سورة الرعد

مكية كلها

٢

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ذَللّهما وقصرهما على شيء واحد.

٣

{جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: من كل الثمرات لونين حُلُوًا وحامِضًا. والزَّوْجُ: هو اللون الواحد.

٤

{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} يعني قرى متجاورات (١) .

و (الصِّنْوَانُ) من النخل: النخلتان أو النخلات يكون أصلها واحدا.

{وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} يعني متفرق الأصول. ومن هذا قيل: بَعْضُ الرَّجلِ صِنْوُ أبيه.

{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} أي: في الثمر.

٦

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ} أي بالعقوبة.

__________

(١) الصواب: إبقاؤها على أصلها، جاء في تفسير الطبري ١٣/٦٤ "يقول تعالى ذكره: وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض. فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع".

وأصل المَثُلَة: الشِّبْهُ والنَّظِيرُ وما يعتبرُ به. يريد من خلا من الأمم.

٧

{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (١) أي: نبي يدعوهم.

٨

{وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} أي: ما تنقص في الحمل عن تسعة أشهر من السقط وغيره.

{وَمَا تَزْدَادُ} على التسعة. يقال: غاض الماء فهو يغيض إذا نقص، وغِضْتُه.

١٠

{وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} أي: مُتَصَرِّف في حوائجه. يقال: سَرَبَ يَسْرَب. وقال الشاعر:

أَرَى كلَّ قوْمٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ... ونحنُ خلعْنَا قَيْدَهُ فهو سارِبُ (٢)

أي: ذاهب.

١١

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني: ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلفَ بعده فريق.

{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه} أي: بأمر اللّه.

{وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} أي: وَلِيّ. مثل: قادر وقدِير. وحافظ وحفيظ.

١٢

{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} للمسافر، {وَطَمَعًا} للمقيم.

__________

(١) في تفسير الطبري ١٣/٧١ "يقول: ولكل قوم إمام يأتمون به وهاد يتقدمهم فيهديهم إما إلى خير وإما إلى شر. وأصله من هادي الفرس، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده".

(٢) البيت للأخنس بن شهاب التغلبي، كما في اللسان ١/٤٤٥ وروايته "وكل أناس قاربوا" وبعده: "قال ابن بري: قال الأصمعي: هذا مثل، يريد أن الناس أقاموا في موضع واحد لا يجترئون على النقلة إلى غيره، وقاربوا قيد فحلهم، أي حبسوا فحلهم عن أن يتقدم فتتبعه إبلهم خوفا أن يغار عليها. ونحن أعزاء نقتري الأرض نذهب فيها حيث شئنا، فنحن قد خلعنا قيد فحلنا ليذهب حيث شاء، فحيثما نزع إلى غيث تبعناه".

١٣

{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي: الكيد والمكر. وأصل المحال: الحيلَةُ. والحولُ: الحيلة (١) . قال ذُو الرُّمَّة:

وَلَيَّسَ بين أقوامٍ فكلٌّ ... أعَدَّ له الشَّغَازِبَ والمِحَالا (٢)

١٤

{لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} أي: لا يصير في أيديهم منه إذا دعوهم إلا ما يصير في يديْ مَن قَبَضَ على الماء ليبلغَه فاه. والعرب تقول لمن طلب ما لا يجد: هو كالقابض على الماء.

قال الشاعر:

فإِني وإيَّاكم وشوقًا إليكم ... كقابضِ ماءٍ لَمْ تَسِقْهُ أناملُهْ (٣)

لم تَسِقْهُ: أي لم تحمله، والوسق: الحِمْلُ.

١٥

{وَللّه يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: يستسلم وينقاد ويخضع. وقد بينت هذا في تأويل "المشكل" (٤) .

__________

(١) نقل هذا التفسير في اللسان ١٤/١٤٢ ثم نقل بعده: "قال أبو منصور الأزهري: قول القتيبي في قوله عز وجل: (وهو شديد المحال) أي الحيلة - غلط فاحش. وكأنه توهم أن ميم المحال ميم مفعل، وأنها زائدة. وليس كما توهمه؛ لأن "مفعلا" إذا كان من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو والياء مثل: المِزود والمِحول والمِحور والمِعير والمزيل والمِجول وما شاكلها. وإذا رأيت الحرف على مثال "فعال" أوله ميم مكسورة - فهي أصلية مثل ميم مهاد وملاك ومراس ومحال وما أشبهها ... " وقد ذكر هذا النقد أيضا في تفسير القرطبي ٩/٢٩٩.

(٢) ديوانه ٤٤٥ ومجاز القرآن ١/٣٢٦ واللسان ١/٤٨٧، ١٤/١٤١ وهو غير منسوب في تفسير الطبري ١٣/٨٥ وتفسير القرطبي ٩/٣٠٠ والشغزبية: ضرب من الحيلة في الصراع، وهي أن تلوي رجله برجلك. والمحال: المكر الشديد.

(٣) البيت لضابئ بن الحارث البرجمي، كما في مجاز القرآن ١/٣٢٧ ونقله البغدادي في الخزانة ٤/٨٠ عن كتاب مختار أشعار القبائل لأبي تمام وروايته "لم تطعه أنامله" وهو له في اللسان ١٢/٢٥٩ وفيه "أي لم تحمله يقول: ليس في يدي شيء من ذلك كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ... " وهو غير منسوب في تفسير الطبري ١٣/٨٦.

