سورة القتال

وهي مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه اضل اعمالهم الذين كفروا اشارة الى اهل مكة الذين اخرجوا النبي صلى اللّه عليه وسلم -

وقوله والذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية اشارة الى الأنصار الذين أووا ونصروا وفي الطائفتين نزلت الآيتان قاله ابن عباس ومجاهد ثم هي بعد تعم كل من دخل تحت الفاظها

وقوله اضل اعمالهم أي اتلفها ولم يجعل لها نفعا ت وقد ذكرنا في سورة الصف ان اسم صلى اللّه عليه وسلم - لم يتسم به احد قبله الا قوم قليلون رجاء ان تكون النبوءة في ابنائهم واللّه اعلم حيث يجعل رسالاته قال ابن القطان وعن خليفة والدابي سويد قال سألت محمد بن عدي بن ابي ربيعة كيف سماك ابوك محمدا قال سألت ابي عما سألتني عنه فقال لي كنت رابع اربعة من بني غنم انا فيهم وسفيان بن مجاشع بن جرير وامامة بن هند بن خندف ويزيد بن ربيعة فخرجنا في سفرة نريد ابن جفنة ملك غسان فلما شارفنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات وقربه شخص نائم فتحدثنا فاستمع كلامنا فاشرف علينا فقال ان هذه لغة ما هي لغة هذه البلاد فقلنا نحن قوم من مضر فقال من أي المضريين قلنا من خندف قال انه يبعث فيكم خاتم النبيين فسارعوا اليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا قلنا ما اسمه قال محمد فرجعنا فولد لكل واحد منال ابن سماه محمدا وذكره المدائني انتهى

وقوله تعالى في المؤمنين واصلح بالهم قال قتادة معناه حالهم وقال ابن عباس شأنهم وتحرير التفسير في اللفظة انها بمعنى الفكر والموضع

الذي فيه نظر الانسان وهو القلب فاذا صلح ذلك منه فقد صلح حاله فكان اللفظة مشيرة الى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع فقولك خطر في بالي كذا وقولك اصلح اللّه بالك المراد بهما واحد ذكره المبرد والبال مصدر كالحال والشأن ولا يستعمل منه فعل وكذلك عرفه لا يثنى ولا يجمع وقد جاء مجموعا شاذا في قولهم بالات والباطل هنا الشيطان وكل ما يامر به قاله مجاهد والحق هنا الشرع ومحمد عليه السلام

وقوله كذلك يضرب اللّه الاشارة الا الاتباع المذكورين من الفريقين

٤

وقوله سبحانه فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب الآية قال اكثر العلماء ان هذه الآية وآية السيف وهي

قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم محكمتان فقوله هنا فضرب الرقاب بمثابة قوله هنالك فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وصرح هنا بذكر المن والفداء ولم يصرح به هنالك فهذه مبينه لتلك وهذا هو القول القوي

وقوله فضرب الرقاب مصدر بمعنى الفعل أي فاضربوا رقابهم وعين من انواع القتل اشهره والمراد اقتلوهم باي وجه امكن وفي صحيح مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لا يجتمع كافر وقاتله في النار ابدا وفي صحيح البخاري عنه ص - قال ما اغبرت قدما عبد في سبيل اللّه فتمسه النار انتهى والاثخان في القوم ان يكثر فيهم القتلى والجرحى ومعنى فشدوا الوثاق أي بمن لم يقتل ولم يترتب فيه الا الاسر ومنا وفداء مصدران منصوبان بفعلين مضمرين

وقوله حتى تضع الحرب اوزارها معناه حتى تذهب الحرب وتزول اثقالها والاوزار الاثقال ومنه قول عمرو بن معد يكرب

... واعددت للحرب اوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا

واختلف المتأولون في الغاية التي عندها تضع الحرب اوزارها فقال قتادة حتى يسلم الجميع وقال حذاق اهل النظر حتى تغلبوهم وتقتلوهم وقال مجاهد حتى

