سورة الواقعةوهي مكية بإجماع ممن يعتد بقوله روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال من دام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر قال لم تصبه فاقة أبدا قال ع لأن فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس في الآخرة وفهم ذلك غنى لا فقر معه ومن فهمه شغل بالاستعداد بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله سبحانه إذا وقعت الواقعة الآية الواقعة اسم من أسماء القيامة قاله ابن عباس وقال الضحاك الواقعة الصيحة وهي النفخة في الصور وكاذبة يحتمل أن يكون مصدرا فالمعنى ليس لها تكذيب ولا رد ولا مثنوية وهذا قول مجاهد والحسن ويحتمل أن يكون صفة لمقدر كأنه قال ليس لوقعتها حال كاذبة ٣وقوله سبحانه خافضة رافعة قال قتادة وغيره يعني القيامة تخفض أقواما إلى النار وترفع أقواما إلى الجنة وقيل إن بانفطار السماوات والأرض والجبال وانهدام هذه البنية ترتفع طائفة من الأجرام وتنخفض أخرى فكأنها عبارة عن شدة هول القيامة ت والأول أبين وهو تفسير البخاري ومعنى رجت زلزلت وحركت بعنف قاله ابن عباس ومعنى بست فتت كما تبس البسيسة وهي السويق قاله ابن عباس وغيره وقال بعض اللغويين بست معناه سيرت والهباء ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة قاله ابن عباس وغيره والمنبث بالثاء المثلثة الشائع في جميع الهواء والخطاب في قوله وكنتم لجميع العالم والأزواج الأنواع قال قتادة هذه منازل الناس يوم القيامة ٨وقوله سبحانه فأصحاب الميمنة ابتداء وما ابتداء ثان وأصحاب الميمنة خبر ما والجملة خبر الابتداء الأول وفي الكلام معنى التعظيم كما تقول زيد ما زيد ونظير هذا في القرآن كثير والميمنة أظهر ما في اشتقاقها أنها من ناحية اليمين وقيل من اليمن وكذلك المشأمة إما أن تكون من اليد الشؤمي وإما أن تكون من الشؤم وقد فسرت الآية بهذين المعنيين ١٠وقوله تعالى والسابقون ابتداء والسابقون الثاني قال سيبويه هو خبر الأول وهذا على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه وقال بعض النحاة السابقون الثاني نعت للأول ومعنى الصفة أن تقول والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة والرحمة أولئك ويتجه هذا المعنى على الابتداء والخبر وقوله أولئك المقربون ابتداء وخبر وهو في موضع الخبر على قول من قال السابقون الثاني صفة والمقربون معناه من اللّه سبحانه في جنة عدن فالسابقون معناه الذين قد سبقت لهم السعادة وكانت أعمالهم في الدنيا سبقا إلى أعمال البر وإلى ترك المعاصي فهذا عموم في جميع الناس وخصص المفسرون في هذه أشياء تفتقر إلى سند قاطع وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - سئل عن السابقين فقال هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم والمقربون عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة قال جماعة من أهل العلم هذه الآية متضمنة أن العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف ١٣وقوله سبحانه ثلة من الأولين وقليل من الآخرين الثلثة الجماعة قال الحسن بن أبي الحسن وغيره المراد السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأمة وروي أن الصحابة حزنوا لقلة سابقي هذه الأمة على هذا التأويل فنزلت الآية ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فرضوا وروي عن عائشة أنها تأولت أن الفرقتين في أمة كل نبىء هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل وقال النبي ص - فيما روي عنه الفرقتان في أمتي فسابق أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل قال السهيلي وأما آخر من يدخل