سورة فصلت

وهي مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

روى أن عتبة بن ربيعة ذهب الى النبي صلى اللّه عليه وسلم ليحتج عليه ويبين له أمر مخالفته لقومه فلما فرغ عتبة من كلامه قال النبي صلى اللّه عليه وسلم بسم اللّه الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته الى قوله فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأرعد الشيخ وقف شعره وأمسك على فم النبي صلى اللّه عليه وسلم وناشده بالرحم أن يمسك وقال حين فارقه واللّه لقد سمعت شيئا ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا هو بالسحر ولقد ظننت أن صاعقة العذاب على رأسي والرحمن الرحيم صفتا رجاء ورحمة اللّه عز و جل وفصلت معناه بينت آياته أي فسرت معانيه ففصل بين حلاله وحرامه ووعده ووعيده

وقيل فصلت في التنزيل أي نزل نجوما ولم ينزل مرة واحدة

وقيل فصلت بالمواقف وأنواع اواخر الآي ولم يكن يرجع الى قافية ونحوها كالسجع والشعر

٢

وقوله تعالى لقوم يعلمون قالت فرقة يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل فكان القرآن فصلت آياته لهؤلاء اذ هم أهل الانتفاع بها فخصوا بالذكر تشريفا

وقالت فرقة يعلمون متعلق في المعنى بقوله عربيا أي لقوم يعلمون ألفاظه ويتحققون أنها لم يخرج شيء منها عن كلام

العرب وكان الآي على هذا التأويل رادة على من زعم أن في كتاب اللّه ما ليس في كلام العرب والتأويل الأول أبين وأشرف معنى وبين أنه ليس في القرآن الا ما هو من كلام العرب اما من أصل لغتها وأما مما عربته من لغة غيرها ثم ذكر في القرآن وهو معرب مستعمل

وقوله تعالى فهم لا يسمعون نفي لسماعهم النافع الذي يعتد به ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كل المباعدة وأرادوا أن يأيسوه من قبولهم ما جاء به وهي قلوبنا في أكنة مما تدعونا اليه وأكنة جمع كنان والوقر الثقل في الاذن الذي يمنع السمع

وقوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة الآية قال الحسن المراد بالزكاة زكاة المال وقال ابن عباس والجمهور الزكاة في هذه الآية لا اله الا اللّه التوحيد كما قال موسى لفرعون هل لك الى أن تزكي ويرجح هذا التأويل أن الآية مكية وزكاة المال انما نزلت بالمدينة وانما هذه زكاة القلب والبدن أي تطهيره من المعاصي وقاله مجاهد والربيع وقال الضحاك ومقاتل معنى الزكاة هنا النفقة في الطاعة وغير ممنون قال ابن عباس معناه غير منقوص

وقالت فرقة معناه غير مقطوع يقال مننت الحبل اذا قطعته وقال مجاهد مهناها غير محسوب قال ع ويظهر في الآية أنه وصفه بعدم المن والأذى من حيث هو من جهة اللّه تعالى فهو شريف لا من فيه وأعطيات البشر هي التي يدخلها المن والأنداد الأشباه والأمثال وهي اشارة الى كل ما عبد من دون اللّه

وقوله تعالى وبارك فيها أي جعلها منبتة للطيبات والأطعمة وجعلها طهورا الى غير ذلك من وجوه البركة وفي قراءة ابن مسعود وقسم فيها أقواتها

واختلف في معنى قوله أقواتها فقال السدي هي أقوات البشر وارزاقهم وأضافها الى الأرض من حيث هي فيها وعنها وقال قتادة هي اقوات الأرض من الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء التي بها قوام الأرض ومصالحها

وروى

ابن عباس في هذا حديثا مرفوعا فشبهها بالقوت الذي به قوام الحيوان وقال مجاهد اراد أقواتها من المطر والمياه وقال الضحاك وغيره أراد بقوله أقواتها خصائصها التي قسمها في البلاد من الملبوس والمطعوم فجعل في بلد وفي قطر ما ليس في الآخر ليحتاج بعضهم الى بعض ويتقوت من هذه في هذه وهذا قريب من الأول

وقوله تعالى في أربعة أيام يريد باليومين الأولين وقرأ الجمهور سواء بالنصب على الحال أي سواء هي وما انقضى فيها وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع سواء بالرفع أي هي سواء وقرأ الحسن سواء بالخفض على نعت الأيام

واختلف في معنى السائلين فقال قتادة معناه سواء لمن سأل واستفهم عن الأمر وحقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فانه يجده كما

قال تعالى وقال ابن زيد وجماعة معناه مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين اليها من البشر فعبر عنهم بالسائلين بمعنى الطالبين لأنه من شأنهم ولا بد طلب ما ينتفعون به فهم في حكم من سأل هذه أشيءا اذ هم أهل حاجة اليها ولفظة سواء تجري مجرى عدل وزر في أن ترد على المفرد والجمع والمذكر والؤنث

