سورة غافروهي مكية روى أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الحواميم ديباج القرآن ومعنى هذه العبارة انها خلت من الأحكام وقصرت على المواعظ والزجر وطرق الآخرة محضا وعن ابن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من اراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرإ الحواميم بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى حم تقدم القول في الحروف المقطعة ويختص هذا الموضع بقول آخر قاله الضحاك والكسائي أن حم هجاء حم بضم الحاء وتشديد الميم المفتوحة كأنه يقول حم الأمر ووقع تنزيل الكتاب من اللّه وقال ابن عباس الروحم ون هي حروف الرحمن مقطعة في سور وسأل اعرابي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن حم ما هو فقال بدأ أسماء وفواتح سور وذي الطول معناه ذي التطول والمن بكل نعمة فلا خير الا منه سبحانه فترتب في هذه الآية وعيد بين وعدين وهكذا رحمته سبحانه تغلب غضبه قال ع سمعت هذه النزعة من أبي رحمه اللّه وهو نحو من قول عمر رضي اللّه عنه لن يغلب عسر يسرين ت هو حديث والطول الانعام وعبارة البخاري الطول التفضل وحكى الثعلبي عن اهل الاشارة انه تعالى غافر الذنب فضلا وقابل التوب وعدا شديد العقاب عدلا لا اله الا هو اليه المصير فردا وقال ابن عباس الطول السعة والغنى وتقلب الذين كفروا في البلاد عبارة عن تمتعهم بالمساكن والمزارع والاسفار وغير ذلك وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه أي ليهلكوه كما قال تعالى فأخذتهم والعرب تقول للقتيل أخيذ وللأسير كذلك قال قتادة ليأخذوه معناه ليقتلوه وليدحضوا معناه ليزلقوا ويذهبوا والمدحضة المزلة والمزلقة وقوله فكيف كان عقاب تعجيب وتعظيم وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر ٦وقوله سبحانه وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا الآية في مصحف ابن مسعود وكذلك سبقت كلمة ربك والمعنى وكما أخذت أولئك المذكورين فأهلكتهم فكذلك حقت كلماتي على جميع الكفار من تقدم منهم ومن تأخر أنهم أصحاب النار ٧وقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به الآية أخبر اللّه سبحانه بخبر يتضمن تشريف المؤمنين ويعظم الرجاء لهم وهو أن الملائكة الحاملين للعرش والذين حول العرش وهؤلاء أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويسئلون اللّه لهم الرحمة والجنة وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية كان على ربك وعدا مسئولا أي سألته الملائكة قال ع وفسر في هذه الآية المجمل الذي في قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لأن الملائكة لا تستغفر لكافر وقد يجوز أن يقال أن استغفارهم لهم بمعنى طلب هدايتهم وبلغني أن رجلا قال لبعض الصالحين ادع لي واستغفر لي فقال له تب واتبع سبيل اللّه يستغفر لك من هو خير مني وتلا هذه الآية وقال مطرف بن الشخير وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة واغش العباد للعباد الشياطين وتلا هذه الآية وروى جابر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة اذنه وعاقته مسيرة سبعمائة سنة قال الداودي وعن هارون بن رياب قال حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن فأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك انتهى وروى أبو داود عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة العرش أن ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام انتهى وقد تقدم وقوله ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما معناه وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وقوله ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم روي عن سعيد بن جبير في ذلك أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول أين أبي أين أمي أين ابني أين زوجي فيلحقون به لصلاحهم ولتنبيه عليهم وطلبه اياهم وهذه دعوة الملائكة وقولهم وقهم السيئات معناه اجعل لهم وقاية تقيهم السيئات واللفظ يحتمل أن يكون الدعاء في أن يدفع اللّه عنهم انفس السيئات حتى لا ينالهم عذاب من أجلها ويحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللاحق من السيئات فيكون في اللفظ عى هذا حذف مضاف كأنه قال وقهم جزاء السيئات قال الفخر وقوله تعالى ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته يعني من تق السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة انتهى وهذا راجع الى التأويل الأول ١٠وقوله تعالى أن الذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم الآية روى أن هذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار فانهم اذا دخلوا فيها مقتوا أنفسهم وتناديهم ملائكة العذاب على جهة التوبيخ لمقت اللّه اياكم في الدنيا اذ كنتم تدعون الى الايمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم هذا هو معنى الآية وبه فسر مجاهد وقتادة وابن زيد واللام في قوله لمقت يحتمل أن تكون لام ابتداء ويحتمل أن تكون لام قسم وهو أصوب وأكبر خبر الابتداء واختلف في معنى قولهم امتنا اثنتين الآية فقال ابن عباس وغيره أرادوا موتة كونهم في الاصلاب ثم ءاحياءهم في الدنيا ثم أماتتهم الموت المعروف ثم أحياءهم يوم القيامة وهي كالتي في سورة البقرة كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتا الآية وقال السدي ارادوا أنه أحياهم في الدنيا ثم اماتهم ثم أحياهم في القبر وقت السؤال ثم أماتهم فيه ثم احياهم في الحشر قال ع وهذا فيه الاحياء ثلاث مرار والأول أثبت وهذه الآية متصلة المعنى بالتي قبلها وبعد قولهم فهل الى خروج من سبيل محذوف يدل عليه الظاهر تقديره لا اسعاف لطلبتكم نحو هذا من الرد وقوله تعالى ذلكم يحتمل أن يكون اشارة الى العذاب الذي هم فيه أوالي مقتهم أنفسهم أوالي المنع والزجر والاهانة ١٢وقوله تعالى ذلكم بأنه اذا ادعى اللّه وحده معناه بحالة توحيد ونفي لما سواه كفرتم وأن يشرك به اللات والعزى وغيرهما صدقتم فالحكم اليوم بعذابكم وتخليدكم في النار للّه لا لتلك التي كنتم تشركونها معه في الألوهية وقوله سبحانه فادعوا اللّه مخلصين له الدين الآية مخاطبة للمؤمنين أصحاب نبينا صلى اللّه عليه وسلم وادعوا معناه اعبدوا ١٥وقوله تعالى رفيع الدرجات يحتمل أن يريد بالدرجات صفاته العلى وعبر بما يقرب من افهام السامعين ويحتمل ان يريد رفيع الدرجات التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنته والعرش هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السموات السبع والكرسي والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض وقوله تعالى يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده قال الضحاك الروح هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل وقال قتادة والسدي الروح النبوءة ومكانتهما كما قال تعالى وروحا من أمرنا وسمي هذا روحا لأنه تحي به الأمم والأزمان كما يحي الجسد بروحه ويحتمل أن يكون القاء الروح عاما لكل ما ينعم اللّه له على عباده المهتدين في تفهيمه الأيمان والمعقولات الشريفة والمنذر بيوم التلاق ففي هذا التأويل هو اللّه تعالى قال الزجاج الروح كل ما فيه حياة الناس وكل مهتد حي وكل ضال كالميت وقوله من أمره أن جعلته جنسا للأمور فمن لتبعيض لابتداء الغاية وان جعلت الأمر من معنى الكلام فمن أما لابتداء الغاية وأما بمعنى الباء ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ الجمهور لتنذر بالتاء على مخاطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم وقرأ أبي بن كعب وجماعة لينذر بالياء ويوم التلاق معناه تلاقي جميع العالم بعضهم بعضا وذلك أمر لم يتفق قط قبل ذلك اليوم وقوله يوم هم بارزن معناه في براز من الأرض يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وقوله تعالى لمن الملك اليوم روي ان اللّه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا فيجيب سبحانه هو نفسه بقوله للّه الواحد القهار ثم يعلم اللّه تعالى أهل الموقف بأن اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وباقي الآية تكرر معناه فانظره في موضعه ثم أمر اللّه تعالى نبيه عليه السلام بانذار العالم وتحذيرهم من يوم القيامة وأهواله والآزفة القريبة من أزف الشيء اذا قرب والآزفة