سورة الأحقافوهي مكية إلا ءايتين وهما قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند اللّه وكفرتم به الآية وقوله سبحانه فاصبر كما صبر اولوا العزم الآية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١-٢قوله سبحانه حم تنزيل الكتاب يعني القرآن ٣وقوله سبحانه ما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون هذه الآية موعظة وزجر المعنى فانتبهوا ايها الناس وانظروا ما يراد بكم ولم خلقتم والاجل المسمى هو يوم القيامة وقوله قل ارأيتم ما تدعون معناه ما تعبدون ثم وقفهم على السموات هل لهم فيها شرك ثم استدعى منهم كتابا منزلا قبل القرآن يتضمن عبادة الأصنام قال ابن العربي في احكامه هذه الآية من اشرف آية في القرآن فانها استوفت الدلالة على الشرائع عقليها وسمعيها لقوله عز و جل قل أرأيتم ما تدعون من دون اللّه اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السموات فهذا بيان لأدلة العقل المتعلقة بالتوحيد وحدوث العالم وانفراد الباري تعالى بالقدرة والعلم والوجود والخلق ثم قال ايتوني بكتاب من قبل هذا على ما تقولون وهذا بيان لأدلة السمع فان مدرك الحق انما يكون بدليل العقل بدليل الشرع حسبما بيناه من مراتب الأدلة في كتب الاصول ثم قال اثارة من علم يعني علم يؤثر أي يروى وينقل وان لم يكن مكتوبا انتهى وقوله اثارة معناه بقية قديمة من علم احد العلماء تقتضي عبادة الأصنام والاثارة البقية من الشيء وقال الحسن المعنى من علم تستخرجونه فتثيرونه وقال مجاهد المعنى هل من احد يأثر علما في ذلك وقال القرطبي هو الاسناد ومنه قول الاعشى ... ان الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والآثر ... أي وللمسند عن غيره وقال ابن عباس الاثارة الخط في التراب وذلك شيء كانت العرب تفعله والضمير في قوله وهم عن دعائهم غافلون هو للاصنام في قول جماعة ويحتمل ان يكون لعبدتها ٦وقوله سبحانه واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وصف ما يكون يوم القيامة بين الكفار واصناهم من التبرى والمناكرة وقد بين ذلك في غير هذه الآية واذا تتلى عليهم آياتنا أي آيات القرآن قال الذين كفروا للحق يعني القرآن هذا سحر مبين أي يفرق بين المرء وبنيه وقوله سبحانه قل ان افتريته فلا تملكون لي من اللّه شيئا المعنى ان افتريته فاللّه حسبي في ذلك وهو كان يعاقبني ولا يمهلني ثم رجع القول الى الاستسلام الى اللّه والاستنصار به عليهم وانتظار ما يقتضيه علمه بما يفيضون فيه من الباطل ومراده الحق وذلك يقتضي معاقبتهم ففي اللفظ تهديد والضمير في به عائد على اللّه عز و جل وقوله سبحانه وهو الغفور الرحيم ترجية واستدعاء الى التوبة ثم امره عز و جل ان يحتج عليهم بانه لم يكن بدعاء من الرسل والبدع البديع من الأشياء ما لم ير مثله المعنى قد جاء قبلي غيري قاله ابن عباس وغيره ت ولفظ البخاري وقال ابن عباس بدعا من الرسل أي لست بأول الرسل واختلف الناس في قوله وما ادرى ما يفعل بي ولا بكم فقال ابن عباس وجماعة كان هذا في صدر الاسلام ثم بعد ذلك عرفه اللّه عز و جل بانه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبان المؤمنين لهم من اللّه فضل كبير وهو الجنة وبأن الكافرين في نار جهنم والحديث الصحيح الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيد هذا وقالت فرقة معنى الآية وما ادري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وقيل غير هذا وقوله ان اتبع الا ما يوحى الي معناه الاستسلام والتبري من علم المغيبات والوقوف مع النذارة من عذاب اللّه عز و جل ١٠وقوله عز و جل قل أرأيتم ان كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل الآية جواب هذا التوقيف محذوف تقديره اليس قد ظلمتم ودل على هذا المقدر قوله تعالى ان اللّه لا