١١

وقوله سبحانه ثم استوى الى السماء معناه بقدرته واختراعه الى خلق السماء وايجادها

وقوله تعالى وهي دخان روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان  البخار

وروي أنه مما أمره اللّه تعالى أن يصعد من الماء وهنا محذوف تقديره فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها وحينئذ قال لها وللأرض أيتيا بمعنى ايتيا أمري وإرادتي فيكما وقرأ ابن عباس آتيا بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما والاشارة بهذا كله الى تسخيرهما وما قدره اللّه من أعمالهما

وقوله  كرها فيه محذوف تقديره ايتيا طوعا وإلا أتيتما كرها

وقوله سبحانه قالتا أراد الفرقتين جعل السموات سماء والأرضين أرضا

واختلف في هذه المقالة من السماوات والأرض هل هو نطق حقيقة  هو مجاز لما ظهر عليها من التذلل والخضوع والانقياد

الذي يتنزل منزلة النطق قال ع والقول الأول أنه نطق حقيقة أحسن لأنه لا شيء يدفعه وأن العبرة به أتم والقدرة فيه أظهر

١٢

وقوله تعالى فقضاهن معناه فصنعن وأوجدهن ومنه قول أبي ذؤيب ... وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود  صنع السوابغ تبع ...

وقوله تعالى وأوحى في كل سماء أمرها قال مجاهد وقتادة أوحى الى سكانها وعمرتها من الملائكة واليها هي في نفسها ما شاء اللّه تعالى من الامور التي بها قوامها وصلاحها

وقوله ذلك اشارة الى جميع ما ذكر أي أوجده بقدرته وأحكمه بعلمه

وقوله تعالى فإن أعرضوا يعني قريشا والعرب الذين دعوتهم الى عبادة اللّه تعالى عن هذه الآيات البينات فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وقرأ النخعي وغيره صعقة فيهما وهذه قراءة بينة المعنى لأن الصعقة الهلاك الوحي وأما الأولى فهي تشبيه بالصاعقة وهي الوقعة الشديدة من صوت الرعد فشبهت هنا وقعة العذاب بها لأن عادا لم تعذب الا بريح وانما هذا تشبيه واستعارة وعبارة الثعلبي صاعقة أي واقعة وعقوبة مثل صاعقة عاد وثمود انتهى قال ع وخص عادا وثمودا بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام قال الثعلبي ومن بين ايديهم ومن خلفهم يعني قبلهم وبعدهم وقامت الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبرا ومباشرة وقال ع قوله ومن خلفهم أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن فلذلك قال ومن خلفهم ولا يتوجه أي يجعل ومن خلفهم عبارة عما أتى بعدهم لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير ت وما تقدم للثعلبي وغيره أحسن لأن مقصد الآية اتصال النذارة بهم وبمن قبلهم وبمن بعدهم اذ ما من أمة الا وفيها نذير وكما

قال تعالى رسلنا تترا وأيضا فانه جمع في اللفظ عادا وثمودا وبالضرورة أن الرسول الذي أرسل الى ثمود هو بعد عاد فليس لرد ع وجه

فتأمله

١٦

وقوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا الآية تقدم قصص هؤلاء وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير نحسات بسكون الحاء وهي جمع نحس وقرأ الباقون نحسات بكسر الحاء جمع نحس على وزن حذر والمعنى في هذه اللفظة مشائيم من النحس المعروف قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس نحسات معناه متتابعات

وقيل معناه شديدة أي شديدة البرد

وقوله تعالى فهديناهم معناه بينا لهم قاله ابن عباس وغيره وهذا كما هي الآن شريعة الاسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين بنا ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالضد فذلك استحباب العمى على الهدى والعذاب الهون هو الذي معه هوان واذلال قال أبو حيان الهون مصدر بمعنى الهوان وصف به العذاب انتهى وأعداء اللّه هم الكفار المخالفون لأمر اللّه سبحانه ويوزعون معناه يكف أولهم حبسا على آخرهم قاله قتادة والسدي وأهل اللغة وهذا وصف حال من أحوال الكفرة في بعض أوقات القيامة وذلك عند وصولهم الى جهنم فانه سبحانه يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ويسئلون سؤال توبيخ عن كفرهم فيجحدون ويحسبون أن لا شاهد عليهم ويطلبون شهيدا عليهم من أنفسهم وفي الحديث الصحيح أن العبد يعني الكافر يقول يا رب اليس وعدتني أن لا تظلمني قال فان ذلك لك قال فاني لا أقبل علي شاهدا الا من نفسي قال فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل قال فيقول لهن بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أدافع الحديث قال أبو حيان حتى اذا ما جاءوها ما بعد اذا زائدة للتوكيد انتهى

