سورة النجم

وهي مكية باجماع

وهي اول سورة اعلن بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون وفيها سجد وسجد معه المومنون والمشركون والجن والانس غير ابي لهب فانه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفيني هذا ت والذي خرجه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود فسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وسجد من خلفه الا رجلا رأيته اخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو امية بن خلف انتهى وسبب نزولها ان المشركين قالوا ان محمدا يتقول القرآن ويختلق اقواله فنزلت السورة في ذلك

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى الآية قال الحسن وغيره النجم المقسم به هنا اسم جنس اراد به النجوم ثم اختلفوا في معنى هوى فقال جمهور المفسرين هوى للغروب وهذا هو السابق الى الفهم من كلام العرب وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي هوى في الانقضاض في اثر العفريت عند استراق السمع وقال مجاهد وسفيان النجم في قسم الآية الثريا وسقوطها مع الفجر هو هويها والعرب لا تقول النجم مطلقا

الا للثريا والقسم واقع على قوله ما ضل صاحبكم وما غوي ص اذا هوى ابو البقاء العامل في الظرف فعل القسم المحذوف أي اقسم بالنجم وقت هويه وجواب القسم ما ضل انتهى قال الفخر اكثر المفسرين لم يفرقوا بين الغي والضلال وبينهما فرق فالغي في مقابلة الرشد والضلال اعم منه انتهى وما ينطق عن الهوى يريد محمدا صلى اللّه عليه وسلم - انه لا يتكلم عن هواه أي بهواه وشهوته وقال بعض العلماء وما ينطق القرآن المنزل عن هوى ت وهذا تاويل بعيد من لفظ الآية كما ترى

٤

وقوله ان هو الا وحي يوحى يراد به القرآن باجماع ت وليس هذا الاجماع بصحيح ولفظ الثعلبي ان هو الا وحي أي ما نطقه في الدين الا بوحي انتهى وهو احسن ان شاء اللّه قال الفخر الوحي اسم ومعناه الكتاب  مصدر وله معان منها الارسال والالهام والكتابة والكلام والاشارة فان قلنا هو ضمير القرآن فالوحي اسم معناه الكتاب ويحتمل ان يقال مصدر أي ما القرآن الا ارسال أي مرسل وان قلنا المراد من قوله ان هو الا وحي قول محمد وكلامه فالوحي حينئذ هو الالهام أي كلامه ملهم من اللّه  مرسل انتهى والضمير في علمه لنبينا صلى اللّه عليه وسلم - والمعلم هو جبريل عليه السلام قاله ابن عباس وغيره أي علم محمدا القرآن وذو مرة معناه ذو قوة قاله قتادة وغيره ومنه قوله عليه السلام لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي واصل المرة من مرائر الحبل وهي فتلة واحكام عمله

وقوله فاستوى قال الربيع والزجاج المعنى فاستوى جبريل في الجو وهو اذ ذاك بالافق الاعلى اذ رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - بحراء قد سد الافق له ستمائة جناح وحينئذ دنا من محمد عليه السلام حتى كان قاب قوسين وكذلك رآه نزلة اخرى في صفته العظيمة له ستمائة جناح عند السدرة

وقوله ثم دنا فتدلى قال الجمهور المعنى دنا جبريل الى محمد في الارض عند حراء وهذا هو الصحيح ان جميع

ما في هذه الآيات من الأوصاف هو مع جبريل ودنا اعم من تدلى فبين تعالى بقوله فتدلى هيئة الدنو كيف كانت وقاب معناه قدر قال قتادة وغيره معناه من طرف العود الى طرفه الآخر وقال الحسن ومجاهد من الوتر الى العود في وسط القوس عند المقبض

وقوله  ادنى معناه على مقتضى نظر البشر أي لو رآه احدكم لقال في ذلك قوسان  ادنى من ذلك

وقيل المراد بقوسين أي قدر الذراعين وعن ابن عباس ان القوس في الآية ذراع يقاس به وذكر الثعلبي انها لغة بعض الحجازيين