الجنة وهو آخر أهل النار خروجا منها فرجل اسمه جهينة فيقول أهل الجنة تعالوا نسئله فعند جهينة الخبر اليقين فيسلونه هل بقي في النار أحد بعدك ممن يقول لا إله إلا اللّه وهذا حديث ذكره الدارقطني من طريق مالك بن أنس يرفعه بإسناد إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - ذكره في كتاب رواه مالك بن أنس رحمه اللّه انتهى وقوله تعالى على على سرر موضونة أي منسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض كحلق الدرع ومنه وضين الناقة وهو حزامها قال ابن عباس موضونة مرمولة بالذهب وقال عكرمة مشبكة بالدر والياقوت يطوف عليهم للخدمة ولدان وهو صغار الخدمة ووصفهم سبحانه بالخلد وإن كان جميع ما في الجنة كذلك إشارة إلى أنهم في حال الولدان مخلدون لا تكبر لهم سن أي لا يحولون من حالة إلى حالة وقاله ابن كيسان وقال الفراء مخلدون معناه مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأول أصوب لأن العرب تقول للذي كبر ولم يشب أنه لمخلد والأكواب ما كان من أواني الشرب لا أذن له ولا خرطوم قال قتادة ليست لها عرى والإبريق ما له خرطوم والكأس الآنية المعدة للشرب بشريطة أن يكون فيها خمر ولا يقال لأنية فيها ماء لبن كأس وقوله من معين قال ابن عباس معناه من خمر سائلة جارية معينة وقوله لا يصدعون عنها ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى لا يلحق رءوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا وقال قوم معناه لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق ولا ينزفون معناه لا تذهب عقولهم سكرا قاله مجاهد وغيره والنزيف السكران وباقي الآية بين وخص المكنون باللؤلؤ لأنه أصفى لونا وأبعد عن الغير وسألت أم سلمة رسول اللّه ص - عن هذا التشبيه فقال صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي وجزاء بما كانوا يعملون أي أن هذه الرتب والنعيم هي لهم بحسب أعمالهم لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قدر الأعمال ونفس دخول الجنة هو برحمة اللّه وفضله لا بعمل عامل كما جاء في الصحيح ٢٦وقوله تعالى إلا قيلا سلاما سلاما قال أبو حيان إلا قيلا سلاما سلاما الظاهر أن الاستثناء منقطع لأنه لا يندرج في اللغو والتأثيم وقيل متصل وهو بعيد انتهى قال الزجاج وسلاما مصدر كأنه يذكر انه يقول بعضهم لبعض سلاما سلاما ت قال الثعلبي والسدر شجر النبق ومخضود أي مقطوع الشوك قال ع ولأهل تحرير النظر هنا إشارة في أن هذا الخذد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها إذ أهل اليمين توابون لهم سلام وليسوا بسابقين قال الفخر وقد بان لي بالدليل أن المراد بأصحاب اليمين الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا وعفا اللّه تعالى عنهم بسبب أدنى حسنة لا الذين غلبت حسناتهم وكثرت انتهى والطلح من العضاة شجر عظيم كثير الشوك وصفه في الجنة على صفة مباينة لحال الدنيا ومنضود معناه مركب ثمره بعضه على بعض من أرضه إلى أعلاه وقرأ علي رضي اللّه عنه وغيره وطلع فقيل لعلي إنما هو وطلح فقال ما للطلح والجنة قيل له أنصلحها في المصحف فقال أن المصحف اليوم لا يهاج ولا يغير وقال علي أيضا وابن عباس الطلح الموز والظل الممدود معناه الذي تنسخه شمس وتفسير ذلك في قوله ص - أن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة لا يقطعها واقرءوا إن شئتم وظل ممدود إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى ت وفي صحيحي البخاري ومسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس تغرب انتهى وماء مسكوب أي جار في غير أخدود لا مقطوعة ولا ممنوعة أي لا مقطوعة بالأزمان