٢٢

وقوله تعالى وما كنتم تستترون يحتمل أن يكون من كلام الجلود ويحتمل أن يكون من كلام اللّه عز و جل وجمهور الناس على أن المراد بالجلود الجلود المعروفة وأما معنى الآية فيحتمل وجهين أحدهما أن يريد وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر خوف أن يشهد  لأجل أن يشهد عليكم سمعكم الآية وهذا هو منحى مجاهد والمعنى

الثاني أن يريد وما يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم وهذا هو منحي السدي وعن ابن مسعوج قال اني لمستتر بأستار الكعبة اذ دخل ثلاثة نفر قرشيان وثقفي  ثقفيان وقرشي قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتحدثوا بحديث فقال أحدهم أترى اللّه يسمع ما قلنا فقال الآخر يسمع اذا رفعنا ولا يسمع اذا أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع منه شيئا فانه يسمعه كله فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته بذلك فنزلت هذه الآية وما كنتم تستترون وقرأ حتى بلغ وان يستعتبوا فما هم من المعتبين قال الشيخ أبو محمد بن ابي زيد في آخر مختصر المدونة له واعلم أن الأجساد التي أطاعت  عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازي والجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على من تشهد انتهى قال القرطبي في تذكرته واعلم أن عند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم في ذلك انتهى ومعنى أرادكم أهلككم والردى الهلاك وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول قبل وفاته ثلاث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن باللّه عز و جل وذكره ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن باللّه عز و جل وزاد فيه فان قوما قد أرداهم سوء ظنهم باللّه فقال لهم اللّه تبارك وتعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فأصبحتم من الخاسرين انتهى ونقله أيضا صاحب التذكرة

٢٣

وقوله تعالى فإن يصبروا مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمعنى فان يصبروا أولا يصبروا واقتصر لدلالة الظاهر على ما ترك

وقوله تعالى وان يستعتبوا معناه وان طلبوا العتبى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها ويستوجبها قال أبو حيان قراءة الجمهور وأن يستعتبوا مبنيا للفاعل ومن المعتبين مبنيا للمفعول أي وأن يعتذروا فما هم من المعذروين انتهى ثم وصف تعالى

حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا فختم عليهم فقال وقيضنا لهم قرناء أي يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الانس

وقوله فزينوا لهم ما بين أيديهم أي علموهم وقرروا لهم في نفوسهم ومعتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوءات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء الى غير ذلك مما يقال أنه بين ايديهم وذلك كل ما تقدمهم في الزمن واتصل اليهم أثره  خبره وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك وحق عليهم القول أي سبق عليهم القضاء الحتم وأمر اللّه بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار من الجن والانس

وقالت فرقة في بمعنى مع أي مع أمم قال ع والمعنى يتأدى بالحرفين ولا نحتاج أن نجعل حرفا بمعنى حرف اذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين

٢٦

وقوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن الآية حكاية لما فعله بعض كفار قريش كأبي جهل وغيره لما خافوا استمالة القلوب بالقرآن قالوا متى قرأ محمد فالغطوا بالصفير والصياح وانشاد الشعر حتى يخفي صوته فهذا الفعل منهم هو اللغو وقال أبو العالية ارادوا قعوا فيه وعيبوه وقولهم لعلكم تغلبون أي تطمسون أمر محمد وتميتون ذكره وتصرفون عنه القلوب فهذه الغاية التي تمنوها ويأبى اللّه الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

وقوله تعالى فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا الآية قوله لنذيقن الفاء دخلت على لام القسم وهي آية وعيد لقريش والعذاب الشديد هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها والجزاء بأسوأ أعمالهم هو عذاب الآخرة ت حدث ابو عمر في كتاب التمهيد قال حدثنا احمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا ابراهيم بن موسى بن جميل قال حدثنا عبد اللّه بن محمد بن ابي الدنيا قال حدثنا العتكي قال حدثنا خالد أبو يزيد الرقي عن يحيى المدني عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه قال خرجت مرة فمررت

