سورة المدثر

وهي مكية باجماع

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز و جل يا ايها المدثر قم فانذر الآية اختلف في اول ما نزل من القرءان فقال الجمهور هو اقرأ باسم ربك وهذا هو الاصح وقال جابر وجماعة هو يا ايها المدثر ص والتدثر لبس الدثار وهو الثوب الذي فوق الشعار والشعار الثوب الذي يلى الجسد ومنه قوله عليه السلام الانصار شعار والناس دثار انتهى

٢

وقوله تعالى قم فانذر بعثة عامة الى جميع الخلق

وربك فكبر اي فعظم وثيابك فطهر قال ابن زيد وجماعة هو امر بتطهير الثياب حقيقة وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية الى وجوب غسل النجاسات من الثياب وقال الجمهور هذه الالفاظ استعارة في تنقية الافعال والنفس والعرض وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب ويقال للفاجر دنس الثوب

قال ابن العربي في احكامه والذي يقول انها الثياب المجازية اكثر كثيرا ما تستعمله العرب قال ابو كبشة ... ثياب بنى عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران ...

يعنى بطهارو ثيابهم سلامتهم من الدناءات وقال غيلان بن سلمة التقفي ... فاني بحمد اللّه لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة اتقنع ...

وليس يمتنع ان تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز على ما بيناه في اصول الفقه واذا حملناها على الثياب المعلومة فهي تتناول معنيين احدهما تقصير الاذيال فإنها اذا ارسلت تدنست وتقصير الذيل انقى لثوبه واتقى لربه والمعنى الثانى غسلها من النجاسة فهو ظاهر منها صحيح فيها انتهى قال الشيخ ابو

الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم - في المنام فقال يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد اللّه في كل نفس فقلت وما ثيابي يا رسول اللّه فقال ان اللّه كساك حلة المعرفة ثم حلة المحبة ثم حلة التوحيد ثم حلة الايمان ثم حلة الاسلام فمن عرف اللّه صغر لديه كل شيء ومن احب اللّه هان عليه كل شيء ومن وحد اللّه لم يشرك به شيأ ومن آمن باللّه وامن من كل شيء ومن اسلم للّه قل ما يعصيه وان عصاه اعتذر اليه واذا اعتذر اليه قبل عذره قال ففهمت حينئذ معنى قوله عز و جل وثيابك فطهر انتهى من التنوير لا بن عطاء اللّه

والرجز يعنى الاصنام والأوثان وقال ابن عباس الرجز السخط يعنى اهجر ما يؤدي اليه ويوجبه

واختلف في معنى

قوله تعالى ولا تمنن تستكثر فقال ابن عباس وجماعة معناه لا تعط عطاء لتعطى اكثر منه فكأنه من قولهم من اذا اعطى قال الضحاك وهذا خاص بالنبي صلى اللّه عليه وسلم - ومباح لامته لكن لا اجر لهم فيه وقال الحسن بن ابي الحسن معناه ولا تمنن على اللّه بجدك تستكثر اعمالك ويقع لك بها اعجاب قال ع وهذا من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها وقال مجاهد معناه ولا تضعف تستكثر ما حملناك من اعباء الرسالة وتستكثر من الخير وهذا من قولهم حبل منين اي ضعيف

ولربك فاصبر اي لوجه ربك وطلب رضاه فاصبر على اذى الكفار وعلى العبادة وعن الشهوات وعلى تكاليف النبوة قال ابن زيد وعلى حرب الاحمر والاسود ولقد حمل امرا عظيما ص - والناقور الذي ينفخ فيه وهو الصور قاله ابن عباس وعكرمة وهو فاعول من النقر قال ابو حباب القصاب أمنا زرارة بن اوفى فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خر ميتا قال الفجر

٩

قوله تعالى فذلك يومئذ يوم عسير اي على الكافرين لانهم يناقشون غير يسير اي بل كثير شديد فاما المؤمنون فانه عليهم يسير لانهم لا يناقشون قال ابن عباس ولما

قال تعالى على الكافرين غير

يسير دل على انه يسير على المؤمنين وهذا هو دليل الخطاب ويحتمل ان يكون انما وصفه تعالى بالعسر لانه في نفسه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين الا انه يكون هول الكفار فيه اكثر واشد وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله يوم عسير انتهى

١١

وقوله تعالى ذرنى ومن خلقت وحيدا الآية لا خلاف بين المفسرين ان هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي فروي انه كان يلقب الوحيد اي لانه لا نظيرا له في ماله وشرفه في بيته فذكر الوحيد في جملة النعم التي اعطي وان لم يثبت هذا فقوله تعالى خلقت وحيدا معناه منفردا قليلا ذليلا والمال الممدود قال مجاهد وابن جبير هو الف دينار وقال سفيان بلغني انه اربعة ءالالف وقاله قتادة

