سورة بني إسرائيلمكية كلها ٤{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أخبرناهم. ٥{فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} أي عاثوا بين الديار وأفسدوا؛ يقال: جَاسوا وحَاسوا. فهم يَجُوسون وَيَحُوسُون. ٦{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} أي الدَّوْلَة. {أَكْثَرَ نَفِيرًا} أي أكثر عددًا. وأصله: مَنْ يَنْفِرُ مع الرجل من عشيرته وأهل بيته. والنَّفِيرُ والنَّافرُ واحد. كما يقال: قَدِير وقَادِر (١) . ٧{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} يعني من المَرَّتَين. {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} من السَّوْء. {وَلِيُتَبِّرُوا} أي ليدمِّروا ويخرِّبوا. ٨{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي مَحْبِسًا (٢) . من حَصَرْتُ الشيء: إذا حبسته. فَعِيل بمعنى فاعل. ١١{وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى مَالِه، بما لو استُجيب له فيه، هلك. {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} أي يَعْجَلُ عند الغضب. واللّه لا يعجل بإجابته. __________ (١) نقله القرطبي ١٠/٢١٧. (٢) وقيل: حصيرا: أي فراشا ومهادا، وهو الرأي الذي ارتضاه الطبري ١٥/٣٦. ١٢{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} يعني مَحْوَ القمر. {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مُبْصَرًا بها. وقد ذكرت هذا وأمثاله في "المشكل" (١) . ١٣{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال أبو عُبَيْدَة: حظَّهُ. وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه (٢) . وهذان التفسيران يحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى- واللّه أعلم -: أن لكل امرئ حظًّا من الخير والشر قد قضاه اللّه عليه. فهو لازم عنقه. والعرب تقول لكل ما لزم الإنسانَ: قد لزم عنقه. وهو لازم صَلِيفَ عُنُقه (٣) . وهذا لك عليَّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر؛ لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر؛ على طريق الفأل والطِّيَرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببًا. فخاطبهم اللّه بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو مُلْزِمُه أعناقَهم. ونحوه قوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللّه} (٤) وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون: (وكل إنسان ألزمناه طيره في عنقه) بلا ألف. والمعنيان جميعًا سواء؛ لأن العرب تقول: جَرَت له طَيْرُ الشمال. فالطَّيْرُ الجماعة، والطائر واحد. وقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} أي نخرج بذلك العمل كتابا. ومن قرأ "ويخرج له يوم القيامة كتابا" أراد: ويخرج ذلك العملُ كتابا. __________ (١) راجع تأويل مشكل القرآن ٢٢٨. (٢) في اللسان ٦/١٨٣. (٣) الصليف: جانب العنق. (٤) سورة الأعراف ١٣١. ١٤{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} أي كافيًا. ويقال: حاسبًا ومُحَاسبًا. ١٦{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي أكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا. يقال: أَمَّرْتُ الشيءَ وأمَرْتُه، أي كثَّرته. تقدير فَعَّلت وأَفْعَلْت، ومنه قولهم: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ (١) أي كثيرة النِّتاج. ويقال: أَمِرَ بنو فلان يأمرون أمرًا؛ إذا كثروا. وبعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمْر. يقول: نأمرهم بالطاعة ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقَّ عليهم القول، أي وَجَب. ومن قرأ (أَمَّرْنَا) فهو من الإمارة. أي جعلناهم أُمراء. وقرأ أقوام (آمَرْنَا) بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي كَثَّرْنا. ٢٣{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي أمر ربك (٢) . ٢٥(الأوَّابُ) : التائب مرة بعد مرة. وكذلك التَّوَّاب، وهو من آب يَؤُوب، أي رجَع. ٢٨{قَوْلا مَيْسُورًا} أي لَيِّنا. __________ (١) وفي الحديث: "خير المال مهرة مأمورة" كما في اللسان ٥/٨٨ وتفسير الطبري ١٥/٤٢. (٢) وكذلك فسرها في تأويل مشكل القرآن ٣٤٢. ٢٩{مَحْسُورًا} أي تَحْسِرُكَ العطيةُ وتقطعك، كما يَحْسِرُ السفر البعير فيبقى منقطعًا. يقال: حسَرت الرجلَ فأنا أَحْسِرُه، وحسِر فهو يحسِر. ٣٠{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} يوسِّع عليه. {وَيَقْدِرُ} أي يضيِّق عليه. (فَلا تُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (١) أي: لا تُمَثِّلْ إذا قتلت بالقَوَد، ولا تقتل غير قاتلك. ٣٤{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي: يتناهَى في الثَّبَات إلى حدّ الرجال. ويقال: ذلك ثمانية عشر سنة. وأَشُدُّ اليتيم غير أَشُدِّ الرجل في قول اللّه عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} (٢) وإن كان اللفظان واحدًا؛ لأن أشُدَّ الرجل: الاكتهال والحُنْكَةُ وأن يشتد رأيُه وعقله. وذلك ثلاثون سنة، ويقال: ثمان وثلاثون سنة. وأشدُّ الغلام: أن يشتد خَلْقُه، ويتناهى ثَبَاتُه. ٣٥{بِالْقِسْطَاسِ} الميزان، يقال: هو بلسان الروم (٣) . وفيه لغة أخرى: (قُسْطَاس) بضم القاف. وقد قرِئ باللغتين جميعًا (٤) . {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أي أحسن عاقبة. ٣٦{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي: لا تتبعه الحدْسَ والظُّنُون ثم تقول: رأيتُ ولم تر، وسمعتُ ولم تسمع، وعلمتُ ولم تعلم (٥) . __________ (١) وقرئ: "فلا يسرف" بالياء، وهما سواء، كما قال الطبري ١٥/٥٩. (٢) سورة الأحقاف ١٥. (٣) راجع المعرب ٢٥١، والإتقان ١/٢٣٨. (٤) وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب؛ لأنهما لغتان مشهورتان وقراءتان مستفيضتان في قراء الأمصار، كما قال الطبري في تفسيره ١٥/٦١. (٥) في تفسير القرطبي ١٠/٢٥٧، واللسان ٢٠/٥٥. وهو مأخوذ من القفاء كأنك تقفو الأمور، أي تكون في أَقْفَائِها وأواخرها تتعقبها. يقال: قَفَوْتُ أثرَه. والقَائِف: الذي يعرف الآثار ويتبعها. وكأنه مَقْلوب عن القافي. ٣٧{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} أي: بالكبر والفخر. {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} أي: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ آخرها. يقال: فلان أخْرَقُ للأرض من فلان، إذا كان أكثر أسْفارا وعَزْوًا. {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} يريد: أنه ليس للفاجر أن يَبْذَخَ (١) ويستكبر. ٣٩{مَدْحُورًا} مَقْصِيًّا مُبْعَدًا، يقال: اللّهم ادْحَر الشيطان عني (٢) . ٤٠{وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} كانوا يقولون: الملائكة بنات اللّه. ٤٢{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} يقول: لو كان الأمر كما تقولون لابتغى من تدعونه إلها، التَّقَرُّبَ إلى اللّه؛ لأنه ربّ كل مَدْعُوّ. ويقال: لابتغوا سبيلا أي طريقا للوصول إليه. ٤٦{أَكِنَّةً} جمع كِنَان. مثل غِطاء وأغطية. ٤٧{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} أي: مُتَنَاجون: يُسَارُّ بعضهم بعضا. {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} قال أبو عبيدة: يريدون __________ (١) يبذخ: أي يتطاول ويتكبر ويفخر. (٢) في تفسير القرطبي ١٠/٢٦٤، واللسان ٥/٣٦٤. بشرا ذا سَحْرٍ، أي ذا رِئَةٍ (١) ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير المستكره؟ . وقد سبق التفسير من السلف بما لا استكراه فيه. قال مُجَاهد في قوله: {إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} أي مَخْدُوعًا؛ لأن السحر حيلة وخديعة. وقالوا في قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (٢) أي من أين تخدَعون؟ و {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (٣) أي من المُعَلَّلِينَ (٤) . وقال امرؤ القيس: ونُسْحَرُ بالطَّعام وبالشرابِ (٥) أي نُعَلَّل، فكأنا نخدع. وقال لَبِيد: فإن تسألينا: فيمَ نحن? فإنَّنا ... عصافيرُ من هذا الأنام المُسَحَّرِ (٦) أي المُعَلَّل. والناس يقولون: سحرْتني بكلامك. يريدون خدعتني. وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} (٧) يدل على هذا التأويل لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رِئَةٍ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه. ولكنهم لما أرادوا رجلا مَخْدُوعًا - كأنه بالخديعة سُحِر - كان مثلا ضربوه، وتشبيها شبّهوه. وكأن المشركين ذهبوا إلى أن قومًا يعلِّمونه ويخدعونه. وقال اللّه في موضع آخر حكاية __________ (١) بقية كلام أبي عبيدة "رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب، فهو مثلكم وليس بملك، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره، ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب: مسحور ومسحر" ونصه في البحر المحيط ٦/٤٤، وتفسير القرطبي ١٠/٢٧٢، وتفسير الطبري ١٥/٦٧. (٢) سورة المؤمنون ٨٩. (٣) سورة الشعراء ١٥٣. (٤) في اللسان ٦/١٢ "وسحره بالطعام والشراب: غذاه وعللّه، وقيل: خدعه ". (٥) صدره: "أرانا موضعين لأمر غيب" كما في ديوانه ٤٧، وتفسير القرطبي ١٠/٢٧٣، وفي اللسان ٦/١٣ "قال ابن بري قوله: موضعين أي مسرعين. وقوله: لأمر غيب، يريد الموت وأنه قد غيب عنا وقته ونحن نلهى بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وقول لبيد ... يكون على الوجهين". (٦) تفسير الطبري ١٥/٦٧، والقرطبي ١٠/٢٧٢، والبحر المحيط ٦/٤٤، واللسان ٦/١٤. (٧) سورة الإسراء ٤٨. عنهم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (١) وقول فرعون: {إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} (٢) لا يجوز أن يكون أراد به: إني لأظنك إنسانًا ذا رِئَةٍ؛ وإنما أراد: إني لأَظنك مَخْدُوعًا. (والرُّفَاتُ) : مَا رُفِتَ (٣) . وهو مثل الفُتَات. ٥١{فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} أي يحركونها كما يحرك اليائسُ من الشيء المستبعدُ له رأسَه. يقال: نَغَضَتْ سِنُّهُ؛ إذا تحركت. ويقال للظليم: نَغْضٌ؛ لأنه يحرِّك رأسَه إذا عدا. ٥٧{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني الذين يعبدون من دونه ويَدْعُونَهم آلهة، يعني الملائكة، وكانوا يعبدونها. {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} أي القُرْبة. ٥٨{مَسْطُورًا} أي مكتوبا. يقال: سَطَرَ؛ أي كتب. ٥٩{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} أي آتينا ثمود آية - وهي الناقة - مبصرة، أي بيِّنة، يريد مُبْصَرًا بها. كما قال: {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (٤) . {فَظَلَمُوا بِهَا} أي كذبوا بها. وقد بينت الظلم ووجوهه في كتاب "المشكل" (٥) . {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ} أي وما نرسل الرسلَ بالآيات. __________ (١) سورة النحل ١٠٣. (٢) سورة الإسراء ١٠١. (٣) في اللسان ٢/٣٣٨ "الرفات: الحطام من كل شيء تكسر". (٤) سورة الإسراء ١٢. (٥) راجع ص: ٣٥٩. ٦٠{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} يعني ما رآه ليلة الإسراء. {إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} يقول: فُتِنَ أقوامٌ بها، فقالوا: كيف يكون يذهب هذا إلى بيت المقدس ويرجع في ليلة؟ فارتدوا؛ وزاد اللّه في بصائر قوم منهم أبو بكر رحمه اللّه، وبه سُمِّيَ صِدِّيقًا. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} يعني شجرة الزَّقُّوم. ٦٢{هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} أي فضَّلت. {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} لأَستأصلنَّهم. يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض كلَّه؛ إذا أكله كلَّه. واحْتَنكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه، ويقال: هو من حَنَكَ دابَّتَهُ يَحْنُكُها حَنْكًا: إذا شد في حَنَكِها الأسفل حبلا يقودها به. أي لأَقُودَنَّهم كيف شئتُ. ٦٣{جَزَاءً مَوْفُورًا} أي مُوَفَّرًا. يقال: وفَّرْت عليه ماله ووَفَرْتُه: بالتخفيف والتشديد. ٦٤{وَاسْتَفْزِزْ} أي اسْتَخِفَّ. ومنه يقال: استَفزَّني فلان. و (الرَّجِلُ) الرَّجَّالة. يقال: رَاجِلٌ ورَجْل. مثل تاجر وتَجْرٌ، وصاحب وصَحْبٌ. {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ} بالنَّفقة في المعاصي؛ {وَ} في {الأَوْلاد} بالزنا. ٦٦{يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} أي يسيرها. قال الشاعر: فتى يُزْجي المطِيَّ على وَجَاها ٦٨(الحَاصِبُ) الريح. سميت بذلك: لأنها تَحْصب، أي ترمي بالحصباء، وهي: الحصى الصغار. ٦٩و (الْقَاصِفُ) الريح التي تقصف الشجر، أي تكسره. {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي مَنْ يَتْبَعُنا بدمائكم، أي يطالبنا. ومنه قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (١) أي مطالبةٌ جميلة. ٧١{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَمِهِمْ} أي بكتابهم الذي فيه أعمالهم (٢) ، على قول الحسن. وقال ابن عباس - في رواية أبي صالح -: برئيسهم. {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} والفَتِيلُ: ما في شِقِّ النّواة. ٧٣{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} أي يَسْتَزِلُّونَك. {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} لتختلق غيره. {وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا} أي لو فعلت ذاك لَوَدُّوك. ٧٥{ضِعْفَ الْحَيَاةِ} أي ضِعف عذاب الحياة. {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضِعف عذاب الممات. ٧٦{وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ} أي بَعْدَك. ٧٨{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} غروبها. ويقال: زوالها. والأول أحب إليَّ؛ لأن العرب تقول: دَلَكَ النجم؛ إذا غاب. قال ذو الرُّمَّة: __________ (١) سورة البقرة ١٧٨. (٢) وقيل: بكتابهم: أي بنبيهم ومن كان يقتدي به في الدنيا ويأتم به. وقيل: بكتابهم الذي أنزلت عليهم فيه أمري ونهيي، راجع تفسير الطبري ١٥/٨٦. مَصَابيحُ لَيْسَتْ بالَّلوَاتي تَقُودُها ... نُجُومٌ ولا بالآفلاتِ الدَّوَالكِ (١) وتقول في الشمس: دَلَكَت بَرَاحِ (٢) يريدون غربت. والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر إليها. قال الشاعر: والشمس قد كادت تكون دَنَفًا ... أَدْفَعُها بالرَّاح كَيْ تَزَحْلَفَا (٣) فشبهها بالمريض في الدَّنَف، لأنها قد همَّت بالغروب. كما قارب الدَّنِف الموت. وإنما ينظر إليها من تحت الكف، ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب ويتوقى الشعاع بكفه. و {غَسَقِ اللَّيْلِ} ظلامه. و {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي قراءة الفجر. ٧٩{فَتَهَجَّدْ بِهِ} أي اسْهَرْ به. يقال: تهجَّدت: إذا سهرت. وهَجَدْت: إذا نمت. {نَافِلَةً لَكَ} أي تطوعا. ٨٣{وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي تَبَاعَد. {كَانَ يَئُوسًا} أي قانطًا يائسًا. ٨٤{كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي على خَلِيقَتِه وطبيعته. وهو من الشَّكل، يقال: لست على شَكْلي ولا شاكِلَتِي. __________ (١) ديوانه ٤٢٥ وتفسير القرطبي ١٠/٣٠٣ والبحر المحيط ٦/٦٨ واللسان ١٢/٣١١. مصابيح: يعني الإبل تصبح في مباركها. والآفلات: الغائبات، يقال: أفل النجم: إذا غاب، والدوالك: يقال: دلكت: إذا غابت