بقبر من قبور الجاهلية فاذا رجل قد خرج من القبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة ومعي اداوة من ماء فلما رءاني قال يا عبد اللّه اسقني قال فقلت عرفني فدعاني باسمي  كلمة تقولها العرب يا عبد اللّه اذ خرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد اللّه لا تسقه فانه كافر ثم أخذ السلسلة فاجتذبه فادخله القبر قال ثم أضافني الليل الى بيت عجوز الى جانبها قبر فسمعت من القبر صوتا يقول بول وما بول شن وما شن فقلت للعجوز ما هذا قالت كان زوجا ليس وكان اذا بال لم يتق البول وكنت أقول له ويحك إن الجمل اذا بال تفاج وكان يأبى فهو ينادي من يوم مات بول وما بول قلت فما الشن قالت جاء رجل عطشان فقال اسقني فقال دونك الشن فاذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتا فهو ينادي منذ مات شن وما شن فلما قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده قال ابو عمر هذا الحديث فى اسناده مجهولون ولم نورده للاحتجاج به ولكن للاعتبار وما لم يكن حكم فقد تسامح الناس في روايته عن الضعفاء انتهى من ترجمة عبد الرحمن بن حرملة وكلامه على قول النبي صلى اللّه عليه وسلم الشيطان يهم بالواحد والاثنين فاذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم وقد ذكرنا الحكاية الاولى عن الوائلي فى سورة اقرأ باسم ربك بغير هذا السند وأن الرجل الأول هو ابو جهل انتهى ثم ذكر تعالى مقالة كفار يوم القيامة اذا دخلوا النار فانهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم ومبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون ان يحصل فى اشد عذاب فحينئذ يقولون ربنا ارنا اللذين اضلانا وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم اللذين انما هو للجنس أي ارنا كل مغو من الجن والانس وهذا قول جماعة من المفسرين

وقيل طلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وابليس الأبالسة من الجن وهذا قول لا يخفي ضعفه

والأول هو القوي وقولهم نجعلهما تحت اقدامنا يريدون في أسفل طبقة في النار وهي أشد عذابا

٣٠

وقوله تعالى ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا قال سفيان بن عبد اللّه الثقفي قلت يا رسول اللّه أخبرني بأمر اعتصم به قال قل ربي اللّه ثم استقم ت هذا الحديث خرجه مسلم في صحيحه قال صاحب المفهم جوابه صلى اللّه عليه و سلم من جوامع الكلم وكأنه منتزع من قول اللّه تعالى إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا الآية وتلخيصه اعتدلوا على طاعته قولا وفعلا وعقدا انتهى من شرح الأربعين حديثا لابن الفاكهاني قال ع

واختلف الناس في مقتضى قوله ثم استقاموا فذهب الحسن وجماعة الى أن معناه استقاموا بالطاعات واحتناب المعاصي وتلا عمر رضي اللّه عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا واللّه بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب قال ع فذهب رحمه اللّه الى حمل الناس على الاتم الأفضل وإلا فيلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب أن لا تتنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر رضي اللّه عنه وجماعة معه الى أن المعنى ثم استقاموا على قولهم ربنا اللّه فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب ايمانهم قال ع وفي الحديث الصحيح من كان آخر كلامه لا اله الا اللّه دخل الجنة وهذا هو المعتقد ان شاء اللّه وذلك أن العصاة من أمة محمد وغيرها فرقتان فاما من غفر اللّه له وترك تعذيبه فلا محالة أنه ممن تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة وهو انما استقام على توحيده فقط وأما من قضى اللّه بتعذيبه مدة ثم يأمر بادخاله الجنة فلا محالة أنه يلقي جميع ذلك عند موته ويعلمه وليس يصح أن تكون حالة كحالة الكافر واليائس من رحمة اللّه واذا كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه ويدخل فيمن يقال لهم ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ومع هذا كله فلا يختلف في أن الموحد المستقيم على الطاعة

أتم حالا وأكمل بشارة وهو مقصد أمير المؤمنين عمر رضي اللّه عنه وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعدادا كان أسرع فوزا بفضل اللّه تعالى قال الثعلبي

قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا قال وكيع والبشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وفي البخاري تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت انتهى

قال ابن العربي في أحكامه تتنزل عليهم الملائكة قال المفسرون عند الموت وأنا أقول كل يوم وأوكد الأيام يوم الموت وحين القبر ويوم الفزع الأكبر وفي ذلك أثار بيناها في موضعها انتهى قال ع

وقوله تعالى أن لا تخافوا ولا تحزنوا آمنة عامة في كل هم مستأنف وتسلية تامة عن كل فائت ماض وقال مجاهد المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم ت وذكر أبو نعيم عن ثابت البناني أنه قرأ حم السجدة حتى بلغ إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة فوقف وقال بلغنا أن العبد المؤمن حيث يبعث من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد قال فآمن اللّه خوفه وأقر عينه الحديث انتهى قال ابن المبارك في رقائقه سمعت سفيان يقول في

قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من ضيعاتكم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون قال يبشر بثلاث بشارات عند الموت واذا خرج من القبر واذا فزع نحن أوليائكم في الحياة الدنيا قالوا كانوا معهم قال ابن المبارك وأخبرنا رجل عن منصور عن مجاهد في

قوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا قال قرناءهم يلقونهم يوم القيامة فيقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة اه

وقوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة المتكلم بنحن أولياءكم هم الملائكة القائلون لا تخافوا ولا تحزنوا أي يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق نحن

كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم أولياءكم في الآخرة قال السدي المعنى نحن حفظتكم وأولياؤكم في الآخرة والضمير في قوله فيها عائد على الآخرة وتدعون معناه تطلبون قال الفخر ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين اشارة الى أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالالهامات والمكاشفات اليقينية والمناجات الخفية كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بالقاء الوساوس وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات فهم يقولون كما أن تلك الولايات الحاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير مائلة الى الزوال بل تصير بعد الموت أقوى وأبقى وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة وهي كالشعلة بالنسبة الى الشمس والقطرة بالنسبة الى البحر وانما التعلقات الجسدانية والتدبيرات البدنية هي الحائلة بينها وبين الملائكة فاذا زالت تلك العلائق فقد زال الغطاء واتصل الأثر بالمؤثر والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس انتهى ت وقد نقل الثعلبي من كلام أرباب المعاني هنا كلاما كثيرا حسنا جدا موقظا لأرباب الهمم فانظره ان شئت

وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنه قال اذا فنيت أيام الدنيا عن هذا العبد المؤمن بعث اللّه الى نفسه من يتوفاها قال فقال صاحباه اللذان يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا أخا وصاحبا وقد حان اليوم منه فراق فأذنوا لنا  قال دعونا نثن على أخينا فيقال أثنيا عليه فيقولان جزاك اللّه خيرا ورضي عنك وغفر لك وأدخلك الجنة فنعم الأخ كنت والصاحب ما كان أيسر مؤنتك وأحسن معونتك على نفسك ما كانت خطاياك تمنعنا أن نصعد الى ربنا فنسبح بحمده ونقدس له ونسجد د له ويقول الذي يتوفى نفسه أخرج أيها الروح الطيب الى خير يوم مر عليك فنعم ما قدمت لنفسك أخرج الى الروح

والريحان وجنات النعيم ورب عليك غير غضبان واذا فنيت أيام الدنيا عن العبد الكافر بعث اللّه الى نفسه من يتوفاها فيقول صاحباه اللذان كانا يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا صاحبا وقد حان منه فراق فاذنوا لنا ودعونا نثن على صاحبنا فيقال أثينا عليه فيقولان لعنة اللّه وغضبه عليه ولا غفر له وأدخله النار فبيس الصاحب ما كان أشد مؤنته وما كان يعين على نفسه إن كانت خطاياه وذنوبه لتمنعنا الى أن نصعد الى ربنا فنسبح له ونقدس له ونسجد له ويقول الذي يتوفى نفسه اخرج أيها الروح الخبيث الى شر يوم مر عليك فبيس ما قدمت لنفسك اخرج الى الحميم وتصلية الجحيم ورب عليك غضبان انتهى

٣٣

وقوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا الى اللّه الآية ابتداء توصية لنبيه عليه السلام وهو لفظ يعم كل من دعا قديما وحديثا الى اللّه عز و جل من الأنبياء والمؤمنين والمعنى لا أحد أحسن قولا ممن هذه حاله والى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة

وقيل أن الآية نزلت في المؤذنين وهذا ضعيف لأن الآية مكية والأذان شرع بالمدينة قال أبو حيان ولا السيئة لا زائدة للتوكيد انتهى

وقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن آية جمعت مكارم الاخلاق وأنواع الحلم والمعنى ادفع ما يعرض لك مع الناس في مخالطتهم بالفعلة  بالسيرة التي هي أحسن قال ابن عباس أمره اللّه تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الاساءة فاذا فعل المؤمنون ذلك عصمهم اللّه من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم البخاري ولي حميم أي قريب انتهى وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء قال ع ولا شك أن السلام هو مبدأ الدفع بالتي هي أحسن وهو جزء منه والضمير في قوله يلقاها عائد على هذه الخلق التي يقتضيها قوله ادفع بالتي هي أحسن

وقالت فرقة المراد وما يلقي لا اله الا اللّه وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ

وقوله سبحانه الا الذين صبروا مدح بليغ

للصابرين وذلك بين المتأمل لأن الصبر على الطاعات وعن الشهوات جامع لخصال الخير كلها والحظ العظيم يحتمل أن يريد من العقل والفضل فتكون الآية مدحا للمتصف بذلك ويحتمل أن يريد ذو حظ عظيم من الجنة وثواب الآخرة فتكون الآية وعدا وبالجنة فسر قتادة الحظ هنا