كحال فاكهة الدنيا ولا ممنوعة بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهة الدنيا والفرش الأسرة وعن أبي سعيد الخدري أن في ارتفاع السرير منها مسيرة خمس مائة سنة ت وهذا إن ثبت فلا بعد فيه إذ أحوال الآخرة كلها خرق وعادة وقال أبو عبيدة وغيره أراد بالفرش النساء ومرفوعة معناه في الأقدار والمنازل وأنشأناهن معناه خلقناهن شيئا بعد شيئ وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم - في تفسير هذه الآية هن عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا جعلهن اللّه بعد الكبر أترابا وقال للعجوز أن الجنة لا يدخلها العجوز فحزنت فقال إنك إذا دخلت الجنة أنشئت خلقا آخر وقوله سبحانه فجعلناهن أبكار قيل معناه دائمة البكارة متى عاود الوطء وجدها بكرا والعرب جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها بإظهار محتبه قاله ابن عباس وعبر عنهن ابن عباس أيضا بالعواشق وقال زيد العروب الحسنة الكلام ت قال البخاري والعروب يسميها أهل مكة العربة وأهل المدينة الغنجة وأهل العراق الشكلة انتهى وقوله أترابا معناه في الشكل والقد قال قتادة أترابا يعني سنا واحدة ويروى أن أهل الجنة هم على قد ابن أربعة عشر عاما في الشباب والنضرة وقيل على مثال أبناء ثلاث وثلاثين سنة مردا بيضا مكحلين زاد الثعلبي على خلق ءادم طوله ستون ذراعا في سبعة أذرع ٣٩وقوله سبحانه ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال الحسن بن أبي الحسن وغيره الأولون سالف الأمم منهم جماعة عظيمة أصحاب يمين والأخرون هذه الأمة منهم جماعة عظيمة أهل يمين قال ع بل جميعهم الأمن كان من السابقين وقال قوم من المتأولين هاتان الفرقتان في أمة محمد وروى ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال الثلتان من أمتي وروى ابن المبارك في رقائقه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال إن أمتى ثلثا أهل الجنة والناس يومئذ عشرون ومائة صف وإن أمتي من ذلك ثمانون صفا انتهى وقوله سبحانه وأصحاب الشمال الآية في الكلام بمعنى الانحاء عليهم وتعظيم مصائبهم والسموم أشد ما يكون من الحر اليابس الذي لا بلل معه والحميم السخن جدا من الماء الذي في جهنم واليحموم هو الدخان الأسود يظل اهل النار قاله ابن عباس والجمهور وقيل هو سرادق النار المحيط باهلها فإنه يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم وقيل هو جبل في النار أسود وقوله ولا كريم معناه ليس له صفة مدح قال الثعلبي وعن ابن المسيب ولا كريم أي ولا حسن نظيره من كل زوج كريم وقال قتادة لا بارد النزل ولا كريم المنظر وهو الظل الذي لا يغني من اللّهب انتهى والمترف المنعم في سرف وتخوض ويصرون معناه يعتقدون اعتقادا لا ينزعون عنه والحنث الآثم وقال الثعلبي وكانوا يصرون يقيمون على الحنث العظيم أي الذنب انتهى ونحوه للبخاري وهو حسن نحو ما في الرسالة قال قتادة وغيره والمراد بهذا الإثم العظيم الشرك وباقي الآية في استبعادهم للبعث وقد تقدم بيانه ٥١وقوله سبحانه ثم إنكم أيها الضالون مخاطبة لكفار قريش ومن كان في حالهم ومن في قوله من زقوم لبيان الجنس والضمير في منها عائد على الشجر والضمير في عليه عائد على المأكول والهيم قال ابن عباس وغيره جمع أهيم وهو الجمل الذي أصابه الهيام بضم الهاء وهو داء معطش يشرب معه الجمل حتى يموت يسقم سقما شديدا وقال قوم هو جمع هائم وهو أيضا من هذا المعنى لأن الجمل إذا أصابه ذلك الداء هام على وجهه وذهب وقال ابن عباس أيضا وسفيان الثوري الهيم الرمال التي لا تروى من الماء والنزل أول ما يأكل الضيف والدين الجزاء ٥٨وقوله سبحانه أفرأيتم ما