وقوله تعالى فاوحى الى عبده ما اوحى قال ابن عباس المعنى فاوحى اللّه الى عبده محمد ما اوحى وفي قوله ما اوحى ابهام على جهة التفخيم والتعظيم قال عياض ولما كان ما كاشفه عليه السلام من ذلك الجبروت وشاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل بحمل سماع ادناه العقول رمز عنه تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال تعالى فاوحى الى عبده ما اوحى وهذا النوع من الكلام يسميه اهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم ابلغ ابواب الايجاز انتهى

١١

وقوله سبحانه ما كذب الفؤاد ما رأى المعنى لم يكذب قلب محمد الشيء الذي رأى بل صدقه وتحققه نظرا قال اهل التأويل منهم ابن عباس وغيره رأى محمد اللّه بفؤاده وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم - جعل اللّه نور بصري في فؤادي فنظرت اليه بفؤادي

وقال آخرون من المتأولين المعنى ما راى بعينه لم يكذب ذلك قلبه بل صدقه وتحققه وقال ابن عباس فيما روي عنه ان محمدا رأى ربه بعيني راسه وانكرت ذلك عائشة وقالت انا سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - عن هذه الآيات فقال لي هو جبريل فيها كلها قال ع وهذا قول الجمهور وحديث عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قاطع بكل تاويل في اللفظ لان قول غيرها انما هو منتزع من الفاظ القرآن

وقوله سبحانه افتمارنه على ما يرى قرأ حمزة والكساءي

افتمرونه بفتح التاء دون الف أي افتجحدونه ت قال الثعلبي واختار هذه القراءة ابو عبيد قال انهم لا يمارونه وانما جحدوه

واختلف في الضمير في قوله ولقد رآه حسبما تقدم فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبريل ونزله معناه مرة اخرى فجمهور العلماء ان المرءي هو جبريل عليه السلام في المرتين مرة في الارض بحراء ومرة عند سدرة المنتهى ليلة الاسراء رآه على صورته التي خلق عليها وسدرة المنتهى هي شجرة نيق في السماء السابعة

وقيل لها سدرة المنتهى لأنها اليها ينتهي علم كل عالم ولا يعلم ما وراءها صعدا الا اللّه عز و جل

وقيل سميت بذلك لأنها اليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال ع وهم المومنون حقا من كل جيل

وقوله سبحانه عندها جنة المأوى قال الجمهور اراد سبحانه ان يعظم مكان السدرة ويشرفه بان جنة المأوى عندها قال الحسن هي الجنة التي وعد بها المومنون

١٦

وقوله سبحانه اذ يغشى السدرة ما يغشى أي غشيها من امر اللّه ما غشيها فما يستطيع احد ان يصفها وقد ذكر المفسرون في وصفها اقوالا هي تكلف في الآية لأن اللّه تعالى ابهم ذلك وهم يريدون شرحه وقد قال ص - فغشيها الوان لا ادرى ما هي

وقوله تعالى ما زاغ البصر قال ابن عباس معناه ما جال هكذا ولا هكذا

وقوله وما طغى معناه ولا تجاوز المرءي وهذا تحقيق للامر ونفي لوجوه الريب عنه

وقوله لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال جماعة معناه لقد رأى الكبرى من آيات ربه أي مما يمكن ان يراها البشر

وقال آخرون المضى لقد رأى بعضا من آيات ربه الكبرى وقال ابن عباس وابن مسعود رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الافق ت وزاد الثعلبي

وقيل المعراج وما رأى في تلك الليلة في مسراه في عوده وبدءه دليله

قوله تعالى لنريه من آياتنا الآية قال عياض

١٨

وقوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى انحصرت الافهام عن تفصيل