أو دنت للمغيب. (٢) براح بفتح الباء: اسم للشمس، ومن كسر الباء فإنه يعني أنه يضع الناظر كفه على حاجبه من شعاعها لينظر. (٣) البيت للعجاج، كما في ديوانه ٨٢ واللسان ١١/٦، ٣١ وتفسير القرطبي ١٠/٣٠٣ وفي تفسير الطبري ١٥/٩٢ "كي أبر حلفا" وفي اللسان ١١/٣١ "ويقال للشمس إذا مالت للمغيب وزالت عن كبد السماء نصف النهار: قد تزحلفت. ٨٨{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} أي عَوْنًا. ٨٩{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} أي وجهنا القول فيه بكل مثل. وهو من قولك: صَرَفْت إليك كذا؛ أي عَدَلْت به إليك. وشُدّد ذلك للتكثير. كما يقال: فُتِّحت الأبواب. ٩٠{يَنْبُوعًا} أي عينا وهو مَفْعُولٌ من نَبَعَ يَنْبَعُ. ومنه يقال لمالِ علي رحمه اللّه: يَنْبُع (١) . ٩٢{كِسَفًا} أي قِطَعًا. الواحد: كِسْفَةٌ. {أَوْ تَأْتِيَ بِاللّه وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} أي ضَمِينا. يقال: قبلت به أي كفلت به. وقال أبو عبيدة: مُعَايَنَةً. ذهب إلى المقابلة (٢) . ٩٣{بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي من ذَهَب (٣) . ٩٧{كُلَّمَا خَبَتْ} أي سكنت يقال: خَبَت النار - إذا سكن لهبها - تَخْبُو. فإن سكن اللّهب ولم يطفأ الجمر، قلت: خَمَدت تَخْمُدُ خُمُودًا. فإن طفئت ولم يبق منها شيء، قيل: هَمَدَت تَهْمِد هُمُودًا. {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} أي نارًا تَتَسَعَّر، أي تَتَلَهَّب. ١٠٠{وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} أي ضَيِّقًا بخيلا. ١٠٢{وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} أي مهلَكا. والثُّبُور: الهَلَكَة. __________ (١) في اللسان ١٠/٢٢٢ "وبناحية الحجاز عين ماء يقال لها ينبع، تسقي نخيلا لآل علي بن أبي طالب". (٢) البحر المحيط ٦/٨٠ وتفسير القرطبي ١٠/٣٣١ وفي تفسير الطبري ١٥/١٠٩ "وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي قاله قتادة: من أنه بمعنى المعاينة من قولهم قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبيل فلان، بمعنى قبالته". (٣) وهو تفسير ابن عباس وابن مسعود وقتادة، كما في تفسير الطبري ١٥/١٠٩ والقرطبي ١٠/٣٣١. وفي رواية الكلبي: إني لأعلَمُك يا فرعون مَلْعونا (١) . ١٠٣{فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ} أي يَسْتَخِفَّهُمْ حتى يخرجوا. ١٠٤{جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي جميعًا (٢) . ١١٠{وَلا تُخَافِتْ بِهَا} أي لا تخفها. {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} أي بين الجهر وبين الإخفاء طريقا قَصْدًا وَسَطًا. وَالتَّرْتِيلُ (٣) في القراءة: التَّبْيِين لها. كأنّه يَفْصِل بين الحرف والحرف، ومنه قيل: ثَغْرٌ رَتَلٌ ورَتِل؛ إذا كان مُفَلَّجًا. يقال: كلام رَتِلٌ، أي مُرَتَّل؛ وثَغْرٌ رَتِلٌ، يعني إذا كان مستوى النبات (٤) ؛ ورجل رِتل - بالكسر - بَيِّنُ الرَّتَل: إذا كان مُفَلَّجَ الأسنان. __________ (١) وهو تفسير ابن عباس، كما في تفسير الطبري ١٥/١٧ والدر المنثور ٤/٢٠٥. (٢) في تفسير القرطبي ١٠/٣٣٨ "قال الأصمعي: اللفيف جمع وليس له واحد، وهو مثل الجميع". (٣) كان من الواجب ألا تشرح كلمة الترتيل في سورة بني إسرائيل، وإنما تشرح حيث وردت في الآية الثانية والثلاثين من سورة الفرقان، أو الآية الرابعة من سورة المزمل. ولكنها وردت هكذا في أصل الكتاب، الذي بين أيدينا والأصل الذي كان بين يدي ابن مطرف الكناني صاحب القرطين. فإما أن يكون ابن قتيبة قد أخطأ، وإما أن يكون قد ذكرها هنا بمناسبة تفسير قوله تعالى: (على مكث) أي على ترتيل. ثم استطرد لشرح "الترتيل" وتكون كلمة "على مكث" مع شرحها قد سقطت قديما من أصول الكتاب. وإما أن يكون قد ذكرها لأن المراد من الصلاة في الآية القراءة. (٤) في اللسان ١٣/٢٨١. |
﴿ ٠ ﴾