ينزل عيسى بن مريم قال ع وظاهر اللفظ انه استعارة يراد بها التزام الامر ابدا وذلك ان الحرب بين المومنين والكافرين لا تضع اوزارها فجاء هذا كما تقول انا افعل كذا وكذا الى يوم القيامة وانما تريد انك تفعله دائما ولو شاء اللّه لانتصر منهم أي بعذاب من عنده ولكن اراد سبحانه اختبار المومنين وان يبلو بعض الناس ببعض وقرأ الجمهور قاتلوا وقرأ عاصم بخلاف عنه قتلوا بفتح القاف والتاء وقرأ ابو عمرو وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء قال قتادة نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم احد من المومنين

وقوله سبحانه سيهديهم أي الى طريق الجنة ت ذكر الشيخ ابو نعيم الحافظ ان ميسرة الخادم قال غزونا في بعض الغزوات فاذا فتى الى جانبي واذا هو مقنع بالحديد فحمل على الميمنة فثناها ثم على الميسرة حتى ثناها وحمل على القلب حتى ثناه ثم أنشأ يقول ... احسن بمولاك سعيد ظنا ... هذا الذي كنت له تمنى ... تنح يا حور الجنان عنا ... مالك قاتلنا ولا قتلنا ... لكن الى سيدكن اشتقنا ... قد علم السر وما اعلنا ...

قال فحمل فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع الى مصافه فتكالب عليه العدو فاذا هو رضي اللّه تعالى عنه قد حمل على الناس وانشأ يقول ... قد كنت ارجو ورجاءي لم يخب ... ان لا يضيع اليوم كدى والطلب ... يا من ملا تلك القصور باللعب ... لولاك ما طابت ولا طاب الطرب ...

ثم حمل رضي اللّه عنه فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع الى مصافة فتكالب عليه العدو فحمل رضي اللّه عنه في المرة الثالثة وأنشأ يقول ... يا لعبة الخلد قفي ثم اسمعي ... مالك قاتلنا فكفي وارجعي ... ثم ارجعي الى الجنان واسرعي ... لا تطمعي لا تطمعي لا تطمعي

فقاتل رضي اللّه عنه حتى قتل انتهى من ابن عباد شارح الحكم

وقوله تعالى عرفها لهم قال ابو سعيد الخدري وقتادة ومجاهد معناه بينها لهم أي جعلهم يعرفون منازلهم منها وفي نحو هذا المعنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم - لأحدكم بمنزلة في الجنة اعرف منه بمنزله في الدنيا قال القرطبي في التذكرة وعلى هذا القول اكثر المفسرين قال

وقيل ان هذا التعريف الى المنازل هو بالدليل وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه انتهى

وقالت فرقة معناه سماها لهم ورسمها كل منزل باسم صاحبه فهذا نحو من التعريف

وقالت فرقة معناه شرفها لهم ورفعها وعلاها وهذا من الاعراف التي هي الجبال ومنه اعراف الخيل وقال مؤرج وغيره معناه طيبها ماخوذ من العرف ومنه طعام معرف أي مطيب وعرفت القدر طيبتها بالملح والتابل قال ابو حيان واصلح بالهم البال الفكر ولا يثنى ولا يجمع انتهى

وقوله سبحانه ان تنصروا اللّه أي دين اللّه ينصركم بخلق القوة لكم وغير ذلك من المعاون ويثبت اقدامكم أي في مواطن الحرب

وقيل على الصراط في القيامة

وقوله فتعسا لهم معناه عثارا وهلاكا لهم وهي لفظة تقال للعاثر اذا اريد به الشر قال ابن السكيت التعس ان يخر على وجهه

وقوله تعالى كرهوا ما انزل اللّه يريد القرآن فاحبط اعمالهم قال ع ولا خلاف ان الكافر له حفظة يكتبون سيئاته

واختلف الناس في حسناتهم فقالت فرقة هي ملغاة يثابون عليها بنعم الدنيا فقط

وقالت فرقة هي محصاة من اجل ثواب الدنيا ومن اجل انه قد يسلم فينضاف ذلك الى حسناته في الاسلام وهذا احد التاويلين في قوله ص - لحكيم بن حزام اسلمت على ما سلف لك من خير