ما أوحى وتاهت الاحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى وقد اشتملت هذه الآيات على اعلام اللّه بتزكية جملته عليه السلام وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه فقلبه بقوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولسانه عليه السلام بقوله تعالى وما ينطق عن الهوى وبصره بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى اه ولما فرغ من ذكر عظمة اللّه وقدرته قال على جهة التوقيف افرأيتم اللات والعزى الآية أي ارأيتم هذه الأوثان وحقارتها وبعدها عن هذه القدرة والصفات العلية واللات صنم كانت العرب تعظمة والعزى صخرة بيضاء كانت العرب أيضا تعبدها واما مناة فكانت بالمشلل من قديد وكانت اعظم هذه الأوثان عندهم وكانت الأوس والخزرج تهل لها ووقف تعالى الكفار على هذه الأوثان وعلى قولهم فيها انها بنات اللّه فكأنه قال أرأيتم هذه الأوثان وقولكم هي بنات اللّه الكم الذكر وله الأنثى ثم

قال تعالى على جهة الانكار تلك اذا قسمة ضيزى أي عوجاء قاله مجاهد

وقيل جائرة قال ابن عباس وقال سفيان معناه منقوصة وقال ابن زيد معناه مخالفة والعرب تقول ضزته حقه اضيزه بمعنى منعته وضيزى من هذا التصريف قال ابو حيان والثالثة الاخرى صفتان لمناة للتاكيد قيل واكدت بهذين الوصفين لعظمها عندهم وقال الزمخشري والاخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار وتعقب بان اخرى مؤنث آخر ولم يوضعا للذم ولا للمدح ت وفي هذا التعقب تعسف والظاهر ان الوصفين معا سيقا مساق الذم لأن هؤلاء الكفار لم يكتفوا بضلالهم في اعتقادهم ما لا يجوز في اللات والعزى الى ان اضافوا الى ذلك مناة الثالثة الأخرى الحقيرة وكل اصنامهم حقير انتهى ثم

قال تعالى ان هي الا اسماء يعني ان هذه الأوصاف من انها اناث وانها آلهة تعبد ونحو هذا الا اسماء أي تسميات اخترعتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها برهانا ولا حجة وما هو الا اتباع الظن وما تهوى الانفس وهوى

الانفس هو ارادتها الملذة لها وانما تجد هوى النفس ابدا في ترك الأفضل لآنها مجبولة بطبعها على حب الملذ وانما يردعها ويسوقها الى حسن العاقبة العقل والشرع

وقوله سبحانه ولقد جاءهم من ربهم الهدى فيه توبيخ لهم اذ يفعلون هذه القبائح والهدى حاضر وهو محمد وشرعه والانسان في قوله ام للانسان اسم جنس كانه يقول ليست الاشياء بالتمنى والشهوات وانما الامر كله للّه والاعمال جارية على قانون امره ونهيه فليس لكم ايها الكفرة مرادكم في قولكم هذه آلهتنا وهي تشفع لنا وتقربنا الى اللّه زلفى ونحو هذا فللّه الآخرة والاولى أي له كل امرهما ملكا ومقدورا وتحت سلطانه قال الشيخ ابو عبد الرحمن السلمي في كتاب عيوب النفس ومن عيوب النفس كثرة التمني والتمنى هو الاعتراض على اللّه عز و جل في قضائه وقدره ومداواتها ان يعلم انه لا يدري ما يعقبه التمني ايجره الى خير  الى شر فاذا تيقن ابهام عاقبة تمنيه اسقط عن نفسه ذلك ورجع الى الرضى والتسليم فيستريح انتهى

٢٦

وقوله سبحانه وكم من ملك الآية رد على قريش في قولهم الأوثان شفعاؤنا وكم للتكثير وهي في موضع رفع بالابتداء والخبر لا تغنى والغنى جلب النفع ودفع الضر بحسب الأمر الذي يكون فيه الغناء

٢٧

وقوله سبحانه ان الذين لا يؤمنون بالاخرة يعني كفار العرب

وقوله وان الظن لا يغني من الحق شيئا أي في المعتقدات والمواضع التي يريد الانسان ان يحرر ما يعقل ويعتقد فانها مواضع حقائق لا تنفع الظنون فيها واما في الاحكام وظواهرها فيجتزى فيها بالمظنونات ثم سلى سبحانه نبيه وامره بالاعراض عن هؤلاء الكفرة

