سورة الذاريات

وهي مكية باجماع المفسرين

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل والذاريات ذروا الآية اقسم اللّه عز و جل بهذه المخلوقات تنبيها عليها وتشريفا لها ودلالة على الاعتبار فيها حتى يصير الناظر فيها الى توحيد اللّه عز و جل فقوله والذاريات هي الرياح باجماع وذروا نصب على المصدر والحاملات وقرأ قال علي هي السحاب وقال ابن عباس وغيره هي السفن الموقورة بالناس وامتعتهم وقال جماعة من العلماء هي ايضا مع هذا جميع الحيوان الحامل وفي جميع ذلك معتبر والجاريات يسرا قال علي وغيره هي السفن في البحر

وقال آخرون هي السحاب

وقال آخرون هي الكواكب قال ع واللفظ يقتضي جميع هذا ويسرا نعت لمصدر محذوف وصفات المصادر المحذوفة تعود احوالا ويسرا معناه بسهولة والمقسمات امرا الملائكة والامر هنا اسم جنس فكانه قال والجماعات التي تقسم امور الملكوت من الأرزاق والآجال والخلق في الأرحام وامر الرياح والجبال وغير ذلك لان كل هذا انما هو بملائكة تخدمه وانت المقسمات من حيث اراد الجماعات وهذا القسم واقع على قوله انما توعدون لصادق الآية وتوعدون يحتمل ان يكون من الوعد ويحتمل ان يكون من الايعاد وهو اظهر والدين الجزاء

وقال مجاهد الحساب ثم اقسم تعالى بمخلوق آخر فقال والسماء ذات الحبك والحبك الطرائق التي هي على نظام في الأجرام ويقال لما تراه من الطرائق في الماء والرمال اذا اصابته الريح حبك ويقال لتكسر الشعر حبك وكذلك في المنسوجات من الآكسية وغيرها طرائق في موضع تداخل الخيوط هي حبك وذلك لجودة خلقة السماء ولذلك فسرها ابن عباس وغيره بذات الخلق الحسن وقال الحسن حبكها كواكبها

٨

وقوله سبحانه انكم لفي قول مختلف يحتمل ان يكون خطابا لجميع الناس أي منكم مومن بمحمد ومنكم مكذب له وهو قول قتادة ويحتمل ان يكون خطابا للكفرة فقط لقول بعضهم شاعر وبعضهم كاهن وبعضهم ساحر الى غير ذلك وهذا قول ابن زيد ويوفك معناه يصرف أي يصرف من الكفار عن كتاب اللّه من صرف ممن غلبت عليه شقاوته وعرف الاستعمال في افك انما هو في الصرف من خير الى شر

وقوله تعالى قتل الخراصون دعاء عليهم كما تقول قاتلك اللّه وقال بعض المفسرين معناه لعن الخراصون وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ ت والظاهر ما قاله هذا المفسر قال عياض في الشفاء وقد يقع القتل بمعنى اللعن قال اللّه تعالى قتل الخراصون وقاتلهم اللّه انى يوفكون أي لعنهم اللّه انتهى وقد تقدم للشيخ عند

قوله تعالى عليهم دائرة السوء قال كل ما كان بلفظ دعاء من جهة اللّه عز و جل فانما هو بمعنى ايجاب الشيء لان اللّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته انتهى بلفظه وظاهره مخالف لما هنا وسيبينه في سورة البروج والخراص المخمن القائل بظنه والاشارة الى مكذبي النبي صلى اللّه عليه وسلم - والغمرة ما يغشى الانسان ويغطيه كغمرة الماء وساهون معناه عن وجوه النظر

وقوله تعالى يسئلون ايان يوم الدين أي يوم الجزاء وذلك منهم على جهة الاستهزاء

١٣

وقوله يوم هم على النار يفتنون قال الزجاج التقدير هو كائن يوم هم على النار يفتنون ويفتنون معناه يحرقون ويعذبون في النار قاله ابن عباس والناس

وفتنت الذهب احرقته وذوقوا فتنتكم أي حرقكم وعذابكم قاله قتادة وغيره ان المتقين في جنات وعيون الآية روى الترمذي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا لما به الباس قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى

وقوله سبحانه في المتقين آخذين ما آتاهم ربهم أي محصلين ما اعطاهم ربهم سبحانه من جناته ورضوانه وانواع كراماته انهم كانوا قبل ذلك يريد في الدنيا محسنين بالطاعات والعمل الصالح ت

وروى الترمذي عن سعد بن ابي وقاص عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لو ان ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السموات والارض ولو ان رجلا من اهل الجنة اطلع فبدا اساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم انتهى ومعنى قوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ان نومهم كان قليلا لاشتغالهم بالصلاة والعبادة والهجوع النوم وقد قال الحسن في تفسير هذه الآية كابدوا قيام الليل لا ينامون منه الا قليلا واما اعراب الآية فقال الضحاك في كتاب الطبري ما يقتضي ان المعنى كانوا قليلا في عددهم وتم خبر كان ثم ابتدأ من الليل ما يهجعون فما نافية وقليلا وقف حسن وقال جمهور النحويين ما مصدرية وقليلا خبر كان والمعنى كانوا قليلا من الليل هجوعهم وعلى هذا الاعراب يجيء قول الحسن وغيره وهو الظاهر عندي ان المراد كان هجوعهم من الليل قليلا قيل لبعض التابعين مدح اللّه قوما كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ونحن قليلا من الليل ما نقوم فقال رحم اللّه امرأ رقد اذا نعس واطاع ربه اذا استيقظ

١٨

وقوله تعالى وبالاسحار هم يستغفرون قال الحسن معناه يدعون في طلب المغفرة ويروى ان ابواب الجنة تفتح سحر كل ليلة قال ابن زيد السحر السدس الاخر من الليل والباء في قوله بالاسحار بمعنى في قاله ابو البقاء انتهى ومن كلام الجوزي في المنتخب يا

اخي علامة المحبة طلب الخلوة بالحبيب وبيداء الليل فلوات الخلوات لما ستروا قيام الليل في ظلام الدجى غيرة ان يطلع الغير عليهم سترهم سبحانه بستر فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين لما صفت خلوات الدجى ونادى اذان الوصال اقم فلانا وانم فلانا خرجت بالاسماء الجرائد وفاز الأحباب بالفوائد وانت غافل راقد أه لو كنت معهم اسفا لك لو رأيتهم لأبصرت طلائع الصديقين في اول القوم وشاهدت ساقه المستغفرين في الركب وسمعت استغاثة المحبين في وسط الليل لو رأيتهم يا غافل وقد دارت كؤس المناجات بين مزاهر التلاوات فاسكرت قلب الواجد ورقمت في مصاحف الوجنات تعرفهم بسيماهم يا طويل النوم فاتتك مدحة تتجافى وحرمت منحة والمستغفرين يا هذا ان للّه تعالى ريحا تسمى الصبيحة مخزونه تحت العرش تهب عند الاسحار فتحمل الدعاء والانين والاستغفار الى حضرة العزيز الجبار انتهى وفي اموالهم حق الآية الصحيح انها محكمة وان هذا الحق هو على وجه الندب ومعلوم يراد به متعارف وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض واكثر ما تقع الفضيلة بفعل المندوبات والمحروم هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة وهو مع ذلك لا يسئل فهذا هو الذي له حق في اموال الأغنياء كما للسائل حق وما وقع من ذكر الخلاف فيه فيرجع الى هذا وبعد هذا محذوف تقديره فكونوا ايها الناس مثلهم وعلى طريقهم وفي الأرض آيات لمن اعتبر وايقن

٢١

وقوله سبحانه وفي انفسكم احالة على النظر في شخص الانسان وما فيه من العبر وامر النفس وحياتها ونطقها واتصال هذا الجزء منها بالعقل قال ابن زيد انما القلب مضغة في جوف ابن آدم جعل اللّه فيه العقل افيدري احد ما ذلك العقل وما صفته وكيف هو ت

