سورة القمر

وهي مكية بإجماع

إلا آية واحدة قوله سيهزم الجمع الآية ففيها خلاف والجمهور أنها أيضا مكية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله سبحانه اقتربت الساعة وانشق القمر معناه قربت الساعة وهي القيامة وأمرها مجهول التحديد وكل ما يروى في عمر الدنيا من التحديد فضعيف

وقوله وانشق القمر إخبار عما وقع وذلك أن قريشا سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - آية فأراهم اللّه انشقاق القمر فرآه النبي صلى اللّه عليه وسلم - وجماعة من المسلمين والكفار فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - اشهدوا

وقوله وإن يروا جاء اللفظ مستقبلا لينتظم ما مضى وما يأتي فهو إخبار بأن حالهم هكذا

وقوله مستمر قال الزجاج قيل معناه دائم متماد وقال قتادة وغيره معناه مار ذاهب عن قريب يزول ثم قال سبحانه على جهة جزم الخبر وكل أمر مستقر كأنه يقول وكل شيء إلى غاية عنده سبحانه ومزدجر معناه موضع زجر

وقوله فما تغن النذر يحتمل أن تكون ما نافية ويحتمل أن تكون استفهامية ثم سلى سبحانه نبيه عليى السلام بقوله فتول عنهم أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات وتم القول في قوله عنهم ثم ابتدأ وعيدهم بقوله يوم والعامل في يوم قوله يخرجون وقال الرماني المعنى فتول عنهم واذكر يوم وقال الحسن المعنى فتول عنهم إلى يوم وقرأ الجمهور نكر بضم الكاف قال الخليل النكر نعت للأمر الشديد والرجل الداهية وخص الإبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء  صلف  خوف ونحوه إنما يظهر في الإبصار والأجداث جمع جدث وهو القبر وشبههم سبحانه بالجراد المنتشر وقد شبههم سبحانه في آية أخرى بالفراش المبثوث وفيهم من كل هذا شبه وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولا كالفراش حين يموج بعضهم في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهو نحو المحشر والداعي والمهطع المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد إما لخوف  طمع ونحوه قال أبو حيان مهطعين أي مسرعين

وقيل فاتحين أذانهم للصوت انتهى

ويقول الكافرون هذا يوم عسر لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته

٩

وقوله سبحانه كذبت قبلهم قوم نوح الآية وعيد لقريش وضرب مثل لهم

وقوله

وازدجر إخبار من اللّه عز و جل أنهم زجروا نوحا عليه السلام بالسب والنجه والتخويف قاله ابن زيد

وقوله فانتصر أي فانتصر لي منهم بأن تهلكهم

وقوله ففتحنا أبواب السماء قال الجمهور هذا مجاز وتشبيه لأن المطر كأنه من أبواب وهذا مبدأ الانتصار من الكفار والمنهمر الشديد الوقوع الغزير وقرأ الجمهور فالتقى الماء يعني ماء السماء وماء العيون

وقوله سبحانه على أمر قد قدر أي قضي وقدر في الأزل وذات ألواح ودسر هي السفينة والدسر المسامير واحدها دسار وهذا هو قول الجمهور وقال مجاهد الدسر أضلاع السفينة قال العراقي والدسار أيضا ما تشد به السفينة انتهى

وقوله تعالى تجري بأعيننا معناه بحفظنا وتحت نظر منا قال البخاري قال قتادة أبقى اللّه عز و جل سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة انتهى وقرأ جمهور الناس جزاء لمن كان كفر مبنيا للمفعول قال مكي قيل من يراد بها نوح والمؤمنون لأنهم كفروا من حيث كفر بهم فجزاهم اللّه بالنجاة وقرئي شاذ كفر مبنيا للفاعل والضمير في تركناها قال مكي هو عائد على هذه الفعلة والقصة وقال قتادة وغيره هو عائد على السفينة ومدكر أصله مذتكر أبدلوا من التاء دالا ثم أدغموا الدال في الدال وهذه قراءة الناس قال أبو حاتم

ورويت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - بإسناد صحيح

١٦

وقوله تعالى فكيف كان عذابي ونذرى توقيف لكفار قريش والنذر هنا جمع نذير وهو المصدر والمعنى كيف كان عاقبة إنذاري لمن لم يحفل به كأنتم أيها القوم ويسرنا القرآن أي سهلناه وقربناه والذكر الحفظ عن ظهر قلب قال ع يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله حلاوة في القلوب وامتزاج بالعقول السليمة