في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله والتقدير يوم الساعة والآزفة الطامة الآزفة ونحو هذا وقوله سبحانه اذ القلوب لدى الحناجر معناه عند الحناجر أي قد صعدت من شدة الهول والجزع والكاظم الذي يرد غيظه وجزعه في صدره فمعنى الآية أنهم يطمعون في رد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم ويطاع في موضع الصفة لشفيع لأن التقدير ولا شفيع مطاع قال أبو حيان يطاع في موضع صفة لشفيع فيحتمل أن يكون في موضع خفض على اللفظ في موضع رفع على الموضع ثم يحتمل النفي أن يكون منسحبا على الوصف فقط فيكون ثم شفيع ولكنه لا يطاع ويحتمل أن ينسحب على الموصوف وصفته أي لا شفيع فيطاع انتهى وهذا الاحتمال الاخير هو الصواب قال ع وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ ١٩وقوله يعلم خائنة الأعين متصل بقوله سريع الحساب وقالت فرقة يعلم متصل بقوله لا يخفي على اللّه منهم شيء وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل والخائنة مصدر كالخيانة ويحتمل أن تكون خائنة اسم فاعل أي يعلم الأعين اذا خانت في نظرها قال ابو حيان والظاهر أن خائنة الأعين من اضافة الصفة الى الموصوف أي الأعين الخائنة كقوله وان سقيت كرام الناس فاسقينا أي الناس الكرام وجوزوا أن يكون خائنة مصدرا كالعافية أي يعلم خيانة الأعين انتهى وهذه الآية عبارة عن علم اللّه تعالى بجميع الخفيات فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين النظرة التي تفهم معنى ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه في شأن رجل ارتد ثم جاء ليسلم هلا قام اليه رجل منكم حين تلكأت عنه فضرب عنقه فقالوا يا رسول اللّه الا أومأت الينا فقال صلى اللّه عليه و سلم ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين وفي بعض الكتب المنزلة من قول اللّه عز و جل أنا مرصاد الهمم انا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون وقال مجاهد خائنة الأعين مسارقة النظر الى ما لا يجوز ثم قوى تعالى هذا الاخبار بقوله وما تخفي الصدور بما لم يظهر على عين ولا غيرها واسند أبو بكر بن الخطيب عن مولى أم معبد الخزاعية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يدعو اللّهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعيني من الخيانة فانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور انتهى قال القشيري في التحبير ومن علم اطلاع الحق تعالى عليه يكون مراقبا لربه وعلامته أن يكون محاسبا لنفسه ومن لم تصح محاسبته لم تصح مراقبته وسئل بعضهم عما يستعين به العبد على حفظ البصر فقال يستعين عليه بعلمه ان نظر اللّه اليه سابق على نظره الى ما ينظر اليه انتهى ٢٠وقوله سبحانه واللّه يقضي بالحق أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثلها وينصف المظلوم من الظالم الى غير ذلك من أقضية الحق والعدل والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمرا ويدعون معناه يعبدون ٢١وقوله سبحانه أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم اللّه بذنوبهم وما كان لهم من اللّه من واق الضمير في يسيروا لكفار قريش والآثار في الارض هي المباني والمآثر والصيت الدنيوي وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء والواقي الساتر المانع مأخوذ من الوقاية وباقي الآية بين وخص تعالى هامان وقارون بالذكر تنبيها على مكانهما من الكفر ولكونهما أشهر رجال فرعون وقيل أن قارون هذا ليس بقارون بني اسرائيل وقيل هو ذلك ولكنه كان منقطعا الى فرعون خادما له مستغنيا معه وقوله ساحر أي في أمر العصا وكذاب في قوله أني رسول اللّه ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوءة والحق من عند اللّه قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل ابناء بني اسرائيل اتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق وهذا رجوع منهم الى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى ولكن هذا الأخير لم تتم لهم فيه عزمة ولا أعانهم اللّه تعالى على شيء منه قال قتادة هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود وسموا من ذكرنا من بني