قال ابن العربي في رحلته اعلم ان معرفة

العبد نفسه من اولى ما عليه وآكده اذا لا يعرف ربه الا من عرف نفسه

قال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وغير ما آية في ذلك ثم قال ولا ينكر عاقل وجود الروح من نفسه وان كان لم يدرك حقيقته كذلك لا يقدر ان ينكر وجود الباري سبحانه الذي دلت افعاله عليه وان لم يدرك حقيقته انتهى

٢٢

وقوله سبحانه وفي السماء رزقكم قال مجاهد وغيره هو المطر وقال واصل الاحدب اراد القضاء والقدر أي الرزق عند اللّه ياتي به كيف شاء سبحانه لا رب غيره وتوعدون يحتمل ان يكون من الوعد ويحتمل ان يكون من الوعيد قال الضحاك المراد من الجنة والنار وقال مجاهد المراد الخير والشر وقال ابن سيرين المراد الساعة ثم اقسم سبحانه بنفسه على صحة هذا القول والخبر وشبهه في اليقين به بالنطق من الانسان وهو عنده في غاية الوضوح وما زائدة تعطى تاكيدا والنطق في هذه الآية هو الكلام بالحروف والاصوات في ترتيب المعاني

وروي ان بعض الاعراب الفصحاء سمع هذه الآية فقال من احوج الكريم الى ان يحلف والحكاية بتمامها في كتاب الثعلبي وسبل الخيرات

وروي ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال قاتل اللّه قوما اقسم لهم ربهم بنفسه فلم يصدقوه

وروى ابو سعيد الخدري ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لو فر احدكم من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت واحاديث الرزق كثيرة ومن كتاب القصد الى اللّه سبحانه للمحاسبي قال قلت لشيخنا من اين وقع الاضطراب في القلوب وقد جاءها الضمان من اللّه عز و جل قال من وجهين احدهما قلة المعرفة بحسن الظن والقاء التهم من اللّه عز و جل والوجه الثاني ان يعارضها خوف الفوت فتستجيب النفس للداعي ويضعف اليقين ويعد الصبر فيظهر الجزع قلت شيء غير هذا قال نعم ان اللّه عز و جل وعد الارزاق وضمن وغيب الاوقات ليختبر اهل العقول ولولا ذلك لكان كل المومنين راضين صابرين متوكلين لكن اللّه عز و جل اعلمهم انه

رازقهم وحلف لهم على ذلك وغيب عنهم اوقات العطاء فمن ها هنا عرف الخاص من العام وتفاوت العباد في الصبر والرضا واليقين والتوكل والسكون فمنهم كما علمت ساكن ومنهم متحرك ومنهم راض ومنهم ساخط ومنهم جزع فعلى قدر ما تفاوتوا في المعرفة تفاوتوا في اليقين وعلى قدر ما تفاوتوا في اليقين تفاوتوا في السكون والرضا والصبر والتوكل اه

٢٤

وقوله سبحانه هل اتاك حديث ضيف ابراهيم الآية قد تقدم قصصها وعليم أي عالم وهو اسحاق عليه السلام ت ولنذكر هنا شيئا في آداب الطعام قال النووي روى ابن السني بسنده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه كان يقول في الطعام اذا قرب اليه اللّهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار بسم اللّه انتهى وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال اذا دخل الرجل بيته فذكر اللّه تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء واذا دخل فلم يذكر اللّه تعالى عند دخوله قال الشيطان ادركتم المبيت واذا لم يذكر اللّه تعالى عند طعامه قال ادركتم المبيت والعشاء وفي صحيح مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ان الشيطان يستحل الطعام ان لا يذكر اسم اللّه عليه الحديث انتهى والصرة الصيحة كذا فسره ابن عباس وجماعة قال الطبري عن بعضهم قالت اوه بصياح وتعجب وقال النحاس في صرة في جماعة نسوة

وقوله فصكت وجهها معناه ضربت وجهها استهوالا لما سمعت وقال سفيان وغيره ضربت بكفها جبهتها وهذا مستعمل في الناس حتى الان وقولهم كذلك قال ربك أي كقولنا الذي اخبرناك

