سورة إبراهيممكية كلها ٥{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّه} أي: بأيام النِّعم (١) . ٧{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} مبيَّن في سورة الأعراف (٢) . ٩{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} قال أبو عبيدة: تركوا ما أمروا به، ولم يُسلِموا (٣) . ولا أعلم أحدًا قال: ردَّ يدَه في فيه؛ إذا أمسك عن الشيء! والمعنى: رَدُّوا أيديهم في أفواههم، أي عضُّوا عليها حنقًا وغيظا. كما قال الشاعر: يَرُدُّونَ فِي فِيهِ عَشْر الحَسُودِ (٤) يعني: أنهم يَغيظُون الحسودَ حتى يعض على أصابعه العشر، ونحوه قول الهُذَلي: __________ (١) في تفسير الطبري ١٣/١٢٢ "يقول عز وجل: وعظهم بما سلف من نعمي عليهم في الأيام التي خلت، فاجتزئ بذكر الأيام من ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيام كانت معلومة عندهم أنعم اللّه عليهم فيها نعما جليلة: أنقذهم فيها من آل فرعون بعد ما كانوا فيه من العذاب المهين، وغرق عدوهم فرعون وقومه، وأورثهم ديارهم وأموالهم". (٢) راجع ص ١٧٤. (٣) نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن ١/٣٣٦ "مجازه مجاز المثل، وموضعه موضع: كفوا عما أمروا بقوله من الحق، ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، ويقال: رد يده في فمه، أي أمسك إذا لم يجب" وقد ذكره الطبري ١٣/١٢٧ ورده، ونقله القرطبي كما نقل نقد ابن قتيبة ٩/٣٤٥-٣٤٦. (٤) هكذا ذكره ابن قتيبة غير منسوب في المعاني الكبير ٨٣٤ وشرحه بقوله: "يعني أصابع يديه العشر يعضها غيظا عليهم وحنقا" والذي في تفسير القرطبي ٩/٣٤٦: تردون في فيه غش الحسو ... د حتى يعض على الأكفا يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه". قَدَ افْنَى أَنَامِلَهُ أَزْمُهُ ... فَأَضْحَى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظِيفَا (١) يقول: قد أكل أصابعه حتى أفناها بالعض، فأضحى يعضُّ عليَّ وظِيفَ الذراع، وهكذا فسر هذا الحرفَ ابنُ مسعود (٢) واعتبارُه قولُه عز وجل في موضع آخر: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} ١٥{وَاسْتَفْتَحُوا} أي: استنصَرُوا (٣) . {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ١٦{مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي: أمامَه (٤) . {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} والصديد: القيْحُ والدمُ. أي: يُسقى الصديدَ مكان الماء. كأنه قال: يُجعلُ ماؤه صديدًا. ويجوز أن يكون على التشبيه. أي يُسقَى ماءً كأنه صديدٌ. ١٧{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: من كل مكان من جسده. {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} (٥) . __________ (١) البيت لصخر الغي، كما في ديوان الهذليين ٢/٧٣ والمعاني الكبير لابن قتيبة ٨٣٤ والأزم: العض الشديد. (٢) الدر المنثور ٤/٧٢ وقد رواه الطبري في تفسيره ١٣/١٢٦ ثم قال ١٢٧ "وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية: القول الذي ذكرناه عن عبد اللّه بن مسعود، أنهم ردوا أيديهم في أفواههم فعضوا عليها غيظا على الرسل، كما وصف اللّه عز وجل به إخوانهم من المنافقين فقال: (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من رد اليد إلى الفم". (٣) قال الطبري ١٣/١٢٩ "واستفتحت الرسل على قومها، أي استنصرت اللّه عليها (وخاب كل جبار عنيد) يقول: هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد اللّه وإخلاص العبادة له. والعنيد، والعاند، والعنود، بمعنى واحد". (٤) تأويل مشكل القرآن ١٤٥. (٥) قال الطبري ١٣/١٣١ "ويأتيه الموت من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن كل موضع من أعضاء جسده (وما هو بميت) لأنه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح، ولا يحيا لتعلق نفسه بالحناجر فلا ترجع إلى مكانها". ١٨{أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} أي: شديد الريحِ. شبه أعمالَهم بذلك: لأنه يُبطلها ويَمحَقُها. ٢١{مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} أي: مَعْدِلٍ. يقال: حاصَ عن الحق يحيصُ؛ إذا زاغ وعَدَل. ٢٢{لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} أي: فُرِغ منه، فدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ (١) . ٢٤{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً} شهادة أن لا إله إلا اللّه، {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} يقال: هي النخلةُ. {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض، {وَفَرْعُهَا} أعلاها؛ {فِي السَّمَاءِ} ٢٥{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} يقال: كلَّ ستةِ أشهر؛ ويقال: كلَّ سنةٍ. ٢٦{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} يعني: الشرك. {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} قال أنس بن مالك: هي الحَنْظَلَةُ (٢) . {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ} أي: اسْتُؤْصِلَتْ وقُطعتْ. {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} أي: فما لَها من أصل (٣) . فشبَّه كلمةَ الإيمان في نفعها وفضلها؛ بالنخلة: في عُلُوِّها وثباتها وحملها. وشبَّه كلمة الشرك، بحنظلةٍ قطعتْ: فلا أصلَ لها في الأرض، ولا فرع لها في السماء، ولا حَمْلَ. __________ (١) في تفسير الطبري ١٣/١٣٣. (٢) قوله في تفسير الطبري ١٣/١٤٠. (٣) في تفسير الطبري ١٣/١٤١ "يقول: ما لهذه الشجرة من قرار ولا أصل في الأرض تنبت عليه وتقوم. وإنما ضربت هذه الشجرة - التي وصفها اللّه بهذه الصفة لكفر الكافر وشركه به، مثلا. يقول: ليس لكفر الكافر وعمله الذي هو معصية اللّه في الأرض ثبات، ولا له في السماء مصعد، لأنه لا يصعد إلى اللّه منه شيء". ٢٨{دَارَ الْبَوَارِ} دارَ الهلاك. وهي: جهنم. ٣١{وَلا خِلالٌ} مصدر "خَالَلْتُ فلانًا خلالا ومُخَالَّةً" والاسم الخُلة، وهي: الصداقة (١) . ٣٥{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} أي: اجنُبْني وإيَّاهُمْ (٢) . ٣٦{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} أي: ضَل بهن كثيرٌ من الناس. ٣٧{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي: تنزعُ إليهم. ٤٣{مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين. يقال: أهْطَعَ البعير في سَيْره واسْتَهْطَعَ؛ إذا أَسْرَعَ. {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} والمُقْنِع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه. والإقناعُ في الصلاة هو من إتمامها. {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: نظرُهم إلى شيء واحد. {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} يقال: لا تَعِي شيئًا من الخير (٣) . ونحوه قول الشاعر في وصف الظَّلِيم: __________ (١) في تفسير الطبري ١٣/١٤٩ "يقول: ليس هناك مخالة خليل فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته، بل هناك العدل والقسط. فالخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلانا فأنا أخاله مخالة وخلالا". (٢) قال الطبري ١٣/١٥١ "ومعنى ذلك: أبعدني وبني من عبادة الأصنام". (٣) قال الطبري ١٣/١٥٩ "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه أنها خالية ليس فيها شيء من الخير ولا تعقل شيئا، وذلك أن العرب تسمي كل أجوف خاو: هواء". .. جُؤْجُؤُهُ هَوَاء (١) أي: ليس لِعَظْمِهِ مُخٌّ ولا فيه شيء. ويقال: أفئدتهم هواء مَنْخُوبَةٌ من الخوف والجبن. ٤٩{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} أي: قد قُرن بعضُهم إلى بعض في الأغلال. واحدها: صَفد (٢) . ٥٠{سَرَابِيلُهُمْ} أي: قُمُصُهم. واحدها: سِرْبَال (٣) . {مِنْ قَطِرَانٍ} (٤) . ومن قرأ: "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" أراد: نحاسًا قد بلغ منتهى حرِّه (٥) أنَى فهو آنٍ. __________ (١) قطعة من بيت لزهير، وتمامه كما في ديوانه ٦٣: كأن الرحل منها فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء منها: من هذه الناقة. فوق صعل: فوق ظليم دقيق العنق صغير الرأس. جؤجؤه: صدره. هواء: لا مخ فيه. وقال الأصمعي: جؤجؤه هواء، أي أنه منتخب العقل، وإنما أراد أنه لا عقل له، وكذلك هو أبدا كأنه مجنون". (٢) في تفسير الطبري ١٣/١٦٧ "يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد، وهي الوثاق من غلة وسلسلة، واحدها: صفد". (٣) قارن هذا بشرح الطبري في تفسيره ١٣/١٦٧. (٤) في تفسير الطبري ١٣/١٦٨ "عن قتادة: "من قطران" قال: هي نحاس. وبهذه القراءة - أعني بفتح القاف، وكسر الطاء، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة - قرأ ذلك جميع قراء الأمصار، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القراء عليه". (٥) قال الطبري "وقد روي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: "من قِطْرٍ آنٍ" بفتح القاف، وتسكين الطاء، وتنوين الراء، وتصيير "آن" من نعته. وتوجيه معنى القطر إلى أنه: النحاس. ومعنى "الآن" إلى أنه: الذي قد انتهى حره في الشدة. وممن كان يقرأ ذلك كذلك - فيما ذكر لنا - عكرمة مولى ابن عباس". |
﴿ ٠ ﴾