اسرائيل أبناء كما تقول لانجاد القبيلة المدينة وأهل الظهور فيها هؤلاء أبناء فلانة وقوله تعالى وما كيد الكافرين الا في ضلال عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم اللّه تعالى على قتل احد من بني اسرائيل ولا نجحت لهم فيهم سعاية ٢٦وقوله تعالى وقال فرعون ذروني أقتل موسى الآية الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرتهم آيات موسى عليه السلام أنهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما وفي هذه الآية على ذلك دليلان أحدهما قوله ذروني فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من انفاذ أوامرهم والدليل الثاني مقالة المؤمن وما صدع به وان مكاشفته لفرعون أكثر من مساترته وحكمه بنبوءة موسى أظهر من توريته في أمره وأما فرعون فانما نحا الى المخرقة والتمويه والاضطراب ومن ذلك قوله ذروني أقتل موسى وليدع ربه أي أني لا أبالي برب موسى ثم رجع الى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال اني أخاف أن يبدل دينكم والدين السلطان ومنه قول زهير ... لئن حللت بحي في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك ... وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أن يظهر وقرأ الباقون وأن يظهر فعلى القراءة الأولى خاف فرعون أحد أمرين وعلى الثانية خاف الأمرين معا ولما سمع موسى مقالة فرعون دعا وقال أني عذت بربي وربكم الآية ثم حكى اللّه سبحانه مقالة رجل مؤمن ومن آل فرعون شرفه بالذكر وخلد ثناؤه في الأمم غابر الدهر قال ع سمعت أبي رحمه اللّه يقول سمعت ابا الفضل اللّه الجوهري على المنبر يقول وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة فأطرق ثم رفع رأسه وأنشد ... عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد ... ماذا تريد من قوم قرنهم اللّه بنبيه وخصهم بمشاهدة وحيه وقد أثنى اللّه تعالى على رجل مؤمن ومن آل فرعون كتم إيمانه وأسره فجعله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر وأين هو من عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال واللّه لا أعبد اللّه سرا بعد اليوم قال مقاتل كان هذا المؤمن ابن عم فرعون قال الفخر قيل انه كان ابن عم لفرعون وكان جاريا مجرى ولي العهد له ومجرى صاحب السر له وقيل كان قبطيا من قومن فرعون وقيل انه كان من بني اسرائيل والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة انتهى قال الثعلبي قال ابن عباس وأكثر العلماء كان اسمه حزقيل وقيل حزبقال وقيل غير هذا انتهى وقوله يصبكم بعض الذي يعدكم قال ابو عبيدة وغيره بعض هنا بمعنى كل وقال الزجاج هو الزام الحجة بأيسر ما في الأمر وليس فيه نفي اصابة الكل قال ع ويظهر لي أن المعنى يصبكم القسم الواحد مما يعدبه لأنه عليه السلام وعدهم أن آمنوا بالنعيم وان كفروا بالعذاب الأليم فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به وقول المؤمن يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض استنزال لهم ووعظ وقوله في الأرض يريد أرض مصر وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون ولذلك استكان هو وراجع بقوله ما أريكم الا ما أرى واختلف الناس من المراد بقوله تعالى وقال الذي آمن فقال الجمهور هو المؤمن المذكور قص اللّه تعالى أقاويله الى آخر الآيات وقالت فرقة بل كلام ذلك المؤمن قد تم وانما أراد تعالى بالذي آمن موسى عليه السلام محتجين بقوة كلامه وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك ولم يكن كلام الأول الا بملاينة لهم وقوله مثل يوم الأحزاب أي مثل يوم من ايامهم لأن عذابهم لم يكن في عصر واحد والمراد بالأحزاب المتحزبون على الأنبياء ومثل الثاني بدل من الأول والدأب العادة ويوم التنادي معناه يوم ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون واختلف في التنادي المشار اليه فقال قتادة هو نداء أهل الجنة أهل النار فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا وقيل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى يوم ندعوا كل أناس بإمامهم قال ع ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة وذلك كثير وقرأ ابن عباس والضحاك وابو صالح يوم التناد بشد الدال وهذا معنى آخر ليس من النداء بل هو من ند البعير اذا هرب وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن اللّه تعالى اذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب فاذا رأى الخلق هول القيامة وأخرجت جهنم عنقا الى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين الى كل جهة فتردهم الملائكة الى المحشر لا عاصم لهم والعاصم المنجي ٣٤وقوله ولقد جاءكم يوسف الآية قالت فرقة منهم الطبري يوسف المذكور هنا هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر الى زمن موسى وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة وقالت فرقة بل هو فرعون آخر وقوله كبر مقتا أي كبر مقتا جدالهم عند اللّه فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه وقرأ أبو عمرو وحده على كل قلب بالتنوين وقرأ الباقون بغير تنوين وفي مصحف ابن مسعود على قلب كل متكبر جبار ثم ان فرعون لما أعيته الحيل في مقاومة موسى نحا الى المخرقة ونادى هامان وزيره أن يبني له صرحا فيروي أنه طبخ الآجر لهذا الصرح ولم يطبخ قبله وبناه ارتفاع أربعمائة ذراع فبعث اللّه جبريل فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر تفرقت اثناتان ووقعت ثالثة في البحر والأسباب الطرق قاله السدي وقال قتادة اراد الأبواب وقيل عنى لعله يجد مع قربه من السماء سببا يتعلق به وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وصد عن السبيل بضم الصاد وفتح الدال عطفا على زين والباقون بفتح الصاد والتباب الخسران ومنه تبت يدا أبي لهب وبه فسرها مجاهد وقتادة ثم وعظهم الذي آمن فدعا الى اتباع أمر اللّه وقوله اتبعون أهدكم يقوي أن المتكلم موسى وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك أي اتبعوني في اتباع موسى ثم زهدهم في الدنيا وانها شيء يتمتع به قليلا ورغب في الآخرة اذ هي دار الاستقرار قال الغزالي في الاحياء من أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليستغرق أوقاته في التلاوة والذكر والتفكر في حسن المئاب ومن اراد أن ترجح كفة حسناته وتثقل موازين خيراته فليستوعب في الطاعة أكثر أوقاته فان خلط عملا صالحا وآخر سيئا فأمره في خطر لكن الرجاء غير منقطع والعفو من كرم اللّه منتظر انتهى ٤١وقوله تعالى ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة الآية قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالات لموسى لمؤمن آل فرعون والدعاء الى النجاة هو الدعاء الى سببها وهو توحيد اللّه تعالى وطاعته وباقي الآية بين وقوله أن ما تدعونني المعنى وأن الذي تدعونني اليه من عبادة غير اللّه ليس له دعوة أي قدر وحق يجب أن يدعي أحد اليه ثم توعدهم بأنهم سيذكرون قوله عند حلول العذاب بهم والضمير في وقاه يحتمل أن يعود على موسى على مؤمن آل فرعون على ما تقدم من الخلاف وقال القائلون بأنه مؤمن آل فرعون أن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر وفر في جملة من فر معه من المتبعين وقوله تعالى في آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا الآية قوله النار رفع على البدل من قوله سوء وقيل رفع بالابتداء وخبره يعرضون قالت فرقة هذا الغدو والعشي هو في الدنيا أي في كل غدو وعشي من ايام الدنيا يعرض آل فرعون على النار قال القرطبي في التذكرة وهذا هو عذاب القبر في البرزخ انتهى وكذا قال الامام الفخر وروي في ذلك أن أرواحهم في أجواف طير سود تروح بهم وتغدوا الى النار وقاله الأوزاعي عافانا اللّه من عذابه وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أن أحدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقدعك حتى يبعثك اللّه اليه يوم القيامة انتهى وقوله تعالى ويوم تقوم الساعة أي ويوم القيامة يقال ادخلوا آل فرعون اشد العذاب وآل فرعون اتباعه وأهل دينه والضمير في قوله يتحاجون لجميع كفار الأمم وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون والعامل في اذ فعل مضمر تقديره اذكر ثم قال جميع من في النار لخزنتها ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ والتقرير لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات فاقر الكفار عند ذلك وقالوا بلى أي قد كان ذلك فقال لهم الخزنة عند ذلك ادعوا أنتم اذن وهذا على معنى الهزء بهم وقوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقيل هو من قول الخزنة وقيل هو من قول اللّه تعالى اخبارا منه لمحمد عليه الصلاة و السلام ثم أخبر تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الدنيا والآخرة ونصر المؤمنين داخل في نصر الرسل وأيضا فقد جعل اللّه للمؤمنين الفضلاء ودا ووهبهم نصرا اذا ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم من رد عن أخيه في عرضه كان حقا على اللّه أن يرد عنه نار جهنم وقوله عليه السلام من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث اللّه ملكا يحميه يوم القيامة وقوله تعالى ويوم يقوم الأشهاد يريد يوم القيامة قال الزجاج والاشهاد جمع شاهد وقال الطبري جمع شهيد كشريف واشراف ويوم لا ينفع بدل من الأول والمعذرة مصدر كالعذر ثم اخبر تعالى بقصة موسى وما أتاه من النبوءة تأنيسا لمحمد وضرب أسوة وتذكيرا بما كانت العرب تعرفه من أمر موسى فبين ذلك أن محمدا ليس ببدع من الرسل والهدى والنبوءة والحكمة والتوراة تعم جميع ذلك وقوله تعالى واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار قال الطبري الابكار من طلوع الفجر الى طلوع الشمس وقيل من طلوع الشمس الى ارتفاع الضحى وقال الحسن بالعشي يريد صلاة العصر والابكار يريد صلاة الصبح وقوله تعالى أن في صدورهم الأكبر أي ليسوا على شيء بل في صدورهم كبر وأنفة عليك ثم نفي أن يكونوا يبلغون آمالهم بحسب ذلك الكبير ثم أمره تعالى بالاستعاذة باللّه في كل أمره من كل مستعاذ منه ٥٧وقوله تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس فيه توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين كأنه قال مخلوقات اللّه أكبر وأجل قدرا من خلق البشر فما لأحد منهم يتكبر على خالقه ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث وأن الذي خلق السمالوات والأرض قادر على خلق الناس تارة أخرى والخلق هنا مصدر مضاف الى المفعول والذين آمنوا وعملوا الصالحات يعادلهم قوله ولا المسيء وهو اسم جنس يعم المسيئين ٦٠وقوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم آية تفضل ونعمة ووعد لامة صلى اللّه عليه وسلم بالاجابة عند الدعاء قال النووي وروينا في كتاب الترمذي عن عبادة بن الصامت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ما على الأرض مسلم يدعو اللّه تعالى بدعوة الا أتاه اللّه اياها صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم قطيعة رحم فقال رجل من القوم اذن تكثر قال اللّه أكثر قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه الحاكم في المستدرك من رواية أبي سعيد الخدري وزاد فيه يدخر له من الاجر مثلها انتهى قال ابن عطاء اللّه لا يكن تأخر أمد العطاء مع الالحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الاجابة فيما يختار لك لا فيما تختار نفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد انتهى وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول اللّه عز و جل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه اذا دعاني رواه الجماعة الا ابا داود واللفظ لمسلم انتهى من السلاح وقالت فرقة معنى ادعوني اعبدوني واستجب معناه بالنصر والثواب ويدل على هذا قوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي الآية ت وهذا التأويل غير صحيح والأول هو الصواب ان شاء اللّه للحديث الصحيح فقد روى النعمان بن بشير رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة وقرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وابن حيان وفي صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد انتهى من السلاح والداخر الصاغر الذليل ٦١وقوله تعالى اللّه الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه الآيات هذا تنبيه على آيات اللّه وعبرة متى املها العاقل أدته الى توحيد اللّه سبحانه والاقرار