وقوله عن ذكرنا قال الثعلبي يعني القرآن

وقوله سبحانه ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله الآية متصلة في معنى التسلية ومتضمنة وعيدا للكافرين ووعدا للمؤمنين والحسنى الجنة ولا حسنى دونها وقد تقدم نقل الأقوال في الكبائر في سورة النساء وغيرها وتحرير القول في الكبائر انها كل

معصية يوجد فيها حد في الدنيا  توعد عليها بنار في الآخرة  لعنة ونحو هذا

وقوله الا اللمم هو استثناء يصح ان يكون متصلا وان قدرته منقطعا ساغ ذلك وبكل قد قيل

واختلف في معنى اللمم فقال ابو هريرة وابن عباس والشعبي وغيرهم اللمم صغار الذنوب التي لا حد فيها ولا وعيد عليها لأن الناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر ولهم مع ذلك الحسنى اذا اجتنبوا الكبائر وتظاهر العلماء في هذا القول وكثر المائل اليه وحكي عن ابن المسيب ان اللمم ما خطر على القلب يعني بذلك لمة الشيطان وقال ابن عباس معناه الا ما الموا به من المعاصي الفلتة والسقطة دون دوام ثم يتوبون منه وعن الحسن بن ابي الحسن انه قال في اللمة من الزنا والسرقة وشرب الخمر ثم لا يعود قال ع وهذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في ادخالهم في الوعد بالحسنى اذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي وعلى هذا انشدوا وقد تمثل به النبي صلى اللّه عليه وسلم - ... ان تغفر اللّهم تغفر جما ... واي عبد لك لا الما ...

وقوله سبحانه اذ أنشأكم من الأرض يريد خلق ابيهم آدم ويحتمل ان يراد به انشاء الغذاء واجنة جمع جنين

وقوله سبحانه فلا تزكوا انفسكم ظاهره النهي عن تزكية الانسان نفسه ويحتمل ان يكون نهيا عن ان يزكي بعض الناس بعضا واذا كان هذا فانما ينهي عن تزكية السمعة والمدح للدنيا اوالقطع بالتزكية واما تزكية الامام والقدوة احدا ليؤتم به  ليتهمم الناس بالخير فجائز وفي الباب احاديث صحيحة وباقي الآية بين ت قال صاحب الكلم الفارقية اعرف الناس بنفسه اشدهم ايقاعا للتهمة بها في كل ما يبدو ويظهر له منها واجهلهم بمعرفتها وخفايا آفاتها وكوامن مكرها من زكاها واحسن ظنه بها لانها مقبلة على عاجل حظوظها معرضة عن الاستعداد لآخرتها انتهى وقال ابن عطاء اللّه اصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضى عن النفس واصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضى منك

عنها قال شارحة ابن عباد الرضى عن النفس اصل جميع الصفات المذمومة وعدم الرضى عنها اصل الصفات المحمودة وقد اتفق على هذا جميع العارفين وارباب القلوب وذلك لأن الرضى عن النفس يوجب تغطية عيوبها ومساويها وعدم الرضى عنها على عكس هذا كما قيل ... وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا ...