تمنون الآية وليس يوجد مفطور يخفي عليه أن المني الذي يخرج منه ليس له فيه عمل ولا إرادة ولا قدرة وقرأ الجمهور قدرنا وقرأ ابن كثير وحده قدرنا بتخفيف الدال فيحتمل أن يكون المعنى فيهما قضينا وأثبتنا ويحتمل أن يكون بمعنى سوينا قال الثعلبي عن الضحاك أي سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض وقوله وما نحن بمسبوقين أي على تبديلكم إن أردناه وإن ننشئكم بأوصاف لا يصلها علمكم ولا يحيط بها فكركم قال الحسن من كونهم قردة وخنازير لأن الآية تنحو إلى الوعيد والنشأة الأولى قال أكثر المفسرين إشارة إلى خلق آدم وقيل المراد نشأة الإنسان في طفولته وهذه الآية نص في استعمال القياس والحض عليه وعبارة الثعلبي ويقال النشأة الأولى نطفة ثم علقة ثم مضغة ولم يكونوا شيا فلولا أي فهلا تذكرون أني قادر على إعادتكم كما قدر على إبدائكم وفيه دليل على صحة القياس لآن علمهم سبحانه الاستدلال بالنشأة الأخرى انتهى ٦٤وقوله سبحانه أنتم تزرعونه أي زرعا يتم أم نحن وروي أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال لا تقل زرعت ولكن قلت حرثت ثم تلا أبو هريرة هذه الآية والحطام اليابس المتفتت من النبات الصائر إلى ذهاب وبه شبه حطام الدنيا وتفكهون قال ابن عباس وغيره معناه تعجبون أي مما نزل بكم وقال ابن زيد معناه تتفجعون قال ع وهذا كله تفسير لا يخص اللفظة والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وقولهم أنا لمغرمون قبله محذوف تقديره يقولون وقرأ عاصم الجحدري أإنا لمغرمون بهمزتين على الاستفهام والمعنى يحتمل أن يكون انا لمغرمون من الغرام وهو أشد العذاب ويحتمل أنا لمحملون الغرم أي غرمنا في النفقة وذهب زرعنا وقد تقدم تفسير المحروم وأنه الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه وقال الثعلبي المحروم ضد المرزوق انتهى والمزن هو السحاب والاجاج أشد المياه ملوحة وتورون معناه تقتدحون من الأزند تقول أوريت النار من الزناد والزناد قد يكون من حجر وحديدة ومن شجر لا سيما في بلاد العرب ولا سيما في الشجر الرخو كالمرخ والعفار والكلخ وما اشبهه ولعادة العرب فى ازنادهم من شجر قال تعالى أأنتم أنشأتم شجرتها أي التي تقدح منها أم نحن المنشؤن نحن جعلناها يعني نار الدنيا تذكرة للنار الكبرى نار جهنم قاله مجاهد وغيره والمتاع ما ينتفع به والمقوين في هذه الآية الكائنين في الأرض القواء وهي الفيافي ومن قال معناه للمسافرين فهو نحو ما قلناه وهي عبارة ابن عباس رضي اللّه عنه تقول أقوى الرجل إذا دخل أن الأرض القواء ٧٥وقوله سبحانه فلا أقسم بمواقع النجوم الآية قال بعض النحاة لا زائدة والمعنى فاقسم وزيادتها في بعض المواضع معروفة وقرأ الحسن وغيره فلا قسم من غير ألف وقال بعضهم لا نافية كأنه قال فلا صحة لما يقوله الكفار ثم ابتدأ اقسم بمواقع النجوم والنحوم هنا قال ابن عباس وغيره هي نجوم القرءان وذلك أنه روي أن القرءان نزل في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وقيل إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم - نجوما مقطعة مدة من عشرين سنة قال ع ويؤيده عود الضمير على القرءان في قوله إنه لقرءان كريم وقال كثير من المفسرين بل النجوم هنا هي الكواكب المعروفة ثم اختلف هؤلاء في مواقعها فقيل غروبها وطلوعها وقيل مواقعها عند انقضاضها أثر العفاريت وقوله وإنه لقسم تأكيد وقوله لو تعلمون اعتراض وقوله إنه لقرءان كريم هو الذي وقع القسم عليه وقوله في كتاب مكنون الآية المكنون المصون قال ابن عباس وغيره أراد الكتاب الذي في السماء قال الثعلبي ويقال هو اللوح المحفوظ وقوله لا يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة وليس في الآية على هذا التأويل تعرض لحكم مس المصحف لسائر بني آدم وقال بعض المتأولين أراد بالكتاب مصاحف المسلمين ولم تكن يومئذ فهو إخبار بغيب مضمنه النهي فلا يمس المصحف من بني آدم الا الطاهر من الكفر والحدث وفي كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لعمرو بن حزم لا يمس القرءان إلا طاهر وبه أخذ مالك وقرأ سلمان إلا المطهرون بكسر الهاء ٨١وقوله تعالى أفبهذا الحديث يعني القرءان المتضمن البعث ومدهنون معناه يلاين بعضكم بعضا ويتبعه في الكفر مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه وقال ابن عباس المداهنة هي المهاودة فيما لا يحل والمداراة هي المهاودة فيما يحل ونقل الثعلبي أن ادهن وداهن بمعنى واحد وأصله من الدهن انتهى وقوله سبحانه وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله اللّه تعالى رزقا للعباد هذا بنوء كذا والمعنى وتجعلون شكر رزقكم وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة ازد شنوءة ما رزق فلان بمعنى ما شكر وكان علي يقرأ وتجلون شكركم أنكم تكذبون وكذلك قرأ ابن عباس ورويت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - وقد أخبر اللّه سبحانه فقال ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد فهذا معنى قوله أنكم تكذبون أي بهذا الخبر قال ع والمنهي عنه هو أن يعتقد أن للنجوم تأثيرا في المطر وقوله سبحانه فلولا إذابلغت الحلقوم يعنى بلغت نفس الانسان والحلقوم مجرى الطعام وهذه الحال هي نزع المرء للموت وقوله وأنتم إشارة إلى جميع البشر حينئذ أي وقت النزع تنظرون إليه وقال الثعلبي وأنتم حينئذ تنظرون إلى أمري وسلطاني يعني تصريفه سبحانه في الميت انتهى والأول عندي أحسن وعزاه الثعلبي لابن عباس ونحن أقرب إليه منكم أي بالقدرة والعلم ولا قدرة لكم على دفع شيء عنه وقيل المعنى وملائكتنا أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرونهم على التأويل الأول من البصر بالقلب فلولا إن كنتم غير مدينين أي مملوكين أذلاء والمدين المملوك هذا أصح ما يقال في هذه اللفظة هنا ومن عبر عنها بمجازي بمحاسب فذلك هنا قلق والمملوك مقلب كيف شاء المالك ومن هذا الملك قول الأخطل ... رتب وربا في حجرها ابن مدينة ... تراه على مسحاته يتركل ... أراد ابن أمة مملوكة وهو عبد يخدم الكرم وقد قيل في معنى البيت أنه أراد أكارا حضريا فنسبه إلى المدينة فمعنى الآية فهل لا ترجعون النفس البالغة الحلقوم إن نتم غير مملوكين مقهورين وقوله ترجعونها سد مسد الأجوبة والبيانات التي تقتضيها التحضيضات ٨٨وقوله تعالى فأما إن كان من القربين الآية ذكر سبحانه في هذه الآية حال الآزواج الثلاثة المذكورين في أول السورة وحال كل امرئي منهم فأما المرء من السابقين المقربين فيلقى عند موته روحا وريحانا والروح الرحمة والسعة والفرح ومنه لا تيأسوا من روح اللّه والريحان الطيب وهو دليل النعيم وقال مجاهد الريحان الرزق وقال الضحاك الريحان الاستراحة قال ع الريحان ما تنبسط إليه النفوس ونقل الثعلبي عن أبي العالية قال لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يوتي بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض روحه فيه ونحوه عن الحسن انتهى فإن أردت يا أخي اللحوق بالمقربين والكون في زمرة السابقين فاطرح عنك دنياك واقبل على ذكر مولاك واجعل الآن الموت نصب عينيك قال الغزالي وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب عينيك لا تغفل عنه ساعة فليكن الموت على بالك يا مسكين فإن السير حاث بك وأنت غافل عن نفسك ولعلك قد قاربت المنزل