١٠

وقوله عز و جل افلم يسيروا في الارض توقيف لقريش وتوبيخ والذين من قبلهم يريد ثمود وقوم شعيب وغيرهم والدمار الافساد وهدم البناء واذهاب العمران والضمير في قوله امثالها يصح ان يعود على العاقبة ويصح ان

يعود على الفعلة التي يتضمنها قوله دمر اللّه عليهم

وقوله تعالى ذلك بان اللّه مولى الذين أمنوا الآية المولى الناصر الموالي قال قتادة نزلت هذه الآية يوم احد ومنها انتزع النبي صلى اللّه عليه وسلم - رده على ابي سفيان حين قال قولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم

وقوله سبحانه والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام أي اكلا مجردا عن الفكر والنظر وهذا كما تقول الجاهل يعيش كما تعيش البهيمة والمعنى يعيش عديم الفهم والنظر في العواقب

١٣

وقوله سبحانه وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك يعني مكة التي اخرجتك معناه وقت الهجرة ويقال أن هذه الآية نزلت اثر خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم - من مكة

وقيل غير هذا

وقوله سبحانه افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله الآية توقيف وتقرير وهي معادلة بين هذين الفريقين واللفظ عام لاهل هاتين الصفتين غابر الدهر وعلى بينة أي على يقين وطريق واضحة وعقيدة نيرة بينة

وقوله سبحانه مثل الجنة الآية قال النضر بن شميل وغيره مثل معناه صفة كانه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا

وقوله فيها انهار من ماء غير آسن معناه غير متغير قاله ابن عباس وقتادة وسواء انتن  ينتن

وقوله في اللبن لم يتغير طعمه نفي لجميع وجوه الفساد فيه

وقوله لذة للشاربين جمعت طيب الطعم وزوال الآفات من الصداع وغيره وتصفية العسل مذهبة لمومه وضرره ت

وروينا في كتاب الترمذي عن حكيم بن معاوية عن ابيه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ان في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الانهار بعد قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى

وقوله ولهم فيها من كل الثمرات أي من هذه الأنواع لكنها بعيدة الشبه تلك لا عيب فيها ولا تعب

وقوله ومغفرة من ربهم معناه وتنعيم اعطته المغفرة وسببته والا فالمغفرة انما هي قبل دخول الجنة

وقوله

سبحانه كمن هو خالد في النار الآية قبله محذوف تقديره اسكان هذه  تقديره اهؤلاء المتقون كمن هو خالد في النار

١٦

وقوله سبحانه ومنهم من يستمع يعني بذلك المنافقين حتىاذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال أنفا على جهة الاستخفاف ومنهم من يقوله جهالة ونسيانا وآنفا معناه مبتدئا كانه قال ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه والمفسرون يقولون أنفا معناه الساعة الماضية وهذا تفسير بالمعنى ت وقال الثعلبي أنفا أي الآن واصله الابتداء قال ابو حيان أنفا بالمد والقصر اسم فاعل والمستعمل من فعله ائتنفت ومعنى ءأنفا مبتدئا فهو منصوب على الحال واعربه الزمخشري ظرفا أي الساعة قال ابو حيان ولا اعلم احدا من النحاة عده من الظروف انتهى وقال العراقي أنفا أي الساعة

وقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى أي زادهم اللّه هدى ويحتمل زادهم استهزاء المنافقين هدى قال الثعلبي

وقيل زادهم ما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - هدى قال ع الفاعل في وءاتاهم يتصرف القول فيه بحسب التاويلات المذكورة واقواها ان الفاعل اللّه تعالى وءاتاهم معناه اعطاهم أي جعلهم متقين

وقوله تعالى فهل ينظرون يريد المنافقين والمعنى فهل ينتظرون وبغتة معناه فجأة

وقوله فقد جاء اشراطها أي فينبغي الاستعداد والخوف منها والذي جاء من اشراط الساعة صلى اللّه عليه وسلم - لأنه آخر الانبياء وقال عليه السلام بعثت انا والساعة كهاتين والاحاديث كثيرة في هذا الباب

وقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا اللّه الآية اضراب عن امر هؤلاء المنافقين وذكر الاهم من الامر والمعنى دم على علمك وهذا هو القانون في كل من امر بشيء هو متلبس به وكل واحد من الامة داخل في هذا الخطاب وعن ابي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ما قال عبد لا اله الا اللّه مخلصا الا فتحت له ابواب الجنة حتى تفضي الى العرش ما اجتنبت الكبائر رواه الترمذي والنسائي

وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن غريب انتهى من السلاح

وقوله تعالى واستغفر لذنبك أي لتستن امتك بسنتك ت هذا لفظ الثعلبي وهو حسن وقال عياض قال مكي مخاطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم - ها هنا هي مخاطبة لامته انتهى قال ع

وروى ابو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال من لم يكن عنده ما يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات وبوب البخاري رحمه اللّه العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا اللّه

وقوله تعالى واستغفر لذنبك الآية وواجب على مومن ان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة وقال الطبري وغيره متقلبكم متصرفكم فى يقظتكم ومثواكم منامكم وقال ابن عباس متقلبكم تصرفكم في حياتكم الدنيا ومثواكم اقامتكم في قبوركم وفي أخرتكم

وقوله عز و جل ويقول الذين أمنوا لولا نزلت سورة الآية هذا ابتداء وصف حال المؤمنين على جهة المدح له ووصف حال المنافقين على جهة الذم وذلك ان المؤمنين كان حرصهم على الدين يبعثهم على تمنى ظهور الاسلام وتمنى قتال العدو وكانوا يانسون بالوحي ويستوحشون اذا ابطأ وكان المنافقون على العكس من ذلك

وقوله محكمة معناه لا يقع فيها نسخ واما الاحكام الذي هو الاتقان فالقرآن كله سواء فيه والمرض الذي في قلوب المنافقين هو فساد معتقدهم ونظر الخائف الموله قريب من نظر المغشي عليه وخسسهم هذا الوصف والتشبيه

وقوله تعالى فاولى لهم طاعة اولى وزنها افعل من وليك الشيء يليك والمشهور من استعمال اولى انك تقول هذا اولى بك من هذا أي احق وقد تستعمل العرب اولى لك فقط على جهة الاختصار لما معها من القول على جهة الزجروالتوعد فتقول اولى لك يا فلان وهذه الآية من هذا الباب ومنه

قوله تعالى اولى لك فأولى

وقالت فرقة اولى رفع بالابتداء وطاعة خبره قال ع وهذا هو المشهور من استعمال اولى

وقيل غير هذا قال ابو حيان قال صاحب الصحاح

اولى لك تهديد ووعيد قال ابو حيان والأكثر على انه اسم مشتق من الولي وهو القرب وقال الجرجاني هو مأخوذ من الويل فقلب فوزنه افلع انتهى فاذا عزم الأمر ناقضوا وعصوا قال البخاري قال مجاهد عزم الامر جد الامر انتهى

٢٢

وقوله سبحانه فهل عسيتم مخاطبة هؤلاء الذين في قلوبهم مرض والمعنى فهل عسى ان تفعلوا ان توليتم غير ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا ارحامكم ومعنى ان توليتم أي ان اعرضتم عن الحق

وقيل المعنى ان توليتم امور الناس من الولاية وعلى هذا قيل انها نزلت في بني هاشم وبني امية ذكره الثعلبي ت وهو عندي بعيد لقوله اولائك الذين لعنهم اللّه فتعين التاويل الاول واللّه اعلم وفي البخاري عن جبير بن مطعم عن البني ص - قال لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم وفيه عن ابي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال من سره ان يبسط له في رزقه وان ينسأ له في اثره فليصل رحمه اه وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله اللّه ومن قطعني قطعه اللّه وفي رواية لا يدخل الجنة قاطع وفي طريق من سره ان يبسط عليه رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه وخرجه البخاري من طريق ابي هريرة على ما تقدم وخرج البخاري عن ابي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ان اللّه خلق الخلق حتى اذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فاقرءوا ان شئتم فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا ارحامكم وفي رواية قال اللّه من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته انتهى

