سورة الملكوهي مكية بإجماع وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم - يقرأها عند أخذ مضجعه رواه جماعة مرفوعا وروي أنها تنجي من عذاب القبر تجادل عن صاحبها حتى لا يعذب وروى ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال وددت أن سورة تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن ت وقد خرج مالك في الموطأ أنها تجادل عن صاحبها وخرج أبو داود والترمذي والنسائي وأبو الحسن بن صخر وأبو ذر الهروي وغيرهم أحاديث في فضل هذه السورة نحو ما تقدم ولولا ما قصدته من الاختصار لنقلتها هنا ولكن خشية الإطالة منعتني من جلب كثير من الآثار الصحيحة في هذا المختصر وانظر الغافقي فقد استوفى نقل الآثار في فضل هذه السورة بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى تبارك الذي بيده الملك تبارك من البركة وهي التزايد في الخيرات الثعلبي تبارك الذي بيده الملك أي تعالى وتعاظم وقال الحسن تقدس الذي بيده الملك في الدنيا والآخرة وقال ابن عباس بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء انتهى ٢وقوله سبحانه الذي خلق الموت والحياة الآية الموت والحياة معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر وما جاء في الحديث الصحيح من قوله عليه السلام يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط الحديث فقال أهل العلم إنما ذلك تمثال كبش يوقع اللّه العلم الضروري لأهل الدارين أنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا ويكون ذلك التمثال حاملا للموت لا على أنه يحل الموت فيه فتذهب عنه حياة ثم يقرن اللّه تعالى في ذلك التمثال إعدام الموت وقوله سبحانه ليبلوكم أي جعل لكم هاتين الحالتين ليبلوكم أي ليختبركم في حال الحياة ويجازيكم بعد الممات وقال أبو قتادة ونحوه عن ابن عمر قلت يا رسول اللّه ما معنى قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا فقال يقول أيكم أحسن عقلا وأشدكم للّه خوفا وأحسنكم في أمره ونهيه نظرا وإن كانوا أقلكم تطوعا وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن أيكم أحسن عملا أزهدكم في الدنيا قال القرطبي وقال السدي أحسنكم عملا أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا انتهى من التذكرة وللّه در القائل ... وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى ... عن الشغل باللذات للمرء زاجر ... ... أبعد اقتراب الأربعين تربص ... وشيب فذاك منذر لك ذاعر ... ... فكم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوال دوائر ... ... وأنت على الدنيا مكب منافس ... لخطابها فيها حريص مكاثر ... ... على خطر تمسي وتصبح لاهيا ... أتدري بما إذا لو عقلت تخاطر ... ... وإن امرأ يسعى لدنياه جاهدا ... ويذهل عن أخراه لا شك خاسر ... ... كأنك مغتر بما أنت صائر ... لنفسك عمدا عن الرشد جائر ... ... فجد ولا تغفل فعيشك زائل ... وأنت إلى دار المنية صائر ... ... ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها ثروة لك ضائر وكيف يلذ العيش من هو موقن ... بموقف عدل يوم تبلى السرائر ... ... لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر ... انتهى وطباقا قال الزجاج هو مصدر وقيل جمعه طبقة جمع طبق والمعنى بعضها فوق بعض وقال أبان بن ثعلب سمعت أعرابيا يذم رجلا فقال شره طباق وخيره غير باق وما ذكره بعض المفسرين في السموات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف لم يثبت بذلك حديث وقوله سبحانه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت معناه من قلة تناسب ومن خروج عن إتقان قال بعض العلماء خلق الرحمن معني به السماوات وإياها أراد بقوله هل ترى من فطور وبقوله ينقلب إليك البصر الآية وقال آخرون بل يعني به جميع ما خلق سبحانه من الأشياء فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور جارية على غير إتقان قال منذر بن سعيد أمر اللّه تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بتكرير النظر وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر ليرى فيها خللا نقصا فإن بصره ينقلب خاسئا حسيرا ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر وكرتين معناه مرتين والخاسئ المبعد عن شيء أراده وحرص عليه ومنه قوله تعالى اخسئوا فيها وكذلك البصر يحرص على رؤية فطور تفاوت فلا يجد ذلك فينقلب خاسئا والحسير العيي الكال ٥وقوله تعالى بمصابيح يعني النجوم قال الفخر ومعنى السماء الدنيا أي القريبة من الناس وليس في هذه الآية ما يدل على أن الكواكب مركوزة في السماء الدنيا وذلك لأن السماوات إذا كانت شفافة فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا كانت في سماوات أخرى فوقها فهي لا بد أن تظهر في السماء وتلوح فيها فعلى كلا التقديرين فالسماء الدنيا مزينة بها انتهى وقوله وجعلناها معناه وجعلنا منها ويوجب هذا التأويل في الآية أن الكواكب الثابتة والبروج وكل ما يهتدى به في البر والبحر ليست براجمة وهذا نص في حديث السير قال الثعلبي رجوما للشياطين يرجمون بها إذا استرقوا السمع فلا تخطئهم فمنهم من يقتل ومنهم من يبخل انتهى ٦وقوله تعالى وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم قال ع تضمنت