سورة ق

وهي مكية باجماع

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل ق والقرآن المجيد قال مجاهد والضحاك وابن زيد وعكرمة ق اسم الجبل المحيط بالدنيا وهو فيما يزعمون انه من زمردة خضراء منها خضرة السماء وخضرة البحر

وقيل في تفسيره غير هذا والمجيد الكريم في اوصافه الذي جمع كل معلاة وق مقسم به وبالقرآن قال الزجاج وجواب القسم محذوف تقديره ق والقرآن المجيد لتبعثن قال ع وهذا قول حسن واحسن منه ان يكون الجواب هو الذي يقع عنه الاضراب ببل كانه قال والقرآن المجيد ما ردوا امرك بحجة ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدره الزجاج وباقي الآية بين مما تقدم في ص ويونس وغيرهما ثم اخبر تعالى ردا على قولهم بانه سبحانه يعلم ما تاكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه وان ذلك في كتاب والحفيظ الجامع الذي لم يفته شيء وفي الحديث الصحيح ان الارض تاكل ابن آدم الاعجب الذنب وهو عظم كالخردلة فمنه يركب ابن آدم قال ع وحفظ ما تنقص الأرض انما هو ليعود بعينه يوم القيامة وهذا هو الحق قال ابن عباس والجمهور المعنى ما تنقص من لحومهم وابشارهم وعظامهم وقال السدي ما تنقص الارض أي ما يحصل في بطنها من موتاهم وهذا قول حسن مضمنه الوعد والمريج معناه المختلط قاله ابن زيد أي بعضهم يقول ساحر وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول شاعر الى غير ذلك من تخليطهم قال ع والمريج المضطرب ايضا وهو قريب من الاول ومنه مرجت عهودهم ومن الاول مرج

البحرين ثم دل تعالى على العبرة بقوله افلم ينظروا الى السماء الآية وزيناها أي بالنجوم والفروج والفطور والشقوق خلالها واثناءها قاله مجاهد وغيره ت وقال الثعلبي باثر كلام للكساءي يقول كيف بنيناها بلا عمد وزيناها بالنجوم وما فيها فتوق والارض مددناها أي بسطناها على وجه الماء انتهى والرواسي الجبال والزوج النوع والبهيج الحسن المنظر قاله ابن عباس وغيره والمنيب الراجع الى الحق عن فكرة ونظر قال قتادة هو المقبل الى اللّه تعالى وخص هذا الصنف بالذكر تشريفا لهم من حيث انتفاعهم بالتبصرة والذكرى وحب الحصيد البر والشعير ونحوه مما هو نبات محبب يحصد قال ابو حيان وحب الحصيد من اضافة الموصوف الى صفته على قول الكوفيين  على حذف الموصوف واقامة الصفة مقامه أي حب الزرع الحصيد على قول البصريين وباسقات حال مقدرة لانها حالة الانبات ليست طوالا انتهى وباسقات معناه طويلات ذاهبات في السماء والطلع اول ظهور التمر في الكفرى قال البخاري ونضيد معناه منضود بعضه على بعض انتهى ووصف البلدة بالميت على تقدير القطر والبلد ثم بين سبحانه موضع الشبه فقال كذلك لخروج يعني من القبور وهذه الآيات كلها انما هي امثلة وادلة على البعث واصحاب الرس قوم كانت لهم بير عظيمة وهي الرس وكل ما لم يطو من بير  معدن  نحوه فهو رس وجاءهم نبيء يسمى حنظلة ابن سفيان فيما روي فجعلوه في الرس وردموا عليه فاهلكهم اللّه وقال الضحاك الرس بير قتل فيها صاحب يس

وقيل انهم قوم عاد واللّه اعلم

وقوله كل قال سيبويه التقدير كلهم والوعيد الذي حق هو ما سبق به القضاء من تعذيبهم

١٥

وقوله سبحانه افعيينا توقيف للكفار وتوبيخ والخلق الاول انشاء الانسان من نطفة على التدريج المعلوم وقال الحسن الخلق الأول آدم واللبس الشك والريب واختلاط النظر والخلق الجديد البعث من القبور

وقوله سبحانه ولقد خلقنا

الانسان الآية الانسان اسم جنس وتوسوس معناه تتحدث في فكرتها والوسوسة انما تستعمل في غير الخير

وقوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد عبارة عن قدرة اللّه على العبد وكون العبد في قبضة القدرة والعلم قد احيط به فالقرب هو بالقدرة والسلطان اذ لا ينحجب عن علم اللّه لا باطن ولا ظاهر والوريد عرق كبير في العنق ويقال انهما وريدان عن يمين وشمال واما

١٧

قوله تعالى اذا يتلقى المتلقيان فقال المفسرون العامل في اذ اقرب ويحتمل عندي ان يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره اذكر اذ يتلقى المتلقيان والمتلقيان الملكان الموكلان بكل انسان ملك اليمين الذي يكتب الحسنات وملك الشمال الذي يكتب السيئات قال الحسن الحفظة اربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل قال ع ويؤيد ذلك الحديث الصحيح يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار الحديث بكماله ويروى ان ملك اليمين امير على ملك الشمال وان العبد اذا اذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه ابراهيم التيمي وسفيان الثوري وقعيد معناه قاعد

١٨

وقوله سبحانه ما يلفظ من قول الآية قال الحسن بن ابي الحسن وقتادة يكتب الملكان جميع الكلام فيثبت اللّه من ذلك الحسنات والسيئات ويمحو غير هذا وهذا هو ظاهر هذه الآية قال ابو الجوزاء ومجاهد يكتبان عليه كل شيء حتى انينه في مرضه وقال عكرمة يكتبان الخير والشر فقط قال ع والأول اصوب ت

وروى ابو الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال كل شيء يتكلم به ابن ادم فانه مكتوب عليه اذا اخطأ خطيئة فاحب ان يتوب الى اللّه فليأت فليمد يديه الى اللّه عز و جل ثم يقول اللّهم اني اتوب اليك منها لا ارجع اليها ابدا فانه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين يعني البخاري ومسلما انتهى من السلاح قال النووي رحمه اللّه تعالى ينبغي لكل مكلف ان يحفظ لسانه من جميع الكلام

الا كلاما تظهر فيه مصلحته ومتى استوى الكلام وتركه بالمصلحة فالسنة الامساك فانه قد ينجر الكلام المباح الى حرام  مكروه وهذا هو الغالب والسلامة لا يعدلها شيء وقد صح عنه ص - فيما رواه البخاري ومسلم انه قال من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا  ليصمت وهو نص صريح فيما قلناه قال

وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال الترمذي حديث حسن وفيه عن عقبة بن عامر قلت يا رسول اللّه ما النجاة قال امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك قال الترمذي حديث حسن وفيه عنه ص - قال من وقاه اللّه شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة قال الترمذي حديث حسن انتهى والرقيب المراقب والعتيد الحاضر

وقوله جاءت عطف عندي على قوله اذ يتلقى فالتقدير واذ تجىء سكرة الموت ت قال شيخنا زين الدين العراقي في ارجوزته ... وسكرة الموت اختلاط العقل ...

البيت انتهى

وقوله بالحق معناه بلقاء اللّه وفقد الحياة الدنيا وفراق الحياة حق يعرفه الانسان ويحيد منه بامله ومعنى هذا الحيد انه يقول اعيش كذا وكذا فمتى فكر حاد بذهنه وامله الى مسافة بعيدة من الزمان وهذا شأن الانسان حتى يفاجئه الاجل قال عبد الحق في العاقبة ولما احتضر مالك بن انس ونزل به الموت قال لمن حضره ليعاينن الناس غدا من عفو اللّه وسعة رحمته ما لم يخطر على قلب بشر كشف له رضي اللّه عنه عن سعة رحمة اللّه وكثرة عفوه وعظيم تجاوزه ما اوجب ان قال هذا وقال ابو سليمان الداراني دخلنا على عابد نزوره وقد حضره الموت وهو يبكي فقلنا له ما يبكيك رحمك اللّه فأنشأ يقول ... وحق لمثلي البكا عند موته ... ومالي لا أبكي وموتي قد اقترب

ولي عمل في اللوح احصاه خالقي ... فان لم يجد بالعفو صرت الى العطب ...