وروى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - يقول

قال اللّه عز و جل انا الرحمن وهي الرحم شققت

لها من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته انتهى

وقوله تعالى اولائك الذين لعهم اللّه اشارة الى المرضى القلوب المذكورين

وقوله فاصمهم واعمى ابصارهم استعارة لعدم فهمهم

وقوله عز من قائل افلا يتدبرون القرآن الآية توقيف وتوبيخ وتدبر القرآن زعيم بالتبيين والهدى لمتأمله قال الهروي

قوله تعالى افلا يتدبرون والقرآن معناه افلا يتفكرون فيعتبرون يقال تدبرت الأمر اذا نظرت في ادباره وعواقبه انتهى

وقوله تعالى ام على قلوب اقفالها معناه بل على قلوب اقفالها وهو الرين الذي منعهم من الايمان

وروي ان وفد اليمن وفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم - وفيهم شاب فقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم - هذه الآية فقال الفتى عليها اقفالها حتى يفتحها اللّه تعالى ويفرجها قال عمر فمعظم في عيني فما زالت في نفس عمر رضي اللّه عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى

٢٥

وقوله تعالى ان الذين ارتدوا على ادبارهم الآية قال قتادة نزلت في قوم من اليهود وقال ابن عباس وغيره نزلت في منافقين كانوا اسلموا ثم نافقت قلوبهم والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر وسول معناه رجاهم سؤلهم وأمانيهم ونقل ابو الفتح عن بعضهم انه بمعنى دلاهم مأخوذ من السول وهو الاسترخاء والتدلى وقال العراقي سول أي زين سوء الفعل

وقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا الآية قيل انها نزلت في بني اسرائيل الذين تقدم ذكرهم الآن

وروي ان قوما من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - والخلاف عليه بنصر ومؤازرة فذلك قولهم سنطيعكم في بعض الامر وقرا الجمهور اسرارهم بفتح الهمزة وقرأ حمزة والكسائي وحفص اسرارهم بكسرها

وقوله سبحانه فكيف اذا توفتهم الملائكة يعنى ملك الموت واعوانه والضمير يضربون للملائكة وفي نحو هذا احاديث تقتضي صفة الحال وما اسخط اللّه هو الكفر والرضوان هنا الحق والشرع المؤدى الى الرضوان

وقوله سبحانه ام حسب الذين في قلوبهم مرض الآية توبيخ للمنافقين وفضح لسرائرهم والضفن الحقد وقال البخاري قال ابن عباس اضغانهم حسدهم انتهى

٣٠

وقوله سبحانه ولو نشاء لاريناكهم الآية لم يعينهم سبحانه بالاسماء والتعريف التام ابقاء عليهم وعلى قراباتهم وان كانوا قد عرفوا بلحن القول وكانوا في الاشتهار على مراتب كابن ابي وغيره والسيما العلامة وقال ابن عباس والضحاك ان اللّه تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة بقوله ولا تصل على احد منهم مات ابدا وفي قوله قل لن تخرجوا معي ابدا ولن تقاتلوا معي عدوا قال ع وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام ثم اخبر تعالى انه سيعرفهم في لحن القول أي في مذهب القول ومنحاه ومقصده واحتج بهذه الآية من جعل الحد في التعريض بالقذف ص قال ابو حيان ولتعرفنهم اللام جواب قسم محذوف انتهى

وقوله سبحانه واللّه يعلم اعمالكم مخاطبة للجميع من مومن وكافر

وقوله سبحانه ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين الآية كان الفضيل بن عياض اذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللّهم لا تبتلنا فانك ان بلوتنا فضحتنا وهتكت استارنا

وقوله سبحانه ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه وشاقوا الرسول الآية قالت فرقة نزلت في بني اسرائيل

