سورة الانسان

قيل مكية

وقيل مدنية

وقال الحسن وعكرمة منها ءاية مكية وقي

قوله تعالى ولا تطع منهم ءاثما  كفورا والباقي ومدني

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى هل اتى على الانسان الآية هل في كلام العرب قد تجيء بمعنى قد حكاه سيبويه لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير احيانا قال ابن عباس هل بمعنى قد والانسان يراد به ءادم وقال اكثر المتأولين هل تقرير والانسان اسم جنس اي اذا تأمل كل انسان نفسه علم بانه قد مر حين من الدهر عظيم لم يكن فيه شيأ مذكورا وهذا هو القوي ان الانسان اسم جنس وان الآية جعلت عبرة لكل احد من الناس ليعلم ان الخالق له قادر على اعادته ص لم يكن شيأ مذكورا في موضع حال من الانسان  في موضع صفة لحين والعائد عليه محذوف اي لم يكن فيه انتهى

٢

وقوله تعالى انا خلقنا الانسان الآية الانسان هنا اسم جنس بلا خلاف وامشاج معناه اخلاط قيل هو امشاج ماء الرجل بماء المرأة ونقل الفخر ان الامشاج لفظ مفرد وليس بجمع بدليل انه وقع صفة للمفرد وهو قوله نطفة انتهى نبتليه اي نختبره بالايجاد والكون في الدنيا وهو حال من الضمير في خلقنا كانه قال مختبرين له بذلك

وقوله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا عطف جملة نعم على جملة نعم

وقيل المعنى فلنبلتيه جعلناه سميعا بصيرا وهديناه يحتمل ان يكون بمعنى ارشدناه ويحتمل ان يكون بمعنى

اريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والايمان وعبارة الثعلبي هديناه السبيل بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كقوله وهديناه النجدين انتهى

وقوله تعالى إما شاكرا واما كفورا حالان وقسمتهما اما والابرار جمع بار قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر قال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم له بالمسك قال الفراء يقال ان في الجنة عينا تسمى كافورا

٦

وقوله تعالى عينا قيل هو بدل من قوله كافورا

وقيل هو مفعول بقوله يشربون اي ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور

وقيل نصب عينا على المدح  باضمار اعني

قوله تعالى يشرب بها بمنزلة يشربها فالباء زائدة قال الثعلبي قال الواسطي لما اختلفت احوالهم في الدنيا اختلفت اشربتهم في الآخرة انتهى قال ص

وقيل الباء في بها للاصلاق والاختلاط اي يشرب بها عباد اللّه الخمر كما تقول شربت الماء بالعسل انتهى

وقوله تعالى يفجرونها معناه يفتقونها ويقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم فهي تجري عند كل احد منهم ورد بهذا الاثر

وقيل عين في دار النبي صلى اللّه عليه وسلم - تفجر الى دور الأنبياء والمؤمنين قال ع وهذا قول حسن ثم وصف تعالى حال الابرار فقال يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا اي ممتدا متصلا شائعا

وقوله تعالى على حبه يحتمل ان يعود الضمير على الطعام وهو قول ابن عباس ويحتمل ان يعود على اللّه تعالى قاله ابو سليمان الداراني

وقوله واسيرا قال الحسن ما كان اسراهم الا مشركين لان في كل ذي كبد رطبة اجرا ت وفي العتبية سئل مالك عن الاسير في هذه الآية امسلم هو أم مشرك فقال بل مشرك وكان ببدر اساري فانزلت فيهم هذه الآية قال ابن رشد والاظهر حمل الآية في كل اسير مسلما كان  كافرا انتهى يعنى وان كان سبب نزولها ما ذكر فهي عامة في كل اسير الى يوم القيامة وقال ابو سعيد الخدري قال النبي

ص - مسكينا قال فقيرا ويتيما وقال لا اب له واسيرا قال المملوك والمسجون واسند القشيري في رسالته عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء اللّه يوم القيامة انتهى

وروى الترمذي عن انس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم - قال اللّهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة فقالت عائشة لم يا رسول اللّه قال انهم يدخلون الجنة قبل اغنيائهم باربعين خريفا يا عائشة لا تردى المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة احيي المساكين وقربيهم فان اللّه يقربك يوم القيامة قال ابو عيسى هذا حديث غريب انتهى

