سورة المعارج

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل سال سائل بعذاب قرأ جمهور السبعة سأل بهمزة محققة قالوا والمعنى دعا داع والاشارة الى من قال من قريش اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء الآية وقولهم عجل لنا قطنا ونحو ذلك وقال بعضهم المعنى بحث باحث واستفهم مستفهم قالوا والاشارة الى قول قريش متى هذا الوعد وما جرى مجراه قاله الحسن وقتادة والباء على هذا التأويل في قوله بعذاب بمعنى عن وقرأ نافع وابن عامر سال سائل ساكنة الالف

واختلف القراء بها فقال بعضهم هي سأل المهموزة الا ان الهمزة سهلت وقال بعضهم هي لغة من يقول سلت اسال ويتساولان وهي لغة مشهوة وقال بعضهم في الآية هي من سال يسيل اذا جرى وليست من معنى السؤال قال زيد بن

ثابت وغيره في جهنم واد يسمى سائلا والاخبار هنا عنه وقرأ ابن عباس سال سيل بسكون الياء وسؤال الكفار عن العذاب حسب قراءة الجماعة انما كان على انه كذب فوصفه اللّه تعالى بانه واقع وعيدا لهم

٢

وقوله للكافرين قال بعض النحاة اللام بمعنى على روري انه كذلك في مصحف ابي على الكافرين والمعارج في اللغة الدرج في الاجرام وهي هنا مستعارة في الرتب والفضائل والصفات الحميدة قاله ابن عباس وقتادة وقال الحسن هي المراقي في السماء قال عياض في مشارق الانوار قوله ص - فعرج بي الى السماء اي ارتقي بي والمعراج الدرج

وقيل سلم تعرج فيه الارواح

وقيل هو احسن شيء لا تتمالك النفس اذا رأته ان تخرج واليه يشخص بصر الميت من حسنه

وقيل هو الذي تصعد فيه الاعمال

وقيل قوله ذي المعارج معارج الملائكة

وقيل ذي الفواضل انتهى

٤

وقوله تعالى تعرج الملائكة معناه تصعد والروح عند الجمهور هو جبريل عليه السلام وقال مجاهد الروح ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني ادم لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة وقال بعض المفسرين هو اسم جنس لأرواح الحيوان

وقوله سبحانه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال ابن عباس وغيره هو يوم القيامة ثم اختلفوا فقال بعضهم قدره في الطول قدر خمسين الف سنة وقال بعضهم بل قدرة في الشدة والاول هو الظاهر وهو ظاهر قوله ص - ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله الا جعل له صفائح من نار يوم القيامة تكوى بها جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال ابو سعيدالخدري قيل يا رسول اللّه ما اطول يوما مقداره خمسون الف سنة فقال والذي نفسي بيده انه ليخف على المومن حتى يكون اخف عليه من صلاة مكتوبة قال ابن المبارك اخبرنا معمر عن قتادة عن زرارة بن  في عن ابي هريرة قال يقصر يؤمئذ على المؤمن حتى

يكون كوقت الصلاة انتهى قال ع وقد ورد في يوم القيامة انه كالف سنة وهذا يشبه ان يكون في طوائف دون طوائف ت قال عبد الحق في العاقبة له اعلم رحمك اللّه ان يوم القيامة ليس طوله كما عهدت من طول الايام

بل هو آلالف من الأعوام

يتصرف فيه هذا الأنام

على الوجوه والأقدام

حتى ينفذ فيهم ما كتب لهم وعليهم من الاحكام

وليس يكون خلاصه دفعة واحدة ولا فراغهم في مرة واحدة بل يتخلصون ويفرغون شيأ بعد شيء لكن طول ذلك اليوم خمسون الف سنة فيفرغون بفراغ اليوم ويفرغ اليوم بفراغهم فمن الناس من يطول مقامه وحبسه الى ءاخر اليوم ومنهم من يكون انفصاله في ذلك اليوم في مقدار يوم من ايام الدنيا  في ساعة من ساعاته  في اقل من ذلك ويكون رايحا في ظل كسبه وعرش ربه ومنهم من يومر به الى الجنة بغير حساب ولا عذاب كما ان منهم من يومر به الى النار في اول الامر من غير وقوف ولا انتظار  بعد يسير من ذلك انتهى

