٢٥٩

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه] أو كالذي مر (١) على قرية؟! على طريق التعجب.

{وَهِيَ خَاوِيَةٌ} أي: خراب.

و {عُرُوشِهَا} سقوفها (٢) . وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.

{ثُمَّ بَعَثَهُ} اللّه، أي: أحياه.

{لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغيرْ بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السَّنة. يقال: سانَهَتْ النَّخْلَةُ؛ إذا حملت عاما، وحَالَتْ (٣) عاما. قال الشاعر:

وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلا رُجَّبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ (٤)

__________

(١) راجع اختلاف أهل التأويل في تعيين الذي مر والقرية التي مر بها في تفسير الطبري ٥/٤٣٩ - ٤٤٤.

(٢) في تفسير الطبري ٥/٤٤٥ " وأما العروش، فإنها الأبنية والبيوت، واحدها: عرش".

(٣) يقال: حالت تحيل حيالا؛ إذا لم تحمل.

(٤) البيت لسويد بن الصامت الأنصاري، كما في اللسان ١/٣٩٧، ٣/٢٥٦، ٣٩٧، ١٧/٣٩٦، ١٩/٢٧٨، وسمط اللآلي ١/٣٦١ وهو غير منسوب في معاني القرآن للفراء ١/١٧٣، وأمالي القالي ١/١٢١، وتفسير الطبري ٥/٤٦١، والصحاح ١/١٣٤، وتفسير القرطبي ٣/٢٩٣، والبحر المحيط ٢/٢٨٥ يصف نخله بالجودة وأنها ليس فيها سنهاء، وقد قيل في تفسير السنهاء، غير ما قاله ابن قتيبة أقوال شتى، فقال الفراء؛ إنها القديمة، وقال الأصمعي: إنها التي أصابتها السنة، يعني أضر بها الجدب. والرجبية: التي يبنى تحتها لضعفها - رجبة. والرجبة والرُّجمة: أن تعمد النخلة الكريمة - إذا خيف عليها أن تقع لطولها وكثرة حملها - ببناء من حجارة ترجَّب بها أي تعمد به. ويكون ترجيبها: أن يجعل حول النخلة شوك لئلا يرقى إليها راق فيجنى ثمرها. والعرايا: جمع عرية، وهي التي يوهب ثمرها. والجوائح: السنون الشداد التي تجيح المال، أي تهلكه.

وكأن "سَنةً" من المنقوص: وأصلها: "سَنْهَةٌ". فَمَن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: "يَتَسَنَّهْ".

قال أبو عَمْرو الشّيباني (١) "لم يَتَسَنَّهْ": لم يتغير؛ من قوله: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (٢) ؛ فأبدلوا النون من "يَتَسَنَّنْ" هاء. كما قالوا: تَظَنَّيْتُ (٣) وَقَصَّيْتُ أظفاري، وخرجنا نَتَلَعّى (٤) . أي نَأْخُذ اللّعَاع. وهو: بقل ناعم.

{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} أي: دليلا للناس، وعَلَما على قُدرتنا. وأضمر "فَعلْنا ذلك" (٥) .

(كَيْفَ نُنْشِرُهَا) بالراء، أي: نحييها. يقال: أنشرَ اللّه الميت فنَشَر.

وقال: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} (٦) ومن قرأ {نُنْشِزُهَا} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه (٧) . ومنه يقال: نَشزَ الشيءُ، ونَشَزَتْ المَرْأةُ على زوجها.

__________

(١) قول أبي عمرو في اللسان ١٧/٣٩٧.

(٢) سورة الحجر ٢٦، ٢٨، ٣٣.

(٣) في اللسان ١٧/١٤٤ عن أبي عبيدة: "تظنيت من ظننت، وأصله تظننت، فكثرت النونات، فقلبت إحداهما ياء، كما قالوا: قصيت أظفاري والأصل: قصصت أظفاري".

(٤) في اللسان ١٠/١٩٥ "كان في الأصل نتلعع، مكرر العينات، فقلبت إحداهما ياء، كما قالوا: تظنيت من الظن".

(٥) في معاني القرآن للفراء ١/١٧٣ "إنما أدخلت فيه الواو لنية فعل بعدها مضمر، كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك، وهو كثير في القرآن ". وقال الطبري ٥/٤٧٣ "ولنجعلك آية للناس؛ أمتناك مائة عام ثم بعثناك ... وكان بعض أهل التأويل يقول: كان آية للناس بأنه جاء بعد مائة عام إلى ولده وولد ولده - شابا وهم شيوخ".

(٦) سورة عبس ٢٢.

(٧) عبارة الطبري ٥/٤٧٦ "كيف نرفعها من أماكنها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد".

وقرأ الحسن: "نَنْشُرُها". كأنه من النَّشْر عن الطَّيِّ (١) . أو على أنه يجوز "أنشرَ اللّه الميت ونشره": إذا أحياه. ولم أسمع به [في "فَعَل" و "أفْعَلَ"] .

﴿ ٢٥٩