سورة الزمروهي مكية باجماع غير ثلاث آيات نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب وهي قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآيات وقالت فرقة الى آخر السورة هو مدني وقيل فيها مدني سبع آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى تنزيل الكتاب الآية تنزيل رفع بالابتداء والخبر قوله من اللّه وقالت فرقة تنزيل خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل والاشارة الى القرآن قاله المفسرون ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند اللّه فكأنه أخبر اخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة انما تنزيلها من اللّه تعالى وجعل هذا الاخبار تقدمة وتوطئة لقوله أنا أنزلنا اليك الكتاب وقوله بالحق معناه متضمنا الحق أي بالحق فيه وفي أحكامه واخباره والدين هنا يعم المعتقدات وأعمال الجوارح قال قتادة والدين الخالص لا اله الا اللّه وقوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء الآية أي يقولون ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى وفي مصحف ابن مسعود قالوا ما نعبدهم وهي قراءة ابن عباس وغيره وهذه المقالة شائعة في العرب في الجاهلية يقولون في معبوداتهم من الاصنام وغيرها ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه قال مجاهد وقد قال ذلك قوم من اليهود في عزير وقوم من النصارى في عيسى وزلفى بمعنى قربة وتوصلة كأنهم قالوا ليقربونا الى اللّه تقريبا وكان هذه الطوائف كلها حتى نفوسها أقل من أن تتصل هي باللّه فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته وزلفى عند سيبويه مصدر في موضع الحال كأنه تنزل منزلة متزلفين والعامل فيه يقربنا وقرأ الجحدري كذاب كفار بالمبالغة فيهما وهذه المبالغة اشارة الى التوغل في الكفر وقوله تعالى لو اراد اللّه أن يتخذ ولدا معناه اتخاذ التشريف والتبني وعلى هذا يستقيم قوله تعالى لاصطفى مما يخلق وأما الاتخاذ المعهود في الشاهد فمستحيل أن يتوهم في جهة اللّه تعالى ولا يستقيم عليه معنى قوله لاصطفى مما يخلق وقوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا لفظ يعم اتخذا النسل واتخاذ الاصطفاء فأما الأول فمعقول وأما الثاني فمعروف بخبر الشرع ومما يدل على أن معنى قوله أن يتخذ انما المقصود به اتخاذ اصطفاء وتبن قوله مما يخلق أي من موجوداته ومحدثاته ثم نزه سبحانه نفسه تنزيها مطلقا عن كل ما لا يليق به سبحانه وقوله تعالى يكور الليل على النهار الآية معناه يعيد من هذا على هذا ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض فكان الذي يطول من النهار الليل يصير منه على الآخر جزء فيستره وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه ٦وقوله تعالى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها قيل هنا لترتيب الاخبار لا لترتيب الوجود وقيل قوله خلقكم من نفس واحدة هو أخذ الذرية من ظهر آدم وذلك شيء كان قبل خلق حواء ت وهذا يحتاج الى سند قاطع وقوله سبحانه في ظلمات ثلاث قالت فرقة الأولى هي ظهر الأب ثم رحم الأم ثم المشيمة في البطن وقال مجاهد وغيره هي المشيمة والرحم والبطن وهذه الآيات كلها فيها عبر وتنبيه على توحيد الخالق الذي لا يستحق العبادة غيره وتوهين لأمر الاصنام وقوله سبحانه أن تكفروا فان اللّه غني عنكم الآية قال ابن عباس هذه الآية مخاطبة للكفار قال ع وتحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس لأن اللّه سبحانه غني عن جميع الناس وهم فقراء اليه واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فقالت فرقة الرضى بمعنى الارادة والكلام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى اللّه له بالايمان وحتمه له فعباده على هذا ملائكته ومومنوا الانس والجان وهذا يرتكب على قول ابن عباس وقالت فرقة الكلام عموم صحيح والكفر يقع ممن يقع بإرادة اللّه تعالى الا انه بعد وقوعه لا يرضاه دينا لهم ومعنى لا يرضاه لا يشكره لهم ولا يثيهم به خيرا فالرضى على هذا هو صفة فعل بمعنى القبول ونحوه وتأمل الارادة فانما هي حقيقة فيما لم يقع بعد والرضى فانما هو حقيقة فيما قد وقع واعتبر هذا في آيات القرآن أن تجده وإن كانت العرب قد تستعمل في اشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا وقوله تعالى وأن تشكروا يرضه لكم عموم والشكر الحقيق في ضمنه الايمان قال النووي وروينا في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال من قال رضيت باللّه ربا وبالاسلام دينا وبصلى اللّه عليه وسلم رسولا وجبت له الجنة انتهى ٨وقوله تعالى واذا مس الانسان ضر دعا ربه الآية الانسان هنا الكافر وهذه الآية بين تعالى بها على الكفار انهم على كل حال يلجئون اليه في حال الضرورات وخوله معناه ملكه وحكمه فيها ابتداء من اللّه لا مجازاة ولا يقال في الجزاء خول وقوله تعالى نسي ما كان يدعوا اليه قالت فرقة ما مصدرية والمعنى نسي دعاءه اليه في حال الضرورة ورجع الى كفره وقالت فرقة ما بمعنى الذي والمراد بها اللّه تعالى أي نسي اللّه وعبارة الثعلبي قوله نسي ما كان يدعوا اليه من قبل أي ترك عبادة اللّه تعالى والتضرع اليه من قبل في حال الضر انتهى وباقي الآية بين ٩وقوله تعالى أمن هو قانت بتخفيف الميم هي قراءة نافع وابن كثير وحمزة والهمزة للتقرير والاستفهام وكأنه يقول أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا وهو من أصحاب النار وقرأ الباقون أمن بتشديد الميم والمعنى أهذا الكافر خيرا من هو قانت والقانت المطيع وبهذا فسره ابن عباس رضي اللّه عنهما والقنوت في الكلام يقع على القراءة وعلى طول القيام في الصلاة وبهذا فسره ابن عمر رضي اللّه عنهما قال الفخر قيل أن المراد بقوله أمن هو قانت آناء الليل عثمان بن عفان لأنه كان يحي الليل والصحيح أنها عامة في كل من اتصف بهذه الصفة وفي هذه الآية تنبيه على فضل قيام الليل انتهى وروي عن ابن عباس أنه قال من أحب أن يهون اللّه عليه الوقوف يوم القيامة فليره اللّه في سواد الليل ساجدا وقائما ت قال الشيخ عبد الحق في العاقبة وعن قبيصة بن سفيان قال رأيت سفيان الثوري في المنام بعد موته فقلت له ما فعل اللّه بك فقال ... نظرت الى ربي عيانا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد لقد كنت قواما اذا الليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد ... فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فاني منك غير بعيد ... وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام رجلين فاضلين وكانا من ثقات المحدثين وحفاظهم وكان شعبة أكبر فماتا قال أبو أحمد اليزيزدي فرأيتهما في النوم وكنت الى شعبة أميل مني الى مسعر فقلت يا أبا بسطام ما فعل اللّه بك فقال وفقك اللّه يا بني احفظ ما أقول ... حباني الهي في الجنان بقبة ... لها ألف باب من لجين وجوهرا ... وقال لي الجبار يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم وأكثرا ... تمتع بقربي انني عنك ذو رضى ... وعن عبدي القوام في الليل مسعرا ... كفى مسعرا عزا بأن سيزورني ... واكشف عن وجهي ويدنو لينظرا ... وهذا فعالي بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا ... انتهى والآناء الساعات واحدها اني كمعي ويقال اني بكسر الهمزة وسكون النون وانا على وزن قفا وقوله سبحانه يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قال الجوزي في المنتخب يقول اللّه تعالى لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة ومن أمنني في الدنيا خوفته في الآخرة يا أخي امتطى القوم مطايا الدجى على مركب السهر فما حلوا ولا حلوا رحالهم حتى السحر درسوا القرآن فغرسوا بأيدي الفكر أزكى الشجر ومالوا الى النفوس باللوم فلا تسأل عما شجر رجعوا بنيل القبول من ذلك السفر ووقفوا على كنز النجاة وما عندك خبر فاذا جاء النهار قدموا طعام الجوع وقالوا للنفس هذا الذى حضر حذوا عزمات طاحت الارض بينها فصار سراهم في ظهور العزائم تراهم نجوم الليل ما يبتغونه على عاتق الشعرى وهام النعائم مالت بالقوم ريح السحر ميل الشجر بالاغصان وهز الخوف افنان القلوب فانتشرت الافنان فالقلب يخشع واللسان يضرع والعين تدمع والوقت بستان خلوتهم بالحبيب تشغلهم عن نعم ونعمان سرورهم اساورهم والخشوع تيجان خضوعهم حلاهم وماء دمعهم در ومرجان باعوا الحرص بالقناعة فما ملك انوشروان فاذا وردوا القيامة تلقاهم بشر لولاكم ما طاب الجنان يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان اين أنت منهم يا نائم كيقظان كم بينك وبينهم أين الشجاع من الجبان ما للمواعظ فيك نجح موضع القلب باللّهو منك ملئان يا أخي قف على باب النجاح ولكن وقوف لهفان واركب سفن الصلاح فهذا الموت طوفان اخواني انما الليل والنهار مراحل ومركب العمر قد قارب الساحل فانتبه لنفسك وازدجر يا غافل يا هذا انت مقيم في مناخ الراحلين ويحك اغتنم ايام القدرة قبل صيحة الانتزاع فما أقرب ما ينتظر وما أقل المكث فيما يزول ويتغير انتهى ١٠وقوله تعالى قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم يروي أن هذه الآية انزلت في جعفر بن ابي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة الى أرض الحبشة ووعد سبحانه بقوله للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة فقوله في هذه الدنيا متعلق بأحسنوا والمعنى ان الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم قاله مقاتل ويحتمل أن يريد أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العافية والظهور وولاية اللّه تعالى قاله السدي والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة وقوله سبحانه وأرض اللّه واسعة حض على الهجرة ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره الخروج من الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات بتوفية الاجور بغير حساب وهذا يحتمل معنيين أحدهما أن الصابر يوتي أجره ولا يحاسب على نعيم ولا يتابع بذنوب ويكون في جملة الذين يدخلون الجنة بغير حساب والثاني من المعنيين أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا عد بل جزافا وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى والى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة ليس ثم واللّه مكيال ولا ميزان وفي الحديث أنه لما نزلت واللّه يضاعف لمن يشاء قال النبي صلى اللّه عليه وسلم اللّهم زد امتي فنزلت بعد ذلك من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة فقال اللّهم زد أمتي حتى نزلت انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال رضيت يا رب وقوله تعالى قل اني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم من المعلوم أنه عليه السلام معصوم من العصيان وانما الخطاب بالآية لأمته يعمهم حكمه ويحفهم وعيده وقوله فاعبدوا ما شئتم من دونه هذه صيغة أمر على جهة التهديد وهذا في القرآن كثير والظلة ما غشي وعم كالسحابة وسقف البيت ونحوه وقوله سبحانه ذلك يخوف اللّه به عباده يريد جميع العالم ١٧وقوله تعالى والذين اجتنبوا الطاغوت الآية قال ابن زيد أن سبب نزولها زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وابو ذر الغفاري والاشارة اليهم ت سلمان انما اسلم بالمدينة فيلزم على هذا التاويل أن تكون الآية مدنية وقال ابن اسحاق الاشارة بها الى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر وسمعوا ذلك فجاءوه فقالوا أسلمت قال نعم وذكرهم باللّه سبحانه فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم هذه الآية وهي على كل حال عامة في الناس الى يوم القيامة يتناولهم حكمها والطاغوت كل ما عبد من دون اللّه ١٨وقوله سبحانه الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه كلام عام في جميع الأقوال والمقصد الثناء على هؤلاء في نفوذ بصائرهم وقوام نظرهم حتى انهم اذا سمعوا قولا ميزوه واتبعوا أحسنه قال أبو حيان الذين يستمعون صفة لعباد وقيل الوقف على عباد والذين مبتدأ خبره أولائك وما بعده انتهى ١٩وقوله تعالى أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار قالت فرقة معنى الآية أفمن حقت عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه لكنه زاد الهمزة الثانية توكيدا وأظهر الضمير تشهيرا لهؤلاء القوم واظهارا لخسة منازلهم ٢٠وقوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف الآية معادلة وتحضيض على التقوى وعادلت غرف من فوقها غرف ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم والاحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة ثم وقف تعالى نبيه عليه السلام وامته على معتبر من مخلوقاته فقال ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء الآية قال الطبري الاشارة الى ماء المطر ونبع العيون منه وسلكه معناه أجراه وأدخله في الأرض ويهيج معناه ييبس وهاج الزرع والنبات اذا يبس والحطام اليابس المتفتت ومعنى لذكرى أي للبعث من القبور وأحياء الموتى على قياس هذا المثال المذكور وقوله تعالى أفمن شرح صدره للاسلام الآية روي أن هذه الآية نزلت في علي وحمزة وأبي لهب وابنه وهما اللذان كانا من القاسية قلوبهم وفي الكلام محذوف يدل عليه الظاهر تقديره افمن شرح صدره للاسلام كالقاسي القلب المعرض عن أمر اللّه وشرح الصدر استعارة لتحصيله للنظر الجيد والايمان باللّه والنور هداية اللّه تعالى وهي أشبه شيء بالضوء قال ابن مسعود قلنا يا رسول اللّه كيف انشراح الصدر قال اذا دخل النور القلب انشرح وانفسخ قلنا يا رسول اللّه وما علامة ذلك قال الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت والقسوة شدة القلب وهي مأخوذة من قسوة الحجر شبه قلب الكافر به في صلابته وقلة انفعاله للوعظ وروى الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللّه فان كثرة الكلام بغير ذكر اللّه قسوة للقلب وان أبعد الناس من اللّه القلب القاسي قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وقال مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلبه قال ابن هشام قوله تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه من هنا مرادفة عن وقيل هي للتعليل أي من أجل ذكر اللّه لأنه اذا ذكر اللّه قسن قلوبهم عياذا باللّه وقيل هي للابتداء انتهى من المغنى الفخر اعلم أن ذكر اللّه سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية وقد يوجب القسوة والبعد عن الحق في النفوس الخبيثة الشيطانية فاذا عرفت هذا فنقول أن رأس الأدوية التي تفيد الصحة الروحانية ورتبتها هو ذكر اللّه فاذا اتفق لبعض النفوس ان صار ذكر اللّه سببا لازدياد مرضها كان مرض تلك النفوس مرضا لا يرجى زواله ولا يتوقع علاجه وكانت في نهاية الشر والرداءة فلهذا المعنى قال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلال مبين وهذا كلام كامل محقق انتهى ٢٣وقوله تعالى نزل أحسن الحديث يريد القرآن وروي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن قوما من الصحابة قالوا يا رسول اللّه حدثنا بأحاديث حسان وأخبرنا بأخبار الدهر فنزلت الآية وقوله متشابها معناه مستويا لا تناقض فيه ولا تدافع بل يشبه بعضه بعضا في رصف اللفظ ووثاقة البراهين وشرف المعاني اذ هي اليقين في العقائد في اللّه وصفاته وأفعاله وشرعه ومثاني معناه موضع تثنية للقصص والأقضية والمواعظ تثنى فيه ولا تمل مع ذلك ولا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد وقال ابن عباس ثنى فيه والأمر مرارا ولا ينصرف مثاني لأنه جمع لا نظير له في الواحد وقوله تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم عبارة عن قف شعر الانسان عند ما يداخله خوف ولين قلب عند سماع موعظة زجر قرآن ونحوه وهذه علامة وقوع المعنى المخشع في قلب السامع وفي الحديث أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فرقت القلوب فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم اغتنموا الدعاء عند الرقة فانها رحمة وقال العباس ابن عبد المطلب قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من اقشعر جلده من خشية اللّه تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات عن الشجرة اليابسة ورقها وقالت أسماء بنت أبي بكر كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن قيل لها أن أقواما اليوم اذا سمعوا القرآن خر أحدهم مغشيا عليه فقالت أعوذ باللّه من الشيطان وعن ابن عمر نحوه وقال ابن سيرين بيينا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط مادا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن كله فان رمي بنفسه فهو صادق ت وهذا كله تغليظ على المراءين والمتصنعين ولا خلاف اعلمه بين أرباب القلوب وائمة التصوف أن المصنع عندهم بهذه الأمور ممقوت وأما من غلبة الحال لضعفه وقوي الوارد عليه حتى أذهبه عن حسه فهو ان شاء اللّه من السادة الاخيار والأولياء الأبرار وقد وقع ذلك لكثير من الاخيار يطول تعدادهم كابن وهب واحمد بن معتب المالكيين ذكرهما عياض في مداركه وانهما ماتا من ذلك وكذلك مالك بن دينار مات من ذلك ذكره عبد الحق في العاقبة وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ومن كلام عز الدين بن عبد السلام رحمه اللّه في قواعده الصغرى قال وقد يصبح بعضهم لغلبة الحال عليها والجائها اياه الى الصياح وهو في ذلك معذور ومن صاح لغير ذلك فمتصنع ليس من القوم في شيء وكذلك من أظهر شيأ من الأحوال رياء تسميعا فانه ملحق بالفجار دوت الابرار انتهى وقوله تعالى ذلك هدى اللّه يحتمل أن يشير الى القرآن ويحتمل أن يشير الى الخشية واقشعرار الجلود أي ذلك امارة هدى اللّه قال الغزالي في الاحياء والمستحب من التالي للقرآن أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغير ذلك ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه انتهى قال الشيخ الولي عبد اللّه بن أبي جمرة وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم في قيامه يكسوه من كل آية يقرأها حال يناسب معنى تلك الآية وكذلك ينبغي أن تكون تلاوة القرآن وأن لا يكون تاليه كمثل الحمار يحمل اسفارا انتهى ٢٤وقوله تعالى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب الآية تقرير بمعنى التعجيب والمعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كالمنعمين في الجنة قال مجاهد يتقي بوجهه أي يجر