سورة الجاثيةوهي مكية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز و جل حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم ان في السموات والارض لايات للمؤمنين قال ابو حيان اجاز الفخر الرازي في العزيز الحكيم ان يكونا صفتين للّه وهو الراجح للكتاب ورد بانه لا يجوز ان يكونا صفتين للكتاب من وجوه انتهى وذكر تبارك وتعالى هنا الآيات التي في السموات والارض مجملة غير مفصلة فكانها احالة على غوامض تثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع فلذلك جعلها للمؤمنين ثم ذكر سبحانه خلق البشر والحيوان وكأنه اغمض فجعله للموقنين الذين لهم نظر يؤديهم الى اليقين ثم ذكر اختلاف الليل والنهار والعبرة بالمطر والرياح فجعل ذلك القوم يعقلون اذ كل عاقل يحصل هذه ويفهم قدرها قال ع وان كان هذا النظر ليس بلازم ولا بد فان اللفظ يعطيه والرزق المنزل من السماء هو الماء وسماه اللّه سبحانه رزقا بمئاله لان جميع ما يرتزق فعن الماء هو وقوله نتلوها عليك بالحق أي بالصدق والاعلام بحقائق الامور في انفسها وقال جلت عظمته فبأي حديث بعد اللّه وأياته يومنون ءاية تقريع وتوبيخ وفيها قوة تهديد والافاك الكذاب الذي يقع منه الافك مرارا والاثيم بناء مبالغة اسم فاعل من اثم ياثم وروي ان سبب الآية ابو جهل وقيل النضر بن الحارث والصواب انها عامة فيهما وفي غيرهما وانها تعم كل من دخل تحت الاوصاف المذكورة الى يوم القيامة ويصر معناه يثبت على عقيدته من الكفر وقوله فبشره بعذاب اليم أي مؤلم ٩وقوله تعالى وإذا علم من آياتنا شيأ أي اخبر بشيء من آياتنا فعلم نفس الخبر لا المعنى الذي تضمنه الخبر ولو علم المعاني التي تضمنها اخبار الشرع وعرف حقائقها لكان مومنا ت وفي هذا نظر لأنه ينحو الى القول بان الكفر لا يتصور عنادا محضا وقد تقدم اختياره رحمه اللّه لذلك في غير هذا المحل فقف عليه وخشية الاطالة منعتني من تكراره هنا ١١وقوله سبحانه هذا هدى اشارة الى القرآن وقوله لهم عذاب بمنزلة قولك لهم حظ فمن هذه الجهة ومن جهة تغاير اللفظين حسن قوله عذاب من رجز اذ الرجز هو العذاب وقوله لتجري الفلك فيه بأمره أقام القدرة والاذن مناب أن يأمر البحر والناس بذلك وقرأ مسلمة بن محارب جميعا منة بضم التاء وقرأ ايضا جميعا منه بفتح الميم وشد النون والهاء وقرأ ابن عباس منة بالنصب على المصدر وقوله تعالى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون قال الغزالي في الاحياء الفكر والذكر اعلى مقامات الصالحين وقال رحمه اللّه اعلم ان الناظرين بأنوار البصيرة علموا ان لا نجاة الا في لقاء اللّه عز و جل وانه لا سبيل الى اللقاء الا بان يموت العبد محبا للّه تعالى وعارفا به وان المحبة والانس لا يتحصلان الا بدوام ذكر المحبوب وان المعرفة لا تحصل الا بدوام الفكر ولن يتيسر دوام الذكر والفكر الا بوداع الدنيا وشهواتها والاجتزاء منها بقدر البلغة والضرورة ثم قال والقرآن جامع لفضل الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر انتهى ١٤وقوله تعالى قل للذين أمنوا يغفروا الآية قال اكثر الناس هذه الآية منسوخة بآية القتال وقال فرقة بل هي محكمة قال ع الآيى تتضمن الغفران عموما فينبغي ان يقال ان الامور العظام كالقتل والكفر مجاهرة ونحو ذلك قد نسخت غفرانه آية السيف والجزية وما احكمه الشرع لا محالة وان الامور الحقيرة كالجفاء في القول ونحو ذلك تحتمل ان تبقى محكمة وان يكون العفو عنها اقرب الى التقوى وقوله ايام اللّه قالت فرقة معناه ايام انعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك وقال مجاهد ايام اللّه ايام نقمه وعذابه وباقي الآية بين وقوله سبحانه فما اختلفوا الامن بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم الآية قد تقدم بيان نظيرها في سورة يونس وغيرها ١٨وقوله سبحانه ثم جعلناك على شريعة من الامر الآية الشريعة لغة مورد المياه وهي في الدين من ذلك لان الناس يردون الدين ابتغاء رحمة اللّه والتقرب منه والامر واحد الأمور ويحتمل ان يكون واحد الاوامر والذين لا يعلمون هم الكفار وفي ١٩قوله تعالى وان الظالمين بعضهم اولياء بعض واللّه ولي المتقين تحقير للكفرة من حيث خروجهم عن ولاية اللّه تعالى ت وقد قال ص - يوم احد اجيبوهم فقولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم وذلك ان قريشا قالوا للصحابة لنا العزى ولا عزى لكم ٢٠وقوله عز و جل هذا بصائر للناس يريد القرءان وهو جمع بصيرة وهو المعتقد الوثيق في الشيء كأنه من ابصار القلب قال ابو حيان وقرىء هذه أي هذه الآيات انتهى ٢١وقوله سبحانه ام حسب الذين اجترحوا السيئات قيل ان الآية نزلت بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لتفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا واجترحوا معناه اكتسبوا وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال اهل التقوى وهي موقف للعارفين يبكون عنده وروي عن الربيع بن خيثم انه كان يرددها ليلة حتى اصبح وكذلك عن الفضيل بن عياض وكان يقول لنفسه ليت شعري من أي الفريقين انت وقال الثعلبي كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين قال ع واما لفظها فيعطى انه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالايمان ويحتمل ان تكون المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات ويكون الايمان في الفريقين ولهذا بكى الخائفون رضي اللّه عنهم ت وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده ان تميما الداري رضي اللّه عنه بات ليلة الى الصباح يركع ويسجد ويردد هذه الآية ام حسب الذين اجترحوا السيئات الآية ويبكي رضي اللّه عنه انتهى وقوله ساء ما يحكمون ما مصدرية والتقدير ساء الحكم حكمهم ٢٣وقوله سبحانه افرأيت من اتخذ الهه هواه الآية تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم - أي لا تهتم بأمر الكفرة من اجل اعراضهم عن الايمان وقوله الهه هواه اشارة إلى الاصنام اذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة وقال قتادة المعنى لا يهوى شيأ الا ركبه لا يخاف اللّه فهذا كما يقال الهوى اله معبود وهذه الآية وان كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الامارة قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - والعاجز مع اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه وقال سهل التستري هواك داؤك فان خالفته فدواؤك وقال وهب اذا عرض لك امران وشككت في خيرهما فانظر ابعدهما من هواك فاته ومن الحكمة في هذا قول القائل ... اذا انت لم تعص الهوى قادك الهوى ... الى كل ما فيه عليك مقال ... قال الشيخ ابن ابي جمرة قوله ص - فيقال من كان يعبد شيئا فليتبعه شيئا يعم جميع الاشياء مدركة كانت غير مدركة فالمدرك كالشمس والقمر وغير المدرك مثل الملائكة والهوى لقوله عز و جل أفرأيت من اتخذ الهه هواه وما اشبه ذلك انتهى قال القشيري في رسالته وحكي عن ابي عمران الواسطي قال انكسرت بنا السفينة فبقيت انا وامرأتي على لوح وقد ولدت في تلك الحال صبية فصاحت بي وقالت يقتلني العطش فقلت هو ذا يرى حالنا فرفعت رأسي فاذا رجل في الهواء جالس في يده