٣٦

وقوله تعالى وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ باللّه أما شرط وجواب الشرط قوله فاستعذ والنزغ فعل الشيطان في قلب  يد من القاء غضب  حقد  بطش في اليد فمن الغضب هذه الآية ومن الحقد قوله نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ومن البطش قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار ومن دعاء الشيخ الولي العارف باللّه سبحانه محمد بن مسرة القرطبي اللّهم لا تجعل صدري للشيطان مراغا ولا تصير قلبي له مجالا ولا تجعلني ممن استفزه بصوته واجلب عليه بخيله ورجله وكن لي من حبائله منجيا ومن مصائده منقذا ومن غوايته مبعدا اللّهم أنه وسوس في القلب وألقى في النفس مالا يطيق اللسان ذكره ولا تستطيع النفس نشره مما نزهك عنه علو عزك وسمو مجدك فازل يا سيدي ما سطر وامح ما زور بوابل من سحائب عظمتك وطوفان من بحار نصرتك واسلل عليه سيف أبعادك وارشقه بسهام أقصائك واحرقه بنار انتقامك واجعل خلاصي منه زائدا في حزنه وموكدا لاسفه ثم قال رحمه اللّه اعلم أنه ربما كان العبد في خلوته مشتغلا بتلاوته ويجد في نفسه من الوسوسة ما يجول بينه وبين ربه حتى لا يجد لطعم الذكر حلاوة ويجد في قلبه قساوة وربما اعتراه ذلك مع الاجتهاد في قراءته وعلة ذلك أن الذكر ذكران ذكر خوف ورهبة وذكر أمن وغفلة فاذا كان الذكر بالخوف والرهبة خنس الشيطان ولم يحتمل الحملة وأذهب الوسوسة لأن الذكر اذا كان باجتماع القلب وصدق النية لم يكن للشيطان قوة عند ذلك

وانقطعت علاق حيله وانما قوته ووسوسته مع الغفلة واذا كان الذكر بالأمن والغفلة لم تفارقه الوسوسة وان استدام العبد الذكر والقراءة لأن على قلب الغافل غشاوة ولا يجد صاحبها لطعم الذكر حلاوة فتحفظ على دينك من هذا العدو وليس لك أن تزيله عن مرتبته ولا أن تزيحه عن وطنه وإنما أبيح لك مجاهدته فاستعن باللّه يعنك وثق باللّه فانه لا يخذلك

قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان اللّه لمع المحسنين انتهى من تصنيفه رحمه اللّه وندب سبحانه في الآية المتقدمة الى الأخذ بمكارم الأخلاق ووعد على ذلك وعلم سبحانه أن خلقة البشر تغلب أحيانا وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان فدلهم في هذه الآية على ما يذهب ذلك وهي الاستعاذة به عز و جل ثم عدد سبحانه آياته ليعتبر فيها فقال ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ثم

قال تعالى لا تسجدوا للشمس ولا للقمر وان كانت لكم فيهما منافع لأن النفع منهما انما هو يتسخير اللّه اياهما فهو الذي ينبغي أن يسجد له والضمير في خلقهن قيل هو عائد على الآيات المتقدم ذكرها

وقيل عائد على الشمس والقمر والاثنان جمع وايضا جمع ما لا يعقل يؤنث فلذلك قال خلقهن ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام ساغ أن يعود الضمير مجموعا

وقيل هو عائد على الأربعة المذكورة ت ومن كتاب المستغيثين باللّه لأبي القاسم بن بشكوال حدث بسنده الى أنس بن مالك قال تقرأ حم السجدة وتسجد عند السجدة وتدعو فانه يستجاب لك قال الراوي وجربته فوجدته مستجابا انتهى ثم خاطب جل وعلا نبيه عليه السلام بما يتضمن وعيدهم وحقارة أمرهم وأنه سبحانه غني عن عبادتهم بقوله فان استكبروا الآية

وقوله فالذين يعني بهم الملائكة هم صافون يسبحون وعند هنا ليست بظرف مكان وانما هي بمعنى المنزلة والقربة كما تقول زيد عند الملك جليل ويروى أن تسبيح الملائكة قد صار لهم كالنفس لبني

آدم ولا يسئمون معناه لا يملون ثم ذكر تعالى آية منصوبة ليعتبر بها في أمر البعث من القبور ويستدل بما شوهد من هذه على ما لم يشاهد فقال ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة الآية وخشوع الأرض هو ما يظهر عليها من استكانة وشعث بالجدب فهي عابسة كما الخاشع عابس يكاد يبكي واهتزاز الأرض هو تخلخل أجزائها وتشققها للنبات وربوها هو انتفاخها بالماء وعلو سطحها به وعبارة البخاري اهتزت بالنبات وربت ارتفعت اه ثم ذكر اللّه تعالى بالأمر الذي ينبغي أن يقاس على هذه الآية والعبرة وذلك احياء الموتى فقال ان الذي أحياها لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير والشيء في اللغة الموجود

٤٠

وقوله تعالى أن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا الآية آية وعيد والالحاد الميل وهو هنا ميل عن الحق ومنه لحد الميت لأنه في جانب يقال لحد الرجل والحد بمعنى

