سورة يونس

مكية كلها

٢

{قَدَمَ صِدْقٍ} يعني: عملا صالحا قدَّمُوه.

٥

{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي: جعله ينزل كل ليلة بمنزلة من النجوم، وهي ثمانية وعشرون منزلا في كل شهر، قد ذكرتها في "تأويل المشكل" (١) .

٧

{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يخافون (٢) .

١١

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّه لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لو عجل اللّه للناس الشر إذا دَعَوْا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لماتوا (٣) .

١٥

{أَوْ بَدِّلْهُ} كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم: اجعل آيةَ عذاب آية رحمةٍ، وآية رحمةٍ آيةَ عذاب.

١٦

{وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي: ولا أعلمكم به.

١٩

{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أي: نَظِرَةٌ إلى يوم القيامة.

__________

(١) ذكرها في صفحة ٢٤٣-٢٤٤.

(٢) في تفسير الطبري ١١/٦٢ "والعرب تقول: فلان لا يرجو فلانا إذا كان لا يخافه ... ".

(٣) في تفسير الطبري ١١/٦٥ "يقول: "لهلكوا وعجل لهم الموت، وهو الأجل. وعنى بقوله: "لقضي" لفرغ إليهم من أجلهم وتبدى لهم".

٢١

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} يعني: فرجًا من بعد كرب.

{إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} يعني: قولا بالطعن والحيلة يجعل لتلك الرحمة سببًا آخر (١) .

٢٢

{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي: دَنَوْا للّهلَكَة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة.

٢٤

{فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} يريد أن الأرض أنبتت بنزول المطر فاختلط النبات بالمطر، واتصل كل واحد بصاحبه.

{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} أي: زينتها بالنبات. وأصل الزخرف: الذهب. ثم يقال للنقش وللنور والزهر وكل شيء زين: زخرف. يقال: أخذت الأَرض زُخْرُفها وزخارفها: إذا زخرت بالنبات كما تَزْخَر الأودية بالماء.

{وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} أي: [على] ما أنبتته من حب وثمر.

{كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} أي: كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني المنازل. واحدها مَغْنى. وغَنِيتُ بالمكان: إذا أقمت به.

٢٦

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} أي: الْمِثْل (٢) .

__________

(١) في مجاز القرآن ١/٧٦: "مجاز المكر هاهنا: مجاز الجحود بها والرد لها".

(٢) وقيل: الجنة، والزيادة عليها: النظر إلى اللّه. وقال الطبري ١١/٧٦ "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعته إياه الجنة، وأن تبيض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى: الزيادة عليها. ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غرفا من لآلئ، وأن يزيدهم غفرانا ورضوانا. كل ذلك من زيادات عطاء اللّه إياهم على الحسنى التي جعلها لأهل جناته. وعم ربنا بقوله: (وزيادة) الزيادات على الحسنى، فلم يخصص منها شيئا دون شيء. وغير مستنكر من فضل اللّه أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع إن شاء اللّه. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يعم، كما عم عز ذكره".

{وَزِيَادَةٌ} التَّضْعِيفُ حتى تكون عشرا، أو سبعمائة، وما شاء اللّه. يدل على ذلك قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} (١) .

{وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} أي: لا يغشاها غبار. وكذلك الْقَتَرَة.

٢٧

{مَا لَهُمْ مِنَ اللّه مِنْ عَاصِمٍ} أي: مانع.

{كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ} جمع قِطْعَة. ومن قرأها: "قِطْعًا مِنَ اللَّيْلِ" (٢) أراد اسم ما قُطع. تقول: قطعتُ الشيءَ قَطْعًا. فتنْصِبُ أوّلَ المصدر. واسم ما قطعتَ [منه] فسقط: "قِطْعٌ".

٢٨

{فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} أي: فرَّقْنَا بينهم. وهو من زال يَزُول وَأَزَلْت.

(هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ) أي: تَقْرَأُ في الصحفِ ما قدَّمت من أعمالها. ومن قرأ {تَبْلُو} بالباء أراد: تختبر (٣) ما كانت تعمل.