وقيل عشرة ءالالف دينار قال ع وهذا مد في العدد وقال عمر بن الخطاب المال الممدود الزيع المستغل مشاهرة

وبنين شهودا اي حضورا قيل عشرة

وقيل ثلاثة عشر قال الثعلبي اسلم منهم ثلاثة خالد بن الوليد وهشام وعمارة قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك انتهى

ومهدت له تمهيدا قال سفيان المعنى بسطت له العيش بسطا

١٦

وقوله تعالى كلا ردع وزجر له على امنيته وأرهقه معناه اكلفه بمشقة وعسر وصعود عقبة في نار جهنم روى ذلك ابو سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - كلما وضع عليها شيء من الانسان ذاب ثم يعود والصعود في اللغة العقبة الشاقة

وقوله تعالى مخبرا عن الوليد انه فكر وقدر الآية روى جمهور من المفسرين ان الوليد سمع من القرءان ما اعجبه ومدحه ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد ان يقارب الاسلام وقال واللّه لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه يعلو وما يعلى فقالت قريش صبأ الوليد واللّه لتصبأن قريش فقال ابو جهل انا اكفيكموه فحاجه

ابو جهل وجماعة حتى غضب الوليد وقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط قالوا لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا لا قال تزعمون أنه كاهن فعل رأيتموه يتكهن قط قالوا لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قط قالوا لا وكانوا يسمونه قبل النبوة الامين لصدقه فقالت قريش ما عندك فيه فتفكر في نفسه فقال ما ارى فيه شيأ مما ذكرتموه فقالوا هو ساحر فقال اما هذا فيشبه والفاظ الرواة هنا متقاربة المعانى من رواية الزهري وغيره

وقوله تعالى فقتل كيف قدر قال الثعلبي وغيره قتل معناه لكن انتهى

وبسر اي قطب ما بين عينيه واربد وجهه ثم ادبر عن الهدى بعد ان أقبل إليه وقال أن هذا الاسحر يؤثر أي يروى أي يرويه محمد عن غيره

وسقر هي الدرك السادس من النار لا تبقى على من القي فيها ولا تذر غاية من العذاب الا وصلته اليه

٢٩

وقوله تعالى لواحة للبشر قال ابن عباس وجمهور الناس معناه مغيرة للبشرات ومحرقة للجلود مسودة لها فالبشر جمع بشرة وقال الحسن وابن كيسان لواحة بناء مبالغة من لاح يلوح اذا ظهر فالمعنى انها تظهر للناس وهم البشر من مسيرة خمسمائة عام وذلك لعظمها وهولها وزفيرها

وقوله تعالى عليها تسعة عشر لا خلاف بين العلماء انهم خزنة جهنم المحيطون بامرها الذين اليهم جماع امر زبانيتها

وروي ان قريشا لما سمعت هذا كثر لغطهم فيه وقالوا ولو كان هذا حقا فان هذا العدد قليل وقال ابو جهل هؤلاء تسعة عشرة وانتم الدهم اي الشجعان افيعجز عشرة منا عن رجل منهم الى غير هذا من اقوالهم السخيفة

٣١

وقوله تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة تبيين لفساد اقوال قريش اي انا جعلناهم خلقا لا قبل لاحد من الناس بهم وجعلنا عدتهم هذا القدر فتنة للكفار ليقع منهم من التعاطى والطمع في المبالغة ما وقع وليستيقن اهل الكتاب التوارة والانجيل ان هذا القرءان من

عند اللّه اذ هم يجدون هذه العدة في كتبهم المنزلة قال هذا المعنى ابن عباس وغيره وبورود الحقائق من عند اللّه عز و جل يزداد كل ذي ايمان ايمانا ويزول الريب عن المصدقين من اهل الكتاب ومن المؤمنين

وقوله سبحانه وليقول الذين في قلوبهم مرض الآية نوع من الفتنة لهذا الصنف المنافق  الكافر اي حاروا ولم يهتدوا لمقصد الحق فجعل بعضهم يستفهم بعضا عن مراد اللّه بهذا المثل استبعادا ان يكون هذا من عند اللّه قال الحسين بن الفضل السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق وانما المرض في هذه الآية الاضطراب وضعف الايمان ثم

قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو اعلاما بان الامر فوق ما يتوهم وان الخبر انما هو عن بعض القدرة لا عن كلها ت صوابه ان يقول عن بعض المقدورات لا عن كلها وهذا هو مراده الا تراه قال في

قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه قال يعنى بشيء من معلوماته لان علمه تعالى لا يتجزأ فافهم راشدا والسموات كلها عامرة بانواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة قال مجاهد والضمير في قوله وما هي للنار المذكورة اي يذكر بها البشر فيخافونها فيطيعون اللّه وقال بعضهم قوله وما هي يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة وأقسم تعالى بالقمر وما بعده تنبيها على النظر في ذلك والفكر المؤدي الى تعظيمه تعالى وتحصيل معرفته تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السموات والارض لا اله الا هو العزيز القهار وادبر الليل معناه ولى واسفر الصبح اضاء وانتشر ضوءه قال ابن زيد وغيره الضمير في قوله انها لإحدى الكبر لجهنم ويحتمل ان يكون الضمير للنذارة وامر الآخرة فهو للحال والقصة ص والكبر جمع كبرى وفي ع جمع كبيرة ولعله وهم من الناسخ انتهى

٣٦

وقوله سبحانه نذيرا للبشر هو صلى اللّه عليه وسلم -

وقوله سبحانه

لمن شاء منكم ان يتقدم  يتأخر قال الحسن هو وعيد نحو قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم قوى سبحانه هذا المعنى بقوله كل نفس بما كسبت رهينة اذ لزم بهذا القول ان المقصر مرتهن بسوء عمله وقال الضحاك المعنى كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن تعالى احدا من اهل الجنة ان شاء اللّه

وقوله تعالى الا اصحاب اليمين استثناء ظاهره الانفصال تقديره لكن اصحاب اليمين في جنات ص في جنات اي هم في جنات فيكون خبر مبتدا محذوف م واعربه ابو البقاء حالا من الضمير في يتساءلون انتهى قال ابن عباس اصحاب اليمين هنا الملائكة وقال الضحاك هم الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى وقال الحسن وابن كيسان هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين ت واسند ابو عمر بن عبد البر عن علي بن ابي طالب في

٣٨

قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين قال اصحاب اليمين اطفال المسلمين انتهى من التمهيد

وقولهم ما سلككم اي ما ادخلكم فيحتمل ان يكون من قول اصحاب اليمين الآدميين  من قول الملائكة

وقوله تعالى قالوا يعنى الكفار لم نك من المصلين الآية وفي نفي الصلاة يدخل الايمان باللّه والمعرفة به والخشوع له ولم نك نطعم المسكين يشمل الصدقة فرضا كانت  نفلا والخوض مع الخائضين عرفه في الباطل والتكذيب بيوم الدين كفر صراح حتى اتانا اليقين يعنى الموت قاله المفسرون قال ع وعندي ان اليقين صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع الى اللّه والدار الآخرة وقد تقدم ذكر احاديث الشفاعة قال الفخر واحتج اصحابنا بهذه الآية على ان الكفار يعذبون بترك فروع الشريعة والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول انتهى

وقوله تعالى في صفة الكفار المعرضين كأنهم حمر مستنفرة اثبات لجهلهم لان الحمر من جاهل الحيوان جدا وفي حرف ابن مسعود حمر نافرة قال ابن عباس وابو هريرة وجمهور من اللغويين

القسورة الاسد

وقيل غير هذا بل يريد كل امرئي منهم اي من هؤلاء ان يؤتى صحفا منشرة اي يريد كل انسان منهم ان ينزل عليه كتاب من اللّه ومنشرة اي منشورة غير مطوية

٥٤

وقوله كلا رد على ارادتهم اي ليس الامر كذلك ثم قال بل لا يخافون الآخرة المعنى هذه هي العلة والسبب في اعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم من الهدى حتى هلكوا ثم اعاد تعالى الرد والزجر بقوله كلا واخبر ان هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها تذكرة فمن شاء ووفقه اللّه لذلك ذكر معاده فعمل له ثم اخبر سبحانه ان ذكر الانسان معاده وجريه الى فلاحه انما هو كله بمشيئة اللّه تعالى وليس يكون شيء الا بها وقرأ ابو عمرو وعاصم وابن كثير يذكرون بالياء من تحت

وقوله سبحانه هو اهل التقوى وأهل المغفرة خبر جزم معناه أن اللّه عز و جل أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى لان يتقي ويطاع امره ويحذر عصيانه وانه بفضله وكرمه اهل ان يغفر لعباده اذا اتقوه روى ابن ماجه عن انس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قرأ هذه الآية هو اهل التقوى واهل المغفرة فقال قال اللّه تعالى انا اهل ان اتقى فلا يجعل معى اله آخر فمن اتقاني فلم يجعل معى الها آخر فانا اهل ان اغفر له واخرجه ابو عيسى الترمذي بمعناه وقال حديث حسن انتهى

﴿ ٠