على وجهه في النار وقالت فرقة ذلك لما روي أن الكافر يلقي في النار مكتوفا مربوطة يداه الى رجليه مع عنقه ويكب على وجهه فليس له شيء يتقي به الا وجهه وقال فرقة المعنى في ذلك صفة كثرة ما ينالهم من العذاب يتقيه بكل جارحة منه حتى بوجهه الذي هو أشرف جوارحه وهذا المعنى أبين بلاغة ثم مثل لقريش بالأمم الذين من قبلهم وما نالهم من العذاب في الدنيا المتصل بعذاب الآخرة الذي هو أكبر ونفى اللّه سبحانه عن القرآن العوج لأنه لا اختلاف فيه ولا تناقض ولا مغمز بوجه ٢٩وقوله سبحانه ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون الآية هذا مثل ضربه اللّه سبحانه في التوحيد فمثل تعالى الكافر العابد للأوثان والشياطين بعبد لرجال عدة في أخلاقهم شكاسة وعدم مسامحة فهم لذلك يعذبون ذلك العبد بتضايقهم في أوقاتهم ويضايقون العبد في كثرة العمل فهو ابدا في نصب منهم وعناء فكذلك عابد الأوثان الذي يعتقد أن ضره ونفعه عندها هو معذب الفكر بها وبحراسة حاله منها ومتى توهم أنه أرضى ضما بالذبح له في زعمه تفكر فيما يصنع مع الآخر فهو ابدا تعب في ظلال وكذلك هو المصانع للناس الممتحن بخدمة الملوك ومثل تعالى المؤمن باللّه وحده بعبد لرجل واحد يكلفه شغله فهو يعمله على تؤدة وقد ساس مولاه فالمولى يغفر زلته ويشكره على اجادة عمله ومثلا مفعول بضرب ورجلا نصب على البدل ومتشاكسون معناه لا سمح في أخلاقهم بل فيها لجاج وقرأ ابن كثير وأبو عمرو سالما أي سالما من الشركة ثم وقف تعالى الكفار بقوله هل يستويان مثلا ونصب مثلا على التمييز وهذا التوقيف لا يجيب عنه أحدا الا بأنهما لا يستويان فلذلك عاملتهم العبارة الوجيزة على أنهم قد أجابوا فقال الحمد للّه أي على ظهور الحجة عليكم من أقوالكم وباقي الآية بين والاختصام في الآية قيل عام في المؤمنين والكافرين قال ع ومعنى الآية عندي أن اللّه تعالى توعدهم بأنهم سيتخاصمون يوم القيامة في معنى ردهم في وجه الشريعة وتكذيبهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وروى الترمذي من حديث عبد اللّه بن الزبير قال لما نزلت ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال الزبير يا رسول اللّه أتكر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال نعم قال أن الأمر أذن لشديد انتهى ٣٢وقوله تعالى فمن اظلم ممن كذب على اللّه الآية الاشارة بهذا الكذب الى قولهم أن للّه صاحبة وولدا وقولهم هذا حلال وهذا حرام افتراء على اللّه ونحو ذلك وكذبوا أيضا بالصدق وذلك تكذيبهم بما جاء به صلى اللّه عليه وسلم ثم توعدهم سبحانه توعدا فيه احتقارهم بقوله اليس في جهنم مثوى للكافرين وقرأ ابن مسعود والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به والصدق هنا القرآن والشرع بجملته وقالت فرقة الذي يراد به الذين وحذفت النون قال ع وهذا غير جيد وتركيب جاء عليه يرد ذلك بل الذى هاهنا هي للجنس والآية معادلة لقوله فمن أظلم قال قتادة وغيره الذي جاء بالصدق هو محمد عليه السلام والذي صدق به هم المؤمنون وهذا اصوب الأقوال وذهب قوم الى أن الذي صدق به أبو بكر وقيل علي وتعميم اللفظ اصوب وقوله سبحانه أولائك هم المتقون قال ابن عباس اتقوا الشرك وقوله تعالى ليكفر يحتمل أن يتعلق بقوله المحسنين اي الذين احسنوا لكي يكفر وقاله ابن زيد ويحتمل ان يتعلق بفعل مضمر مقطوع مما قبله تقديره يسرهم اللّه لذلك ليكفر لأن التكفير لا يكون الا بعد التيسير للخير ٣٦وقوله تعالى اليس اللّه بكاف عبده وتقوية لنفس النبي صلى اللّه عليه وسلم وقرأ حمزة والكسائي عباده يريد الأنبياء وأنت يا محمد أحدهم فيدخل في ذلك المؤمنون المطيعون والمتولكون على اللّه سبحانه وقوله سبحانه ويخوفونك بالذين من دونه أي بالذين يعبدون وباقي الآية بين وقد تقدم تفسير نظيره وقوله تعالى فمن اهتدى فلنفسه أي فلنفسه عمل وسعى ومن ضل فعليها جنى ثم نبه تعالى على آية من آياته الكبرى تدل الناظر على الوحدانية وأن ذلك لا شركة فيه لصنم وهي حالة التوفي وذلك أن ما توفاه اللّه تعالى على الكمال فهو الذي يموت وما توفاه توفيا غير مكمل فهو الذي يكون في النوم قال ابن زيد النوم وفاة والموت وفاة وكثر الناس في هذه الآية وفي الفرق بين النفس والروح وفرق قوم بين نفس التميز ونفس التخيل الى غير ذلك من الأقوال التي هي غلبة ظن وحقيقة الأمر في هذا هي مما استأثر اللّه به وغيبه عن عباده في قوله قل الروح من أمر ربي ويكفيك أن في هذه الآية يتوفى الأنفس وفي الحديث الصحيح أن اللّه قبض أرواحنا حين شاء وردها علينا حين شاء وفي حديث بلال في الوادي فقد نطقت الشريعة بقبض الروح والنفس