(٤) بينه في صفحة ٣٢١-٣٢٣.

١٧

{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي: على قدرها في الصغر والكبر.

{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} أي: زبدًا عاليًا على الماء.

{ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} أي: حلى.

{أَوْ مَتَاعٍ} أو آنية. يعني: أن من فِلِزِّ الأرض وجواهرها مثل الرصاص والحديد والصُّفر والذهب والفضة - خبثًا يعلوها إذا أُذِيبَتْ، مثل زبد الماء.

(والجُفَاءُ) ما رَمَى به الوادي إلى جَنَبَاتِهِ. يقال: أَجْفَأَت القِدْرُ بزبدها: إذا ألْقت زبدها عنها (١) .

٢٢

{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي يدفعون السيئة بالحسنة، كأنهم إذا سفهَ عليهم حلموا. فالسَّفَهُ سيِّئَةٌ والحِلْمُ حسنة. ونحوه {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (٢) ويقال: دَرَأَ اللّه عنّي شَرَّكَ: أي دفعه. فهو يَدْرَؤُه دَرْءًا.

٢٤

{يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم} أي يقولون: سلام عليكم. فحذف اختصارًا.

٣١

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أراد لكان هذا القرآن. فحذف اختصارًا (٣) .

{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} أي أفلم يعلم. ويقال: هي لغة للنخع.

وقال الشاعر:

__________

(١) راجع تفسير هذه الآية في تأويل مشكل القرآن ٢٥١.

(٢) سورة فصلت ٣٤.

(٣) راجع تأويل مشكل القرآن ١٦٥.

أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْب إذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (١)

أي أَلَمْ تَعْلَمُوا.

{قَارِعَةٌ} داهية تَقْرَع أو مصيبة تنزل. وأراد أن ذاك لا يزال يصيبهم من سَرَايَا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٣٢

{فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي أمهلتهم وأَطَلْت لهم (٢) .

٣٣

{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هو اللّه القائم على كل نفس بما كسبت يأخذها بما جنت ويثيبها بما أحسنت. وقد بينت [معنى] القيام في مثل هذا في كتاب "المشكل" (٣) .

٣٨

{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي وقت قد كُتِب.

٣٩

{يَمْحُو اللّه مَا يَشَاءُ} أي ينسخ من القرآن ما يشاء.

{وَيُثْبِتُ} أي يدعه ثابتًا فلا ينسخهُ، وهو المُحْكَمُ (٤) .

{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي جُمْلَتُهُ وأصلُه.

__________

(١) البيت لسحيم بن وثيل اليربوعي، كما في مجاز القرآن ١/٣٣٢ وتفسير الطبري ١٣/١٠٣ نقلا عن مجاز القرآن. وهو له في اللسان ٨/١٤٧ وانظر شرحه وتخريجه من كتب أخرى في تأويل مشكل القرآن ١٤٨.

(٢) في تفسير الطبري ١٣/١٠٦ "فأطلت لهم المهل ومددت لهم في الأجل ... والإملاء في كلام العرب: الإطالة، يقال منه: أمليت لفلان إذا أطلت له في المهل، ومنه الملاوة من الدهر، ومنه قولهم: تمليت حينا، ولذلك قيل لليل والنهار: الملوان. لطولهما".

(٣) بينه في صفحة ١٣٨-١٣٩.

(٤) وقيل: يمحو اللّه ما يشاء من أمور عباده فيغيره إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران. وقيل: يمحو اللّه ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء. وقيل: معنى ذلك: يغفر ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء فلا يغفر. وقيل: يمحو من قد حان أجله ويثبت من لم يَجِئ أجله إلى أجله. وهذا قول الحسن ومجاهد، وهو أولى الأقوال بتأويل الآية وأشبهها بالصواب عند أبي جعفر الطبري ١٣/١١٤ "وذلك أن اللّه توعد المشركين الذين سألوا رسول اللّه الآيات بالعقوبة وتهددهم بها وقال لهم: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه، لكل أجل كتاب يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل. ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل يجيء اللّه بما شاء ممن قدرنا أجله وانقطع رزقه أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مال، فيقضي ذلك في خلقه؛ فذلك محوه. ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه".

وفي رواية أبي صالح: أنه يمحو من كتب الحفظة ما تكلم به الإنسان مما ليس له ولا عليه، ويثبت ما عليه وما له.

٤١

{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي بموت العلماء والعُبَّاد (١) ، ويقال: بالفتوح على المسلمين. كأنه ينقص المشركين مما في أيديهم (٢) .

{لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} أي لا يَتَعَقَّبُه أحدٌ بتغيير ولا نقص (٣) .

__________

(١) هذا رأي مجاهد وابن عباس، كما في تفسير الطبري ١٣/١١٧ والدر المنثور ٤/٦٨.

(٢) قال الطبري ١٣/١١٧ "وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها. بظهور المسلمين من أصحاب محمد عليها وقهرهم لأهلها، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظهورهم على أرضهم وقهرهم إياهم ... ".

(٣) في تفسير الطبري "لا راد لحكمه. والمعقب في كلام العرب هو الذي يكر على الشيء" وانظر ما يتعلق بهذه الآية في تأويل مشكل القرآن ٦٠.

﴿ ٠