١١وقوله سبحانه يا أيهاالذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم الآية هذه الآية والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية وذلك أنهم كانوا يجرون مع شهوات نفوسهم لم يقومهم أمر من اللّه ولا نهي فكان الرجل يسخر ويلمز وينبز بالألقاب ويظن الظنون ويتكلم بها ويغتاب ويفتخر بنسبه إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطالة فنزلت هذه الآية تأديبا لهذه الأمة وروى البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على السملم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم انتهى ويسخر معناه يستهزئ وقد يكون ذلك المستهزأ به خيرا من الساخر والقوم في كلام العرب واقع على الذكران وهو من أسماء الجمع ومن هذا قول زهير ... وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء ... وهذه الآية أيضا تقتضي اختصاص القوم بالذكران وقد يكون مع الذكران نساء فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور وتلمزوا معناه يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه وقد يكون اللمز بالقول وبالإشارة ونحوه مما يفهمه آخر والهمز لا يكون إلا باللسان وحكىالثعلبي أن اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب وحكى الزهراوي عكس ذلك وقوله تعالى أنفسكم معناه بعضكم بعضا كما قال تعالى أن اقتلوا أنفسكم كأن المؤمنين كنفس واحدة إذ هم ءاخوة كما قال ص - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى وهم كما قال ايضا كالبنيان يشد بعضه بعضا والتنابز التلقب والنبز واللقب واحد واللقب يعني المذكور في الآية هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش وواصل الأحدب ونحوه مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف واذى وقال ابن زيد معنى ولا تنابزوا بالألقاب أي لا يقل أحد لأحد يا يهودي بعد إسلامه ولا يا فاسق بعد توبته ونحو هذا وقوله سبحانه بيس الاسم الفسوق بعد الإيمان يحتمل معنيين أحدهما بيس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فساقا بالمعصية بعد إيمانكم والثاني بيس قول الرجل لأخيه يا فاسق بعد إيمانه وعن حذيفة رضي اللّه عنه قال شكوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ذرب لساني فقال أين أنت من الاستغفار إني لأستغفر اللّه كل يوم مائة مرة رواه النسائي واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وفي رواية للنسائي اني لاستغفر اللّه في اليوم واتوب اليه مائة مرة والذرب بفتح الذال والراء هو الفحش انتهى من السلاح ومنه عن ابن عمر ان كنا لنعد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم رواه أبو داود وهذا لفظه والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح غريب انتهى ثم امر تعالى المومنين باجتناب كثير من الظن وان لا يعلموا ولا يتكلموا بحسبه لما في ذلك وفي التجسس من التقاطع والتدابر وحكم على بعضه انه اثم اذ بعضه ليس باثم والظن المنهي عنه هو ان تظن شرا برجل ظاهره الصلاح بل الواجب ان تزيل الظن وحكمه وتتأول الخير قال ع وما زال اولوا العزم يحترسون من سوء الظن ويجتنبون ذرائعه قال النووي واعلم ان سوء الظن حرام مثل القول فكما يحرم ان تحدث غيرك بمساوى انسام يحرم ان تحدث نفسك بذلك وتسىء الظن به وفي الصحيح عنه ص - اياكم والظن فانه اكذب الحديث والاحاديث بمعنى ما ذكرناه كثيرة والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء فاما الخواطر وحديث النفس اذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له الى الانفكاك عنه انتهى قال ابو عمر في التمهيد وقد ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال حرم اللّه من المومن دمه وماله وعرضه وان لا يظن به الا الخير انتهى ونقل في موضع آخر بسنده ان عمر بن عبد العزيز كان اذا ذكر عنده رجل بفضل صلاح قال كيف هو اذا ذكر عنده اخوانه فان قالوا انه يتنقصهم وينال منهم قال عمر ليس هو كما تقولون وان قالوا انه يذكر منهم جميلا وخيرا ويحسن الثناء عليهم قال هو كما تقولون ان شاء اللّه انتهى من التمهيد وروى أبو داود في سننه عن ابي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال حسن الظن من حسن العبادة انتهى وقوله تعالى ولا تجسسوا أي لا تبحثوا عن مخبئات امور الناس وادفعوا بالتي هي احسن واجتزءوا بالظواهر الحسنة وقرأ الحسن وغيره ولا تحسسوا بالحاء المهملة قال بعض الناس والتجسس بالجيم في الشر وبالحاء في الخير قال ع وهكذا ورد القرآن ولكن قد يتداخلان في الاستعمال ت وقد وردت احاديث صحيحة في هذا الباب لولا الاطالة لجلبناها ولا يغتب معناه لا يذكر احدكم من اخيه شيأ هو فيه ويكره سماعه وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - اذا ذكرت ما في اخيك فقد اغتبته وذا ذكرت ما ليس فيه فقد بهته وفي حديث آخر الغيبة ان تذكر المؤمن بما يكره قيل وان كان حقا قال اذا قلت باطلا فذلك هو البهتان وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال الغيبة اشد من الزنا قيل وكيف قال لان الزاني يتوب فيتوب اللّه عليه والذي يغتاب لا يتاب عليه حتى يستحل قال ع وقد يموت من اغتيب يابى وروى أبو داود في سننه عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لما عرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون في اعراضهم انتهى والغيبة مشتقة من غاب يغيب وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه ولم يبح في هذا المعنى الا ما تدعو الضرورة اليه من تجريح الشهود وفي التعريف بمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم - اما معاوية فصعلوك لا مال له وما يقال في الفسقة ايضا وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منهم ومنه قوله عليه السلام اعن الفاجر ترعون اذكروا الفاجر بما فيه متى يعرفه الناس اذا لم يذكروه ت وهذا الحديث خرجه ايضا ابو بكر بن الخطيب بسنده عن بهز عن ابيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اترعون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يحذره الناس ولم يذكر في سنده مطعنا انتهى ومنه قوله عليه السلام بيس ابن العشيرة ثم مثل تعالى الغيبة باكل لحم ابن آدم الميت ووقف تعالى على جهة التوبيخ بقوله ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه أي فكذلك فاكرهوا الغيبة قال ابو حيان فكرهتموه قيل خبر بمعنى الامر أي فاكرهوه وقيل على بابه فقال الفراء فقد كرهتموه فلا تفعلوه انتهى وقد روى البخاري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك وفي رواية مسلم من دعا رجلا بالكفر قال عدو اللّه وليس كذلك الا حار عليه وفي الصحيحين عنه ص - أي رجل قال لأخيه كافر فقد باءبها احدهما انتهى وباقي الآية بين |
﴿ ١١ ﴾