وقوله فهل من مدكر استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه حاضرة في النفس فللّه در من قبل وهدي ت وقال الثعلبي فهل من مدكر أي من متعظ

وقوله في يوم نحس مستمر الآية ورد

في بعض الأحاديث في تفسير هذه الآية يوم نحس مستمر يوم الأربعاء ومستمر معناه متتابع

وقوله تنزع الناس معناه تقلعهم من مواضعهم قلما فتطرحهم

وروي عن مجاهد أن الريح كانت تلقي الرجل على رأسه فيتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بده قال ع فلذلك حسن التشبيه بأعجاز النخل وذلك ان المنقلع هو الذى ينقلع من قعره وقال قوم انما شبههم باعجاز النخل لأنهم كانوا يحتفرون حفرا ليمتنعوا فيها من الريح فكأنه شبه تلك الحفر بعد النزع بحفر أعجاز النخل والنخل تذكر وتؤنث وفائدة تكرار قوله فكيف كان عذابي ونذر التخويف وهز النفوس وهذا موجود في تكرار الكلام كقوله ص - الأهل بلغت الأهل بلغت الأهل بلغت ونحوه وقول ثمود لصالح ابشر منا واحدا نتبعه هو حسد منهم واستبعاد منهم أن يكون نوع البشر يفضل هذا التفضيل ولم يعلموا أن الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء ويفيض نور الهدى على من رضيه وقولهم إنا إذا لفي ضلال أي في ذهاب وائتلاف عن الصواب وسعر معناه في احتراق انفس واستعارها حنقا

وقيل في جنون يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها والأشر البطر وقرأ الجمهور سيعلمون بالياء وقرأ حمزة وحفص ستعلمون بالتاء من فوق على معنى قل لهم يا صالح ثم أمر اللّه صالحا بارتقاب الفرج والصبر ت وقال الثعلبي فارتقبهم أي انتظرهم ما يصنعون ونبئهم أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة لها شرب ولهم شرب يوم ومعلوم ومحتضر معناه محضور مشهود متواسى فيه وقال مجاهد كل شرب أي من الماء يوما ومن لبن الناقة يوما محتضر لهم فكأنه أنبأهم بنعمة اللّه سبحانه عليهم في ذلك وصاحبهم هو قدار بن سالف وتعاطى مطاوع عاطي فكان هذه الفعلة تدافعها الناس وأعطاها بعضهم بعضا فتعاطاها هو وتناول العقربيده قاله ابن عباس وقد تقدم قصص القوم والهشيم ما تفتت وتهشم من الأشياء والمحتظر معناه

الذي يصنع حظيرة قاله ابن زيد وغيره وهي مأخوذة من الحظر وهو المنع والعرب وأهل البوادي يصنعونها للمواشي وللسكنى أيضا من الأغصان والشجر المورق والقصب ونحوه وهذا كله هشيم يتفتت أما في أول الصنعة وأما عند بلى الحظيرة وتساقط أجزائها وقد تقدم قصص قوم لوط والحاصب مأخوذ من الحصباء

وقوله فتماروا معناه تشككوا وأهدى بعضهم الشك إلى بعض بتعاطيهم الشبه والضلال و النذر جمع نذير وهو المصدر ويحتمل أن يراد بالنذر هنا وفي قوله كذبت قوم لوط بالنذر جمع نذير الذي هو اسم فاعل

وقوله سبحانه فطمسنا أعينهم قال قتادة هي حقيقة جر جبريل شيئا من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم قال أبو عبيدة مطموسة بجلدة كالوجه وقال ابن عباس والضحاك هذه استعارة وإنما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا فجعل ذلك كالطمس

وقوله بكرة قيل عند طلوع الفجر

وقوله فذوقوا يحتمل أن يكون من قول اللّه تعالى لهم ويحتمل أن يكون من قولا لملائكة ونذري جمع المصدر أي وعاقبة إنذاري ومستقر أي دائم استقر فيهم حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة وآل فرعون قومه واتباعه

٤٢

وقوله كذبوا بئاياتنا كلها يحتمل ان يريد ءال فرعون ويحتمل أن يكون قوله ولقد جاء آل فرعون النذر كلاما تاما ثم يكون قوله كذبوا بآياتاننا كلها يعود على جميع من ذكر من الأمم

وقوله تعالى أكفاركم خير من أولائكم خطاب لقريش على جهة التوبيخ

وقوله أم لكم براءة أي من العذاب في الزبر أي في كتب اللّه المنزلة قاله ابن زيد وغيره ثم