يهدي القوم الظالمين قال مجاهد وغيره هذه الآية مدنية والشاهد عبد اللّه بن سلام وقد قال عبد اللّه بن سلام في نزلت وقال مسروق بن الأجدع والجمهور الشاهد موسى بن عمران عليه السلام والآية مكية ورجحه الطبري وقوله على مثله يريد بالمثل التوراة والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن أي جاء شاهد من بني اسرائيل بمثله انه من عند اللّه سبحانه وقوله فأمن على هذا التأويل يعني به تصديق موسى وتبشيره بنبينا صلى اللّه عليه وسلم - وقوله سبحانه ومن قبله أي من قبل القرآن كتاب موسى يعني التوراة وهذا كتاب يعني القرآن مصدق للتوراة التي تضمنت خبره وفي مصحف ابن مسعود مصدق لما بين يديه والذين ظلموا هم الكفار وعبر عن المؤمنين بالمحسنين ليناسب لفظ الاحسان في مقابلة الظلم ثم اخبر تعالى عن حسن حال المستقيمين وذهب كثير من الناس الى ان المعنى ثم استقاموا بالطاعات والأعمال الصالحات وقال ابو بكر الصديق رضي اللّه عنه المعنى ثم استقاموا بالدوام على الايمان قال ع وهذا عم رجاء واوسع وان كان في الجملة المؤمنة من يعذب وينفذ عليه الوعيد فهو ممن يخلد في الجنة وينتفي عنه الخوف والحزن الحال بالكفرة وقوله تعالى جزاء بما كانوا يعملون قد جعل اللّه سبحانه الاعمال امارات على ما سيصير اليه العبد لا انها توجب على اللّه شيأ ١٥وقوله سبحانه ووصينا الانسان يريد النوع أي هكذا مضت شرائعي وكتبي فهي وصية من اللّه في عباده وبر الوالدين واجب وعقوقهما كبيرة وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - كل شيء بينه وبين اللّه حجاب الا شهادة ان لا اله الا اللّه ودعوة الوالدين قال ع ولن يدعوا في الغالب الا اذا ظلمهما الولد فهذا يدخل في عموم قوله عليه السلام اتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين اللّه حجاب ثم عدد سبحانه على الابناء منن الامهات وقوله تعالى حملته امه كرها قال مجاهد والحسن وقتاده حملته مشقة ووضعته مشقة قال ابو حيان وحمله على حذف مضاف أي مدة حمله انتهى وقوله ثلاثون شهرا يقتضي ان مدة الحمل والرضاع هي هذه المدة وفي البقرة والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين فيترتب من هذا ان اقل مدة الحمل ستة اشهر واقل ما يرضع الطفل عام وتسعة اشهر واكمال الحولين هو لمن اراد ان يتم الرضاعة وهذا في امد الحمل هو مذهب مالك وجماعة من الصحابة واقوى الاقوال في بلوغ الاشد ستة وثلاثون سنة قال ع وانما ذكر تعالى الاربعين لانها حد للانسان في فلاحه ونجابته وفي الحديث ان الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول بابى وجه لا يفلح ت وحدث ابو بكر بن الخطيب في تاريخ بغداد بسنده المتصل عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - اذا بلغ العبد اربعين سنة امنه اللّه من البلايا الثلاث الجنون والجذام والبرص فاذا بلغ خمسين سنة خفف اللّه عنه الحساب فاذا بلغ ستين سنة رزقه اللّه الانابة لما يحب فاذا بلغ سبعين سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفع في اهل بيته وناداه مناد من السماء هذا اسير اللّه في ارضه انتهى وهذا واللّه اعلم في العبد المقبل على آخرته المشتغل بطاعة ربه وقوله رب اوزعني معناه ادفع عني الموانع واجرني من القواطع لاجل ان اشكر نعمتك ويحتمل ان يكون اوزعني بمعنى اجعل حظي ونصيبي وهذا من التوزيع ت وقال الثعلبي وغيره اوزعني معناه الهمني وعبارة الفخر قال ابن عباس اوزعني معناه الهمني قال صاحب الصحاح استوزعت اللّه فاوزعني أي استلهمته فالهمني انتهى قال ابن عباس نعمتك في التوحيد وصالحا ترضاه الصلوات والاصلاح في الذرية كونهم اهل طاعة وخير وهذه الآية معناها ان هكذا ينبغي للانسان ان يكون فهي وصية اللّه تعالى للانسان في كل الشرائع وقول من قال انها في ابي بكر