سورة الجمعة

وهي مدنية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى يسبح للّه ما في السموات وما في الأرص تقدم القول في مثل ألفاظ الآية والمراد بالأميين جميع العرب

واختلف في المعينين بقول تعالى وآخرين منهم فقال أبو هريرة وغيره أراد فارس وقد سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - من الآخرون فأخذ بيد سلمان وقال لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء خرجه مسلم والبخاري وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وغيرهم أراد جميع طوائف الناس فقوله منهم على هذين القولين إنما يريد في البشرية والإيمان وقال مجاهد أيضا وغيره أراد التابعين من أبناء العرب فقوله منهم يريد في النسب والإيمان

وقوله لما يلحقوا نفي لما قرب من الحال والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي لم زيدت عليها ما تأكيدا

والذين حملوا التوراة هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون للنبي صلى اللّه عليه وسلم - وحملوا معناه كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها فهذا كما حمل الإنسان الأمانة وذكر تعالى أنهم لم يحملوها أي لم يطيعوا أمرها ويقفوا عند حدودها حين كذبوا نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم

والتوراة تنطق بنبوته فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار وفي مصحف ابن مسعود كمثل حمار بغير تعريف والسفر الكتاب المجمع الأوراق منضدة

وقول بيس مثل القوم التقدير بيس المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللّه ص ورد بأن فيه حذف الفاعل ولا يجوز والظاهر أن مثل القوم فاعل بيس والذين كذبوا هو المخصوص بالذم على حذف مضاف أي مثل الذين كذبوا انتهى

٦

وقوله سبحانه قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم الآية روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - خاطبوا يهود خيبر في أمره وذكروا لهم نبوته وقالوا إن رأيتم أتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن وأبناء عزير بن اللّه ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بالنبوة من محمد ولا سبيل إلى اتباعه فنزلت الآية بمعنى أنكم إذا كنتم من اللّه بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الخسيسة أحب إليكم فتمنوا الموت إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة ثم أخبر تعالى أنهم لا يتمنونه أبدا لعلمهم بسوء حالهم

وروى كثير من المفسرين أن اللّه جلت قدرته جعل هذه الآية معجزة لمحمد نبيه فيهم فهي آية بااهرة وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودات مات وفارق الدنيا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - تمنوا الموت على جهة التعجيز وإظهار الآية فما تمناه أحد منهم خوفا من الموت وثقة بصدق نبينا صلى اللّه عليه وسلم -

٩

وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة الآية النداء هو الأذان وكان على الجدار في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وفي مصنف أبي داود كان بين يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم - وهو على المنبر أذان ثم زاد عثمان النداء على الزوراء ليسمع الناس ت وفي البخاري والترمذي وصححه عن السائب بن يزيد

قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فلما تولى عثمان وكثر الناس زاد الأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك قيل فقوله الثالث يقتضي أنهم كانوا ثلاثة وفي طريق آخر الثاني بدل الثالث وهو يقتضي أنهما اثنان انتهى وخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للإمام حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام انتهى وخرجه البخاري من طريق سلمان

وقوله من يوم الجمعة قال ابن هشام من مرادفة في انتهى

وقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر اللّه الآية السعي في الآية لا يراد به الإسراع في المشي وإنما هو بمعنى قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فالسعي هو بالنية والإرادة والعمل من وضوء وغسل ومشي ولبس ثوب كل ذلك سعي وقد قال مالك وغيره إنما تؤتى الصلاة بالسكينة ت وهو نص الحديث الصحيح وهو قوله ص - في الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة ت والظاهر أن المراد بالسعي هنا المضي إلى الجمعة كما فسره الثعلبي ويدل على ذلك إطلاق العلماء لفظ الوجوب عليه فيقولون السعي إلى الجمعة واجب ويدل على ذلك قراءة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين فامضوا إلى ذكر اللّه وقال ابن مسعود لو قرأت فاسعوا لأسرعت حتى يقع ردائي وقال العراقي فاسعوا معناه بادروا انتهى

وقوله إلى ذكر اللّه هو وعظ الخطبة قاله ابن المسيب ويؤيده قوله ص - في الحديث الصحيح إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر الحديث خرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم والخطبة عند

الجمهور شرح في انعقاد الجمعة وعن أبي موسى الأشعري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قال إن اللّه عز و جل يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة أهلها محفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها الوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان ما يطرفون تعجبا يدخلون الجنة لا يخالطهم إلا المؤذنون المحتسبون خرجه القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبد اللّه بن إبراهيم الهاشمي قال صاحب التذكرة وإسناده صحيح انتهى

وقوله سبحانه ذلكم إشارة إلى السعي وترك البيع

١٠

وقوله فانتشروا أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة وكذلك قوله وابتغوا من فضل اللّه أنه الإباحة في طلب المعاش مثل

قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا إلا ما روي عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض  صلة صديق  اتباع جنازة قال ع وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة ونحوه عن جعفر بن محمد وقال مكحول الفضل المبتغى العلم فينبغي أن يطلب أثر الجمعة

وقوله تعالى واذكروا اللّه كثيرا الآية قال معاذ بن جبل ما شيء أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى من السلاح

وقوله سبحانه وإذا رأوا تجارة  لهوا الآية نزلت بسبب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي قال مجاهد وكان من عرفهم أن تدخل عيرالمدينة بالطبل والمعازف والصياح سرورا بها فدخلت العير بمثل ذلك فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قائما على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا قال جابر بن عبد اللّه أنا أحدهم قال

ع ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكر الآن إلا أني سمعت أبي رحمه اللّه يقول هم العشرة المشهود لهم بالجنة

واختلف في الحادي عشر فقيل عمار بن ياسر

وقيل ابن مسعود ت وفي تقييد أبي الحسن الصغير والاثنا عشر الباقون هم الصحابة العشرة والحاي عشر بلال

واختلف في الثاني عشر فقيل عمار بن ياسر

وقيل ابن مسعود انتهى قال السهيلي وجاءت تسمية الاثني عشر في حديث مرسل رواه أسد بن عمرو والد موسى بن أسد وفيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لم يبق معه إلا أبو بكر وعثمان حتى العشرة وقال وبلال وابن مسعود وفي رواية عمار بدل ابن مسعود وفي مراسيل أبي داود ذكر السبب الذي من أجله ترخصوا فقال إن الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة فتأولوا رضي اللّه عنهم أنهم قد قضوا ما عليهم فحولت الخطبة بعد ذلك قبل الصلاة فهذا الحديث وإن كان مرسلا فالظن الجميل بأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم - يوجب أن يكون صحيحا واللّه أعلم انتهى

وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال لولا هؤلاء لقد كانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء وفي حديث آخر والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد لسال بكم الوادي نارا قال البخاري انفضوا معناه تفرقوا انتهى وقرأ ابن مسعود ومن التجارة للذين اتقوا واللّه خير الرازقين وإنما أعاد الضمير في قوله إليها على التجارة وحدها لأنها أهم وهي كانت سبب اللّهو ص وقرئي إليهما بالتثنية

تفسير سورة إذا جاءك المنافقون وهي مدنية بإجماع

ونزلت في غزوة بني المصطلق بسبب أن ابن أبي سلول كانت له في تلك الغزوة أقوال منكرة وسيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه

﴿ ٠