واختلف في الحادهم هذا ما هو فقال قتادة وغيره هو الحاد بالتكذيب وقال مجاهد وغيره هو بالمكاء والصفير واللغو الذين ذهبوا اليه وقال ابن عباس الحادهم وضعهم للكلام غير موضعه ولفظة الالحاد تعم هذا كله وباقي الآية بين

وقوله تعالى اعملوا ما شئتم وعيد في صيغة الأمر باجماع من أهل العلم

وقوله تعالى ان الذين كفروا بالذكر الآية يريد الذين كفروا قريشا والذكر القرآن باجماع

واختلف في الخبر عنهم أين هو فقالت فرقة هو في قوله أولئك ينادون من مكان بعيد ورد بكثرة الحائل وأن هنالك قوما قد ذكروا يحسن رد قوله أولئك ينادون عليهم

وقالت فرقة الخبر مضمر تقديره ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم هلكوا  ضلوا

وقيل الخبر في قوله وإنه لكتاب عزيز وهذا ضعيف لا يتجه وقال عمرة بن عبيد معناه في التفسير ان الذين كفروا بالذكر لما جائهم كفروا به وانه لكتاب عزيز قال ع والذي يحسن في هذا هو اضمار الخبر ولكنه عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدره هؤلاء فيه وانما هو بعد حكيم حميد

وهو أشد اظهارا لمذمة الكفار به وذلك لأن قوله وانه لكتاب داخل في صفة الذكر المكذب به فلم يتم ذكر المخبر عنه الا بعد استيفاء وصفه ووصف اللّه تعالى الكتاب بالعزة لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والازراء عليه وهو محفوظ من اللّه تعالى قال ابن عباس معناه كريم على اللّه تعالى

وقوله تعالى لا يأتيه الباطل قال قتادة والسدي يريد الشيطان وظاهر اللفظ يعم الشيطان وأن يجيء أمر يبطل منه شيئا

وقوله من بين يديه معناه ليس فيما تقدم من الكتب ما يبطل شيئا منه

وقوله ولا من خلفه أي ليس يأتي بعده من نظر ناظر وفكرة عاقل ما يبطل شيئا منه والمراد باللفظة على الجملة لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات

وقوله تنزيل خبر مبتدأ أي هو تنزيل

وقوله تعالى ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك يحتمل معنيين أحدهما أن يكون تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن مقالات قومه وما يلقاه من المكروه منهم

والثاني أن يكون المعنى ما يقال لك من الوحي وتخاطب به من جهة اللّه تعالى الا ما قد قيل للرسل من قبلك

٤٤

وقوله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا الآية الأعجمي هو الذي لا يفصح عربيا كان  غير عربي والعجمي الذي ليس من العرب فصيحا كان  غير فصيح والمعنى ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا لا يبين لقالوا واعترضوا لولا بينت آياته وهذه الآية نزلت بسبب تخليط اكن من قريش في أقوالهم من أجل حروف وقعت في القرآن وهي مما عرب من كلام العجم كسجين واستبرق ونحوه وقرأ الجمهور ءاعجمي وعربي على الاستفهام وهمزة ممدودة قبل الألف وقرأ حمزة والكسائي وحفص أأعجمي بهمزتين وكأنهم ينكرون ذلك ويقولون أأعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن ثم

قال تعالى قل هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء

واختلف الناس في قوله وهو عليهم عمى فقالت فرقة يريد بهو القرآن

وقالت فرقة يريد بهو الوقر وهذه كلها استعارات

والمعنى أنهم كالأعمى وصاحب الوقر وهو الثقل في الاذن المانع من السمع وكذلك

قوله تعالى أولئك ينادون من مكان بعيد يحتمل معنيين وكلاهما مقول للمفسرين أحدهما أنها استعارة لقلة فهمهم شبههم بالرجل ينادي على بعد يسمع منه الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه وهذا تأويل مجاهد والآخران الكلام على الحقيقة وأن معناه أنهم يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبيح أعمالهم من بعد حتى يسمع ذلك أهل الموقف ليفضحوا على رؤوس الخلائق ويكون أعظم لتوبيخهم وهذا تأويل الضحاك قال أبو حيان عمى بفتح الميم مصدر عمي انتهى ثم ضرب اللّه تعالى امر موسى مثلا للنبي عليه السلام ولقريش أي فعل أولئك كأفعال هؤلاء حين جاءهم مثل ما جاء هؤلاء والكلمة السابقة هي حتم اللّه تعالى بتأخير عذابهم الى يوم القيامة والضمير في قوله لفي شك منه يحتمل أن يعود على موسى  على كتابه

وقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه الآية نصيحة بليغة للعالم وتحذير وترجية

٤٧

وقوله تعالى اليه يرد علم الساعة الآية المعنى أن علم الساعة ووقت مجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه الى اللّه عز و جل

