويجزئي من ذلك كله ركعتان من الضحى الثاني حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول الأخير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر الثالث حديث أم هانئ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى يوم الفتح ثماني ركعات انتهى ت وروى أبو عيسى الترمذي وغيره عن أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر اللّه تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة قال الترمذي حديث حسن انتهى قال الشيخ أبو الحسن ابن بطال في شرحه للبخاري وعن زيد بن أسلم قال سمعت عبد اللّه بن عمر يقول لأبي ذر أوصني يا عم قال سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما سألتني فقال من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ومن صلى ثمانيا كتب من القانتين ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى اللّه له بيتا في الجنة انتهى والطير عطف على الجبال أي وسخرنا الطير ومحشورة معناه مجموعة والضمير في له قالت فرقة هو عائد على اللّه عز و جل فكل على هذا يراد به داود والجبال والطير وقالت فرقة هو عائد على داود فكل على هذا يراد به الجبال والطير ٢٠وقوله تعالى وشددنا ملكه عبارة عامة لجميع ما وهبه اللّه تعالى من قوة وجند ونعمة وفصل الخطاب قال ابن عباس وغيره هو فصل القضاء بين الناس بالحق واصابته وفهمه وقال الشعبي أراد قول أما بعد فإنه أول من قالها قال ع والذي يعطبه اللفظ أنه آتاه اللّه فصل الخطاب بمعنى أنه اذا خاطب في نازلة فصل المعنى وأوضحه لا يأخذه في ذلك حصر ولا ضعف ٢١وقوله تعالى وهل أتاك نبأ الخصم الآية مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم واستفتحت بالاستفهام تعجيبا من القصة وتفخيما لها والخصم يوصف به الواحد والاثنان والجمع وتسوروا معناه علوا سوره وهو جمع سورة وهي القطعة من البناء وتحتمل هذه الآية أن يكون المستور اثنان فقط فعبر عنهما بلفظ الجمع ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الخصمين جماعة والمحراب الموضع الأرفع من القصر المسجد وهو موضع التعبد وإنما فزع منهم من حيث دخلوا من غير الباب ودون استيذان ولا خلاف بين أهل التأويل أن هذا الخصم إنما كانوا ملائكة بعثهم اللّه ضرب مثل لداود فاختصموا اليه في نازلة قد وقع هو في نحوها فافتاهم بفتيا وهي واقعة عليه في نازلته ولما شعر وفهم المراد خر راكعا وأناب واستغفر وأما نازلته التي وقع فيها ففيها للقصاص تطويل فلم نر سوق جميع ذلك لعدم صحته وروي في ذلك عن ابن عباس ما معناه أن داود كان في محرابه يتعبد إذ دخل عليه طائر حسن الهيئة فمد يده اليه ليأخذه فزال مطمعا له من موضع الى موضع حتى اطلع على امرأة لها منظر وجمال فخطر في نفسه أن لو كانت من نسائه وسأل عنها فأخبر أنها امرأة أوريا وكان في الجهاد فبلغه فبلغه أنه استشهد فخطب المرأة وتزوجها فكانت أن سليمان فيما روي عن قتادة فبعث اللّه الخصم ليفتي قالت فرقة من العلماء وإنما وقعت المعاتبة على همه ولم يقع منه شيء سوى الهم وكان لداود فيما روي تسع وتسعون امرأة وفي كتب بني اسرائيل في هذه القصة صور لا تليق وقد قال علي بن أبي طالب من حديث بما قال هؤلاء القصاص في أمر داود جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع اللّه قدره وقوله خصمان تقديره نحن خصمان وبغى معناه اعتدى واستطال ولا تشطط معناه ولا تتعد في حكمك وسواء الصراط معناه وسطه وقوله أن هذا أخي اعراب أخي عطف بيان وذلك أن ما جرى من هذه الأشياء صفة كالخلق والخلق وسائر