٥

وقوله سبحانه فاصبر صبرا جميلا امر للنبي صلى اللّه عليه وسلم - بالصبر على اذي قومه والصبر الجميل الذي لا يلحقه عيب ولا تشك ولا قلة رضي ولا غير ذلك والامر بالصبر الجميل محكم في كل حالة اعنى لا نسخ فيه

وقيل ان الآية نزلت قبل الامر بالقتال فهي منسوخة ت ولو قيل هذا خطاب لجنس الانسان في شأن هول ذلك اليوم ما بعد

٦

وقوله تعالى انهم يرونه بعيدا يعنى يوم القيامة والمهل عكر الزيت قاله ابن عباس وغيره فهي لسوادها وانكدار انوارها تشبه ذلك والمهل ايضا ما اذيب من فضة ونحوها قاله ابن مسعود وغيره والعهن الصوف

وقيل هو الصوف المصبوغ اي لون كان والحميم في هذا الموضع القريب والولي والمعنى ولا يسئله نصرة ولا منفعة ولا يجدها عنده وقال قتادة المعنى ولا يسئله عن حاله لانها ظاهرة قد بصر كل احد حالة الجميع وشغل بنفسه قال الفخر قوله

تعالى يبصرونهم تقول بصرنى زيد كذا وبصرنى بكذا فاذا بنيت الفعل للمفعول وحذفت الجار قلت بصرت زيدا وهكذا معنى يبصرونهم وكأنه لما قال ولا يسئل حميم حميما قيل لعله لا يبصره فقال يبصرونهم ولكن لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكنون من تساؤهم انتهى وقرأ ابن كثير بخلاف عنه ولا يسئل على بناء الفعل للمفعول فالمعنى ولا يسئل احضاره لأن كل مجرم له سيما يعرف بها كما ان كل مؤمن له سيما خير والصاحبة هنا الزوجة والفصيلة هنا قرابة الرجل

وقوله تعالى كلا انها لظى رد لما ودوه اي ليس الامر كذلك ولظى طبقة من طبقات جهنم والشوي جلد الانسان

وقيل جلد الرأس

تدعوا من ادبر وتولى يريد الكفار قال ابن عباس وغيره تدعوهم بأسمائهم واسماء ءابائهم وجمع اي جمع المال وأوعى جعله في الاوعية اي جمعوه من غير حل ومنعوه من حقوق اللّه وكان عبد اللّه بن عكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت اللّه تعالى يقول وجمع فأوعى

١٩

وقوله تعالى ان الانسان عموم لاسم الجنس لكن الاشارة هنا الى الكفار والهلع فزع واضطراب يعترى الانسان عند المخاوف وعند المطامع

وقوله تعالى اذا مسه الآية مفسر للّهلع

٢٢

وقوله تعالى الا المصلين اي الا المؤمنين الذين امر الآخرة عليهم اوكد من امر الدنيا والمعنى ان هذا المعنى فيهم يقل لانهم يجاهدونه بالتقوى

وقوله الذين هم على صلاتهم دائمون اي مواضبون وقد قال عليه السلام احب العمل الى اللّه ما دام عليه صاحبه ت وقد تقدم في سورة قد افلح ما جاء في الخشوع قال الغزالي فينبغي لك ان تفهم ما تقرأه في صلاتك ولا تغفل في قراءتك عن امره سبحانه ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه واخبار انبيائه وذكر منته واحسانه فلكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الامر والنهي والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق ذكر المنة والاعتبار حق ذكر اخبار الانبياء قال الغزالي

وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر فهذا حق القراءة وهو حق الاذكار والتسبيحات أيضا ثم يراعى الهيئة في القراءة فيرتل ولا يسرد فان ذلك ايسر للتأمل ويفرق بين نغمانه في ءايات الرحمة وءايات العذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم انتهى من الاحياء

وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن ابي حبيب ان ابا الخير حدثه قال سألنا عقبة بن عامر الجهني عن قوله عز و جل الذين هم على صلاتهم دائمون اهم الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه الذي إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه انتهى

٢٤

وقوله سبحانه والذين في اموالهم حق معلوم قال ابن عباس وغيره هذه الآية في الحقوق التي في المال سوى الزكاة وهي ما ندبت اليه الشريعة من المواساة وهذا هو الاصح في هذه الآية لان السورة مكية وفرض الزكاة وبيانها انما كان بالمدينة وباقي الآية تقدم تفسير نظيره

وقوله سبحانه والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون جمع الامانة من حيث انها متنوعة في الاموال والاسرار وفيما بين العبد وربه فيما امره به ونهاه عنه والعهد كل ما تقلده الانسان من قول  فعل  مودة اذا كانت هذه الاشياء على منهاج الشريعة فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه

٣٢

وقوله سبحانه والذين هم بشهادتهم قائمون معناه في قول جماعة من المفسرين انهم يحفظون ما يشهدون فيه ويتقنونه ويقومون بمعانيه حتى لا يكون لهم فيه تقصير وهذا هو وصف من يمتثل قول النبي صلى اللّه عليه وسلم - على مثل الشمس فاشهد وقال ءاخرون معناه الذين اذا كانت عندهم شهادة ورأوا حقا بدرس  حرمة للّه تنتهك قاموا للّه بشهادتهم

٣٦

وقوله تعالى فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الآية نزلت بسبب ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - كان يصلى عند الكعبة احيانا ويقرأ القرءان فكان كثير من الكفار يقومون من

مجالسهم مسرعين اليه يستمعون قراءته ويقول بعضهم لبعض شاعر وكاهن ومفتر وغير ذلك وقبلك معناه فيما يليك والمهطع الذي يمشى مسرعا الى شيء قد اقبل ببصره عليه وعزين جمع عزة والعزة الجمع اليسير كأنهم كانوا ثلاثة ثلاثة واربعة اربعة وفي حديث ابي هريرة قال خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم - على اصحابه وهم حلق متفرقون فقال ما لي اراكم عزين

٣٨

وقوله تعالى أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم نزلت لان بعض الكفار قال ان كانت ثم آخرة وجنة فنحن اهلها لان اللّه تعالى لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك الا لرضاه عنا

وقوله تعالى كلا رد لقولهم وطمعهم اي ليس الامر كذلك ثم اخبر تعالى عن خلقهم من نطفة قذرة واحال في العبارة على علم الناس أي فمن خلق من ذلك فليس بنفس خلقه يعطي الجنة بل بالايمان والاعمال الصالحة

وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا مالك بن مغول قال سمعت ابا ربيعة يحدث عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كلكم يحب ان يدخل الجنة قالوا نعم جعلنا اللّه فداءك قال فاقصروا من الامل وثبتوا آجالكم بين ابصاركم واستحيوا من اللّه حق الحياء قالوا يا رسول اللّه كلنا نستحي من اللّه قال ليس كذلك الحياء ولكن الحياء من اللّه ان لا تنسوا المقابر والبلى ولا تنسوا الجوف وما وعى ولا تنسوا الرأس وما حوى ومن يشتهى كرامة الآخرة يدع زينة الدنيا هنالك استحيى العبد من اللّه هنالك اصاب ولاية اللّه انتهى وقد روينا اكثر هذا الحديث من طريق ابي عيسى الترمذي وباقي الآية تقدم تفسير نظيره والاجداث القبور والنصب ما نصب للانسان فهو يقصده مسرعا اليه من علم  بناء وقال ابو العالية الى نصب يوفضون معناه الى غايات يستبقون ويوفضون معناه يسرعون وخاشعة اي ذليلة منكسرة

﴿ ٠