انتهى يوم الوعيد هو يوم القيامة والسائق الحاث على السير

واختلف الناس في السائق والشهيد فقال عثمان بن عفان وغيره هما ملكان موكلان بكل انسان احدهما يسوقه والاخر من حفظته يشهد عليه وقال ابو هريرة السائق ملك والشهيد العمل

وقيل الشهيد الجوارح وقال بعض النظار سائق اسم جنس وشهيد كذلك فالساقة للناس ملائكة موكلون بذلك والشهداء الحفظة في الدنيا وكل من يشهد

وقوله سبحانه كل نفس يعم الصالحين وغيرهم فانما معنى الآية شهيد بخيره وشره ويقوى في شهيد اسم الجنس فتشهد الملائكة والبقاع والجوارح وفي الصحيح لا يسمع مدى صوت المؤذن انس ولا جن ولا شيء الا شهد له يوم القيامة

وقوله سبحانه لقد كنت قال ابن عباس وغيره أي يقال للكافر لقد كنت في غفلة من هذا فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول فلان حديد الذهن ونحوه وقال مجاهد هو بصر العين أي احتد التفاته الى ميزانه وغير ذلك من اهوال القيامة والوجه عندي في هذه الآية ما قاله الحسن وسالم بن عبد اللّه انها مخاطبة للانسان ذي النفس المذكورة من مومن وكافر وهكذا قال الفخر قال والأقوى ان يقال هو خطاب عام مع السامع كانه يقول ذلك ما كنت منه تحيد ايها السامع انتهى وينظر الى معنى كشف الغطاء قول النبي صلى اللّه عليه وسلم - الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا

٢٣

وقوله تعالى وقال قرينه هذا ما لدي عتيد قال جماعة من المفسرين يعني قرينه من زبانية جهنم أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الكافر حاضر وقال قتادة وابن زيد بل قرينه الموكل بسوقه قال ع ولفظ القرين اسم جنس فسائقه قرين وصاحبه من الزبانية قرين وكاتب سيئاته في الدنيا قرين والكل تحتمله هذه الآية أي هذا الذي احصيته عليه عتيد لدي وهو

موجب عذابه والقرين الذي في هذه الآية غير القرين الذي في قوله قال قرينه ربنا ما اطغيته اذ المقارنة تكون على انواع

وقوله سبحانه القيا في جهنم كل كفار عنيد المعنى يقال القيا في جهنم

واختلف لمن يقال ذلك فقال جماعة هو قول لملكين من ملائكة العذاب وقال عبد الرحمن بن زيد هو قول للسائق والشهيد وقال جماعة من اهل العلم باللغة هذا جار على عادة كلام العرب الفصيح ان يخاطب الواحد بلفظ الاثنين وذلك ان العرب كان الغالب عندها ان يترافق في الاسفار ونحوها ثلاثة فكل واحد منهم يخاطب اثنين فكثر ذلك في اشعارها وكلامها حتى صار عرفا في المخاطبة فاستعمل في الواحد ومن هذا قولهم في الاشعار خليلي وصاحبي وقفا نبك ونحوه وقال بعض المتأولين المراد القين فعوض من النون الف وقرأ الحسن بن ابي الحسن القيا بتنوين الياء وعنيد معناه عاند عن الحق أي منحرف عنه

وقوله تعالى مناع للخير لفظ عام للمال والكلام الحسن والمعاونة على الأشياء ومعتد معناه بلسانه ويده

وقوله سبحانه الذي جعل مع اللّه الآية يحتمل ان يكون الذي بدلا من كفار  صفة له ويقوى عندي ان يكون الذي ابتدأ ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوى فرام ان يبرئى نفسه ويخلصها بقوله ربنا ما اطغيته

وقوله ربنا ما اطغيته ليست بحجة لأنه كذب ان نفى الاطغاء عن نفسه جملة وهو قد اطغاه بالوسوسة والتزيين واطغاه اللّه بالخلق والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه سبحانه لا رب غيره

وقوله سبحانه لا تختصموا لدي معناه قال اللّه لا تختصموا لدي بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيأ وقد قدمت اليكم بالوعيد وهو ما جاءت به الرسل والكتب وجمع الضمير لانه مخاطبة لجميع القرناء اذ هو امر شائع لا يقف على اثنين فقط