٩

وقوله انما نطعمكم الآية قال مجاهد وابن جبير ما تكلموا به ولكنه علمه اللّه من قلوبهم فاثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب ووصف اليوم بعبوس تجوز والقمطرير هو في معنى العبوس والاربداد تقول اقمطر الرجل اذا جمع ما بين عينيه غضبا وقال ابن عباس يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل ما بين عينيه كالقطران وعبر ابن عباس عن القمطرير بالطويل وعبر عنه غيره بالشديد وذلك كله قريب في المعنى والنضرة جمال البشرة وذلك لا يكون الا مع فرح النفس وقرة العين

وقوله بما صبروا عام في الصبر عن الشهوات وعلى الطاعات والشدائد وفي هذا يدخل كل ما خصص المفسرون من صوم وفقر ونحوه

وقوله سبحانه لا يرون فيها شمسا الآية عبارة عن اعتدال هوائها وذهاب ضرري الحر والقر والزمهرير اشد البرد والقطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه والقوارير الزجاج

وقوله تعالى من فضة يقتضي انها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه ومن فضة في جوهره وكذلك فضة الجنة شفافة قال القرطبي في تذكرته وذلك ان لكل قوم من تراب ارضهم قواريرا وان تراب الجنة فضة

فهي قوارير من فضة قاله ابن عباس انتهى

وقوله تعالى قدروها تقديرا اي على قدرريهم قاله مجاهد  على قدر الاكف قاله الربيع وضمير قدروها يعود اما على الملائكة  على الطائفين  على المنعمين

وقوله سبحانه عينا فيها تسمى سلسبيلا عينا بدل من كأس  من عين على القول الثانى وسلسبيلا قيل هو اسم بمعنى السلس المنقاد الجرية وقال مجاهد حديدة الجرية وقال ءاخرون سلسبيلا صفة لقوله عينا وتسمى بمعنى توصف وتشهر وكونه مصروفا مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسما

وقوله تعالى حسبتهم لؤلؤا منثورا قال الامام الفخر وفي كيفية التشبيه وجوه

أحدها انهم شبهوا في حسنهم وصفاء الوانهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في انواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ولو كانوا صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم الا ترى انه تعالى قال ويطوف عليهم ولدان فاذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين الثاني ان هذا من التشبيه العجيب لان اللؤلؤ اذا كان متفرقا يكون احسن في المنظر لوقوع شعاع بعضه على بعض الثالث انهم شبهوا باللؤلؤ الرطب اذا نثر من صدفه لانه احسن واجمل انتهى

٢٠

وقوله تعالى واذا رأيت ثم قال الفراء التقدير واذا رأيت ما ثم رأيت نعيما فحذفت ما وكررت الرؤية مبالغة وملكا كبيرا وهو ان ادناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة الف عام يرى اقصاه كما يرى ادناه وخرجه الترمذي وفي الترمذي ايضا من رواية ابي سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ادنى اهل الجنة الذي له ثمانون الف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية الى صنعاء انتهى وقال سفيان الملك الكبير هو استيذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم قال الثعلبي قال محمد بن علي الترمذي يعنى ملك التكوين اذا ارادوا شيأ كان انتهى ت وجميع ما ذكر داخل في الملك الكبير وقرأ نافع وحمزة عاليهم وقرأ الباقون عاليهم بالنصب والمعنى فوقهم قال الثعلبي وتفسير ابن عباس قال اما رأيت الرجل

عليه ثياب يعلوها افضل منها انتهى وقرأ حمزة والكساءي خضر واستبرق بالخفض فيهما وباقي الآية بين

٢٣

وقوله سبحانه انا نحن نزلنا عليك القرءان الآية تثبيت للنبي صلى اللّه عليه وسلم - وتقوية لنفسه على اذى قريش والآثم هنا هو الكفور واللفظ ايضا يقتضي نهي الامام عن طاعة ءاثم من العصاة  كفور باللّه ثم امره تعالى بذكر ربه دأبا بكرة واصيلا ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة ويحتمل ان يريد قول سبحان اللّه قال ابن زيد وغيره كان هذا فرضا ثم نسخ وقال ءاخرون هو محكم على وجه الندب