وابويه ضعيف لأن هذه الآية نزلت بمكة بلا خلاف وابو قحافة اسلم عام الفتح وفي قوله تعالى اولائك الذين يتقبل عنهم الآية دليل على ان هذه الاشارة بقوله ووصينا الانسان انما اراد به الجنس وقوله في اصحاب الجنة يريد الذين سبقت لهم رحمة اللّه قال ابو حيان في اصحاب الجنة قيل في على بابها أي في جملتهم كما تقول اكرمني الامير في ناس أي في جملة من اكرم وقيل في بمعنى مع انتهى ١٧وقوله تعالى والذي قال لوالديه قال الثعلبي معناه اذ دعواه الى الايمان اف لكما الآية انتهى والذي يعني به الجنس على حد العموم في التي قبلها في قوله ووصينا الانسان هذا قول الحسن وجماعة ويشبه ان لها سببا من رجل قال ذلك لأبويه فلما فرغ من ذكر الموفق عقب بذكر هذا العاق وقد انكرت عائشة ان تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن ابي بكر وقالت ما نزل في آل ابي بكر من القرآن غير براءتي ت ولا يعترض عليها بقوله تعالى ثاني اثنين ولا بقوله ولا ياتل اولو الفضل كما بينا ذلك في غير هذه الآية قال ع والأصوب ان تكون الآية عامة في اهل هذه الصفات والدليل القاطع على ذلك قوله تعالى اولائك الذين حق عليهم القول في امم وكان عبد الرحمن بن ابي بكر رضي اللّه عنه من افاضل الصحابة ومن ابطال المسلمين وممن له في الاسلام غناء يوم اليمامة وغيره واف بالتنوين قراءة
نافع وغيره والتنوين في ذلك علامة تنكير كما تستطعم رجلا حديثا غير معين فتقول ايه منونة وان كان حديثا مشارا اليه قلت ايه بغير تنوين وقوله اتعدانني ان اخرج المعنى ان اخرج من القبر الى الحشر وهذا منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد وقد خلت القرون من قبلي معناه هلكت ومضت ولم يخرج منهم احد وهما يستغيثان اللّه يعني الوالدين يقولان له ويلك امن وقوله ما هذا الا اساطير الاولين أي ما هذا القول الذي يتضمن البعث من القبور الا شيء سطره الاولون في كتبهم يعني الشرائع وظاهر الفاظ هذه الآية انها نزلت في مشار اليه قال وقيل له فنعى اللّه الينا اقواله تحذيرا من الوقوع في مثلها وقوله اولائك ظاهره انها اشارة الى جنس وحق عليهم القول أي قول اللّه انه يعذبهم قال ابو حيان في امم أي في جملة امم ففي على بابها وقيل في بمعنى مع وقد تقدم ذلك انتهى وقوله قد خلت من قبلهم من الجن والانس يقتضي ان الجن يموتون وهكذا فهم الآية قتادة وقد جاء حديث يقتضي ذلك وقوله سبحانه ولكل درجات يعني المحسنين والمسيئين قال ابن زيد ودرجات المحسنين تذهب علوا ودرجات المسيئين تذهب سفلا وباقي الآية بين في ان كل امرئى يجتني ثمرة عمله من خير شر ولا يظلم في مجازاته ٢٠وقوله عز و جل ويوم يعرض الذين كفروا على النار الآية المعنى واذكر يوم يعرض وهذا العرض هو بالمباشرة اذهبتم أي يقال لهم اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا والطيبات هنا الملاذ وهذه الآية وان كانت في الكفار فهي رادعة لأولى النهي من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات ومن ذلك قول عمر رضي اللّه عنه اتظنون انا لا نعرف طيب الطعام ذلك لباب البر بصغار المعزى ولكني رأيت اللّه تعالى نعى على قوم انهم ذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد وقال ايضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم اليه طعام طيب فقال عمر هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير فقال خالد لهم الجنة فبكى عمر وقال لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة فقد بانوا بونا بعيدا وقال جابر بن عبد اللّه اشتريت لحما بدرهم فرءاني عمر فقال كلما اشتهى احدكم شيأ اشتراه فاكله اما تخشى ان تكون من اهل هذه الآية وتلا اذهبتم طيباتكم ت والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا فمنها ما رواه أبو داود في