وقوله تعالى ويوم يناديهم أين شركائي الآية التقدير واذكر يوم يناديهم والضمير في يناديهم الأظهر والأسبق فيه للفهم أنه يريد الكفار عبدة الأوثان ويحتمل أن يريد كل من عبد من دون اللّه من انسان وغيره وفي هذا ضعف وأما الضمير في قوله وضل عنهم فلا احتمال لعودته الا على الكفار وءاذناك قال ابن عباس وغيره معناه أعلمناك ما منا من يشهد ولا من شهد بأن لك شريكا وضل عنهم أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة والأصنام ويحتمل أن يريد وضل عنهم الاصنام أي تلفت فلم يجدوا منها نصرا وتلاشى لهم أمرها

وقوله وظنوا يحتمل أن يكون متصلا بما قبله ويكون الوقف عليه ويكون قوله ما لهم من محيص استئناف نفي أن يكون لهم ملجأ  موضع روغان تقول

حاص الرجل اذا راغ لطلب النجاة من شيء ومنه الحديث فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الأبواب ويكون الظن على هذا التأويل على بابه أي ظنوا أن هذه المقالة ما منا من شهيد منجاة لهم  أمر يموهون به ويحتمل أن يكون الوقف في قوله من قبل ويكون وظنوا متصلا بقوله ما له من محيص أي ظنوا ذلك ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين وقد تقدم البحث في اطلاق الظن على اليقين ت وهذا التأويل هو الظاهر والأول بعيد جدا

وقوله تعالى لا يسأم الانسان من دعاء الخير هذه آيات نزلت في كفار قيل في الوليد بن المغيرة

وقيل في عتبة بن ربيعة وجل الآية يعطي أنها نزلت في كفار وإن كان أولها يتضمن خلقا ربما شارك فيها بعض المؤمنين ودعاء الخير اضافته اضافة المصدر الى المفعول وفي مصحف ابن مسعود من دعاء بالخير والخير في هذه الآية المال والصحة وبذلك تليق الآية بالكفار

وقوله تعالى ليقولون هذا لي أي بعملي وبما سعيت ولا يرى أن النعم انما هي فضل من اللّه تعالى قال صلى اللّه عليه و سلم ليقولون قال أبو البقاء هو جواب الشرط والفاء محذوفة

وقيل هو جواب قسم محذوف قال صلى اللّه عليه و سلم قلت هذا هو الحق والأول غلط لأن القسم قد تقدم في قوله ولئن فالجواب له ولأن حذف الفاء في الجواب لا يجوز انتهى وفي تغليط الصفاقسي لأبي البقاء نظر

وقوله وما أظن الساعة قائمة قول بين فيه الجحد والكفر ثم يقول هذا الكافر ولئن رجعت الى ربي كما تقولون أن لي عنده للحسنى أي حالا ترضيني من مال وبنين وغير ذلك قال ع والأماني على اللّه تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد فقد قال عليه السلام الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه

٥١

وقوله تعالى واذا أنعمنا على الانسان أعرض ونئا عن جانبه الآية ذكر سبحانه الخلق الذميمة من الانسان جملة وهي في الكافر بينة متمكنة وأما المؤمن ففي الأغلب يشكر على النعمة

وكثيرا ما يصير عند الشدة ونئا معناه بعد ولم يمل الى شكر ولا طاعة

وقوله فذو دعاء عريض أي وطويل أيضا وعبارة الثعلبي عريض أي كثير والعرب تستعمل الطول والعرض كليهما في الكثرة من الكلام انتهى ثم أمر تعالى نبيه أن يوقف قريشا على هذا الاحتجاج وموضع تغريرهم بأنفسهم فقال قل أرايتم إن كان من عند اللّه وخالفتموه ألستم على هلكة فمن أضل ممن يبقي على مثل هذا الغرر مع اللّه وهذا هو الشقاق ثم وعد تعالى نبيه عليه السلام بأنه سيرى الكفار آياته

واختلف في معنى

قوله سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم فقال المنهال والسدي وجماعة هو وعد بما يفتحه اللّه على رسوله من الاقطار حول مكة وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها وفي أنفسهم اراد به فتح مكة قال ع وهذا تأويل حسن يتضمن الاعلام بغيب ظهر بعد ذلك وقال قتادة والضحاك ستنريهم آياتنا في الآفاق هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديما وفي أنفسهم يوم بدر والتأويل الأول أرجح واللّه اعلم والضمير في

قوله تعالى أنه الحق عائد على الشرع والقرآن فباظهار اللّه نبيه وفتح البلاد عليه يتبين لهم أنه الحق

وقوله بربك قال ابو حيان الباء زائدة وهو فاعل يكف أي  لم يكفهم ربك انتهى وباقي الآية بين

﴿ ٠