سورة الفرقانمكية كلها ١{تَبَارَكَ} من البرَكة. ٣و (النُّشُورُ) : الحياةُ بعد الموت. {افْتَرَاهُ} تَخَرَّصَه. ١٢{سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} أي: تغيظًا عليهم. كذلك قال المفسرون (١) . وقال قوم: "بل يسمعون فيها تَغَيُّظَ المعذبين وزفيرَهم". واعتبروا ذلك بقول اللّه جل ثناؤه: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (٢) واعتَبر الأوَّلون قولَهم، بقوله تعالى في سورة الملك: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} (٣) وهذا أشْبَهُ التفسيرَين -إن شاء اللّه- بما أريد؛ لأنه قال سبحانه: {سَمِعُوا لَهَا} ؛ ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها. ١٣{دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} أي: بالهَلَكة. كما يقول القائل: واهَلاكاه!. __________ (١) تفسير القرطبي ١٣/٨ والطبري ١٨/٤٠. (٢) سورة هود ١٠٦. (٣) الآية الثامنة. ١٨{نَسُوا الذِّكْرَ} يعني: القرآنَ. {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} أي هَلْكى، وهو من "بَارَ يَبُور": إذا هلَك وبطَل. يقال: بار الطعامُ، إذا كَسَد. وبارت الأيّمُ: إذا لم يُرغبْ فيها. وكان رسول اللّه -صلى اللّه عليه- يتعوَّذُ باللّه من بَوَار الأيِّم (١) . قال أبو عبيدة: "يقال: رجل بُورٌ، [ورجُلان بُورٌ] ، وقوم بور. ولا يجمع ولا يثنى". واحتج بقول الشاعر: يا رسولَ المَلِيكِ! إنَّ لِساني ... راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنَا بُورُ (٢) وقد سمعنا [هم يقولون] : رجل بائرٌ. ورأيناهم ربما جمعوا "فاعِلا" على "فُعْلٍ"، نحو عائذٍ وعُوذٍ، وشارِفٍ وشُرْفٍ. ١٩{فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} قال يُونُس: الصَّرفُ: الحيلةُ من قولهم: إنه لَيَتَصرَّف [أي يحتال] . فأما قولهم: "ما يُقبَل منه صَرْفٌ ولا عدْلٌ"؛ فيقال (٣) إن العدل الفَرِيضةُ، والصرفَ النافلةُ. سميتْ صرفًا: لأنها زيادةٌ على الواجب. وقال أبو إدريسَ الخَولانِيُّ (٤) "مَن طلبَ صَرْف الحديث -يبتغي به إقْبالَ وجُوه الناس إليه - لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ". أي طلب تحسينه بالزيادة فيه. وفي رواية أبي صالح: "الصَّرْف: الدِّيةُ. والعَدْلُ: رجلٌ مثلُه" كأنه يُراد: لا يُقبلُ منه أن يفتديَ برجل مثله وعدلِه، ولا أن يَصرفَ عن نفسه بديةٍ. __________ (١) النهاية لابن الأثير ١/٩٨ واللسان ٥/١٥٤. (٢) البيت لعبد اللّه بن الزبعرى في طبقات فحول الشعراء ٢٠٢ وتفسير الطبري ١٨/١٤٣، والقرطبي ١٣/١١ واللسان ٥/١٥٣. (٣) قال ذلك أبو عبيد، كما في اللسان ١١/٩٣. (٤) اللسان ١١/٩٣ والنهاية ٢/٣٦٠. ومنه قيل: صَيْرَفِيٌّ، وصرَفتُ الدراهمَ بدنانير. لأنك تصرفُ هذا إلى هذا. {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} أي يكفرْ. ٢٠{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} يعني: الشريفَ للوضيع، والوضيعَ للشريف. ٢١{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي لا يخافون. ٢٢{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: حرامًا محرَّمًا أن تكون لهم بُشْرَى. وإنما قيل للحرام حِجْرٌ: لأنه حُجِرَ عليه بالتحريم. يقال: حَجَرتُ حَُجْرًا. واسمُ ما حجرتَ عليه: حَِجْرٌ. ٢٣{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي عَمَدْنا إليه. {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وأصل "الهباء المنثُور": ما رأيته في الكَُوَّة، مثلَ الغُبار، من الشمس. واحدها: هَبَاءة. و "الهباء المُنْبَثُّ": ما سطع من سنابك الخيل. وهو من "الهَبْوَة". والهبوةُ: الغبار. ٢٥{تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي تتشقق عن الغمام. وهو: سحابٌ أبيضُ، فيما يُذْكر (١) . __________ (١) تفسير الطبري ١٩/٥ والقرطبي ١٣/٢٣. ٢٧{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} أي سببًا ووُصْلةً. ٣٠{يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذَيان. والهُجْر