قال تعالى لنبينا صلى اللّه عليه وسلم - أم يقولون نحن واثقون بجماعتنا منتصرون بقوتنا على جهة الإعجاب سيهزمون فلا ينفع جمعهم وهذه عدة من اللّه تعالى لرسوله أن جمع قريش سيهزم فكان كما وعد سبحانه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كنت أقول في نفسي أي جمع يهزم

فلما كان يوم بدر رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر والجمهور على أن الآية نزلت بمكة وقول من زعم أنها نزلت يوم بدر ضعيف والصواب أن الوعد نجز يوم بدر قال أبو حيان ويولون الجمهور بياء الغيبة وعن أبي عمرو بتاء الخطاب والدبر هنا اسم جنس وحسن إفراده كونه فاصلة وقد جاء مجموعا في آية أخرى وهو الأصل انتهى ثم اضرب سبحانه تهمما بأمر الساعة التي هي أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال بل الساعة موعدهم وأدهى أفعل من الداهية وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء وأمر من المرارة ت وقال الثعالبي الداهية الأمر الشديد الذي لا يهتدى للخلاص منه انتهى ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وائتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر وقال ابن عباس المعنى في خسران وجنون والسعر الجنون وأكثر المفسرين على أن المجرمين هنا يراد بهم الكفار والسحب الجر

٤٩

وقوله سبحانه إنا كل شيء خلقناه بقدر قرأ جمهور الناس كل بالنصب وقالوا المعنى إنا خلقنا كل شيء بقدر سابق وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء وهذا مذهب أهل السنة وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق إلا ما قام عليه الدليل أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات ت قال الثعالبي قال ابن عباس خلق اللّه الخلق كلهم بقدر وخلق الخير والشر فخير الخير السعادة وشر الشر الشقاوة

٥٠

وقوله سبحانه وما أمرنا إلا واحدة قال ع أي إلا قوله واحدة وهي كن ت قوله إلا قوله فيه قلق ما وكانه فهم أن معنى الآية راجع إلى

قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وعبارة الثعالبي أي وما أمر الساعة إلا واحدة أي إلا رجفة واحدة قال أبو عبيد هي نعت للمعنى دون اللفظ مجازه وما أمرنا إلا مرة واحدة كن فيكون كلمح بالبصر أي كخطف بالبصر فقيل له إنه يعني الساعة فقال الساعة وجميع ما يريد انتهى وكلام

أبي عبيد عندي حسن والأشياع الفرق المتشابهة في مذهب  دين ونحوه الأول شيعة للآخر والآخر شيعة للأول وكل شيء فعلته الأمم المهلكة في الزبر أي مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب قاله ابن عباس وغيره ومستطر أي مسطر وقرأ الجمهور ونهر بفتح النون والهاء على أنه اسم الجنس يريد به الأنهار على أنه بمعنى وسعة في الأرزاق والمنازل قال أبو حيان وقرأ الأعمش ونهر بضم النون والهاء جمع نهر كرهن ورهن انتهى

وقوله تعالى في مقدع صدق يحتمل أن يريد به الصدق الذي هو ضد الكذب أي المقعد الذي صدقوا في الخبر به ويحتمل أن يكون من قولك عود صدق أي جيد ورجل صدق أي خير والمليك المقتدر اللّه تعالى ت وقال الثعلبي في مقعد صدق أي في مجلس حق لا لغو فيه وتأثيم وهو الجنة عند مليك مقتدر وعند إشارة إلى القربة والرتبة انتهى ص قال أبو البقاء في مقعد صدق بدل من قوله في جنات انتهى قال المحاسبي وإذا أخذ أهل الجنة مجالسهم واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعده اللّه لهم منهم في القرب من مولاهم سبحانه على قدر منازلهم عنده انتهى من كتاب التوهم ثم قال المحاسبي بإثر هذا الكلام فلو رأيتهم وقد سمعوا كلام ربهم وقد داخل قلوبهم السرور وقد بلغوا غاية الكرامة ومنتهى الرضى والغبطة فما ظنك بنظرهم إلى العزيز العظيم الجليل الذي لا تقع عليه الأوهام ولا تحيط به الأفهام ولا تحده الفطن ولا تكيفه الفكر الأزلي القديم الذي حارت العقول عن إدراكه وكلت الألسن عن كنه صفاته انتهى

﴿ ٠