٢٩

وقوله سبحانه ما يبدل القول لدي أي لا

ينقض ما ابرمه كلامى من تعذيب الكفرة ثم ازال سبحانه موضع الاعتراض بقوله وما انا بظلام للعبيد أي هذا عدل فيهم لاني انذرت وامهلت وانعمت وقرأ الجمهور يوم نقول بالنون وقرأ نافع وعاصم في رواية ابي بكر بالياء وهي قراءة اهل المدينة قال ع والذي يترجح في قول جهنم هل من مزيد انها حقيقة وانها قالت ذلك وهي غير ملأى وهو قول انس بن مالك ويبين ذلك الحديث الصحيح وهو قوله ص - يقول اللّه لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض ولفظ البخاري عن ابي هريرة قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - تحاجب الجنة والنار فقالت النار اوثرت بالمتكبرين والتجبرين وقالت الجنة ما لي لا يدخلني الا ضعفاء الناس وسقطهم فقال اللّه للجنة انت رحمتى ارحم بك من اشاء من عبادي وقال للنار انما انت عذابي اعذب بك من اشاء من عبادي ولك واحدة منهما ملؤها فاما النار فلا تملئي حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط فهناك تمتلئي ويزوي بعضها الى بعض ولا يظلم اللّه عز و جل من خلقه احدا واما الجنة فان اللّه ينشئى لها خلقا انتهى قال ع ومعنى قدمه ما قدم لها من خلقه وجعلهم في علمه ساكنيها ومنه ان لهم قدم صدق عند ربهم وملاك النظر في هذا الحديث ان الجارحة والتشبيه وما جرى مجراه منتف كل ذلك عن اللّه سبحانه فلم يبق الا اخراج اللفظ على الوجوه السائغة في كلام العرب وازلفت الجنة معناه قربت ولما احتمل ان يكون معناه بالوعد والاخبار رفع الاحتمال بقوله غير بعيد قال ابو حيان غير بعيد أي مكانا غير بعيد فهو منصوب على الظرف

وقيل منصوب على الحال من الجنة انتهى

٣٢

وقوله سبحانه هذا ما توعدون يحتمل ان يكون معناه يقال لهم في الآخرة عند ازلاف الجنة هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا ويحتمل ان يكون خطابا للامة أي

هذا ما توعدون ايها الناس لكل اواب حفيظ والاواب الرجاع الى الطاعة والى مراشد نفسه وقال ابن عباس وعطاء الاواب المسبح من قوله يا جبال اوبى معه وقال المحاسبي هو الراجع بقلبه الى ربه وقال عبيد بن عمير كنا نتحدث انه الذي اذا قام من مجلسه استغفر اللّه مما جرى في ذلك المجلس وكذلك كان النبي صلى اللّه عليه وسلم - يفعل والحفيظ معناه لاوامر اللّه فيمتثلها ولنواهيه يتركها وقال ابن عباس حفيظ لذنوبه حتى يرجع عنها والمنيب الراجع الى الخير المائل اليه قال الداودي وعن قتاة بقلب منيب قال مقبل على اللّه سبحانه انتهى

٣٤

وقوله سبحانه ادخلوها أي يقال لهم ادخلوها

وقوله عز و جل لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد خبر بانهم يعطون آمالهم اجمع ثم ابهم تعالى الزيادة التي عنده للمومنين المنعمين وكذلك هي مبهمة في

قوله تعالى فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين وقد فسر ذلك الحديث الصحيح وهو قوله عليه السلام يقول اللّه تعالى اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه قال ع وقد ذكر الطبري وغيره في تعيين هذا المزيد احاديث مطولة واشياء ضعيفة لان اللّه تعالى يقول فلا تعلم نفس وهم يعينونها تكلفا وتعسفا

وقوله سبحانه فنقبوا في البلاد أي ولجوا البلاد من انقابها طمعا في النجاة من الهلاك هل من محيص أي لا محيص لهم وقرأ ابن عباس وغيره فنقبوا على الامر لهؤلاء الحاضرين ت وعبارة البخاري فنقبوا ضربوا وقال الداودي وعن ابي عبيدة فنقبوا في البلاد طافوا وتباعدوا انتهى

وقوله تعالى ان في ذلك يعني اهلاك من مضى لذكرى أي تذكرة والقلب عبارة عن العقل اذ هو محله والمعنى لمن كان له قلب واع ينتفع به وقال الشبلي معناه قلب حاضر مع اللّه لا يغفل عنه طرفة عين

وقوله تعالى  القى السمع وهو شهيد معناه صرف سمعه الى هذه الانباء الواعظة واثبته في سماعها وهو