انتهى

٣٣

وقوله تعالى أفرأيت الذي تولى الآية قال مجاهد وابن زيد وغيرهما نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وذلك انه سمع قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم - ووعظه فقرب من الاسلام وطمع النبي صلى اللّه عليه وسلم - في اسلامه ثم انه عاتبه رجل من المشركين وقال له اتترك ملة آبائك ارجع الى دينك واثبت عليه وانا اتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة لكن على ان تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الاسلام واعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم امسك عنه وشح فنزلت الآية فيه وقال السدي نزلت في العاصي بن وائل قال ع فقوله واعطى قليلا واكدى على هذا هو في المال وقال مقاتل في كتاب الثعلبي المعنى اعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم اكدى أي انقطع ما اعطى وهذا بين من اللغفظ والآخر يحتاج الى رواية وتولى معناه ادبر واعرض عن امر اللّه واكدى معناه انقطع عطاؤه وهو مشبه بالذي يحفر في الأرض فانه اذا انتهى في حفر بير ونحوه الى كدية وهي ما صلب من الأرض يئس من الماء وانقطع حفره وكذلك اجبل اذا انتهى في الحفر الى جبل ثم قيل لمن انقطع عمله اكدى واجبل ت قال الثعلبي واصله من الكدية وهو حجر في البيريويس من الماء قال الكساءي تقول العرب اكدى الحافر واجبل اذا بلغ في الحفر الى الكدية والجبل انتهى

وقوله عز و جل اعنده علم الغيب فهو يرى معناه اعلم من الغيب ان من تحمل

ذنوب آخر انتفع بذلك المتحمل عنه فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيرة ام هو جاهل لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى بما ارسل به من انه لا تزر وازرة أي لا تحمل حاملة حمل اخرى وفي البخاري وابراهيم الذي وفى وفى ما فرض عليه انتهى

٣٩

وقوله سبحانه وان ليس للانسان الا ما سعى وما بعده كل ذلك معطوف على قوله الا تزر وازرة وزر اخرى والجمهور ان قوله وان ليس للانسان الا ما سعى محكم لا نسخ فيه وهو لفظ عام مخصص

وقوله وان سعيه سوف يرى أي يراه اللّه ومن شاهد تلك الامور وفي عرض الاعمال على الجميع تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين ومنه قوله ص - من سمع باخيه فيما يكره سمع اللّه به سامع خلقه يوم القيامة وفي

قوله تعالى ثم يجزاه الجزاء الاوفى وعيد للكافرين ووعد للمومنين

٤٢

وقوله سبحانه وان الى ربك المنتهى أي منتهى الخلق ومصيرهم اللّهم اطلعنا على خيرك بفضلك ولا تفضحنا بين خلقك وجد علينا بسترك في الدارين وحق لعبد يعلم انه الى ربه منتهاه ان يرفض هواه ويزهد في دنياه ويقبل بقلبه على مولاه ويقتدي بنبي فضله اللّه على خلقه وارتضاه ويتأمل كيف كان زهده ص - في دنياه واقباله على مولاه قال عياض في شفاه واما زهده ص - فقد قدمنا من الاخبار اثناء هذه السيرة ما يكفي وحسبك من تقللّه منها واعراضه عنها وعن زهرتها وقد سيقت اليه بحذافيرها وترادفت عليه فتوحاتها انه توفي ص - ودرعة مرهونة عند يهودي وهو يدعو ويقول اللّهم اجعل رزق آل محمد قوتا وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت ما شبع آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله وعنها رضي اللّه عنها قالت لم يمتلئى جوف نبي اللّه ص - شبعا قط ولم يبث شكوى الى

احد وكانت الفاقة احب اليه من الغنى وان كان ليظل جائعا يلتوى طول ليلته من الجوع فلا يمنعه ذلك صيام يومه ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها ولقد كنت ابكي له رحمة مما ارى به وامسح بيدي على بطنه مما به من الجوع واقول نفسي لك الفداء لو تلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول يا عائشة ما لي وللدنيا اخواني من اولى العزم من الرسل صبروا على ما هو اشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فاكرم مئابهم واجزل ثوابهم فاجدني استحيي ان ترفهت في معيشتي ان يقصر بي غدا دونهم وما من شيء هو احب الي من اللحوق باخواني واخلاءي قالت فما اقام بعد الا اشهرا حتى توفي صلوات اللّه وسلامه عليه انتهى وباقي الآية دلالة على التوحيد واضحة والنشأة الأخرى هي اعادة الاجسام الى الحشر بعد البلى واقنى معناه اكسب ما يقتنى تقول قنيت المال أي كسبته وقال ابن عباس اقنى قنع قال ع والقناعة خير قنية والغنى عرض زائل فللّه در ابن عباس والشعري نجم في السماء قال مجاهد وابن زيد هو مرزم الجوزاء وهما شعريان احداهما الفميصاء والاخرى العبور لانها عبرت المجرة وكانت خزاعة ممن يعبد هذه الشعرى العبور ومعنى الآية وان اللّه سبحانه رب هذا المعبود الذي لكم وعادا الاولى اختلف في معنى وصفها بالاولى فقال الجمهور سميت اولى بالاضافة الى الامم المتأخرة عنها وقال الطبري وغيره سميت اولى لان ثم عادا آخرة وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال واللّه اعلم وقرأ الجمهور وثموادا بالنصب عطفا على عاد وقوم نوح عطفا على ثمود