وقد قال تعالى قل الروح من أمر ربي والظاهر أن الخوض في هذا كله عناء وإن كان قد تعرض للقول في هذا ونحوه ائمة ذكر الثعلبي عن ابن عباس أنه قال في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها النفس والتحرك فاذا نام العبد قبض اللّه تعالى نفسه ولم يقبض روحه وجاء في آداب النوم وأذكار النائم أحايث صحيحة ينبغي للعبد أن لا يخلي نفسه منها وقد روى جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال اذا أوى الرجل الى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان اختم بشر فان ذكر اللّه تعالى ثم نام بات الملك يكلؤه فان استيقظ قال الملك افتح بخير وقال الشيطان افتح بشر فان قال الحمد للّه الذي رد الي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد للّه الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من أحد من بعده انه كان حليما غفورا الحمد للّه الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض الا باذنه ان اللّه بالناس لرؤوف رحيم فان وقع من سريره فمات دخل الجنة رواه النسائي واللفظ له والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وزاد آخره الحمد للّه الذي يحي الموتى وهو على كل شيء قدير انتهى من السلاح وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من قال حين يأوى الى فراشه لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله الا اللّه واللّه أكبر غفرت له ذنوبه خطاياه شك مسعر وإن كانت مثل زبد البحر رواه ابن حبان في صحيحه ورواه النسائي موقوفا انتهى وروى الترمذي عن أبي امامة قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول من أوى الى فراشه طاهرا يذكر اللّه حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسئل اللّه شيئا من خير الدنيا والآخرة الا أعطاه اياه انتهى والأجل المسمى في هذه الآية هو عمر كل انسان والضمائر في قوله تعالى لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون للأصنام ٤٥وقوله تعالى واذا ذكر اللّه وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة الآية قال مجاهد وغيره في قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم سورة النجم عند الكعبة بمحضر من الكفار وقرأ أفرأيتم اللات والعزى الآية والقي الشيطان يعني في اسماع الكفار تلك الغرانقة العلى على ما مر في سورة الحج فاستبشروا واشمأزت نفوسهم معناه تقبضت كبرا وانفة وكراهية ونفورا ٤٦وقوله تعالى قل اللّهم فاطر السموات الآية أمر لنبيه عليه السلام بالدعاء اليه ورد الحكم الى عدله ومعنى هذا الأمر تضمن الاجابة وقوله تعالى وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون قال الثعلبي قال السدي ظنوا أشياء أنها حسنات فبدت سيئات قال ع قال سفيان الثوري ويل لأهل الرياء من هذه الآية وقال عكرمة بن عمار جزع محمد بن المنكدر عند الموت فقيل له ما هذا فقال أخاف هذه الآية وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون وقوله تعالى ثم اذا خولناه نعمة منا الآية قال الزجاج التخويل العطاء عن غير مجازاة والنعمة هنا عامة في المال وغيره وتقوى الاشارة الى المال بقوله انما اوتيته على علم قال قتادة يريد انما اوتيته على علم مني بوجه المكاسب والتجارات ويحتمل أن يريد على علم من اللّه في واستحقاق حزته عند اللّه ففي هذا التأويل اغترار باللّه وفي الأول اعجاب بالنفس ثم قال اللّه تعالى بل هي فتنة أي ليس الأمر كما قال بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قد قالوا هذه المقالة كقارون وغيره فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من الأموال والذين ظلموا من هؤلاء المعاصرين لك يا محمد سيصيبهم سيئات ما كسبوا قال أبو حيان فما أغنى يحتمل أن تكون ما نافية استفهامية فيها معنى النفي انتهى ٥٣وقوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه الآية هذه الآية عامة في جميع الناس الى يوم القيامة فتوبة الكافر تمحو ذنبه وتوبة العاصي تمحو ذنبه على ما تقدم تفصيله واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال عطاء بن يسار نزلت في وحشي قاتل حمزة وقال ابن اسحاق وغيره نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا وفتنتهم فريش فافتتنوا ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم فنزلت الآية فيهم منهم الوليد بن الوليد وهشام بن العاصي وهذا قول عمر بن الخطاب وأنه كتبها بيده الى هشام بن العاصي الحديث وقالت فرقة نزلت في قوم كفار من أهل الجاهلية قالوا وما ينفعنا الاسلام