الأوصاف فانه نعت محض والعامل فيه هو العامل في الموصوف وما كان منها مما ليس يوصف به بتة فهو بدل والعامل فيه مكرر أي تقديرا يقال جاءني أخوك زيد فالتقدير جاءني أخوك جاءني زيد وما كان منها مما لا يوصف به واحتيج الى أن يبين به ويجري مجرى الصفة فهو عطف بيان والنعجة في هذه الآية عبر بها عن المرأة والنعجة في كلام العرب تقع على انثى بقر الوحش وعلى انثى الضأن وتعبر العرب بها عن المرأة وقوله اكفلنيها أي ردها في كفالتي وقال ابن كيسان المعنى اجعلها كفلي أي نصيبي وعزني معناه غلبني ومنه قول العرب من عزيز أي من غلب سلب ومعنى قوله في الخطاب أي كان أوجه مني فاذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي ويروى أنه لما قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك تبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه فشعر حينئذ للأمر ويروى أنهما ذهبا نحو السماء بمرأى منه والخلطاء الشركاء في الاملاك والأمور وهذا القول من داود وعظ وبسط لقاعدة حق ليحذر الخصم من الوقوع في خلاف الحث وقوله تعالى الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم قال أبو حيان وقليل خبر مقدم وما زائدة تفيد معنى التعظيم انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أشد الأعمال ذكر اللّه على كل حال والأنصاف من نفسك ومواساة الأخ في المال انتهى وقوله تعالى وظن داود إنما فتناه معناه شعر للأمر وعلمه وفتناه أي ابتليناه وامتحناه وقال البخاري قال ابن عباس فتناه أي اختبرناه وأسند البخاري عن مجاهد قال سألت ابن عباس عن سجدة ص أين تسجد فقال ما تقرأ ومن ذريته داود وسليمان الى قوله أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده فكان داود ممن أمر نبيكم أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى فتأمله وما فيه من الفقه وقرأ أبو عمرو في رواية على ابن نصر فتناه بتخفيف التاء والنون على اسناد الفعل للخصمين أي امتحناه عن أمرنا قال ابو سعيد الخدري رأيتني في النوم اكتب سورة ص فلما بلغت قوله وخر راكعا وأناب سجد القلم ورأيتني في منام آخر وشجرة تقرأ سورة ص فلما بلغت هذا سجدت وقالت اللّهم اكتب لي بها أجرا وحط عني بها وزرا وارزقني بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم وسجدت أنت يا أبا سعيد قلت لا قال أنت كنت أحق بالسجدة من الشجرة ثم تلا نبي اللّه الآيات حتى بلغ وأناب فسجد وقال كما قالت الشجرة وأنا معناه رجع ت وحديث سجود الشجرة رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم وهو من شرط الصحة انتهى من السلاح والزلفى القربة والمكانة الرفيعة والمئاب المرجع في الآخرة من ءاب يئوب اذا رجع وقوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض تقدير الكلام وقلنا له يا داود وقال ع ولا يقال خليفة اللّه الا لرسوله وأما الخلفاء فكل واحد خليفة الذي قبله وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة اللّه فذلك تجوز وغلو الا ترى أن الصحابة رضي اللّه عنهم حرزوا هذا المعنى فقالوا لأبي بكر خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبهذا كان يدعي مدة خلافته فلنا ولي عمر وقالوا يا خليفة خليفة رسول اللّه فطال الأمر ورأوا أنه في المستقبل سيطول أكثر فدعوه أمير المؤمنين وقصر هذا الاسم على الخلفاء وقوله فيضلك قال أبو حيان منصوب في جواب النهي ص أبو البقاء وقيل مجزوم عطفا على النهي وفتحت اللام لالتقاء الساكنين انتهى وقوله سبحانه إن الذين يضلون عن سبيل اللّه الى قوله وليتذكر