سننه عن عبد اللّه بن بريدة ان رجلا من اصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقد عليه فقال اما انى لم أتك زائرا ولكن سمعت انا وانت حديثا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - رجوت ان يكون عندك منه علم قال ما هو قال كذا وكذا قال فمالي اراك شعثا وانت امير الارض قال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كان ينهى عن كثير من الارفاه قال فما لي لا ارى عليك حذاء قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - يامرنا ان نحتفي احيانا وروى أبو داود عن ابي امامة قال ذكر اصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم - يوما عنده الدنيا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - الا تسمعون ان البذاذة من الايمان ان البذاذة من الايمان ان البذاذة من الايمان قال أبو داود يعني التقحل وفسر ابو عمر بن عبد البر البذاذة برث الهيئة ذكر ذلك في التمهيد وكذلك فسرها غيره انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه من طريق الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه خرج في اصحابه الى بقيع الغرقد فقال السلام عليكم يا اهل القبور لو تعلمون ما نجاكم اللّه منه مما هو كائن بعدكم ثم اقبل على اصحابه فقال هؤلاء خير منكم قالوا يا رسول اللّه اخواننا اسلمنا كما اسلموا وهاجرنا كما هاجروا وجاهدنا كما جاهدوا واتوا على اجالهم فمضوا فيها وبقينا في أجالنا فما يجعلهم خيرا منا قال هؤلاء خرجوا من الدنيا لم ياكلوا من اجورهم شيأ وخرجوا وانا الشهيد عليهم وانكم قد اكلتم من اجوركم ولا ادرى ما تحدثون من بعدي قال فلما سمعها القوم عقلوها وانتفعوا بها وقالوا انا لمحاسبون بما اصبنا من الدنيا وانه لمنتقص به من اجورنا انتهى ومنها حديث ثوبان في سنن أبي داود قال ثوبان كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - اذا سافر كان آخر عهده بانسان من اهله فاطمة واول من يدخل عليها فاطمة فقدم من غزاة وقد علقت مسحا سترا على بابها وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة فلم يدخل فظنت انما منعه ان يدخل ما رأى فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصلبيين وقطعتهما عنهما فانطلقا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - يبكيان فاخذهما منهما وقال يا ثوبان اذهب بهما الى آل فلان ان هؤلاء اهلي اكره ان ياكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج انتهى ص قرأ الجمهور اذهبتم على الخبر أي فيقال لهم اذهبتم طيباتكم وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان ولين الثانية هشام وابن كثير في رواية والاستفهام هنا على معنى التوبيخ والتقرير فهو خبر في المعنى ولهذا حسنت الفاء في قوله فاليوم ولو كان استفهاما محضا لما دخلت الفاء انتهى وعذاب الهون هو الذي اقترن به هوان فالهون والهوان بمعنى ثم امر تعالى نبيه بذكر هود وقومه عاد على جهة المثال لقريش وقد تقدم قصص عاد مستوفى في سورة الأعراف فلينظر هناك والصحيح من الأقوال ان بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت ارم ذات العماد والأحقاف جمع حقف وهو الجبل المستطيل المعوج من الرمل وقوله سبحانه وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه الا تعبدوا الا اللّه اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم خلت معناه مضت الى الأرض الخلاء والنذر جمع نذير وقولهم لتافكنا معناه لتصرفناوقولهم فاتنا بما تعدنا تصميم منهم على التكذيب وتعجيز له في زعمهم ٢٣وقوله سبحانه قال انما العلم عند اللّه الآية المعنى قال لهم هود ان هذا الوعيد ليس من قبلي وانما الامر فيه الى اللّه وعلم وقته عنده وانما علي ان ابلغ فقط والضمير في رأوه