الآية أن عذاب جهنم للكفار المخلدين وقد جاء في الأثر أنه يمر على جهنم زمان تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة والذي يقال في هذا أن جهنم اسم تختص به الطبقة العليا من النار ثم قد تسمى الطبقات كلها باسم بعضها فالتي في الأثر هي الطبقة العليا لأنها مقر العصاة من المؤمنين والتي في هذه الآية هي جهنم بأسرها أي جميع الطبقات والشهيق أقبح ما يكون من صوت الحمار فاشتعال النار وغليانها يصوت مثل ذلك وقوله تكاد تميز أي يزايل بعضها بعضا لشدة الاضطراب ومن الغيظ معناه على الكفرة باللّه والفوج الفريق من الناس وظاهر الآية أنه لا يلقى في جهنم أحد إلا سئل على جهة التوبيخ وقوله سبحانه إن أنتم إلا في ضلال كبير يحتمل أن يكون من قول الملائكة ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفار للنذر قال الفخر وقوله تعالى عنهم لو كنا نسمع نعقل ما كنا في أصحاب السعير قيل إنما جمعوا بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل انتهى ١٢وقوله سبحانه الذين يخشون ربهم بالغيب يحتمل معنيين أحدهما بالغيب الذي أخبروا به من النشر والحشر والجنة والنار فآمنوا بذلك وخشوا ربهم فيه ونحا إلى هذا قتادة والمعنى الثاني أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس أي في خلواتهم في صلاتهم وعباداتهم ١٣وقوله تعالى وأسروا قولكم الآية خطاب لجميع الخلق وذلولا بمعنى مذلولة ومناكبها قال مجاهد هي الطرق والفجاج وقال البخاري مناكبها جوانبها قال الغزالي رحمه اللّه جعل اللّه سبحانه الأرض ذلولا لعباده لا ليستقروا في مناكبها بل ليتخذوها منزلا فيتزودون منها محترزين من مصائدها ومعاطبها ويتحققون أن العمر يسير بهم سير السفينة براكبها فالناس في هذا العالم سفر وأول منازلهم المهد وآخرها اللحد والوطن هو الجنة النار والعمر مسافة السفر فسنوه مراحله وشهوره فراسخه وأيامه أمياله وأنفاسه خطواته وطاعته بضاعته وأوقاته رؤوس أمواله وشهواته وأغراضه قطاع طريقه وربحه الفوز بلقاء اللّه عز و جل في دار السلام مع الملك الكبير والنعيم المقيم وخسرانه البعد من اللّه عز و جل مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم فالغافل عن نفس واحد من أنفاسه حتى ينقضي في غير طاعة تقربه إلى اللّه تعالى زلفى متعرض في يوم التغابن لغبينة وحسرة مالها منتهى ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفقون عن ساق الجد ودعوا بالكلية ملاذ النفس واغتنموا بقايا العمر فعمروها بالطاعات بحسب تكرر الأوقات انتهى قال الشيخ أبو مدين رحمه اللّه عمرك نفس واحد فاحرص من أن يكون لك لا عليك انتهى واللّه الموفق بفضله والنشور الحياة بعد الموت وتمور معناه تذهب وتجيء كما يذهب التراب الموار في الريح والحاصب البرد وما جرى مجراه والنكير مصدر بمعنى الإنكار والنذير كذلك ومنه قول حسان بن ثابت ... فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرحمن إن قبلت نذيري ... ثم أحال سبحانه على العبرة في أمر الطير وما أحكم من خلفتها وذلك بين عجز الأصنام والأوثان عنه وصافات جمع صافة وهي التي تبسط جناحها وتصفه وقبض الجناح ضمه إلى الجنب وهاتان حالتان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى ٢١وقوله سبحانه أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه هذا أيضا توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه ٢٢وقوله سبحانه أفمن يمشي مكبا على وجهه قال ابن عباس والضحاك ومجاهد نزلت مثلا للمؤمنين والكافرين على العموم وقال قتادة نزلت مخبرة عن حال القيامة وأن الكفار يمشون على وجوههم والمؤمنين يمشون على استقامة كما جاء في الحديث ويقال أكب الرجل إذا در وجهه إلى الأرض وكبه غيره قال عليه السلام وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم فهذا الفعل على خلاف القاعدة المعلومة لأن أفعل هنا لا يتعدى وفعل يتعدى ونظيره قشعت الريح السحاب فانقشع وقال ص مكبا حال وهو من اكب غير متعد وكب متعد قال تعالى فكبت وجوههم في النار والهمزة فيه للدخول في الشيء للصيرورة ومطاوع كب انكب تقول كببته فانكب قال بعض الناس ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا انتهى وأهدى في هذه الآية أفعل تفضيل من الهدى ٢٥وقوله تعالى ويقولون متى هذا الوعد يريدون أمر القيامة والعذاب المتوعد به ثم أمر سبحانه نبيه عليه السلام أن يخبرهم بأن علم القيامة والوعد الصدق مما تفرد اللّه سبحانه بعلمه وقوله سبحانه فلما رأوه الضمير للعذاب الذي تضمنه الوعد وهذه حكاية حال تأتي والمعنى فإذا رأوه وزلفة معناه قريبا قال الحسن عيانا وسيئت وجوه الذين كفروا معناه ظهر فيها السوء وتدعون معناه تتداعون أمره بينكم وقال الحسن تدعون أنه لا جنة ولا نار وروي في تأويل قوله تعالى قل أرأيتم إن أهلكني اللّه ومن معي الآية أنهم كانوا يدعون على صلى اللّه عليه وسلم - وأصحابه بالهلاك فقال اللّه تعالى لنبيه قل لهم أرأيتم إن أهلكني اللّه ومن معي رحمنا فمن يجيركم من العذاب الذي يوجبه كفركم ثم وقفهم سبحانه على مياههم التي يعيشون منها إن غارت أي ذهبت في الأرض من يجيئهم بماء كثير كاف ص والغور مصدر بمعنى الغائر انتهى والمعين فعيل من معن الماء إذا كثر وقال ابن عباس معين عذب |
﴿ ٠ ﴾