الاسم. يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذِي. ٣٨{وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} والرسُّ: المَعْدِن. قال الجعديُّ: تَنَابِلَةٌ يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا (١) أي آبارَ المعدن. وكلُّ رَكِيَّة تُطْوَى (٢) فهي: رسٌّ. ٣٩{تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أي أهلَكْنا ودمَّرْنا. ٤٣{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} يقول: يتَّبع هواه ويَدَعُ الحقَّ، فهو له كالإله. {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} أي كَفِيلا. وقيل: حافظًا. ٤٥{كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} وامتدادُه: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي مستَقِرًّا دائمًا لا تَنْسَخُهُ الشمس. ٤٦{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أي خفيًّا. كذلك هو في بعض اللغات. ٤٧{جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سِترًا. {وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} أي راحةً. وأصل السُّبَات: التمدُّدُ. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل" (٣) . __________ (١) له في اللسان ٧/٤٠٢ وغير منسوب في تفسير القرطبي ١٣/٣٢ والطبري ١٩/١٠ وصدره: "سبقت إلى فرط باهل" (٢) الركية: البئر. وتطوى تعرش بالحجارة، راجع اللسان ١٩/٥٠، ٢٤٣. (٣) راجع ص ٢٣، ٥٦، ٥٧، ١٠٩، ١١٠. {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} أي ينتشِرُون فيه. ٥٠{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} يعني المطرَ: يَسقي أرضًا، ويتركُ أرضًا. ٥٢{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أي بالقرآن. ٥٣{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي خَلاهما. يقال: مَرَج السلطانُ الناسَ؛ إذا خَلاهم. ويقال: أَمْرَجَ الدابةَ؛ إذا رعاها. و (الْفُرَاتُ) العذْبُ. و (الأجَاجُ) أشدُّ المياه ملوحةً. وقيل: هو الذي يُخالطُه مرارة. ويقال: ماءٌ مِلحٌ؛ ولا يقال: مالحٌ. {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي حاجزا -وكذلك الحَجْز والحِجَاز-: لئلا يختلطا. ٥٤{خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} يعني من النُّطْفة. {فَجَعَلَهُ نَسَبًا} يعني: قَرَابةَ النَّسب. {وَصِهْرًا} يعني: قرابةَ النكاح. ٥٥{ظَهِيرًا} أي عونًا. ٦٢{جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} أي يَخْلُفُ هذا هذا. قال زهير: بها الْعِينُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ (١) __________ (١) ديوانه ٥ وشرح القصائد العشر ١٠١ واللسان ١٠/٤٣٤ وتفسير الطبري ١٩/٢١ والقرطبي ١٣/٦٥. "الآرَامُ ":الظِّبَاءُ البيض (١) . والآرام: الأعلام. واحده: أَِرَِمٌ. أي إذا ذهب فَوْجُ الوحش، جاء فوجٌ. ٦٣{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} أي عبيدُ الرحمن. نسبَهم إليه -والناسُ جميعًا عبيدُه-: [لاصطفائه] إيَّاهم. كما يقال: "بيت اللّه" -والبيوتُ كلُّها للّه- و "ناقةُ اللّه". {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} أي مشيًا رُوَيْدًا. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} أي سَدَادًا من القول: لا رَفَثَ فيه، ولا هُجْرَ. ٦٥{كَانَ غَرَامًا} أي هَلَكةً. ٦٨{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} أي عقوبةً. قال الشاعر: [عَقُوقًا] والعُقُوقُ له أَثامُ (٢) أي عقوبة. ٧٢{مَرُّوا كِرَامًا} لم يَخُوضُوا فيه، وأكرَمُوا أنفسَهم عنه. ٧٣{لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أي لم يتغافلوا عنها: فكأنهم صمٌّ لم يسمعُوها، عميٌ لم يَرَوْها. ٧٧{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} مفسر في كتاب "المشكل" (٣) . __________ (١) واحده رئم، كما في اللسان ١٤/٢٨٠، ١٥/١١٥. (٢) صدره: "جزى اللّه ابن عروة حيث أمسى" وهو لبلعام بن قيس الكناني، كما في تفسير الطبري ١٩/٢٦ أو لشافع الليثي، كما في اللسان ١٤/٢٧١ وغير منسوب في تفسير القرطبي ١٣/٧٦ والبحر المحيط ٦/٥١٥. (٣) راجع ص ٣٣٩. |
﴿ ٠ ﴾