سورة المزملوهي مكية في قول الجمهور الا قوله ان ربك يعلم الى آخر السورة فمدني وقال جماعة هي مكية كلها بسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز و جل يا ايها المزمل نداء للنبي صلى اللّه عليه وسلم - قال السهيلي المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها عليه السلام حين الخطاب وكذلك المدثر وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان احداهما الملاطفة فان العرب اذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك معاتبته سموه باسم مشتق من حالته كقوله عليه السلام لعلي حين غاضب فاطمة قم ابا تراب اشعارا له انه غير عاتب عليه وملاطفة له والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه الى قيام الليل وذكر اللّه فيه لان الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى والتزمل الالتفاف في الثياب قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره به رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - الى خديجة فقال زملونى زملونى فنزلت يا ايها المدثر وعلى هذا نزلت يا ايها المزمل ٢وقوله تعالى قم الليل الا قليلا قال جمهور العلماء هو امر ندب وقيل كان فرضا وقت نزول الآية وقال بعضهم كان فرضا على النبي صلى اللّه عليه وسلم - خاصة وبقي كذلك حتى توفي وقيل غير هذا وقوله تعالى نصفه يحتمل ان يكون بدلا من قوله قليلا ص الا قليلا استثناء من الليل ونصفه قيل بدل من الليل وعلى هذا يكون استثناء الا قليلا منه اي قم نصف الليل الا قليلا منه والضمير في قوله انقص منه زد عليه عائد على النصف وقيل نصفه بدل من قوله الا قليلا قال ابو البقاء وهو اشبه بظاهر الآية انتهى قال ع وكيف ما تقلب المعنى فإنه امر بقيام نصف الليل اكثر شيئا اقل شيئا فالأكثر عند العلماء لا يريد على الثلثين والاقل لا ينحط عن الثلث ويقوى هذا حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة قال فلما انتصف الليل قبله بقليل بعده بقليل قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - قال ع ويلزم على هذا البدل الذي ذكرناه ان يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل وقد يحتمل عندى قوله الا قليلا ان يكون استثناء من القيام فنجعل الليل اسم جنس ثم قال الا قليلا اي الا الليالي التي تخل بقيامها لعذر وهذا النظر يحسن مع القول بالندب جدا قال ص وهذا النظر خلاف ظاهر الآية انتهى والضمير في منه وعليه عائدان على النصف وقوله سبحانه ورتل معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين والمقصد ان يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة قال ابن كيسان المراد تفهمه تاليا له وروي في صحيح الحديث ان قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - كانت بينة مترسلة لو شاء احد ان يعد الحروف لعدها قال الغزالي في الاحياء واعلم ان الترتيل والتؤدة اقرب الى التوفير والاحترام واشد تأثيرا في القلب من الهدرمة والاستعجال والمقصود من القراءة التفكير والترتيل معين عليه وللناس عادات مختلفة في الختم واولى ما يرجع اليه في التقديرات قول النبي صلى اللّه عليه وسلم - وقد قال عليه السلام من قرأ القرءان في اقل من ثلاث لم يفقهه وذلك لان الزيادة عليها تمنع الترتيل المطلوب وقد كره جماعة الختم في يوم وليلة والتفصيل في مقدار القراءة انه ان كان التالي من العباد السالكين طريق العمل فلا ينبغي له ان ينقص من ختمتين في الاسبوع وان كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر من المشغولين بنشر العلم فلا بأس ان يقتصر في الاسبوع على ختمة وان كان نافذ الفكر في معاني القراءن فقد يكتفي في الشهر بمرة لحاجته الى كثرة الترديد والتأمل انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال حدثنا اسماعيل عن ابي المتوكل الناجى ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قام ذات ليلة بآية من القرآن يكررها على نفسه انتهى ٥وقوله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا يعنى القرآن واختلف لم سماه ثقيلا فقال جماعة من المفسرين لما كان يحل برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - من ثقل الجسم حتى انه كان اذا اوحي اليه وهو على ناقته بركت به وحتى كادت فخذه ان ترض فخذ زيد ابن ثابت رضي اللّه عنه وقيل لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعده ووعيده ونحو ذلك وقال حذاق العلماء معناه ثقيل المعانى من الامر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الاعمال الصالحات دائما قال