سورة المنافقين

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللّه الآية فضح اللّه سرائر المنافقين بهذه الآية وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم - نشهد أنك لرسول اللّه وهم في إخبارهم هذا كاذبون لأن حقيقة الكذب أن يخبر الإنسان بضد ما في قلبه وهذه كانت حالهم وقرأ الناس أيمانهم جمع يمين وقرأ الحسن إيمانهم بكسر الهمزة والجنة ما يتستر به في الإجرام والمعاني

وقوله ذلك إشارة إلى فعل اللّه بهم في فضحهم وتوبيخهم ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا فالمعنى ساء عملهم بأن كفروا بعد إيمان

٤

وقوله تعالى وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم هذا توبيخ لهم إذ كان منظرهم يروق جمالا وقولهم يخلب بيانا لكنهم كالخشب المسندة إذ لا أفهام لهم نافعة وكان عبدا بن أبي سلول من أبهى المنافقين وأطولهم ويدل على ذلك أنه لم يوجد قميص يكسو العباس غير قميصه قال الثعلبي تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وطول قامتها وحسن صورتها قال ابن عباس وكان عبد اللّه بن أبي جسيما صبيحا فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم

قوله ووصفهم اللّه تعالى بتمام الصورة وحسن الإبانة ثم شبههم بالخشب المسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام انتهى

وقوله تعالى يحسبون كل صيحة عليهم هذا أيضا فضح لما كانوا يسرونه من الخوف وذلك بأنه كانوا يسرونه من الخوف وذلك أنهم كانوا يتوقعون أن يأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم - عن اللّه بقتلهم قال مقاتل فكانوا متى سمعوا نشد أن ضالة  صياحا بأي وجه  أخبروا بنزول وحي طارت عقولهم حتى يسكن ذلك ويكون في غير شأنهم ثم أخبر تعالى بأنهم هم العدو وحذر منهم

وقوله تعالى قاتلهم اللّه دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة لهم وأنى يؤفكون معناه كيف يصرفون

وقوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه الآية سبب نزولها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - غزا بني المصطلق فازدحم لعمر بن الخطاب يقال له جهجاه مع سنان بن وبرة الجهني حليف للأنصار على الماء فكسع جهجاه سنانا فتثاورا ودعا جهجاه يا للمهاجرين ودعا سنان يا للأنصار فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فقال ما بال دعوى الجاهلية فلما أخبر بالقصة قال دعوها فإنها منتنة فقال عبد اللّه بن أبي أوقد فعلوها واللّه ما مثلنا ومثل جلابيب قريش إلا كما قال الأول سمن كلبك ياكلك وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم قال لمن معه من المنافقين إنما يقيم هؤلاء المهاجرون مع محمد بسبب معونتكم لهم لو قطعتم ذلك عنهم لفروا فسمعها منه زيد بن أرقم فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم - بذلك فعاتب رسول اللّه عبد اللّه بن أبي عند رجال من الأنصار فبلغه ذلك فجاء وحلف ما قال ذلك وحلف معه قوم من المنافقين وكذبوا زيدا فصدقهم النبي صلى اللّه عليه وسلم - فبقي زيد في منزله لا يتصرف حيا من الناس فنزلت هذه السورة عند ذلك فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم - إلى زيد وقال له لقد صدقك اللّه يا زيد فخري عند ذلك عبد اللّه بن أبي ومقته الناس

ولامه المؤمنون من قومه وقال له بعضم امض إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - واعترف بذنبك يستغفر لك فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي وقال لهم لقد اشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد فهذا قصص هذه السورة موجزا وقرأ نافع والمفضل عن عاصم لووا بتخفيف الواو وقرأ الباقون بتشديدها

وقوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم الآية روي أنه لما نزلت أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لأزيدن على السبعين وفي حديث آخر لو علمت أني لو زدت على السبعين لغفر لهم لزدت وفي هذا الحديث دليل على رفض دليل الخطاب فلما فعل ابن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد اللّه عليهم في هذه الآية واعلم أنه لن يغفر لهم دون حد في الاستغفار

٧

وقوله تعالى هم الذين إشارة إلى أن ابن أبي ومن قال بقوله ثم سفه تعالى أحلامهم في أن ظنوا أن إنفاقهم وهو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد اللّه تعالى إذا انسد باب انفتح غيره ثم اعلم تعالى أن العزة للّه ولرسوله وللمؤمنين وفي ذلك وعيد

وروي أن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي كان رجلا صالحا لما سمع الآية جاء إلى أبيه فقال له أنت واللّه يا أبت الذليل ورسول اللّه العزيز ووقف على باب السكة التي يسلكها أبوه وجرد السيف ومنعه الدخول وقال واللّه لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول اللّه وعبد اللّه بن أبي في أذل حال وبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فبعث إليه أن خله يمضي إلى منزله فقال أما الآن فنعم

٩

وقوله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه الآية الالهاء الاشتغال بملذ وشهوة وذكر اللّه هنا عام في الصلوات والتوحيد والدعاء وغير ذلك من مفروض ومندوب وكذلك

قوله تعالى وانفقوا من ما رزقناكم عام في المفروض والمندوب قاله جماعة من المفسرين قال

الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب عيوب النفس ومن عيوبها تضييع أوقاتها بالاشتغال بما لا يعني من أمور الدنيا والخوض فيها مع أهلها ومداواتها أن يعلم أن وقته أعز الأشياء فيشغله بأعز الأشياء وهو ذكر اللّه والمداومة على الطاعة ومطالبة الإخلاص من نفسه فإنه روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - أنه قال من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه وقال الحسن بن منصور عليك بنفسك فإن لم تشغلها شغلتك انتهى

وقوله لولا أخرتني إلى أجل قريب طلب للكرة والإمهال وسماه قريبا أنه بات وأيضا فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط وليس بتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته

وقوله واكن من الصالحين ظاهره العموم وقال ابن عباس هو الحج

وروى الترمذي عنه أنه قال ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته قال الثعلبي قال ابن عباس إلى أجل قريب يريد مثل آجالنا في الدنيا انتهى وقرأ أبو عمرو وأكون وفي

١١

قوله تعالى ولن يؤخر اللّه نفسا إذا جاء أجلها حض على المبادرة ومسابقة الأجل بالعمل الصالح

﴿ ٠