وقوله تعالى حجارة من طين بيان يخرج عن معتاد حجارة البرد التي هي من ماء ويروى انه طين طبخ في نار جهنم حتى صار حجارة كالآجر ومسومة نعت لحجارة ثم اخبر تعالى انه اخرج بامره من كان في قرية لوط من المومنين منجيا لهم واعاد الضمير على القرية وان لم يجر لها قبل ذلك ذكر لشهرة

امرها قال المفسرون لا فرق بين تقدم ذكر المؤمنين وتأخره وانما هما وصفان ذكرهم اولا باحدهما ثم أخرا بالثاني قيل فالآية دالة على ان الايمان هو الاسلام قال ع ويظهر لي ان في المعنى زيادة تحسن التقديم للايمان وذلك انه ذكره مع الاخراج من القرية كأنه يقول نفذ امرنا باخراج كل مؤمن ولا يشترط فيه ان يكون عاملا بالطاعات بل التصديق باللّه فقط ثم لما ذكر حال الموجودين ذكرهم بالصفة التي كانوا عليها وهي الكاملة التصديق والاعمال والبيت من المسلمين هو بيت لوط عليه السلام وكان هو وابنتاه وفي كتاب الثعلبي

وقيل لوط واهل بيته ثلاثة عشر وهلكت امرأته فيمن هلك وهذه القصة ذكرت على جهة ضرب المثل لقريش وتحذيرا ان يصيبهم مثل ما اصاب هؤلاء

٣٧

وقوله وتركنا فيها أي في القرية وهي سدوم آية قال ابو حيان وفي موسى أي وفي قصه موسى انتهى

وقوله سبحانه في فرعون فتولى بركته أي اعرض عن امر اللّه وركنه هو سلطانه وجنده وشدة امره وقول فرعون في موسى ساحرا  مجنون و تقسيم ظن ان موسى لا بد ان يكون احد هذين القسمين وقال ابو عبيدة  هنا بمعنى الواو وهذا ضعيف لا داعية اليه في هذا الموضع

وقوله ما تذر من شيء اتت عليه أي ما تدع من شيء اتت عليه مما اذن لها في اهلاكه الا جعلته كالرميم وهو الفاني المتقطع يبسا  قدما من الأشجار والورق والعظام

وروي في حديث ان تلك الريح كانت تهب على الناس فيهم العادي وغيره فتنتزع من بين الناس وتذهب به

٤٣

وقوله سبحانه وفي ثمود اذا قيل لهم تمتعوا أي اذ قيل لهم في أول بعث صالح وهذا قول الحسن ويحتمل اذ قيل لهم بعد عقر الناقة تمتعوا في دركم ثلاثة ايام وهو قول الفراء

وقوله فاخذتهم الصاعقة وهم ينظرون أي يبصرون بعيونهم وهذا قول الطبري ويحتمل ان يريد وهم ينتظرون في تلك الايام الثلاثة وهذا قول مجاهد فما استطاعوا من

قيام أي من مصارعهم قاله بعض المفسرين وقال قتادة وغيره معناه من قيام بالامر النازل بهم ولا دفعه عنهم وقم نوح بالنصب وهو عطف اما على الضمير في قوله فاخذتهم اذ هو بمنزلة اهلكتهم واما على الضمير في قوله فنبذناهم

وقوله والسماء نصب باضمار فعل تقديره وبنينا السماء بنيناها والايد القوة قاله ابن عباس وغيره وانا لموسعون أي في بناء السماء أي جعلناها واسعة قاله ابن زيد ابو البقاء فنعم الماهدون أي نحن فحذف المخصوص انتهى

٤٩

وقوله سبحانه ومن كل شيء خلقنا زوجين قال مجاهد معناه ان هذه اشارة الى المتضادات والمتقابلات من الاشياء كالليل والنهار والشقاوة والسعادة والهدى والضلال والسماء والارض والسواد والبياض والصحة والمرض والايمان والكفر ونحو هذا ورجحه الطبري بانه ادل على القدرة التي توجد الضدين وقال ابن زيد وغيره هي اشارة الى الانثى والذكر من كل حيوان ت والاول احسن لشموله لما ذكره ابن زيد