وقوله من قبل لانهم كانوا اول امة كذبت من اهل الأرض والموتفكة قرية قوم لوط اهوى أي طرحها من هواء عال الى سفل

٥٥

وقوله سبحانه فبأي آلاء ربك تتمارى مخاطبة للانسان الكافر كانه قيل له هذا هو اللّه الذي له هذه الأفعال وهو خالقك المنعم عليك بكل النعم ففي

أيها تشك وتتمارى معناه تتشكك وقال مالك الغفاري إن قوله الا تزر إلى قوله تتمارى هو في صحف إبراهيم وموسى

٥٦

وقوله سبحانه هذا نذير يحتمل أن يشير إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم - وهو قول قتادة وغيره وهذا هو الأشبه ويحتمل أن يشير إلى القرآن وهو تأويل قوم ونذير يحتمل أن يكون بناء اسم فاعل ويحتمل أن يكون مصدر ونذر جمع نذير

وقوله تعالى أزفت الآزفة معناه قربت القريبة والآزفة عبارة عن القيامة بإجماع من المفسرين وأزف معناه قرب جدا قال كعب بن زهير

... بان الشباب وأها الشيب قد أزفا ... ولا أرى لشباب ذاهب خلفا ...

وكاشفة يحتمل أن تكون صفة لمؤنث التقدير حال كاشفة ونحو هذا التقدير ويحتمل أن تكون بمعنى كاشف قال الطبري والزجاج هو من كشف السر أي ليس من دون اللّه من يكشف وقتها ويعلمه وقال منذر بن سعيد هو من كشف الضر ودفعه أي ليس من يكشف خطبها وهولها إلا اللّه

٥٩

وقوله سبحانه أفمن هذا الحديث تعجبون الآية روى سعد بن أبي وقاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قال إن هذا القرآن أنزل بخوف فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ذكره الثعالبي وأخرج الترمذي والنسائي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال لا يلج النار من بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم في منخر أبدا قال النسائي ويروى في جوف أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الترمذي وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم - عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية اللّه وعين باتت تحرس في سبيل اللّه انتهى من مصابيح البغوي قال أبو عمر بن عبد البر روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال إياكم وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه انتهى من بهجة المجالس

وروى الترمذي

عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن  يعلم من يعمل بهن فقال أبو هريرة فقلت أنا يا رسول اللّه فأخذ بيدي فعد خمسا وقال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم اللّه لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك يميت القلب انتهى والسامد اللاعب اللاهي وبهذا فسر ابن عباس وغيره من المفسرين وسمد بلغة حمير غني وهو كله معنى قريب بعضه من بعض ثم أمر تعالى بالسجود له والعبادة تخويفا وتحذيرا وهاهنا سجدة في قول كثير من العلماء ووردت بها أحاديث صحاح ولم ير مالك بالسجود هنا وقال زيد بن ثابت أنه قرأ بها عند النبي صلى اللّه عليه وسلم - فلم يسجد

قال ابن العربي في أحكامه وكان مالك يسجدها في خاصة نفسه انتهى

﴿ ٠