سورة المجادلة

وهي مدنية

إلا أن النقاش حكى أن قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الآية مكي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها الآية اختلف الناس في اسم هذه المرأة على أقوال واختصار ما رواه ابن عباس والجمهور أن أوس بن الصامت الأنصاري أخا عبادة بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد وكان القهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة فلما فعل ذلك أوس جاءت زوجته رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فقالت يا رسول اللّه إن أوسا أكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ما أراك إلا حرمت عليه فقالت يا رسول اللّه لا تفعل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه فراجعها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - بمثل مقالته فراجعته فهذا هو جدالها وكانت في خلال جدالها تقول اللّهم إليك أشكو حالي وانفرادي وفقري

وروي أنها كانت تقول اللّهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا فهذا هو اشتكاؤها إلى اللّه فنزلت الآية فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم - في أوس وأمره بالتكفير فكفر بالإطعام وأمسك أهله

قال ابن العربي في أحكامه والأشبه في اسم هذه المرأة أنها خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وعلى هذا اعتمد الفخر قال الفخر هذه الواقعة تدل على أن من انقطع رجاؤه من الخلق ولم يبق له في مهمه أحد إلا الخالق كفاه اللّه ذلك المهم انتهى والمحاورة مراجعة القول ومعاطاته

وفي مصحف ابن مسعود تحاورك في زوجها والظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب إذ عرفه في ظهور الحيوان وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فرد اللّه بهذه الآية على فعلهم وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم وجعل اللّه سبحانه القول بالظهار منكرا وزورا فهو محرم لكنه إذا وقع لزم هكذا قال فيه أهل العلم لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا وقد رجى اللّه تعالى بعده بأنه عفو غفور مع الكفارة

وقوله سبحانه ثم يعودون الآية ت اختلف في معنى العود والعود في الموطأ العزم على الوطء والإمساك معا وفي المدونة العزم على الوطء خاصة

وقوله تعالى من قبل أن يتماسا قال الجمهور وهذا عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا أن يقبل  يلمس بيده  يفعل شيئا من هذا النوع إلا بعد الكفارة وهذا قول مالك رحمه اللّه

وقوله تعالى ذلكم توعظون به إشارة إلى التحذير أي فعل ذلك عظة لكم لتنتهوا عن الظهار

وقوله سبحانه فمن لم يستطع قال الفخر الاستطاعة فوق الوسع والوسع فوق الطاعة فالاستطاعة هي أن يتمكن الإنسان من الفعل على سبيل السهولة انتهى وفروع الظهار مستوفاة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها

وقوله سبحانه ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله الآية إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحريم إلى الصوم والإطعام ثم شدد سبحانه بقوله وتلك حدود اللّه أي فالتزموها ثم توعد الكافرين بقوله وللكافرين عذاب أليم

٥

وقوله سبحانه إن الذين يحادون اللّه ورسوله كبتوا الآية نزلت في قوم من المنافقين واليهود كانوا يتربصون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وبالمؤمنين الدوائر ويتمنون فيهم المكروه ويتناوجون بذلك وكبت الرجل إذا بقي خزيان يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه وقال قوم منهم أبو عبيدة أصله كبدوا أي أصابهم داء في أكبادهم فأبدلت

الدال تاء وهذا غير قوي والذين من قبلهم منافقوا الأمم الماضية ولفظ البخاري كبتوا أحزنوا

وقوله تعالى وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم اللّه العامل في يوم قوله مهين ويحتمل أن يكون فعلا مضمرا تقديره اذكره

وقوله تعالى إلا هو رابعهم أي بعلمه وإحاطته وقدرته وعبارة الثعلبي إلا هو رابعهم يعلم ويسمع نجواهم يدل على ذلك افتتاح الآية وخاتمتها انتهى

٧

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون الآية قال ابن عباس نزلت في اليهود والمنافقين وإذا جاؤوك حيوك هو قولهم السام عليكم يريدون الموت ثم كشف اللّه تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستروحون وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان محمد نبيئا لعذبنا بهذه الأقوال التي تسيئه وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم

١١

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم الآية وصية منه سبحانه للمؤمنين أن لا يتناجوا بمكروه وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة

وقوله إنما النجوى أي بالإثم من الشيطان وقرأ نافع وأهل المدينة ليحزن بضم الياء وكسر الزاي والفعل مسند إلى الشيطان وقرأ أبو عمرو وغيره ليحزن بفتح الياء وضم الزاي ثم أخبر تعالى أن الشيطان  التناجي الذي هو منه ليس بضار أحدا إلا أن يكون ضر بإذن اللّه أي بأمره وقدره ثم أمر بتوكيل المؤمنين عليه تبارك وتعالى

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس الآية وقرأ عاصم في المجالس قال زيد بن أسلم وقتادة هذه الآية نزلت بسبب تضايق الناس في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم - وذلك أنهم كانوا يتنافسون في القرب منه وسماع كلامه والنظر إليه فيأتي الرجل الذي له الحق والسن والقدم في الإسلام فلا يجد مكانا فنزلت بسبب ذلك

وروى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح اللّه لكم قال جمهور العلماء سبب نزول الآية مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم

ثم الحكم مطرد في سائر المجالس التي هي للطاعات ومنه قوله ص - أحبكم إلى اللّه ألينكم مناكب في الصلاة وركبا في المجالس وهذا قول مالك رحمه اللّه وقال ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر قال ع فالسنة المندوب إليها هي التفسح والقيام منهي منه في حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم - حيث نهى أن يقوم الرجل فيجلسه الآخر مكانه ت وقد روى أبو داود في سننه عن سعيد بن أبي الحسن قال جاءنا أبو بكرة في شهادة فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - نهى عن ذلك ونهى أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه

وروى أبو داود عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم - فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - انتهى قال ع فأما القيام إجلالا فجائز بالحديث وهو قوله عليه السلام حين أقبل سعد بن معاذ قوموا إلى سيدكم وواجب على المعظم أن لا يجب ذلك ويأخذ الناس به لقوله عليه السلام من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ت وفي الاحتجاج بقضية سعد نظر لأنها احتفت بها قرائن سوغت ذلك انظر السير وقد أطنب صاحب المدخل في الإنحاء والرد على المجيزين للقيام والسلامة عندي ترك القيام

وقوله تعالى يفسك اللّه لكم معناه في رحمته وجنته ص يفسح مجزوم في جواب الأمر انتهى وإذا قيل انشزوا معناه ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك ومن رياض الصالحين للنووي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قال لايحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية لأبي داود لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما وعن حذيفة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لعن من جلس وسط الحلقة رواه أبو داود بإسناد حسن

وروى الترمذي عن أبي

مجلز أن رجلا قعد وسط الحلقة فقال حذيفة ملعون على لسان صلى اللّه عليه وسلم -  لعن اللّه على لسان صلى اللّه عليه وسلم - من جلس وسط الحلقة قال الترمذي حديث حن صحيح انتهى

وقوله سبحانه يرفع اللّه الذين آمنوا منكم الآية قال جماعة المعنى يرفع اللّه المؤمنين العلماء درجات فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم

وقال آخرون المعنى يرفع اللّه المؤمنين ولعلماء الصنفين جميعا درجات لكنا نعلم تفاضلهم في الدرجات من مواضع أخر فلذلك جاء الأمر بالتفسح عاما للعلماء وغيرهم وقال ابن مسعود وغيره يرفع اللّه الذين آمنوا منكم وهنا تم الكلام ثم ابتدأ بتخصيص العلماء بالدرجات ونصبهم بإضمار فعل فللمؤمنين رفع على هذا التأويل وللعلماء درجات وعلى هذا التأويل قال مطرف بن عبد اللّه بن الشخير فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع

وروى البخاري وغيره عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين اللّه عز و جل ونفعه ما بعثني اللّه به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللّه عز و جل الذي أرسلت به انتهى

وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم ارسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر روي عن ابن عباس وقتادة في سببها أن قوما من شباب المؤمنين وإغفالهم كثرت مناجاتهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم - في غير حاجة وكان ص - سمحا لا يرد أحدا فنزلت هذه الآية مشددة عليهم وقال مقاتل نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم - ومجالسته قال جماعة من

الرواة نسخت هذه الآية قبل العمل بها لكن استقر حكمها بالعزم عليه وصح عن علي أنه قال ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين قال ثم فهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال لي يا علي كم ترى أن يكون جد هذه الصدقة أتراه دينارا قلت لا قال فنصف دينار قلت لا قال فكم حبة من شعير قال إنك لزهيد فأنزل اللّه الرخصة يريد للواجدين وأما من لم يجد فالرخصة له ثابتة بقوله فإن لم تجدوا قال الفخر قوله عليه السلام لعلي إنك لزهيد معناه إنك قليل المال فقدرت على حسب حالك انتهى

١٣

وقوله سبحانه ءأشفقتم الآية الإشفاق هنا الفزع من العجر عن الشيء المتصدق به  من ذهاب المال في الصدقة

وقوله فأقيموا الصلاة الآية المعنى دوموا على هذه الأعمال التي هي قواعد شرعكم ومن قال إن هذه الصدقة منسوخة بآية الزكاة فقوله ضعيف

١٤

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين تولوا نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوما من الهيود وهم المغضوب عليهم قال الطبري ما هم منكم يريد به المنافقين ولا منهم أي ولا من اليهود وهذا التأويل يجري مع

قوله تعالى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كالشاة العائرة بين الغنمين وتحتمل الآية تأويلا آخر وهو أن يكون قوله ما هم يريد به اليهود ولا منهم يريد به المنافقين ويحلفون يعني المنافقين وقرأ الحسن اتخذوا إيمانهم بكسر الهمزة والجنة ما يتستر به ثم أخبر تعالى عن المنافقين في هذه الآية أنه ستكون لهم إيمان يوم القيامة بين يدي اللّه تعالى يخيل إليهم بجهلهم أنها تنفعهم وتقبل منهم وهذا هو حسابهم أنهم على شيء أي على شيء نافع لهم

وقوله تعالى استحوذ عليهم الشيطان معناه تملكهم من كل جهة وغلب على نفوسهم وحكي أن عمر قرأ استحاذ ثم قضى تعالى على محاده بالذل وباقي الآية بين

وقوله سبحانه لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون

من حاد اللّه ورسوله الآية نفت هذه الآية أن يوجد من يومن باللّه حق الإيمان ويلتزم شعبه على الكمال يواد كافرا ومنافقا وكتب في قلوبهم الإيمان معناه أثبته وخلقه بالإيجاد

وقوله أولائك إشارة إلى المؤمنين الذين يقتضيهم معنى الآية لأن المعنى لكنك تجدهم لا يوادون من حاد اللّه

وقوله تعالى بروح منه معناه بهدى منه ونور وتوفيق إلا هي ينقدح لهم من القرءان وكلام النبي صلى اللّه عليه وسلم - والحزب الفريق وباقي الآية بين

﴿ ٠