شهيد قال بعض المتأولين معناه وهو مشاهد مقبل على الأمر غير معرض ولا مفكر في غير ما يسمع ت ولفظ البخاري  القى السمع أي لا يحدث نفسه بغيره شهيد أي شاهد بالقلب انتهى قال المحاسبي في رعايته وقد احببت ان احضك على حسن الاستماع لتدرك به الفهم عن اللّه عز و جل في كل ما دعاك اليه فانه تعالى اخبرنا في كتابه ان من استمع كما يحب اللّه تعالى ويرضى كان له فيما يستمع اليه ذكرى يعني اتعاظا واذا سمى اللّه عز و جل لاحد من خلقه شيأ فهو له كما سمى وهو واصل اليه كما اخبر قال عز و جل ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب  القى السمع وهو شهيد قال مجاهد شاهد القلب لا يحدث نفسه بشيء ليس بغائب القلب فمن استمع الى كتاب اللّه عز و جل  الى حكمة  الى علم  الى عظة لا يحدث نفسه بشيء غير ما يستمع اليه قد اشهد قبله ما استمع اليه يريد اللّه عز و جل به كان له فيه ذكرى لأن اللّه تعالى قال ذلك فهو كما قال عز و جل انتهى كلام المحاسبي وهو در نفيس فحصله واعمل به ترشد وقد وجدناه كما قال وباللّه التوفيق

٣٨

وقوله سبحانه ولقد خلقنا السموات والارض الآية خبر مضمنه الرد على اليهود الذين قالوا ان اللّه خلق الأشياء كلها ثم استراح يوم السبت فنزلت وما مسنا من لغوب واللغوب الاعياء والنصب

وقوله تعالى فاصبر على ما يقولون أي ما يقوله الكفرة من اهل الكتاب وغيرهم وعم بذلك جميع الأقوال الزائغة من قريش وغيرهم وسبح معناه صل باجماع من المتأولين ت وفي الاجماع نظر وقد قال الثعلبي وسبح بحمد ربك أي قل سبحان اللّه والحمد للّه قاله عطاء الخراساني انتهى ولكن المخرج في الصحيح انما هو امر الصلاة

وقال ابن العربي في احكامه

وقوله تعالى ومن الليل فسبحه فيه اربعة اقوال

أحدها انه تسبيح اللّه في الليل ويعضد هذا القول الحديث الصحيح من تعار من الليل فقال لا اله الا اللّه الحديث وقد ذكرناه في سورة المزمل

والثاني صلاة الليل

والثالث انها ركعتا الفجر

والرابع انها صلاة العشاء الآخرة انتهى

وقوله بحمد ربك الباء للاقتران أي سبح سبحة يكون معها حمد وقبل طلوع الشمس هي الصبح وقبل الغروب هي العصر قاله ابن زيد والناس وقال ابن عباس الظهر والعصر ومن الليل هي صلاة العشائين وقال ابن زيد هي العشاء فقط وقال مجاهد هي صلاة الليل

وقوله وادبار السجود قال عمر بن الخطاب وجماعة هي الركعتان بعد المغرب واسنده الطبري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ع كانه روعي ادبار صلاة النهار كما روعي ادبار النجوم في صلاة الليل وقال ابن عباس ايضا وابن زيد ومجاهد هي النوافل اثر الصلوات وهذا جار مع لفظ الآية وقرأ نافع وابن كثير وحمزة وادبار بكسر الهمزة وهو مصدر وقرأ الباقون بفتحها وهو جمع دبر كطنب واطناب أي وفي ادبار السجود أي في اعقابه

٤١

وقوله سبحانه واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب واستمع بمنزلة وانتظر وانما الآية في معنى الوعيد للكفار وهذا كما تقول لمن تعده بورود فتح استمع كذا وكذا أي كن منتظرا له مستمعا له فعلى هذا فنصب يوم انما هو على المفعول الصريح

وقوله سبحانه من مكان قريب قيل وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أن ملكا ينادي من السماء ايتها الاجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلمي الى الحشر والوقوف بين يدي اللّه عز و جل والصيحة هي صيحة النادي والخروج هو من القبور ويومه هو يوم القيامة ويوم الخروج في الدنيا هو يوم العيد

وقوله تعالى ذلك حشر علينا يسير معادل لقول الكفرة ذلك رجع بعيد

وقوله سبحانه نحن اعلم بما يقولون وعيد محض للكفرة

وقوله سبحانه وما انت عليهم بجبار قال الطبري وغيره معناه وما انت عليهم بمسلط تجبرهم على الايمان وقال قتادة هو نهي من اللّه تعالى عن التجبر والمعنى

وما انت عليهم بمتعظم من الجبروت

وروى ابن عباس ان المومنين قالوا يا رسول اللّه لو خوفتنا فنزلت فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي

﴿ ٠