سورة الحاقةوهي مكية بإجماع بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز و جل الحاقة ما الحاقة المراد بالحاقة القيامة وهي اسم فاعل من حق الشيء يحق لأنها حقت لكل عامل عمله قال ابن عباس وغيره سميت القيامة حاقة أنها تهدي حقائق الأشياء والحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة الثانية خبر ما والجملة خبر الأولى وهذا كما تقول زيد ما زيد على معنى التعظيم له وإبهام التعظيم أيضا ليتخيل السامع أقصى جهده ٣وقوله وما أدراك ما الحاقة مبالغة في هذا المعنى أي إن فيها ما لم تدره من أهوالها وتفاصيل صفاتها ثم ذكر تعالى تكذيب ثمود وعاد بهذا الأمر الذي هو حق مشيرا إلى أن من كذب بذلك ينزل به ما نزل بأولئك والقارعة من أسماء القيامة أيضا لأنها تقرع القلوب بصدمتها ٥وقوله سبحانه فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية قال قتادة معناه بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة وقيل المعنى بسبب الفيئة الطاغية وقيل بسبب الفعلة الطاغية وقال ابن زيد ما معناه الطاغية مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم وقال أبو عبيدة ويقوي هذا قوله تعالى كذبت ثمود بطغوها وأولى الأقوال وأصوبها الأول وباقي الآية تقدم تفسير نظيره وما في ذلك من القصص والعاتية معناه الشديدة المخالفة فكانت الريح قد عتت على خزانها بخلافها وعلى قوم عاد بشدتها وروي عن علي وابن عباس أنهما قالا لم ينزل من السماء قطرة ماء قط إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد فإن اللّه أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان وحسوما قال ابن عباس وغيره معناه كاملة تباعا لم يتخللّها غير ذلك وقال ابن زيد حسوما جمع حاسم ومعناه أن تلك الأيام قطعتهم بالإهلاك ومنهم حسم العلل ومنه الحسام والضمير في قوله فيها صرعى يحتمل عوده على الليالي والأيام ويحتمل عوده على ديارهم وقيل على الريح ص ومن قبله النحويان وعاصم في رواية بكسر القاف وفتح الباء أي أجناده وأهل طاعته وقرأ الباقون قبله ظرف زمان انتهى وقوله بالخاطئة صفة لمحذوف أي بالفعلة الخاطئة والرابية النامية التي قد عظمت جدا ومنه ربا المال ومنه اهتزت وربت ثم عدد تعالى على الناس نعمة في قوله إنا لما طغا الماء يعني في وقت الطوفان الذي كان على قوم نوح والجارية سفينة نوح قاله منذر بن سعيد والضمير في لنجعلها عائد على الجارية على الفعلة وقوله تعالى وتعيها أذن واعية عبارة عن الرجل الفهم المنور القلب الذي يسمع القرآن فيتلقاه بفهم وتدبر قال أبو عمران الجوني واعية عقلت عن اللّه تعالى وقال الثعلبي المعنى لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعد تقول وعيت العلم إذا حفظته انتهى ثم ذكر تعالى بأمر القيامة وقرأ الجمهور وحملت بتخفيف الميم بمعنى حملتها الريح القدرة ودكتا معناه سوي جميعها وانشقاق السماء هو تفطرها وتميز بعضها من بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدرات البالية المتشققة واهية والملك اسم الجنس يريد به الملائكة وقال جمهور من المفسرين الضمير في أرجائها عائد على السماء أي الملائكة على نواحيها والرجا الجانب من البير الحائط ونحوه وقال الضحاك وابن جبير وغيرهما الضمير في أرجائها عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك وفسروا هذه الآية بما روي من أن اللّه تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفا على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء فكلما ند أحد من الجن الإنس وجد الأرض قد أحيط بها قالوا فهذا تفسير هذه الآية وهو أيضا معنى قوله وجاء ربك والملك صفا صفا وهو تفسير يوم التناد يوم تولون مدبرين على قراءة من شدد الدال وهو تفسير قوله يا معشر الجن والإنس الآية واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش فقال ابن عباس هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم وقال ابن زيد هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول وقال جماعة من المفسرين هم على هيئة الناس أرجلهم تحت الأرض السابعة ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة قال الغزالي في الدرة الفاخرة هم ثمانية أملاك قدم الملك منهم مسيرة عشرين ألف سنة انتهى والضمير في قوله فوقهم قيل هو للملائكة الحملة وقيل للعالم كله ١٨وقوله تعالى يومئذ تعرضون خطاب لجميع العالم وفي الحديث الصحيح يعرض الناس ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف في الأيدي فأخذ بيمينه وأخذ بشماله قال الغزالي يجب على مسلم البدار إلى محاسبة نفسه كما قال عمر رضي اللّه عنه حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا وانما حسابه لنفسه ان يتوب من كل معصية قبل الموت توبة نصوحا ويتدارك ما فرط فيه من تقصير في فرائض اللّه عز و جل ويرد المظالم حبة حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة فهذا يدخل الجنة بغير حساب ان شاء اللّه تعالى انتهى من ءاخر الاحياء ونقل القرطبي في تذكرته هذه الالفاظ بعينها وقوله هاؤم اقرءوا كتابيه معناه تعالوا وقوله اقرءوا كتابيه هو استبشار وسرور ص هاؤم ها بمعنى خذ قال الكساءي والعرب تقول هاء يا رجل وللاثنين رجلين امرأتين هاؤما وللرجال هاؤم وللمرأة هاء بهمزة مكسورة من غير ياء وللنساء هاؤن وزعم القتبي ان الهمزة بدل من الكاف وهو ضعيف الا ان يعنى انها تحل محلها في لغة من قال هاك وهاك وهاكما وهاكم وهاكن فذلك ممكن لا انه بدل صناعي لان الكاف لا تبدل من الهمزة ولا الهمزة منها