أولوا الألباب اعتراض فصيح بين الكلامين من أمر داود وسليمان وهو خطاب لنبينا صلى اللّه عليه وسلم وعظة لأمته ونسوا في هذه الآية معناه تركوا ثم وقف تعالى على الفرق عنده بين المؤمنين العاملين بالصالحات وبين المفسدين الكفرة وبين المتقين والفجار وفي هذا التوقيف حض على الايمان والتقوى وترغيب في عمل الصالحات قال ابن العربي نفي اللّه تعالى المساواة بين المؤمنين والكافرين وبين المتقين والفجار فلا مساواة بينهم في الآخرة كما قاله المفسرون ولا في الدنيا أيضا لأن المؤمنين المتقين معصومون دما ومالا وعرضا والمفسدون في الأرض والفجار مباحو الدم والمال والعرض فلا وجه لتخصيص المفسرين بذلك في الآخرة دون الدنيا انتهى من الأحكام وهذا كما قال وقوله تعالى في الآية الأخرى سواء محياهم ومماتهم يشهد له وباقي الآية بين ٢٩وقوله تعالى كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته قال الغزالي في الاحياء اعلم أن القرآن من أوله الى آخره تحذير وتخويف لا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه ويعظم خوفه إن كان مؤمنا بما فيه وترى الناس يهذونه هذا ويخرجون الحروف من مخارجها ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها لا يهمهم الالتفات الى معانيها والعمل بما فيها وهل في العلم غرور يزيد على هذا انتهى من كتاب ذم الغرور واختلف المتأولون في قصص هذه الخيل المعروضة على سليمان عليه السلام فقال الجمهور أن سليمان عليه السلام عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه فأجريت بين يديه عشاء فتشاغل بجريها ومحبتها حتى فاته صلاة العشي فأسف لذلك وقال ردوا علي الخيل فطفق يمسح سوقها وأعناقها بالسيف قال الثعلبي وغيره وجعل ينحرها تقربا الى اللّه تعالى حيث اشتغل بها عن طاعته وكان ذلك مباحا لهم كما أبيح لنا بهيمة الأنعام قال ع فروي أن اللّه تعالى أبدله منها أسرع منها وهي الريح قال ابن العربي في أحكامه والخير هنا هي الخيل وكذلك قرأها ابن مسعود أني أحببت حب الخيل انتهى والصافن الذي يرفع احدى يديه وقد يفعل ذلك برجله وهي علامة الفراهية وانشد الزجاج ... ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا ... قال بعض العلماء الخير هنا اراد به الخيل والعرب تسمى الخيل الخير وفي مصحف ابن مسعود حب الخيل باللام والضمير في توارت للشمس وإن كان لم يتقدم لها ذكر لأن المعنى يقتضيها وأيضا فذكر العشي يتضمنها وقال بعض المفسرين حتى توارت بالحجاب أي الخيل دخلت اصطبلاتها وقال ابن عباس والزهري مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيده تكريما لها ورجحه الطبري وفي البخاري فطفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها انتهى وعن بعض العلماء أن هذه القصة لم يكن فيها فوت صلاة وقالوا عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة فأشار اليهم أي أني في صلاة فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الاصطبلات فقال لما فرغ من صلاته أني أحببت حب الخير أي الذي عند اللّه في الآخرة بسبب ذكر ربي كأنه يقول فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها ردوها علي فطفق يمسح أعرافها وسوقها تكرمة لها أي لأنها معدة للجهاد وهذا هو الراجح عند الفخر قال ولو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم قطعها ت وهذا لا يلزم للقرينة في الموضعين اه قال ابن حيان وحب الخير قال العزاء مفعول به وأحببت مضمن معنى آثرت وقيل منصوب على المصدر التشبيهي أي حبا مثل حب الخير انتهى وقوله