١٧٨

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} قال ابن عباس (١) كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن [فيهم] الدِّيَةُ. فقال اللّه عز وجل لهذه الأمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) والكتاب يتصرّف على وجوه قد بينتها في "تأويل المشكل" (٢)

{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال (٣) قبول الدية في العَمْد، والعفو عن الدم.

{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي مطالبة بالمعروف (٤) . يريد ليطالب آخذُ الدية الجانيَ مطالبةً جميلةً لا يرهقه فيها.

{وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي لِيُؤَدِ المُطَالَبُ ما عليه أداء بإحسان لا يَبْخَسُه ولا يَمْطُلُه مطل مُدَافِع.

{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} عما كان على مَنْ قَبْلَكُم. يعني القصاص.

__________

(١) رواه الشافعي في الأم ٦/٧ وروي أيضا عن مقاتل أنه قال: " ... وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل. ورخص لأمة محمد إن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية" وانظر السنن الكبرى ٨/٥١ وفتح الباري ٨/١٢٣، ١٢/١٦٨ وأحكام القرآن للشافعي ١/٢٧٧ والدر المنثور ١/١٧٣.

(٢) راجع تأويل مشكل القرآن ٣٥٦.

(٣) في السنن الكبرى "قال (أي ابن عباس) : فإن العفو أن يقبل الدية في العمد". وقد قال أبو منصور الأزهري: "وهذه آية مشكلة، وقد فسرها ابن عباس ثم من بعده تفسيرا قربوه على قدر أفهام أهل عصرهم. فرأيت أن أذكر قوله وأؤيده بما يزيده بيانا ووضوحا" ثم قال: "أصل العفو الفضل، يقال: عفا فلان لفلان بماله، إذا أفضل له، وعفا له عما له عليه، إذا تركه. وليس العفو في الآية عفوا من ولي الدم، ولكنه عفو من اللّه. وذلك أن سائر الأمم لم يكن لهم أخذ الدية، فجعله اللّه لهذه الأمة عفوا منه وفضلا مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد ... والمعنى الواضح في الآية: من أحل له أخذ الدية بدل أخيه المقتول عفوا من اللّه وفضلا، مع اختياره - فليطالب بالمعروف. و "من" في قوله: (من أخيه) معناها البدل. والعرب تقول: عرضت له من حقه ثوبا. أي أعطيته بدل حقه ثوبا ... وما علمت أحدا أوضح من معنى هذه الآية ما أوضحته".

(٤) هذا تفسير ابن عباس، كما في تفسير الطبري ٣/٣٦٧ والناسخ والمنسوخ للنحاس ١٨.

{وَرَحْمَةٌ} لكم.

{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي قتل بعد أخذ الدية.

{فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال قَتَادَة: يقتل ولا تؤخذ منه الدية.

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية " (١) .

﴿ ١٧٨