٣٠

وقوله تعالى ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا قال سفيان بن عبد اللّه الثقفي قلت يا رسول اللّه أخبرني بأمر اعتصم به قال قل ربي اللّه ثم استقم ت هذا الحديث خرجه مسلم في صحيحه قال صاحب المفهم جوابه صلى اللّه عليه و سلم من جوامع الكلم وكأنه منتزع من قول اللّه تعالى إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا الآية وتلخيصه اعتدلوا على طاعته قولا وفعلا وعقدا انتهى من شرح الأربعين حديثا لابن الفاكهاني قال ع

واختلف الناس في مقتضى قوله ثم استقاموا فذهب الحسن وجماعة الى أن معناه استقاموا بالطاعات واحتناب المعاصي وتلا عمر رضي اللّه عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا واللّه بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب قال ع فذهب رحمه اللّه الى حمل الناس على الاتم الأفضل وإلا فيلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب أن لا تتنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر رضي اللّه عنه وجماعة معه الى أن المعنى ثم استقاموا على قولهم ربنا اللّه فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب ايمانهم قال ع وفي الحديث الصحيح من كان آخر كلامه لا اله الا اللّه دخل الجنة وهذا هو المعتقد ان شاء اللّه وذلك أن العصاة من أمة محمد وغيرها فرقتان فاما من غفر اللّه له وترك تعذيبه فلا محالة أنه ممن تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة وهو انما استقام على توحيده فقط وأما من قضى اللّه بتعذيبه مدة ثم يأمر بادخاله الجنة فلا محالة أنه يلقي جميع ذلك عند موته ويعلمه وليس يصح أن تكون حالة كحالة الكافر واليائس من رحمة اللّه واذا كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه ويدخل فيمن يقال لهم ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ومع هذا كله فلا يختلف في أن الموحد المستقيم على الطاعة

أتم حالا وأكمل بشارة وهو مقصد أمير المؤمنين عمر رضي اللّه عنه وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعدادا كان أسرع فوزا بفضل اللّه تعالى قال الثعلبي

قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا قال وكيع والبشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وفي البخاري تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت انتهى

قال ابن العربي في أحكامه تتنزل عليهم الملائكة قال المفسرون عند الموت وأنا أقول كل يوم وأوكد الأيام يوم الموت وحين القبر ويوم الفزع الأكبر وفي ذلك أثار بيناها في موضعها انتهى قال ع

وقوله تعالى أن لا تخافوا ولا تحزنوا آمنة عامة في كل هم مستأنف وتسلية تامة عن كل فائت ماض وقال مجاهد المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم ت وذكر أبو نعيم عن ثابت البناني أنه قرأ حم السجدة حتى بلغ إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة فوقف وقال بلغنا أن العبد المؤمن حيث يبعث من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد قال فآمن اللّه خوفه وأقر عينه الحديث انتهى قال ابن المبارك في رقائقه سمعت سفيان يقول في

قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من ضيعاتكم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون قال يبشر بثلاث بشارات عند الموت واذا خرج من القبر واذا فزع نحن أوليائكم في الحياة الدنيا قالوا كانوا معهم قال ابن المبارك وأخبرنا رجل عن منصور عن مجاهد في

قوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا قال قرناءهم يلقونهم يوم القيامة فيقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة اه

وقوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة المتكلم بنحن أولياءكم هم الملائكة القائلون لا تخافوا ولا تحزنوا أي يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق نحن

كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم أولياءكم في الآخرة قال السدي المعنى نحن حفظتكم وأولياؤكم في الآخرة والضمير في قوله فيها عائد على الآخرة وتدعون معناه تطلبون قال الفخر ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين اشارة الى أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالالهامات والمكاشفات اليقينية والمناجات الخفية كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بالقاء الوساوس وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات فهم يقولون كما أن تلك الولايات الحاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير مائلة الى الزوال بل تصير بعد الموت أقوى وأبقى وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة وهي كالشعلة بالنسبة الى الشمس والقطرة بالنسبة الى البحر وانما التعلقات الجسدانية والتدبيرات البدنية هي الحائلة بينها وبين الملائكة فاذا زالت تلك العلائق فقد زال الغطاء واتصل الأثر بالمؤثر والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس انتهى ت وقد نقل الثعلبي من كلام أرباب المعاني هنا كلاما كثيرا حسنا جدا موقظا لأرباب الهمم فانظره ان شئت

وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنه قال اذا فنيت أيام الدنيا عن هذا العبد المؤمن بعث اللّه الى نفسه من يتوفاها قال فقال صاحباه اللذان يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا أخا وصاحبا وقد حان اليوم منه فراق فأذنوا لنا  قال دعونا نثن على أخينا فيقال أثنيا عليه فيقولان جزاك اللّه خيرا ورضي عنك وغفر لك وأدخلك الجنة فنعم الأخ كنت والصاحب ما كان أيسر مؤنتك وأحسن معونتك على نفسك ما كانت خطاياك تمنعنا أن نصعد الى ربنا فنسبح بحمده ونقدس له ونسجد د له ويقول الذي يتوفى نفسه أخرج أيها الروح الطيب الى خير يوم مر عليك فنعم ما قدمت لنفسك أخرج الى الروح

والريحان وجنات النعيم ورب عليك غير غضبان واذا فنيت أيام الدنيا عن العبد الكافر بعث اللّه الى نفسه من يتوفاها فيقول صاحباه اللذان كانا يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا صاحبا وقد حان منه فراق فاذنوا لنا ودعونا نثن على صاحبنا فيقال أثينا عليه فيقولان لعنة اللّه وغضبه عليه ولا غفر له وأدخله النار فبيس الصاحب ما كان أشد مؤنته وما كان يعين على نفسه إن كانت خطاياه وذنوبه لتمنعنا الى أن نصعد الى ربنا فنسبح له ونقدس له ونسجد له ويقول الذي يتوفى نفسه اخرج أيها الروح الخبيث الى شر يوم مر عليك فبيس ما قدمت لنفسك اخرج الى الحميم وتصلية الجحيم ورب عليك غضبان انتهى

﴿ ٣٠