بربوبيته وتؤفكون معناه تصرفون عن طريق النظر والهدى كذلك يوفك أي على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف اللّه تعالى الكفار الجاحدين بآيات اللّه من الأمم المتقدمة عن طريق الهدى ٦٧وقوله تعالى هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل الآية تنبيه على الوحدانية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه وقوله سبحانه ومنكم من يتوفى من قبل عبارة تردد في الادراج المذكورة فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا وآخرون قبل الأشد وآخرون قبل الشيخوخة ولتبلغوا أجلا مسمى أي ليبلغ كل واحد أجلا مسمى لا يتعداه ولعلكم تعقلون الحقائق اذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة اللّه تعالى ٦٩وقوله تعالى الم تر الى الذين يجادلون في آيات اللّه الآية في الكفار المجادلين في رسالة نبينا صلى اللّه عليه وسلم ويسحبون معناه يجرون والسحب الجر والحميم الذائب الشديد الحر من النار ويسجرون قال مجاهد معناه توقد النار بهم والعرب تقول سجرت التنور اذا ملأته نارا وقال السدي يسجرون يحرقون ثم أخبر تعالى أنهم يقال لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا فيقولون ضلوا أي تلفوا لنا وغابوا ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون الى الكذب فيقولون بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ثم يقال لهؤلاء الكفار المعذبين ذلكم العذاب الذي أنتم فيه بما كنتم تفرحون في الدنيا بالمعاصي والكفر وتمرحون قال مجاهد معناه الأشر والبطر وقوله تعالى ادخلوا أبواب جهنم معناه يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا لأن هذه المخاطبة انما هي بعد دخولهم ثم أنس تعالى نبيه ووعده بقوله فاصبر ان وعد اللّه حق أي في نصرك واظهار أمرك فان ذلك أمرا اما ان ترى بعضه في حياتك فتقر عينك به واما أن تموت قبل ذلك فالى أمرنا وتعذيبنا يصيرون ويرجعون قال أبو حيان وما في أما زائدة لتأكيد معنى الشرط انتهى ٧٨وقوله تعالى ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك هذه الآية رد على العرب الذين استبعدوا أن يبعث اللّه بشرا رسولا وقوله تعالى فاذا جاء أمر اللّه قضي بالحق الآية يحتمل أن يريد بأمر اللّه القيامة فتكون الآية توعدا لهم بالآخرة ويحتمل أن يريد بأمر اللّه ارسال رسول وبعثة نبي قضى ذلك وأنفذه بالحق وخسر كل مبطل ت والاول أبين وقوله تعالى اللّه الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها الآية هذه آيات فيها عبر وتعديد نعم والأنعام الازواج الثمانية ومنها الأولى للتبعيض وقال الطبري في هذه الآية الانعام تعم الابل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم فمنها في الموضعين على هذا للتبعيض ٨٢وقوله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون الآية هذا احتجاج على قريش بما أظهر سبحانه في الأمم السالفة من نقماته في الكفار الذين كانوا أكثر منهم وأشد قوة قال أبو حيان فما أغنى ما نافية استفهامية بمعنى النفي انتهى وقوله سبحانه فلما جاءتهم رسلهم بالبينات الآية الضمير في جاءتهم عائد على الأمم المذكورة واختلف المفسرون في الضمير في فرحوا على من يعود فقال مجاهد وغيره هو عائد على الأمم المذكورين أي فرحوا بما عندهم من العلم في ظنهم ومعتقدهم من انهم لا يبعثون ولا يحاسبون قال ابن زيد واغتروا بعلمهم بالدنيا والمعاش وظنوا انه لا آخرة ففرحوا وهذا كقوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وقالت فرقة الضمير في فرحوا عائد على الرسل وفي هذا التأويل حذف وتقديره فلما جاءتهم رسلهم بالبينات كذبوهم ففرح الرسل بما عندهم من العلم باللّه والثقة به وبأنه سينصرهم والضمير في بهم عائد على الكفار بلا خلاف ثم حكى سبحانه حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم فلم ينفعهم ذلك وفي ذكر هذا حض على المبادرة وسنة نصب على المصدر ت وقيل المعنى احذروا سنة للّه كقوله ناقة اللّه قال الفخر وقوله هنالك اسم مكان مستعار للزمان أي وخسروا وقت رؤية البأس انتهى وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما |
﴿ ٠ ﴾