عن ذكر ربي عن على كل تأويل هنا للمجاوزة من شيء الى شيء وتدبره فإنه مطرد ٣٤وقوله تعالى ولقد فتنا سليمان الآية ت اعلم رحمك اللّه أن الناس قد أكثروا في قصص هذه الآية بما لا يوقف على صحته وحكى الثعلبي في بعض الروايات أن سليمان عليه السلام لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأعاده الى يده فسقط وأيقن بالفتنة وأن ءاصف بن برخيا قال له يا نبي اللّه انك مفتون ولذلك لا يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما ففر الى اللّه تعالى تائبا من ذنبك وأنا أقوم مقامك في عالمك إن شاء اللّه تعالى الى أن يتوب اللّه تعالى عليك ففر سليمان هاربا الى ربه منفردا لعبادته وأخذ ءاصف الخاتم فوضعه في يده فثبت وقيل أن الجسد الذي قال اللّه تعالى وألقينا على كرسيه جسدا هو ءاصف كاتب سليمان وهو الذي عنده علم من الكتاب واقام ءاصف في ملك سليمان وعياله يسير بسيرته الحسنة ويعمل بعمله أربعة عشر يوما الى أن رجع سليمان الى منزله تائبا الى اللّه تعالى ورد اللّه تعالى عليه ملكه فأقام ءاصف عن مجلسه وجلس سليمان على كرسيه وأعاد الخاتم وقال سعيد بن المسيب أن سليمان بن داود عليهما السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى اللّه اليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي ولم تنصف مظلوما من ظالم وذكر حديث الخاتم كما تقدم انتهى وهذا الذي نقلناه أشبه ما ذكر وأقرب الى الصواب واللّه أعلم وقال عياض قوله تعالى ولقد فتنا سليمان معناه ابتليناه وابتلاؤه هو ما حكي في الصحيح أنه قال لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل اللّه ولم يقل ان شاء اللّه فلم تحمل منهن الا امرأة جاءت بشق رجل الحديث قال اصحاب المعاني والشق هو الجسد الذي القى على كرسيه حين عرض عليه وهي كانت عقوبته ومحنته وقيل بل مات والقي على كرسيه ميتا وأما عدم استثنائه فأحسن الأجوبة عنه ما روي في الحديث الصحيح أنه نسي أن يقول إن شاء اللّه ولا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه وتصرفه في أمته لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا وقد عصم الأنبياء من مثله انتهى ت قال ابن العربي والقينا على كرسيه جسدا يعني جسده لا أجساد الشياطين كما يقوله الضعفاء انتهى من كتاب تفسير الأفعال قال ابن العربي في أحكامه وما ذكره بعض المفسرين من أن الشيطان أخذ خاتمه وجلس مجلسه وحكم الخلق على لسانه قول باطل قطعا لأن الشياطين لا يتصورون بصور الأنبياء ولا يمكنون من ذلك حتى يظن الناس أنهم مع نبيهم في حق وهم مع الشياطين في باطل ولو شاء ربك لوهب من المعرفة والدين لمن قال هذا القول ما يزعه عن ذكره ويمنعه من أن يسطره في ديوان من بعده انتهى وقوله وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد الآية قال ع من المقطوع به أن سليمان عليه السلام إنما بذلك قصدا برا لأن للانسان أن يرغب من فضل اللّه فيما لا يناله أحد لا سيما بحسب المكانة والنبوءة ٣٦وقوله تعالى فسخرنا له الريح الآية كان لسليمان كرسي فيه جنوده وتأتي عليه الريح الاعصار فتنقله من الأرض حتى يحصل في الهواء ثم تتولاه الرخاء وهي اللينة القوية لا تأتي فيها دفع مفرطة فتحمله غدوها شهرا ورواحها شهر وحيث أصاب معناه حيث أراد قاله وهب وغيره قال ع ويشبه أن اصاب معدي صاب يصوب أي حيث وجه جنوده وقال الزجاج معناه قصد ت وعليه اقتصر أبو حيان فانه قال اصاب أي قصد وأنشد الثعلبي ... أصاب الكلام فلم يستطع ... فاخطا الجواب لدي المفصل ... انتهى وقوله كل بناء بدل من