الحسن ان الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل ت والصواب عندي ان يقال اما ثقله باعتبار النبي صلى اللّه عليه وسلم - فهو ما كان يجده عليه السلام من الثقل المحسوس وأما ثقله باعتبار سائر الأمة فهو ما ذكر من ثقل المعاني وقد زجر مالك سائلا سأله عن مسئلة وقال يا ابا عبد اللّه انها مسئلة خفيفة فغضب مالك وقال ليس في العلم خفيف اما سمعت قول اللّه تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا فالعلم كله ثقيل انتهى من المدارك لعياض ٦وقوله سبحانه ان ناشئة الليل قال ابن جبير وغيره هي لفظة حبشية نشأ الرجل اذا قام من الليل فناشئة على هذا جمع ناشئ اي قائم واشد وطأ معناه ثبوتا واستقلالا بالقيام وقرأ ابو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير وغيرهم وطاء بكسر الواو ممدودا على وزن فعال على معنى المواطأة والموافقة وهو ان يواطئ قلبه لسانه والمواطأة هي الموافقة فهذه مواطأة صحيحة لخلو البال من اشغال النهار وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره قال الثعلبي واختار هذه القراءة ابو عبيد وقال جماعة ناشئة الليل ساعاته كلها لانها تنشأ شيأ بعد شيء وقيل في تفسير ناشئة الليل غير هذا وقرأ انس بن مالك واصوب قيلا فقيل له انما هو اقوم فقال اقوم واصوب واحد ٧وقوله تعالى ان لك في النهار سبحا طويلا اي تصرفا وترددا في امورك ومنه السباحة في الماء وتبتل معناه انقطع اليه انقطاعا هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي انتهى واما ع فقال معناه انقطع من كل شيء الا منه وافزع اليه قال زيد بن اسلم التبتل رفض الدنيا ومنه بتل الحبل وتبتيلا مصدر على غير الصدر قال ابو حيان وحسنه كونه فاصلة انتهى قال ابن العربي في احكامه فالتبتل المأمور به في الآية الانقطاع الى اللّه تعالى باخلاص العبادة وهو اختيار البخاري والتبتل المنهي عنه في الحديث هو سلوك مسلك النصاري في ترك النكاح والترهب في الصوامع انتهى والوكيل القائم بالامر الذي توكل اليه الاشياء وقوله واهجرهم هجرا جميلا منسوخ بأية السيف ١١وقوله سبحانه وذرنى والمكذبين اولى النعمة الآية وعيد بين والمعنى لا تشغل بهم فكرك وكلهم الي والنعمة غضارة العيش وكثرة المال والمشار اليهم كفار قريش اصحاب القليب ببدر ولدينا بمنزلة عندنا والانكال جمع نكال وهو القيد من الحديد ويروى انها قيود سود من النار والطعام ذو الغصة شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس شوك من نار يعترض في حلوقهم وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة وروي ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قرأ هذه الآية فصعق والرجفان والاهتزاز والاضطراب من فزع وهول والمهيل اللين الرخو الذي يذهب بالريح وقال البخاري كثيبا مهيلا رملا سائلا انتهى ١٥وقوله تعالى انا ارسلنا اليكم الآية خطاب للعالم لكن المواجهون قريش وشاهدا عليكم نحو قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والوبيل الشديد الردى وقوله تعالى فكيف تتقون معناه كيف تجعلون وقاية لأنفسكم ويوما مفعول بتتقون وقيل هو مفعول بكفرتم ويكون كفرتم بمعنى جحدتم فتتقون على هذا من التقوى اي تتقون عذاب اللّه ويجوز ان يكون يوما ظرفا والمعنى تتقون عقاب اللّه يوما وعبارة الثعلبي فكيف تتقون ان كفرتم اي كيف تتحصنون من عذاب يوم يشيب فيه الطفل لهوله ان كفرتم ثم ذكر نحو ما تقدم انتهى وحكى ص عن بعض الناس جواز ان يكون يوما ظرفا اي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة ان كفرتم في الدنيا ت وهذا هو مراد ع قال ابو حيان وشيبا مفعول ثان ليجعل وهو جمع اشيب انتهى ١٨وقوله تعالى السماء منفطر به اي ذات انفطار والانفطار التصدع والانشقاق والضمير في به قال منذر وغيره عائد على اليوم وكذا قال ص ان ضمير به يعود على اليوم والباء سببية ظرفية انتهى وفي صحيح مسلم من رواية عبد اللّه بن عمرو وذكر ص - بعث النار من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق الحديث انتهى وقيل عائد على اللّه اي منفطر بأمره وقدراته والضمير في قوله وعده الظاهر انه يعود على اللّه تعالى وقوله تعالى ان هذه تذكرة الآية الاشارة بهذه تحتمل الى ما ذكر من الانكال والجحيم والاخد الوبيل وتحتمل ان تكون الى السورة بجملتها وتحتمل ان تكون الى ءايات القرآن بجملتها وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ليس معناه اباحة الامر وضده بل الكلام يتضمن الوعد والوعيد والسبيل هنا سبيل الخير والطاعة ٢٠وقوله سبحانه ان ربك يعلم انك تقوم الآية المعنى ان اللّه