وقطعت المسافة فلا يكن اهتمامك إلا بمبادرة العمل اغتناما لك نفس أمهلت فيه انتهى من الأحياء قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا سفيان عن ليث عن مجاهد قال ما من ميت يموت الأعرض عليه أهل مجلسه إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر وإن كان من أهل اللّهو فمن أهل اللّهو انتهى ٩١وقوله تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين عبارة تقتضي جملة مدح وصفة تخلص وحصول عال من المراتب والمعنى ليس في أمرهم إلا السلام والنجاة من العذاب وهذا كما تقول في مدح رجل أما فلان فناهيك به فهذا يقتضي جملة غير مفصلة من مدحه وقد اضطربت عبارات المتأولين في قوله تعالى فسلام لك فقال قوم المعنى فيقال له سلام لك إنك من أصحاب اليمين وقال الطبري فسلام لك أنت من أصحاب اليمين وقيل المعنى فسلام لك يا محمد أي لا ترى فيهم إلا السلامة من العذات ت ومن حصلت له السلامة من العذاب فقد فاز دليله فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز قال ع فهذه الكاف في لك إما أن تكون للنبي عليه السلام وهو الأظهر ثم لكل معتبر فيها من أمته وأما أن تكون لمن يخاطب من أصحاب اليمين وغير هذا مما قيل تكلف ونقل الثعلبي عن الزجاج فسلام لك أي أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة وقد علمت ما أعد اللّه لهم من الجزاء بقوله في سدر مخضود الآيات والمكذبون الضالون هم الكفار أصحاب الشمال والمشئمة والنزول أول شيء يقدم للضيف والتصلية أن يباشر بهم النار والجحيم معظم النار وحيث تراكمها إن هذا لهو حق اليقين المعنى أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته ٩٦وقوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم عبارة تقتضي الأمر بالأعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللّه تعالى والدعاء إليه ت وعن جابر بن عبد اللّه قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - من قال سبحان اللّه العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة رواه الترمذي والنساءي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وعند النساءي شجرة بدل نخلة وعن النعمان بن بشير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - أن مما تذكرون من جلال اللّه التسبيح والتهليل والتحميد ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها أما يحب أحدكم أن يكون ألا يزال له من يذكر به ورواه أيضا ابن المبارك في رقائقه عن كعب وفيه ايضا عن كعب أنه قال أن للكلام الطيب حول العرش دويا كدوي النحل يذكرن بصاحبهن انتهى وعن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - مر به وهو يغرس غرسا فقال يا أبا هريرة ما الذي تغرس قلت غراسا قال ألا أدلك على غراس خير من هذا سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له والحاكم في المستدرك وقال في الأول صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وروى عقبة بن عامر قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم فيحتمل أن يكو المعنى سبح اللّه بذكر أسمائه العلا والاسم هنا بمعنى الجنس أي بأسماء ربك والعظيم صفة للرب سبحانه وقد يحتمل أن يكون الاسم هنا واحدا مقصودا ويكون العظيم صفة له فكأنه أمره أن يسبحه باسمه الأعظم وإن كان لم ينص عليه ويؤيد هذا ويشير إليه اتصال سورة الحديد وأولها فيها التسبيح وجملة من أسماء اللّه تعالى وقد قال ابن عباس اسم اللّه الأعظم موجود في ست آيات من أول سورة الحديد فتأمل هذا فإنه من دقيق النظر وللّه تعالى في كتابه العزيز غوامض لا تكاد الأذهان تدركها |
﴿ ٠ ﴾