وقال ابن العربي في احكامه اما

قوله تعالى وسبحه ليلا طويلا فانه عبارة عن قيام الليل وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم - يفعله كما تقدم وقد يحتمل ان يكون هذا خطابا للنبي صلى اللّه عليه وسلم - والمراد الجميع ثم نسخ عنا وبقي عليه ص - والاول اظهر انتهى

٢٧

وقوله ان هؤلاء يعنى كفار قريش يحبون العاجلة يعنى الدنيا واعلم ان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - ازهد في الدنيا يحبك اللّه وازهد فيما عند الناس يحبك الناس رواه ابن ماجه وغيره باسانيد حسنة قال ابن الفاكهاني قال القاضي ابو الوليد ابن رشد واما الباعث على الزهد فخمسة اشياء

أحدها انها فانية شاغلة للقلوب عن التفكر في امر اللّه تعالى

والثاني انها تنقص عند اللّه درجات من ركن اليها

والثالث ان تركها قربة من اللّه تعالى وعلو مرتبة عنده في درجات الآخرة

والرابع طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعيم

والخامس رضوان اللّه تعالى والامن سخطه وهو اكبرها

قال اللّه عز و جل ورضوان من اللّه اكبر قال ابن الفاكهاني ولو لم يكن في الزهد في الدنيا الا هذه الخصلة التي هي رضوان اللّه تعالى لكان ذلك كافيا فنعوذ باللّه من ايثار الدنيا على ذلك

وقد قيل من سمي باسم الزهد فقد سمي بألف اسم ممدوح هذا مع

ما للزاهدين من راحة القلب والبدن في الدنيا والآخرة فالزهاد هم الملوك في الحقيقة وهم العقلاء لايثارهم الباقي على الفاني وقد قال الشافعية لو اوصي لاعقل الناس صرف الى الزهاد انتهى من شرح الاربعين حديثا ولفظ ابي الحسن الماوردي

وقد قيل العاقل من عقل عن اللّه امره ونهيه حتى قال اصحاب الشافعي فيمن اوصى بثلث ماله لاعقل الناس انه يكون مصروفا للزهاد لانهم انقادوا للعقل ولم يغتروا بالأمل انتهى والأسر الخلقة واتساق الاعضاء والمفاصل وعبارة البخاري اسرهم شدة الخلق وكل شيء شددته من قتب  غبيط فهو ما سور والغبيط شيء يركبه النساء شبه المحفة انتهى قال ع ومن اللفظة الاسار وهو القيد الذي يشد به الاسير ثم توعدهم سبحانه بالتبديل وفي الوعيد بالتبديل احتجاج على منكري البعث اي من هذه قدرته في الايجاد والتبديل فكيف تتعذر عليه الاعادة وقال الثعلبي بدلنا امثالهم تبديلا قال ابن عباس يقول اهلكناهم وجئنا باطوع للّه منهم انتهى

٢٩

وقوله تعالى ان هذه تذكرة القول فيها كالتي في سورة المزمل

وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا كلام واضح لا يفتقر الى تفسير جعلنا اللّه ممن اهتدى بانواره وعمت عليه بركته في افعاله واقواله قال الباجي قال بعض اهل داود الطاءي قلت له يوما انك قد عرفت فأوصنى قال فدمعت عيناه ثم قال يا اخي انما الليل والنهار مراحل يرحلها الناس مرحلة مرحلة حتى تنتهي بهم الى ءاخر سفرهم فان استطعت ان تقدم من اول مرحلة زادا لما بين يدبك فافعل فان انقطاع السفر قريب والامر اعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما انت قاض من امرك فكان بالامر قد بغتك ثم قام وتركنى انتهى من سنن الصالحين

وقوله تعالى وما تشاءون الا ان يشاء اللّه نفي لقدرتهم على الاختراع وايجاد المعاني في نفوسهم ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب وقرأ عبد اللّه وما تشاءون الا ما شاء اللّه

وقوله تعالى عليما

حكيما معناه يعلم ما ينبغي ان ييسر عبده اليه وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه

﴿ ٠