وقوله سبحانه ففروا الى اللّه الآية امر بالدخول في الايمان وطاعة الرحمن ونبه بلفظ الفرار على ان وراء الناس عقابا وعذابا يفر منه فجمعت لفظه فروا بين التحذير والاستدعاء ت واسند ابو بكر احمد بن الحسين البيهقي في دلائل النبوءة تصنيفه عن كثير بن عبد اللّه عن ابيه عن جده ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كان في المسجد فسمع كلاما من زاويته واذا هو بقائل يقول اللّهم اعني على ما ينجيني مما خوفتني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - حين سمع ذلك الا تضم اليها اختها فقال الرجل اللّهم ارزقني شوق الصادقين الى ما شوقتهم اليه وفيه فذهبوا ينظرون فاذا هو الخضر عليه السلام انتهى مختصرا

وقوله تعالى كذلك أي سيرة الامم كذلك قال عياض فهذه الآية ونظائرها تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم - عزاه اللّه عز و جل بما اخبر به عن الامم السالفة ومقالها لانبيائها وانه ليس اول من

لقي ذلك انتهى من الشفا

وقوله سبحانه اتواصوا به توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة في تكذيب الانبياء على تفرق ازمانهم أي لم يتواصوا لكنهم فعلوا فعلا كأنه فعل من تواصي والعلة في ذلك ان جميعهم طاغ والطاغي المستعلي في الارض المفسد

وقوله تعالى فتول عنهم أي عن الحرص المفرط عليهم وذهاب النفس حسرات ولست بملوم اذ قد بلغت وذكر فإن الذكرى نافعة للمؤمنين ولمن قضي له ان يكون منهم

٥٦

وقوله سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون قال ابن عباس وعلي المعنى ما خلقت الجن والانس الا لآمرهم بعبادتي وليقروا لي بالعبودية وقال زيد بن اسلم وسفيان هذا خاص والمراد ما خلقت الطائعين من الجن والانس الا لعبادتي ويؤيد هذا التأويل ان ابن عباس روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قرأ وما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وقال ابن عباس ايضا معنى ليعبدون ليتذللوا لي ولقدرتي وان لم يكن ذلك على قوانين شرع وعلى هذا التأويل فجميعهم من مؤمن وكافر متذلل للّه عز و جل الا تراهم عند القحوط والامراض وغير ذلك كيف يخضعون للّه ويتذللون ت قال الفخر فإن قيل ما العبادة التي خلق اللّه الجن والانس لها قلنا التعظيم لامر اللّه والشفقة على خلق اللّه فان هذين النوعن لم يخل شرع منهما وأما خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها بلوضع والهيئة والقلة والكثرة والزمان والمكان والشرائط والاركان انتهى ونقل الثعلبي وغيره عن مجاهد الا ليعبدون أي ليعرفوني قال صاحب الكلم الفارقية المعرفة باللّه تملأ القلب مهابة ومخافة والعين عبرة وعبرة وحياء وخجلة والصدر خشوعا وحرمة والجوارح استكانة وذلة وطاعة وخدمة واللسان ذكرا وحمدا والسمع اصغاء وتفهما والخواطر في مواقف المناجات خمودا والوساوس اضمحلالا انتهى

وقوله سبحانه ما اريد منهم من رزق أي ان يرزقوا انفسهم ولا غيرهم

وقوله ان يطعمون أي ان يطعموا خلقي قاله ابن عباس ويحتمل ان يريد ان ينفعوني والمتين الشديد ت

وروينا في كتاب الترمذي عن ابي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ان اللّه عز و جل يقول يا بن آدم تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك والا تفعل ملأت يدك شغلا ولم اسد فقرك قال ابو عيسى هذا حديث حسن

وروينا فيه عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - من كانت الآخرة همه جعل اللّه غناه في قلبه وجمع له شمله واتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل اللّه فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ما قدر له انتهى

وقوله سبحانه فان للذين ظلموا يريد اهل مكة والذنوب الحظ والنصيب واصله من الدلو وذلك ان الذنوب هو ملء الدلو من الماء وكذا قال ابن حيان ذنوبا أي نصيبا انتهى واصحابهم يراد بهم من تقدم من الامم المعذبة وباقي الآية وعيد بين

﴿ ٠