الشياطين ومقرنين معناه موثقين قد قرن بعضهم ببعض والاصفاد القيود والاغلال قال الحسن والاشارة بقوله هذا عطاؤنا الآية الى جميع ما أعطاه اللّه سبحانه من الملك وأمره بأن يمن على من يشاء ويمسك عن من يشاء فكأنه وقفه على قدر النعمة ثم أباح له التصرف فيه بمشيئته وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية وتقدمت قصة أيوب في سورة الأنبياء وقوله انى مسني الشيطان بنصب الآية النصب المشقة فيحتمل أن يشير الى مسه حين سلطه اللّه على إهلاك ماله وولده وجسمه حسبما روي في ذلك وقيل أشار الى مسه إياه في تعرضه لأهله وطلبه منها أن تشرك باللّه فكان أيوب تشكي هذا الفصل وكان عليه أشد من مرضه وهنا في الآية محذوف تقديره فاستجاب له وقال اركض برجلك فروي أن أيوب ركض الأرض فنبعت له عين ماء صافية بادرة فشرب منها فذهب كل مرض في داخل جسده ثم اغتسل فذهب ما كان في ظاهر بدنه وروي أن اللّه تعالى وهب له أهله وماله في الدنيا ورد من مات منهم وما هلك من ماشيته وحاله ثم بارك له في جميع ذلك وروي أن هذا كله وعد به في الآخرة والأول أكثر في قول المفسرين ت وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال عبد قط اذا أصابه هم حزن اللّهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أنزلته في كتابك علمته أحدا من خلقك استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب اللّه غمه وابدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول اللّه ينبغي لنا أن تعلم هذه الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن قال صاحب السلاح رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ت ورويناه من طريق النووي عن ابن السني بسنده عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيه أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك وفيه فقال رجل من القوم وأن المغبون لمن غبن هؤلاء الكلمات فقال أجل فقولهن وعلموهن من قالهن التماس ما فيهن اذهب اللّه تعالى حزنه وأطال فرحه انتهى وقوله وذكرى معناه موعظة وتذكرة يعتبر بها أولوا العقول ويتأسون بصبره في الشدائد ولا يئسون من رحمة اللّه على حال وروي أن أيوب عليه السلام كانت زوجته مدة مرضه تختلف اليه فيتلقاها الشيطان في صورة طبيب ومرة في هيئة ناصح وعلى غير ذلك فيقول لها لو سجد هذا المريض للصنم الفلاني لبرئ لو ذبح عناقا للصنم الفلاني لبرئ ويعرض عليها وجوها من الكفر فكانت هي ربما عرضت شيا من ذلك على أيوب فيقول لها لقيت عدو اللّه في طريقك فلما اغضبته بهذا ونحوه حلف عليها لئن برئ من مرضه ليضربنها مائة سوط فلما برئ أمره اللّه تعالى أن يأخذ ضغثا فيه مائة قضيب والضغث القبضة الكبيرة من القضبان ونحوها من الشجر الرطب قاله الضحاك وأهل اللغة فيضرب به ضربة واحدة فتبر يمينه وهذا حكم قد ورد في شرعنا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مثله في حد الزنا لرجل زمن فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعذق نخلة فيه شماريخ مائة نحوها فضرب ضربة ذكر الحديث أبو داود وقال بهذا بعض فقهاء الأمة وليس يرى ذلك مالك بن أنس وأصحابه وكذلك جمهور العلماء على ترك القول به وأن الحدود والبر في الأيمان لا تقع الا بتمام عدد الضربات وقرأ الجمهور أولي الأيدي يعني أولى القوة في طاعة اللّه قاله ابن عباس ومجاهد وقالت فرقة معناه أولي الأيدي والنعم التي أسدها اللّه اليهم من النبوءة والمكانة والأبصار عبارة عن البصائر أي يبصرون الحقائق وينظرون بنور اللّه تعالى وقرأ نافع وحده