وقالت فرقة نزلت في قوم من المنافقين وهذا نحو ما تقدم وقال ابن عباس نزلت في المطعمين في سفرة بدر

وقالت فرقة بل هي عامة في كل كافر

وقوله لن يضروا اللّه شيئا تحقير لهم

٣٣

وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا اطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم روي ان هذه الآية نزلت في بني اسد من العرب وذلك انهم اسلموا وقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم - نحن آثرناك على كل شيء وجئناك بانفسنا واهلينا كانهم يمنون بذلك فنزل فيهم يمنون عليك ان اسلموا الآية ونزلت فيهم هذه الآية وظاهر الآية العموم

٣٤

وقوله سبحانه ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه ثم ماتوا وهم كفار الآية

روي انها نزلت بسبب ان عدي بن حاتم قال يا رسول اللّه ان حاتما كانت له افعال بر فما حاله فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم - هو في النار فبكى عدي وولى فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم - فقال له ابي وابوك وابو ابراهيم خليل الرحمن في النار ونزلت هذه الآية في ذلك وظاهر الآية العموم في كل ما تناولته الصفة

٣٥

وقوله سبحانه فلا تهنوا معناه لا تضعفوا وتدعوا الى السلم أي الى المسألة وقال قتادة معنى الآية لا تكونوا اولى الطائفتين ضرعت للأخرى قال ع وهذا حسن ملتئم مع

قوله تعالى وان جنحوا للسلم فاجنح لها وانتم الأعلون في موضع الحال المعنى فلا تهنوا وانتم في هذه الحال ويحتمل ان يكون اخبارا بمغيب ابرزه الوجود بعد ذلك والأعلون معناه الغالبون والظاهرون من العلو

وقوله واللّه معكم معناه بنصره ومعونته ويتر معناه ينقص ويذهب والمعنى لن يتركم ثواب اعمالكم

٣٦

وقوله سبحانه انما الحياة الدنيا لعب ولهو تحقير لامر الدنيا

وقوله وان تومنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم معناه هذا هو المطلوب منكم لا غيره لا تسئلون اموالكم ثم قال سبحانه منبها على خلق ابن آدم ان يسألكموها فيحفكم تبخلوا والاحفاء هو اشد السؤال وهو الذي يستخرج ما عند المسئول كرها ت وقال الثعلبي فيحفكم أي يجهدكم ويلحف عليكم

وقوله تبخلوا جزما على جواب الشرط ويخرج اضغانكم أي يخرج اللّه اضغانكم وقرأ يعقوب ونخرج بالنون والاضغان معتقدات السوء وهو الذي كان يخاف ان يعتري المسلمين ثم وقف اللّه تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم بقوله هأنتم هؤلاء وكرر ها التنبيه تاكيدا

وقوله تعالى ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه أي بالثواب واللّه الغني أي عن صدقاتكم وانتم الفقراء الى ثوابها ت هذا لفظ الثعلبي قال ع يقال بخلت عليك بكذا وبخلت عنك بمعنى امسكت عنك

وروى الترمذي عن ابي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال السخي قريب من اللّه قريب من الجنة قريب من

الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من اللّه بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى اللّه من عابد بخيل قال أبو عيسى هذا حديث غريب انتهى

وقوله سبحانه وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قالت فرقة هذا الخطاب لجميع المسلمين والمشركين والعرب حينئذ والقوم الغير هم فارس

وروى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - سئل عن هذا وكان سلمان إلى جنبه فوضع يده على فخذه وقال قوم هذا لو كان الدين في الثريا لناله رجال من اهل فارس

وقوله سبحانه ثم لا يكونوا أمثالكم معناه في الخلاف والتولي والبخل بالأموال ونحو هذاوحكى الثعلبي قولا أن القوم الغيرهم الملائكة ت وليس لأحد مع الحديث إذا صح نظر ولولا الحديث لاحتمل أن يكون الغير ما يأتي من الخلف بعد ذهاب السلف على ما ذكر في غير هذا الموضع

﴿ ٠