تعالى يعلم انك تقوم أنت وغيرك من امتك قياما مختلفا مرة يكثر ومرة يقل ومرة ادنى من الثلثين ومرة ادنى من النصف ومرة ادنى من الثلث وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمان مع عذر النوم وتقدير الزمان حقيقة انما هو للّه تعالى واما البشر فلا يحصى ذلك فتاب اللّه عليهم اي رجع بهم من الثقل الى الخفة وامرهم بقراءة ما تيسر ونحو هذا تعطى عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا تحصوه تحفظوه وهذا التأويل هو على قراءة الخفض عطفا على الثلثين وهي قراءة ابي عمرو ونافع وابن عامر واما من قرأ ونصفه وثلثه بالنصب عطفا على ادنى وهي قراءة باقي السبعة فالمعنى عندهم ان اللّه تعالى قد علم انهم يقدرون الزمان على نحو ما امر به تعالى في قوله نصفه انقص منه قليلا زد عليه فلم يبق الا قوله ان لن تحصوه فمعناه لن يطيقوا قيامه لكثرته وشدته فخفف اللّه عنهم فضلا منه لا لعلة جهلهم بالتقدير واحصاء الاوقات ونحو هذا تعطى عبارة الحسن وابن جبير فانهما قالا تحصوه تطيقوه وعبارة الثعلبي ومن قرأ بالنصب فالمعنى وتقوم نصفه وثلثه قال الفراء وهو الاشبه بالصواب لانه قال اقل من الثلثين ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير اقل من القلة انتهى ولو عبر الفراء بالأرجح لكان احسن ادبا وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - انه قال من تعار من الليل فقال لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد للّه وسبحان اللّه ولا اله الا اللّه واللّه اكبر ولا حول ولا قوة الا باللّه ثم قال اللّهم اغفر لي دعا استجبيب له فان توضأ ثم صلى قبلت صلاته رواه الجماعة الا مسلما وتعار بتشديد الراء معناه استيقظ انتهى من السلاح وقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن قال الثعلبي اي ما خف وسهل بغير مقدار من القراءة والمدة وقيل المعنى فصلوا ما تيسر فعبر بالقراءة عنها ت وهذا هو الاصح عند ابن العربي انتهى قال ع قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن هو امر ندب في قول الجمهور وقال جماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين ءاية وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ولو قدر حلب شاة الا ان الحسن قال من قرأ مائة ءاية لم يحاجه القرءان واستحسن هذا جماعة من العلماء قال بعضهم والركعتان بعد العشاء مع الوتر داخلتان في امتثال هذا الامر ومن زاد زاده اللّه ثوابا ت ينبغي للعاقل المبادرة الى تحصيل الخيرات قبل هجوم صولة الممات قال الباجي في سنن الصالحين له قالت بنت الربيع بن خثيم لابيها يا ابت ما لي ارى الناس ينامون وانت لا تنام قال ان اباك يخاف البيات قال الباجي رحمه اللّه تعالى ولي في هذا المعنى ... قد افلح القانت في جنح الدجى ... يتلوا الكتاب العربي النيرا ... فقائما وراكعا وساجدا ... مبتهلا مستعبرا مستغفرا ... له حنين وشهيق وبكا ... يبل من ادمعه ترب الثرى انا لسفر نبتغي نيل الهدى ... ففي السرى بغيتنا لا في الكرا ... من ينصب الليل ينل راحته ... عند الصباح يحمد القوم السرى ... انتهى والضرب في الارض هو السفر للتجارة ابتغاء فضل اللّه سبحانه فذكر اللّه سبحانه اعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل ثم كرر سبحانه الامر بقراءة ما تيسر منه تاكيدا والصلاة والزكاة هنا هما المفروضتان فمن قال ان القيام من الليل غير واجب قال معنى الآية خذوا من هذا النفل بما تيسر وحافظوا على فرائضكم ومن قال ان شيأ من القيام واجب قال قد قرنه اللّه بالفرائض لانه فرض واقراض اللّه تعالى هو اسلاف العمل الصالح عنده وقرأ جمهور الناس هو خيرا على ان يكون هو فصلا قال بعض العلماء الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية ومن قوله تعالى كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون قال ع وعهدت ابي رحمه اللّه يستغفر اللّه اثر كل مكتوبة ثلاثا بعقب السلام ويأثر في ذلك حديثا فكان هذا الاستغفار من التقصير وتقلب الفكر اثناء الصلاة وكان السلف الصالح يصلون الى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار ت وما ذكره ع رحمه اللّه عن ابيه رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه عن ثوبان قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللّهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام قال الوليد فقلت للاوزاعي كيف الاستغفار قال تقول استغفر اللّه استغفر اللّه استغفر اللّه وفي رواية لمسلم من حديث عائشة يا ذا الجلال والاكرام انتهى من سلاح المؤمن |
﴿ ٠ ﴾