ونحن قد زنينا وقتلنا النفس واتينا كل كبيرة فنزلت الآية فيهم وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر هذه ارجى آية في القرآن وروى ثوبان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية يا عبادي وأسرفوا معناه افرطوا والقنط أعظم اليأس وقرأ نافع والجمهور تقنطوا بفتح النون قال أبو حاتم فيلزمهم أن يقرءوا من بعد ما قنطوا بكسرها ولم يقرأ به أحد وقرأ أبو عمرو تقنطوا بالكسر وقوله أن اللّه يغفر الذنوب جميعا عموم بمعنى الخصوص لأن الشرك ليس بداخل في الآية اجماعا وهي أيضا في المعاصي مقيدة بالمشيئة وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ أن اللّه يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي وقرأ ابن مسعود أن اللّه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء وأنيبوا معناه ارجعوا ٥٥وقوله سبحانه واتبعوا أحسن معناه أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وتضمن أيضا حدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها فالأحسن للمرء أن يسلك طريق الطاعة والانتهاء عن المعصية والعفو في الأمور ونحو ذلك من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيحد يقع تحت الوعيد فهذا المعنى هو المقصود بأحسن وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن ت وروى أبو بكر بن الخطيب بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قول اللّه عز و جل يا حسرتي قال الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة قال فهي الحسرة انتهى وقوله فرطت في جنب اللّه أي في جهة طاعته وتضييع شريعته والايمان به وقال مجاهد في جنب اللّه أي في أمر اللّه وقول الكافر وان كنت لمن الساخرين ندامة على استهزائه بأمر اللّه تعالى وكرة مصدر من كريكر وهذا الكون في هذه الآية داخل في التمني وباقي الآية أنواره لائحة وحججه واضحة ثم خاطب تعالى نبيه بخبر ما يراه يوم القيامة من حالة الكفار وفي ضمن هذا الخبر وعيد بين لمعاصريه عليه السلام فقال ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة ترى من رؤية العين وظاهر الآية أن وجوههم تسود حقيقة ٦١وقوله سبحانه وينجي اللّه الذين اتقوا بمفازتهم الآية ذكر تعالى حالة المتقين ونجاتهم ليعادل بذلك ما تقدم من شقاوة الكافرين وفي ذلك ترغيب في حالة المتقين لأن الأشياء تتبين بأضدادها ومفازتهم مصر من الفوز وفي الكلام حذف مضاف تقديره وينجي اللّه الذين اتقوا بأسباب مفازتهم والمقاليد المفاتيح وقاله ابن عباس واحدها مقلاد كمفتاح وقال عثمان بن عفان سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن مقاليد السماوات والأرض فقال هي لا اله الا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا اله الا اللّه ولا حول ولا قوة الا باللّه هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ٦٥وقوله تعالى ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك قالت فرقة المعنى ولقد أوحي الى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك ت قد تقدم غير ما مرة أن ما ورد من مثل هذا فهو محمول على ارادة الامة لعصمة النبي صلى اللّه عليه وسلم وانما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه وخوطب هو صلى اللّه عليه و سلم تعظيما للأمر قال صلى اللّه عليه و سلم ليحبطن جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه انتهى وقوله تعالى وما قدروا اللّه حق قدره معناه وما عظموا اللّه حق عظمته ولا وصفوه بصفاته ولا نفوا عنه مالا يليق به قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم وردا عليهم وقالت فرقة نزلت في قوم من اليهود تكلموا في صفات اللّه تعالى فالحدوا وجسموا واتوا بكل تخليط وقوله تعالى والأرض جميعا قبضته معناه في قبضته واليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة والقوة وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل وصعق في هذه الآية معناه خر ميتا والصور القرن وا يتصور هنا غير هذا ومن يقول الصور جمع صورة فانما يتوجه قوله في نفخة البعث وقد تقدم بيان نظير هذه الآية في غير هذا الموضع وقوله تعالى ثم نفخ فيه أخرى هي نفخة البعث وفي الحديث أن بين النفختين أربعين لا يدري أبو هريرة سنة شهرا يوما ساعة ت ولفظ مسلم عن أبي هريرة قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا ابا هريرة اربعون سنة قال ابيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما قال ابيت الحديث قال صاحب التذكرة فقيل معنى قوله أبيت أي امتنعت عن بيان