انتهى وقوله انى ظننت انى ملاق حسابيه عبارة عن ايمانه بالبعث وغيره وظننت هنا واقعة موقع تيقنت وهي في متيقن لم يقع بعد ولا خرج الى الحس وهذا هو باب الظن الذي يوقع موقع اليقين وراضية بمعنى مرضية والقطوف جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف ودنوها هوانها تأتي طوع التمنى فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها وبما اسلفتم معناه بما قدمتم من الاعمال الصالحة والايام الخالية هي ايام الدنيا لانها في الآخرة قد خلت وذهبت وقال وكيع وغيره المراد بما اسلفتم من الصوم وعموم الآية في كل الاعمال اولى واحسن ت ويدل على ذلك الآية الاخرى كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون قال ابن المبارك في رقائقه اخبرنا مالك بن مغول انه بلغه ان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا فانه اهون ابسر لحسابكم وزنوا انفسكم قبل ان توزنوا وتجهزوا للعرض الاكبر يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية قال ابن المبارك اخبرنا معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال ان المومن قوام على نفسه يحاسب نفسه للّه وانما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا انفسهم في الدنيا وانما شق الحساب يوم القيامة على قوم اخذوا هذا الامر عن غير محاسبة انتهى والذين يوتون كتبهم بشمائلهم هم المخلدون في النار اهل الكفر فيتمنون ان لو كانوا معدومين وقوله يا ليتها كانت القاضة اشارة الى مونة الدنيا أي ليتها لم يكن بعدها رجوع ص ما اغنى ما نافية استفهامية انتهى والسلطان في الآية الحجة وقيل انه ينطق بذلك ملوك الدنيا والظاهر ان سلطان كل احد حاله في الدنيا من عدد وعدد ومنه قوله ص - لا يومن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه ٣٠وقوله سبحانه خذوه فغلوه الآية المعنى يقول اللّه تعالى الملك بامره للزبانية خذوه واجعلوا في عنقه غلا قال ابن جريح نزلت في ابي جهل وقوله تعالى فاسلكوه معناه ادخلوه وروي ان هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره فهي في الحقيقة التي تسلك فيه لكن الكلام جرى مجرى ادخلت القلنسوة في رأسي وروي ان هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تعمه وتضغطه فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك ٣٤وقوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين خصت هذه الخلة بالذكر لانها من اضر الخلال بالبشر اذا كثرت في قوم هلك مساكينهم ت ونقل الفخر عن بعض الناس أنه قال في قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المساكين احدهما عطفه على الكفر وجعله قرينا له والثانى ذكر الحض دون الفعل ليعلم انه اذا كان تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بمن ترك الفعل قال الفخر ودلت الآية على ان الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة وهو المراد من قولنا انهم مخاطبون بفروع الشريعة وعن ابي الدرداء انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين ويقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان افلا نخلع النصف الثاني انتهى ٣٥وقوله فليس له اليوم ها هنا حميم أي صديق لطيف المودة قاله الجمهور وقيل الحميم الماء السخن فكانه تعالى اخبر ان الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع ولا طعام الا من غسلين وهو ما يجري من الجراح اذا غسلت وقال ابن عباس الغسلين هو صديد أهل النار وقال قوم الغسلين شيء يجري من ضريع النار ص - الا من غسلين ابو البقاء النون في غسلين زائدة لانه غسالة اهل النار انتهى والخاطىء الذي يفعل ضد الصواب ٣٨وقوله تعالى فلا اقسم قيل لا زائدة وقيل لا رد لما تقدم من اقوال الكفار والبدأة اقسم وقوله بما تصبرون وما لا تبصرون قال قتادة اراد اللّه تعالى ان يعم بهذا القسم جميع مخلوقاته والرسول الكريم قيل هو جبريل وقيل نبينا صلى اللّه عليه وسلم – ٤١وقوله تعالى وما هو بقول شاعر نفي سبحانه ان يكون القرءان من قول شاعر كما زعمت قريش وقليلا نصب بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون وما يحتمل ان تكون نافية فينتفي ايمانهم البتة ويحتمل ان تكون مصدرية فيتصف ايمانهم بالقلة ويكون ايمانا لغويا لانهم قد صدقوا باشياء يسيرة لا تغنى عنهم شيأ ثم اخبر سبحانه ان محمد عليه السلام لو تقول عليه لعاقبه بما ذكر ص الاقاويل جمع اقوال واقوال جمع قول فهو جمع الجمع انتهى ٤٥وقوله سبحانه لاخذنا منه باليمين قال ابن عباس المعنى لاخذنا منه بالقوة اي لنلنا منه عقابه بقوة منا وقيل معناه لاخذنا بيده اليمنى على جهة الهوان كما يقال لمن يسجن يقام لعقوبة خذوا بيده بيمينه والوتين نياط القلب قاله ابن عباس وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر فمعنى الآية لا ذهبنا حياته معجلا والحاجز المانع والضمير في قوله وانه لتذكرة عائد على القرءان وقيل على النبي صلى اللّه عليه وسلم - ص وانه لحسرة ضمير انه يعود على التكذيب المفهوم من مكذبين انتهى وقال الفخر الضمير في قوله وانه لحسرة فيه وجهان احدهما انه يعود على القرءان اي هو على الكافرين حسرة اما يوم القيامة اذا راوا ثواب المصدقين به في الدنيا اذا رأوا دولة المؤمنين والثاني قال مقاتل وان تكذيبهم بالقرءان لحسرة عليهم يدل عليه قوله ان منكم مكذبين انتهى ثم امر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم ولما نزلت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم تفسير رسول سال وسائل وهي مكية بلا خلاف |
﴿ ٠ ﴾