__________

(١) هي الآية ٢٧ من هذه السورة.

(٢) في تفسير الطبري ١١/٧٧ "واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: "قطعا" فقرأته عامة قراء الأمصار "قطعا" بفتح الطاء، على معنى جمع قطعة، وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل. ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد، إذ جمع الوجه. وقرأه بعض متأخري القراء: "قطعا" بسكون الطاء، بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل ... ".

(٣) في تفسير الطبري ١١/٧٩ "اختلفت القراء في قراءة قوله: (هنالك تبلو كل نفس) بالباء، بمعنى: عند ذلك تختبر كل نفس بما قدمت من خير أو شر، وكان ممن يقرؤه ويتأوله كذلك مجاهد ... وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة وبعض أهل الحجاز: (تتلو كل نفس ما أسلفت) بالتاء. واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه وتأويله: هنالك تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا لذلك اليوم ... وقال بعضهم: بل معناه: تتلو كتاب حسناته وسيئاته، يعني تقرأ، كما قال جل ثناؤه: (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) . وقال آخرون: تبلو: تعاين. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء. وهما متقاربتا المعنى ... ".

وقال أبو عمرو: وَتَصْدِيقُهَا {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (١) وهي قراءة أهل المدينة. وكذلك حُكيت عن مُجَاهد.

٣٣

{حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} أي: سبق قضاؤُه.

٣٥

{أَمَّنْ لا يَهِدِّي} أراد من لا يَهْتَدِي. فأدغم التاء في الدال. ومن قرأ "يهدي" خفيفة. فإنها بمعنى يهتدي [قال الكسائي: يقول قوم من العرب هديت الطريق بمعنى: اهتديت] .

٣٧

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّه} أي: يُضافُ إلى غيره، أو يُخْتَلَقُ.

٣٩

{وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي: عاقبته.

٥٨

{قُلْ بِفَضْلِ اللّه وَبِرَحْمَتِهِ} فضله: الإسلام. ورحمته: القرآن.

٦١

{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تأخذون فيه. يقال: أفَضْنا في الحديث.

{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} أي ما يبعد ولا يغيب.

{مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي: وزن نملة صغيرة (٢) .

٦٤

{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقال: الرؤيا الصالحة (٣) .

{وَفِي الآخِرَةِ} الجنةُ.

{لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّه} أي: لا خُلْف لمواعيده.

__________

(١) والقراءة بالتاء، قراءة حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب والأعمش وجمهور القراء بالباء، كما في البحر المحيط ٥/١٥٦ وفيها ست قراءات. ذكرها القرطبي في تفسيره ٨/٣٤١-٣٤٢، وانظر تفسير الطبري ١١/٨١ واللسان ٢٠/٢٢٩-٢٣٠.

(٢) راجع صفحة ١٢٧.

(٣) يراها المؤمن، أو ترى له. وقال آخرون: هي بشارة يبشر بها المؤمن في الدنيا عند الموت راجع تفسير الطبري ١١/٩٣-٩٦.

٦٦

{وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أي: يَحْدِسُونَ وَيَحْزُِرُونَ.

٦٨

{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: ما عندكم من حجة.

٧١

{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ} ادعوا {شُرَكَاءَكُمْ (١) ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: غَمًّا عليكم. كما يقال: كَرب وكُربة.

{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} أي: اعملوا بي ما تُريدون.

{وَلا تُنْظِرُونِ} ومثله {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (٢) أي: فاعمل ما أنت عامل.

٧٨

{أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أي: لِتَصْرِفَنَا. يقال: لَفَتُّ فلانا عن كذا إذا صرفته. والالتفات [منه] إنما هو الانصراف عما كنت مقبلا عليه.

{وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} أي: الْمُلْكُ والشَّرَفُ.

٨٣

{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} وهم أشراف أصحابه.

{أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أي: يقتلهم ويعذّبهم.

٨٧

{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: نَحْوَ القبلة. ويقال: اجعلوها مساجد.

٨٨

{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} أي: أهلكها. وهو من قولك: طَمَسَ الطَّرِيقُ: إذا عَفَا وَدَرَسَ.