بخالصة ذكرى الدار على الاضافة وقرأ الباقون بخالصة على تنوين خالصة فذكرى على هذه القراءة بدل من خالصة فيحتمل ان يكون معنى الآية انا اخلصناهم بان خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ودعاء الناس اليها وهذا قول قتادة وقيل المعنى انا اخلصناهم بأن خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم لها والعمل بحسب ذلك وهذا قول مجاهد وقال ابن زيد المعنى أنا وهبناهم أفضل ما في الدار الآخرة وأخلصناهم به وأعطيناهم اياه ويحتمل أن يريد بالدار دار الدنيا على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس ٤٩وقوله تعالى هذا ذكر يحتمل معنيين أحدهما أن يشير الى مدح من ذكر وابقاء الشرف له فيتأيد بهذا قول من قال أن الدار يراد بها الدنيا والثاني أن يشير بهذا الى القرآن أي ذكر للعالم وجنات بدل من حسن مئاب ومفتحة نعت الجنات والأبواب مفعول لم يسم فاعله وباقي الآية بين ٥٥وقوله سبحانه هذا وان للطاغين لشر مآب الآية التقدير الأمر هذا ويحتمل أن يكون التقدير هذا واقع نحوه والطغيان هنا في الكفر وقوله تعالى هذا ليذوقوه حميم وغساق قرأ الجمهور غساق بتخفيف السين وهو اسم بمعنى السائل قال قتادة الغساق ما يسيل من صديد أهل النار قال ص الغساق السائل وعن أبي عبيدة أيضا البارد المنتن بلغة الترك انتهى قال الفخر هذا فليذوقوه حميم وغساق فيه وجهان الأول على التقديم والتأخير والتقدير هذا حميم وغساق أي منه حميم وغساق انتهى ت والوجه الثاني أن الآية ليس فيها تقديم ولا تأخير وهو واضح وقرأ الجمهور وآخر بالافراد أي ولهم عذاب آخر ومعنى من شكله أي من مثله وضربه وقرأ أبو عمرو وحده وأخر على الجمع وأزواج معناه أنواع والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكر وقوله تعالى هذا فوج هو مما يقال لأهل النار اذا سيق عامة الكفار والاتباع اليها لأن رؤساءهم يدخلون النار أولا والأظهر أن قائل ذلك لهم ملائكة العذاب وهو الذي حكاه الثعلبي وغيره يحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض فيقول البعض الآخر لا مرحبا بهم أي لا سعة مكان ولا خير يلقونه وقوله بل انتم لا مرحبابكم حكاية لقول الاتباع لرؤسائهم اي انتم قدمتموه لنا بأغوائكم وأسلفتم لنا ما أوجب هذا قال العراقي ... مقتحم أي داخل بشده ... مجاوز لما اقتحم بالشدة ... انتهى وقوله تعالى قالوا ربنا من قدم لنا هذا الآية هو حكاية لقول الاتباع أيضا دعوا على رؤسائهم بأن يكون عذابهم مضاعفا ٦٢وقوله تعالى وقالوا ما لنا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار الآية الضمير في قالوا لأشراف الكفار ورؤسائهم وهذا مطرد في كل أمة وروي أن قائلي هذه المقالة أهل القليب كأبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة ومن جرى مجراهم وأن الرجال الذين يشيرون اليهم هم كعمار بن ياسر وبلال وصهيب ومن جرى مجراهم قاله مجاهد وغيره والمعنى كنا في الدنيا نعدهم أشرارا وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو اتخذناهم بصلة الألف على أن يكون ذلك في موضع الصفة لرجال وقرأ الباقون اتخذناهم بهمزة الاستفهام ومعناها تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والاسف أي اتخذناهم سخريا ولم يكونوا كذلك وقرأ نافع وحمزة والكسائي سخريا بضم السين من السخرة والاستخدام وقرأ الباقون سخريا بكسر السين ومعناها المشهور من السخر الذي هو بمعنى الهزء وقولهم أم زاغت معادلة لما في قولهم ما لنا لا نرى والتقدير في هذه الآية أمفقودون هم أم هم معنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم والزيغ الميل ثم أخبر تعالى نبيه بقوله أن ذلك لحق تخاصم أهل النار والاشارة بقوله تعالى قل هو نبأ عظيم الى التوحيد والمعاد فهي الى القرآن وجميع ما تضمن وعظمه أن التصديق به نجاة والتكذيب به هلكة ووبخهم بقوله أنتم عنه معرضون ثم أمر عليه السلام أن يقول محتجا على صحة رسالته ما كان لي من علم بالملأ الا على لولا أن اللّه أخبرني بذلك والملأ الأعلى أراد به الملائكة واختلف في الشيء الذي هو اختصامهم فيه فقالت فرقة اختصامهم في شأن ءادم كقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات وقالت فرقة بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه فان العبد اذا فعل حسنة اختلفت الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي اللّه بما شاء وروي في هذا حديث فسره ابن فورك يتضمن أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له ربه عز و جل في نومه أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا قال اختصموا في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فأسباغ الوضوء في الغدوات الباردة ونقل الاقدام الى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فافشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام الحديث قال ابن العربي في أحكامه وقد رواه الترمذي صحيحا وفيه قال سل قال اللّهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وعملا يقرب الى حبك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنها حق فارسموها ثم تعلموها انتهى ٧٠وقوله أن يوحى الي إلا انما أنا نذير مبين قال العزاء ان شئت جعلت انما في موضع رفع كأنه قال ما يوحي الي الا الانذار ما يوحي الي الا أني نذير مبين انتهى وهكذا قال أبو حيان أن بمعنى ما وباقي الآية بين مما تقدم في البقرة وغيرها وقوله تعالى بيدي عبارة عن القدرة والقوة وقوله استكبرت المعنى أحدث لك الاستكبار الآن أم كنت قديما ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك وهو على جهة التوبيخ له ٧٧وقوله تعالى قال فاخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين قال رب فانظرني الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم الآية الرجيم أي المرجوم بالقول السيء واللعنة الابعاد وقوله سبحانه فالحق والحق أقول قال مجاهد المعنى فالحق أنا وقرأ الجمهور فالحق والحق بنصب الاثنين فأما الثاني فمنصوب بأقول وأما الأول فيحتمل أن ينتصب على الاغراء ويحتمل ان ينتصب على القسم على اسقاط حرف القسم كأنه قال فوالحق ثم حذف الحرف كما تقول اللّه لافعلن تريد واللّه ويقوي ذلك قوله لأملأن وقد قال سيبويه قلت للخليل ما معنى لأفعلن اذا جاءت مبتدأة فقال هي بتقدير قسم منوي وقالت فرقة الحق الأول منصوب بفعل مضمر وقرأ ابن عباس فالحق والحق برفع الاثنين وقرأ عاصم وحمزة فالحق بالرفع والحق بالنصب وهي قراءة مجاهد وغيره ثم أمر اللّه تعالى نبيه أن يخبرهم بأنه ليس بسائل منهم عليه أجرا وأنه ليس ممن يتكلف ما لم يحبل اليه ولا يحتلى بغير ما هو فيه قال الزبير بن العوام نادى منادي النبي صلى اللّه عليه وسلم اللّهم اغفر للذين لا يدعون ولا يتكلفون الا اني بريء من التكلف وصالحو أمتي ٨٧وقوله أن هو يريد القرآن وذكر بمعنى تذكرة ثم توعدهم بقوله ولتعلمن نبأه بعد حين وهذا على خلاف تقديره لتعلمن صدق نبإه بعد حين قال ابن زيد اشار الى يوم القيامة وقال قتادة والحسن اشار الى الآجال التي لهم لأن كل واحد منهم يعرف الحقائق بعد موته |
﴿ ٠ ﴾