يحتمل ان يعود على العذاب ويحتمل ان يعود على الشيء المرءي الطالع عليهم وهو الذي فسره قوله عارضا والعارض هو ما يعرض في الجو من السحاب الممطر قال ابن العربي في احكامه عند تفسيره قوله تعالى ولا تجعلوا اللّه عرضة لايمانكم كل شيء عرض فقد منع ويقال لما عرض في السماء من السحاب عارض لأنه منع من رؤيتها ومن رؤية البدر والكواكب انتهى وروي في معنى قوله مستقبل اوديتهم ان هؤلاء القوم كانوا قد قحطوا مدة فطلع هذ العارض من جهة كانوا يمطرون بها ابدا جاءهم من قبل واد لهم يسمونه المغيث قال ابن عباس ففرحوا به وقالوا هذا عارض ممطرنا وقد كذب هود فيما اوعد به فقال لهم هود عليه السلام ليس الأمر كما رأيتم بل هو ما استعجلتم به في قولكم فاتنا بما تعدنا ثم قال ريح فيها عذاب اليم وفي قراءة ابن مسعود ممطرنا قال هود بل هو ريح بإظهار المقدر وتدمر معناه تهلك والدمار الهلاك وقوله كل شيء ظاهره العموم ومعناه الخصوص في كل ما امرت بتدميره وروي ان هذه الريح رمتهم اجمعين في البحر ثم خاطب جل وعلا قريشا على جهة الموعظة بقوله ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه فما بمعنى الذي وان نافية وقعت مكان ما لمختلف اللفظ ومعنى الآية ولقد اعطيناهم من القوة والغنى والبسط في الأموال والأجسام ما لم نعطكم ونالهم بسبب كفرهم هذا العذاب فانتم احرى بذلك اذا تماديتم في كفركم وقالت فرقة ان شرطية والجواب محذوف تقديره في الذي ان مكناكم فيه طغيتم وهذا تنطع في التاويل وما نافية في قوله فما اغنى عنهم ويقوى ذلك دخول من في قوله من شيء وقالت فرقة بل هي استفهام على جهة التقرير ومن شيء على هذا تاكيد وهذا على غير مذهب سيبويه في دخول من في الجواب ٢٧وقوله عز و جل ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى الآية مخاطبة لقريش على جهة التمثيل وصرفنا الآيات يعني لهذه القرى وقوله سبحانه فلولا نصرهم الآية يعني فهلا نصرتهم اصنامهم بل ضلوا عنهم أي انتلفوا عنهم وقت الحاجة وذلك افكهم اشارة إلى قولهم في الأصنام انها آلهة وقوله وما كانوا يفترون يحتمل ان تكون ما مصدرية فلا تحتاج الى عائد ويحتمل ان تكون بمعنى الذي فهناك عائد محذوف تقديره يفترونه ٢٩وقوله تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجن الآية ابتداء وصف قصة الجن ووفادتهم على النبي صلى اللّه عليه وسلم - وقد اختلفت الرواة هنا هل هذا الجن هم الوفد المتجسسون واختلفت الروايات ايضا عن ابن مسعود وغيره في هذا الباب والتحرير في هذا ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - جاءه نفر من الجن دون ان يشعر بهم وهم المتجسسون المتفرقون من اجل رجم الشهب الذي حل بهم وهؤلاء هم المراد بقوله تعالى قل اوحي الي الآية ثم بعد ذلك وفد عليه وفدهم حسبما ورد في ذلك من الآثار وقوله نفرا يقتضي ان المصروفين كانوا رجالا لا انثى فيهم والنفر والرهط هم القوم الذين لا انثى فيهم وقوله تعالى فلما حضروه قالوا انصتوا فيه تأدب مع العلم وتعليم كيف يتعلم فلما قضي أي فرغ من تلاوة القرآن واستماع الجن قال جابر بن عبد اللّه وغيره ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - لما قرأ عليهم سورة الرحمن فكان اذا قال فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا لا بشيء من آلائك نكذب ربنا لك الحمد ولما ولت هذه الجملة تفرقت على البلاد منذرة للجن وقولهم انا سمعنا كتابا يعنون القرآن ت وقولهم من بعد موسى يحتمل انهم لم يعلموا بعيسى قاله ابن عباس انهم على دين اليهود قاله عطاء نقل هذا الثعلبي ويحتمل ما تقدم ذكره في غير هذا وانهم ذكروا المتفق عليه انتهى مصدقا لما بين يديه وهي التوراة والانجيل وداعي اللّه هو صلى اللّه عليه وسلم - وأمنوا به أي باللّه يغفر لكم من ذنوبكم الآية ت وذكر الثعلبي