{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: قَسِّها (٣) .

__________

(١) في تفسير الطبري ١١/٩٩ عن الأعرج: "يقول: أحكموا أمركم وادعوا شركاءكم".

(٢) سورة طه ٧٢.

(٣) في تفسير الطبري ١١/١٠٩ "فإنه يعني واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح بالإيمان".

٩٠

{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} لحقهم. يقال: أتبعت القوم؛ أي: لحقتهم. وتبعتهم: كنت في أثرهم (١) .

{وَعَدْوًا} أي: ظلما.

٩٢

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} قال أبو عبيدة: نلقيك على نَجْوَة من الأرضِ، أي: ارتفاع. والنَّجْوَة والنَّبْوة: ما ارتفع من الأرض.

{بِبَدَنِكَ} (٢) . أي: [بجسدك] وحدك.

{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} لمن بعدك.

٩٣

{بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أي: أنزلناهم منزل صِدْق (٣) .

٩٤

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} المخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله، والمراد غيره، كما بينت في كتاب "المشكل". (٤) .

٩٨

{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} عند نزول العذاب.

__________

(١) في تفسير الطبري ١١/١١١ "أتبعته وتبعته بمعنى واحد، وقد كان الكسائي - فيما ذكر أبو عبيدة عنه - يقول: إذا أريد أنه أتبعهم خيرا أو شرا، فالكلام أتبعهم بهمز الألف. وإذا أريد اتبع أثرهم أو اقتدي بهم - فإنه من اتبعت مشددة التاء، غير مهموزة الألف".

(٢) قال الطبري ١١/١١٤ " فإن قال قائل: وما وجه قوله: "ببدنك"؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه: "ببدنك"؟ قيل: كان جائزا أن ينجيه بهيئته حيا كما دخل البحر، فلما كان جائزا ذلك قيل: (فاليوم ننجيك ببدنك) ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح، ولكن ميتا".

(٣) قيل: عنى بذلك الشام وبيت المقدس، وقيل: عنى به الشام ومصر. راجع تفصيل الروايات في ذلك في تفسير الطبري ١١/١١٤.

(٤) بينه في صفحة ٢٣، ٥٨، ٢٠٩، وانظر تفسير الطبري ١١/١١٦.

{إِلا قَوْمَ يُونُسَ} فإنهم آمنوا قبل نزول العذاب. أي: فهلا آمنت قرية غير قوم يونس فنفعها إيمانها!

ويقال: فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلا قوم يونس (١) .

١٠١

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} من الدلائل.

{وَالأَرْضِ} واعتبروا (٢) .

__________

(١) في تفسير الطبري ١١/١١٧ "يقول تعالى ذكره: فهلا كانت قرية آمنت، وهي كذلك فيما ذكر في قراءة أبي. ومعنى الكلام: فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب ونزول سخط اللّه بها بعصيانها ربها واستحقاقها عقابه؛ فنفعها إيمانها ذلك في ذلك الوقت. كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أدركه الغرق بعد تماديه في غيه واستحقاقه سخط اللّه بمعصيته - إلا قوم يونس فإنهم نفعهم إيمانهم بعد نزول العقوبة وحلول السخط بهم. فاستثنى اللّه قوم يونس من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منهم، وأخبر خلقه أنه نفعهم إيمانهم خاصة من بين سائر الأمم غيرهم".

(٢) قال الطبري في تفسيره ١١/١٢٠ "يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك السائليك الآيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد اللّه وخلع الأنداد والأوثان -: انظروا أيها القوم ماذا في السماوات من الآيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد اللّه، من شمسها وقمرها، واختلاف ليلها ونهارها، ونزول الغيث بأرزاق العباد، من سحابها، وفي الأرض: من جبالها وتصدعها بنباتها وأقوات أهلها، وسائر صنوف عجائبها. فإن في ذلك لكم - إن تعقلتم وتدبرتم - عظة ومعتبرا، ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك، ولا له على تدبيره وحفظه ظهير يغنيكم عما سواه من الآيات".

﴿ ٠