سلسلة من ذهب وفيها كوز من ياقوت احمر فقال هاك اشربا فاخذت الكوز فشربنا منه فاذا هو اطيب من المسك وابرد من الثلج واحلى من العسل فقلت من انت رحمك اللّه فقال عبد لمولاك فقلت له بم وصلت إلى هذا فقال تركت هواي لمرضاته فاجلسني في الهواء ثم غاب عني ولم اره انتهى وقوله تعالى على علم قال ابن عباس المعنى على علم من اللّه تعالى سابق وقالت فرقة أي على علم من هذا الضال بتركه للحق واعراضه عنه فتكون الآية على هذا التأويل من آيات العناد من نحو قوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وقوله تعالى وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة استعارات كلها وقوله من بعد اللّه فيه حذف مضاف تقديره من بعد اضلال اللّه اياه واختلف في معنى قولهم نموت ونحيى فقالت فرقة المعنى يموت الآباء ويحيى الأبناء وقالت فرقة المعنى نحيى ونموت فوقع في اللفظ تقديم وتاخير وقولهم وما يهلكنا الا الدهر أي طول الزمان ٢٥وقوله سبحانه واذا تتلى عليهم أياتنا بينات يعني قريشا ما كان حجتهم الا ان قالوا ايتوا بأبائنا أي يا محمد احي لنا قصيا حتى نسأله إلى غير ذلك من هذا النحو فنزلت الآية في ذلك ومعنى ان كنتم صادقين أي في قولكم انا نبعث بعد الموت ثم امر اللّه تعالى نبيه ان يخبرهم بالحال السابقة في علم اللّه التي لا تبدل بانه يحيي الخلق ثم يميتهم الى آخر الآية وباقي الآية بين والمبطلون الداخلون في الباطل ٢٨وقوله سبحانه وترى كل امة جاثية هذا وصف حال القيامة وهولها والامة الجماعة العظيمة من الناس وقال مجاهد الامة الواحد من الناس قال ع وهذا قلق في اللغة وان قيل في ابراهيم امة وفي قس بن ساعدة فذلك تجوز على جهة التشريف والتشبيه وجاثية معناه على الركب قاله مجاهد وغيره وهي هيئة المذنب الخائف وقال سلمان في القيامة ساعة قدر عشر سنين يخر الجميع فيها جثاة على الركب وقوله كل امة تدعى الى كتابها قالت فرقة معناه الى كتابها المنزل عليها فتحاكم اليه هل وافقته خالفته وقالت فرقة اراد الى كتابها الذي كتبته الحفظة على كل واحد من الامة ٢٩وقوله سبحانه هذا كتابنا يحتمل ان تكون الاشارة الى الكتب المنزلة الى اللوح المحفوظ الى كتب الحفظة وقال ابن قتيبة الى القرآن وقوله سبحانه انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قال الحسن وهو كتب الحفظة على بني أدم وروى ابن عباس وغيره حديثا ان اللّه يأمر بعرض اعمال العباد كل يوم خميس فينقل من الصحف التي كانت ترفع الحفظة كل ما هو معد ان يكون عليه ثواب عقاب ويلغى الباقي فهذا هو النسخ من أصل ٣٠وقوله عز و جل فاما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته أي في جنته واما الذين كفروا أفلم تكن أي فيقال لهم افلم تكن آياتي تتلى عليكم وقرأ حمزه وحده والساعة بالنصب عطفا على قوله وعد اللّه وقرأ ابن مسعود وان الساعة لا ريب فيها وباقي الآية بين ٣٣وقوله سبحانه وبدا لهم سيئات ما عملوا الآية حكاية حال يوم القيامة وحاق معناه نزل واحاط وهي مستعملة في المكروه وفي قوله ما كانوا حذف مضاف تقديره جزاء ما كانوا به يستهزءون ٣٤وقوله عز و جل وقيل اليوم ننساكم معناه نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وأيات اللّه هنا لفظ جامع لآيات القرآن وللأدلة التي نصبها اللّه تعالى للنظر ولا هم يسيتعتبون أي لا يطلب منهم مراجعة إلى عمل صالح ٣٦وقوله سبحانه فللّه الحمد رب السموات ورب الارض الى آخر السورة تحميد للّه عز و جل وتحقيق لالوهيته وفي ذلك كسر لامر الاصنام وسائر ما تعبده الكفرة والكبرياء بناء مبالغة |
﴿ ٠ ﴾