خلافا في - ومني الجن هل يثابون على الطاعة ويدخلون الجنة يجارون من النار فقط اللّه اعلم بذلك قال الفخر والصحيح انهم في حكم بني آدم يستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وهو قول مالك وابن ابي ليلى قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون انتهى وقد تقدم ما نقلناه عن البخاري في سورة الأنعام انهم يثابون وقوله سبحانه ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجز الآية يحتمل ان يكون من تمام كلام المنذرين ويحتمل ان يكون من كلام اللّه عز و جل والمعجز الذاهب في الأرض الذي يعجز طالبه فلا يقدر عليه وقوله سبحانه اولم يروا الضمير لقريش وذلك انهم انكروا البعث وعود الاجساد وهم مع ذلك معترفون بان اللّه تعالى خلق السموات والارض فاقيمت عليهم الحجة من اقوالهم قال ابو حيان والباء في قوله بقادر زائدة انتهى ٣٤وقوله تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار المعنى واذكر يوم وهذا وعيد لكفار قريش وغيرهم وهذا عرض مباشرة وقوله اليس هذا بالحق أي يقال لهم اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا فصدقوا بذلك حيث لا ينفعهم التصديق فروي عن الحسن انه قال انهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون انه العدل واختلف في تعينن اولى العزم من الرسل ولا محالة ان لكل نبي ورسول عزما وصبرا وقوله ولا تستعجل لهم معناه ولا تستعجل لهم عذابا فانهم اليه صائرون ولا تستطل تعميرهم في هذه النعمة فانهم يوم يرون العذاب كانهم لم يلبثوا في الدنيا الا ساعة لاحتقارهم ذلك لان المنقضي من الزمان يصير عدما ت واذا علمت ايها الاخ ان الدنيا اضغاث احلام كان من الحزم اشتغالك الآن بتحصيل الزاد للمعاد وحفظ الحواس ومراعاة الانفاس ومراقبة مولاك فاتخذه صاحبا وذر الناس جانبا قال ابو حامد الغزالي رحمه اللّه اعلم ان صاحبك الذي لا تفارقه في حضرك وسفرك ونومك ويقظتك بل في حياتك وموتك هو ربك ومولاك وسيدك وخالقك ومهما ذكرته فهو جليسك اذ قال تعالى انا جليس من ذكرني ومهما انكسر قلبك حزنا على تقصيرك في حق دينك فهو صاحبك وملازمك اذ قال انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلي فلو عرفته يا اخي حق معرفته لاتخذته صاحبا وتركت الناس جانبا فان لم تقدر على ذلك في جميع اوقاتك فاياك ان تخلي ليلك ونهارك عن وقت تخلو فيه بمولاك وتلذذ بمناجاته وعند ذلك فعليك بآداب الصحبة مع اللّه تعالى وآدابها اطراق الطرف وجمع الهم ودوام الصمت وسكون الجوارح ومبادرة الأمر واجتناب النهي وقلة الاعتراض على القدر ودوام الذكر باللسان وملازمة الفكر وايثار الحق واليأس من الخلق والخضوع تحت الهيبة والانكسار تحت الحياء والسكون عن حيل الكسب ثقة بالضمان والتوكل على فضل اللّه معرفة بحسن اختياره وهذا كله ينبغي ان يكون شعارك في جميع ليلك ونهارك فانه أداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك والخلق كلهم يفارقونك في بعض اوقاتك انتهى من بداية الهداية وقوله بلاغ يحتمل معانيا أحدها ان يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا انذار وتبليغ ويحتمل ان يريد كان لم يلبثوا الا ساعة كانت بلاغهم وهذا كما تقول متاع قليل وقيل غير هذا وقرأ ابو مجلز وغيره بلغ على الامر وقرأ الحسن بن ابي الحسن بلاغ بالخفض نعتا لنهار وقوله سبحانه فهل يهلك الا القوم الفاسقون وقرئى شاذا فهل يهلك ببناء الفعل للفاعل وفي هذه الآية وعيد محض وانذار بين وذلك ان اللّه عز و جل جعل الحسنة بعشر امثالها والسيئة بمثلها وغفر الصغائر باجتناب الكبائر ووعد الغفران على التوبة فلن يهلك على اللّه الا هالك كما قال ص - قال الثعلبي يقال ان قوله تعالى فهل يهلك الا القوم الفاسقون ارجىء آية في كتاب اللّه عز و جل للمؤمنين |
﴿ ٠ ﴾