ذلك اذ ليس هو مما تدعو اليه حاجة وعلى هذا كان عنده علم ذلك وقيل المعنى أبيت أن أسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك وعلى هذا فلا علم عنده والأول أظهر وقد جاء أن ما بين النفختين اربعين عاما انتهى وقد تقدم أن الصحيح في المستثنى في الآية أنهم الشهداء قال الشيخ أبو محمد بن بزيزة في شرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العوالم التي لا تفنى سبعة العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار والأرواح انتهى واشرقت الأرض بنور ربها معناه أضاءت وعظم نورها والأرض في هذه الآية الأرض المبدلة من الأرض المعروفة وقوله بنور ربها اضافة مخلوق الى خالق والكتاب كتاب حساب الخلائق ووحده على اسم الجنس لأن كل احد له كتاب على حدة وجيء بالنبيين أي ليشهدوا على أممهم والشهداء قيل هو جمع شاهد وقيل هو جمع شهيد في سبيل اللّه والأول ابين في معنى التوعد والضمير في قوله بينهم عائد على العالم باجمعه اذ الآية تدل عليهم وزمرا معناه جماعات متفرقة واحدتها زمرة وقوله فتحت جواب اذا والكلام هنا يقتضي ان فتحها انما يكون بعد مجيئهم وقي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم وهكذا هي حال السجون ومواضع الثقاف والعذاب بخلاف قوله في أهل الجنة وفتحت فالواو موذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح والسرور وقوله تعالى وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم الآية في قوله منكم أعظم في الحجة أي رسل من جنسكم لا يصعب عليكم مرامهم ولا فهم أقوالهم ٧٣وقوله تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم لفظ يعم كل من يدخل الجنة من المؤمنين الذين اتقوا الشرك والواو في قوله وفتحت مؤذنة بأنها قد فتحت قبل وصولهم اليها وقالت فرقة هي زائدة وقال قوم اشار اليهم ابن الأنباري وضعف قولهم هذه واو الثمانية وقد تقدم الكلام عليها وجواب اذا فتحت وعن المبرد جواب اذا محذوف تقديره بعد قوله خالدين سعدوا وسقطت هذه الواو في مصحف ابن مسعود وسلام عليكم تحية وطبتم معناه أعمالا ومعتقدا ومسقرا وجزاء وأورثنا الأرض يريد أرض الجنة ونتبوأ معناه نتخذ أمكنة ومساكن ثم وصف تعالى حالة الملائكة من العرش وحفوفهم به والحفوف الأحداق بالشيء وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف وهو الجانب قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا معمر عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه تلا هذه الآية وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاءوها قال وجدوا عند باب الجنة شجرة يخرج من ساقها عينان فعمدوا الى احداهما كأنما أمروا بها فاغتسلوا بها فلم تشعث رءؤسهم بعدها ابدا ولم تتغير جلودهم بعدها ابدا كأنما دهنوا بالدهن ثم عمدوا الى الأخرى فشربوا منها فطهرت اجواغهم وغسلت كل قذر فيها وتتلقاهم على كل باب من أبواب الجنة ملائكة سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ثم تتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقولون أبشر أعد اللّه لك كذا وكذا واعد اللّه لك كذا ثم يذهب الغلام منهم الى الزوجة من أزواجه فيقول قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا فتقول له أنت رأيته فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها ترجع فيجيء فينظر الى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر وأصفر وأحمر من كل لون ثم يجلس فينظر فاذا زرابي مبثوثة وأكواب موضوعة ثم يرفع راسه فلولا أن اللّه قدر ذلك لأذهب بصره انما هو مثل البرق ثم يقول الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه انتهى وقوله تعالى يسبحون بحمد ربهم قالت فرقة معناه أن تسبيحهم يتأتى بحمد اللّه وفضله وقالت فرقة تسبيحهم هو بترديد حمد اللّه وتكراره قال الثعلبي متلذذين لا متعبدين مكلفين وقوله تعالى وقيل الحمد للّه رب العالمين ختم للأمر وقول جزم عند فصل القضاء أي أن هذا الملك الحاكم العادل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه واكمال قضائه بين عباده ومن هذه الآية جعلت الحمد للّه رب العالمين خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم قال قتادة فتح اللّه أول الخلق بالحمد فقال الحمد للّه الذي خلق السماوات والأرض وختم القيامة بالحمد في هذه الآية قال ع وجعل سبحانه الحمد للّه رب العالمين فاتحة كتابه فيه يبدأ كل أمر وبه يختم وحمد اللّه تعالى وتقديسه ينبغي أن يكون من المؤمن كما قيل ... وآخر شيء أنت في كل ضجعة ... وأول شيء أنت عند هبوب ... |
﴿ ٠ ﴾