سورة الأحزاب

مدنية كلها (١)

٤

{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} من تَبَنَّيْتُمُوه واتَّخَذْتُمُوهُ ولدًا.

يقول: ما جعلهم بمنزلةِ ولدِ الصُّلبِ؛ وكانوا يورِّثون من ادَّعَوه.

{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي قولُكم على التَّشبيهِ والمجازِ، لا على الحقيقة.

{وَاللّه يَقُولُ الْحَقَّ}

٥

{هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّه} أي أعدلُ وأصحُّ.

٦

{مَسْطُورًا} أي مكتوبًا.

١٠

{وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أي عَدَلتْ.

{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أي كادت تبلُغ الحُلوقَ من الخوف (٢) .

١١

{وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} أي شُدِّد عليهم وهُوِّل. و"الزِّلازلُ": الشدائدُ. وأصلها من "التحريك".

١٣

{إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي خاليةٌ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها، وأصل "العورة": ما ذهب عنه السِّترُ والحفظُ؛ فكأن الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت، فإذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ. تقول العرب: أعْوَرَ مَنزلُك؛ إذا ذهب سِترُه، أو

__________

(١) ١٨-٢٠ كما في تفسير القرطبي ١٤/٨٤، والبحر ٧/١٩٦.

(٢) راجع: تأويل المشكل ٢٤ و ١٣٠، والبحر ٧/٢١٦.

سقط جِدارُه. وأعْوَرَ الفارسُ: إذا بدا فيه موضعُ خللٍ للضرب بالسيف أو الطعن.

يقول اللّه: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ؛ لأن اللّه يحفظها. ولكن يريدون الفِرارَ.

١٤

{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي من جوانبها.

{ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أي الكفرَ-: {لآتَوْهَا} أي أعطَوْا ذلك مَن أراده.

{وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا} أي بالمدينة.

ومن قرأ: (لأتوها) بقصر الألف (١) أراد: لصاروا إليها.

١٩

{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يقول: آذَوْكم بالكلام [الشديد] (٢) .

يقال: خطيبٌ مِسْلَقٌ ومِسْلاقٌ. وفيه لغة أخرى: "صَلَقُوكُمْ"؛ ولا يُقْرأُ بها.

وأصل "الصَّلْق": الضربُ. قال ابن أحمرَ -يصف سوطا ضرب به ناقته-:

كأنَّ وَقْعتَه -لَوْذَانَ مِرْفَقِها- ... صَلْقُ الصَّفَا بأدِيمٍ وقْعُه تِيَرُ (٣)

٢٣

{مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتل. وأصل "النحب": النذرُ. وكان قوم نَذَروا -إن لقوا العدوَّ-: أن يُقاتلوا حتى يُقتَلوا أو يَفتحَ اللّه؛ فقُتِلوا. فقيل: فلانٌ قَضى نحْبَه؛ إذا قُتل (٤) .

٢٦

{مِنْ صَيَاصِيهِمْ} أي من حُصونهم. وأصل "الصَّياصي": قرونُ البقر؛ لأنها تمتنعُ بها وتدفعُ عن أنفسها. فقيل للحصون صياصي: لأنها تَمنع.

__________

(١) كابن كثير ونافع. والأولى قراءة الباقين. انظر: تفسير القرطبي ١٤/١٤٩، والبحر ٧/٢١٨، والطبري ٢١/٨٧.

(٢) كما نقله القرطبي ١٤/١٥٤ عن ابن قتيبة. وانظر: الطبري ٢١/٩٠.

(٣) أي تارات. والبيت له: في المعاني الكبير ٢/٩٣٣

"وقعته في لوح مرفقها"

، واللسان ٥/٤٤، ولوذان مرفقها: أي قريب مرفقها. والصلق: الصوت.

(٤) كما في تأويل المشكل ١٤٠. وانظر: تفسير القرطبي ١٤/١٥٨-١٦٠.

٣٠ و٣١- {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} قال أبو عبيدة: يُجعل الواحدُ ثلاثةً [لا] (١) اثنين. هذا معنى قول أبي عبيدةَ.

ولا أراه كذاك؛ لأنه يقول بعدُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للّه وَرَسُولِهِ} أي يُطعهْما: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ؛ فهذا يدلُّ على أن "الضِّعفين" ثَمَّ أيضًا: مِثْلان.

وكأنه أراد: يُضَاعف لها العذابُ، فيجعل ضعفَيْن، أي مثلَيْن، كلُّ واحد منهما ضعفُ الآخر. وضعفُ الشيء: مِثلُه. ولذلك قرأ أبو عَمْرٍو: (يُضَعَّفْ) لأنه رأى أن "يضعَّف" للمِثْل و "يضاعف" لما فوق ذلك.

وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتَني درهمًا كافأتُك بضِعفَيْن -أي بدرهمين- فإن أعطيتَني فردًا أعطيتُك زوجَيْنِ؛ يريد اثنين. ومثلُه: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} (٢) أي مِثْلَين.

٣٢

{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي فلا تُلِنَّ القولَ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجورٌ؛ {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} أي صحيحًا: لا يُطمع فاجرًا.

٣٣

(وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (٣) من الوقار يقال: وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُورًا (٤) .

ومن قرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} بنصب القاف؛ جعله من "القرار". وكأنه من "قَرَّ يَقَرُّ" بفتح القاف. أراد: "اقْرَرَنْ في بيوتكن"؛ فحذف الراء

__________

(١) انظر تفسير الطبري ٢١/١٠١، والقرطبي ١٤/١٧٤-١٧٥، والبحر ٧/٢٢٨، واللسان ١١/١٠٨-١٠٩.

(٢) سورة الأحزاب ٦٨، وانظر في اللسان ١١/١٠٩ كلام الأزهري.

(٣) هذه قراءة الجمهور. والقراءة الآتية قراءة عاصم ونافع.

(٤) كذا بالأصل والطبري ٢٢/٣. يعني فهو وقور. وإلا فالمصدر الوقار.

الأولى، وحوَّل فتحتها إلى القاف. كما يقالُ: ظَلْن في موضع كذا؛ من "اظْلَلْنَ". قال اللّه تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (١) .

ولم نسمع بـ "قَرَّ يَقَرُّ" إلا في قُرة العين. فأمَّا في الاستقرار فإنما هو "قَرَّ يَقِرُّ" بالقاف مكسورةً. ولعلها لغةٌ (٢) .

٣٨

{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللّه لَهُ} أي أحَلَّ اللّه له (٣) .

{سُنَّةَ اللّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أنه لا حرجَ على أحد فيما لم يَحرُم عليه.

٤٢

و (الأصيلُ) ما بين العصر إلى الليل.

٤٣

{يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي يباركُ عليكم. ويقال: يغفرُ لكم.

{وَمَلائِكَتُهُ} أي تستغفرُ لكم (٤) .

٥٠

{آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مُهورَهن.

٥١

{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أي تؤخرْ. يُهْمَزُ ولا يُهْمَزُ (٥) . يقال: أرْجَيْتُ الأمرَ وأرجأْتُه.

{وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي تَضمُّ.

قال الحسن (٦) : "كان النبي -صلى اللّه عليه وسلم- إذا خطب امرأةً لم يكن لأحد أن يخطبَها حتى يَدَعَها النبيُّ صلى اللّه عليه وسلمُ أو يتزوجَها".

__________

(١) سورة الواقعة ٦٥، وانظر اللسان ٦/٣٩٤.

(٢) بل الفتح لغة أهل الحجاز، ذكرها أبو عبيد في "الغريب المصنف" عن الكسائي، وذكرها الزجاج وغيره كأبي الهيثم. فراجع: اللسان ٦/٣٩٣-٣٩٦ و٧/١٥٣، وتفسير القرطبي ١٤/١٧٨-١٧٩، والبحر ٧/٢٣٠، والطبري ٢٢/٣-٤.

(٣) كما في تأويل المشكل ٣٦٤، والطبري ٢٢/١١-١٢.

(٤) تأويل المشكل ٣٥٥، وتفسير القرطبي ١٤/١٩٨.

(٥) وقرئ بكل منهما، كما في تفسير القرطبي ١٤/٢١٤.

(٦) تفسير الطبري ٢٢/١٩.

ويقال: "هذا في قسمة الأيام بيْنَهن؛ كان يسوِّي بينَهن قبلُ ثم نزل. [أي] تؤخرُ من شئتَ فلا تُقْسِمُ له. وتَضُمُّ إليك مَن شئتَ بغير قسمة" (١) .

٥٢

{لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قَصَرَه على أزواجه، وحَرَّم عليه ما سواهنَّ إلا ما ملكتْ يمينُه من الإماء.

٥٣

{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي منتظِرين وقتَ إدراكه (٢) .

٥٩

{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أي يلبَسْنَ الأرْدية.

٦٠

{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنُسلطَنَّك عليهم، ونُولِعَنَّك بهم.

٧٠

{قَوْلا سَدِيدًا} أي قصْدًا.

٧٢

{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} يعني: الفرائضَ.

{عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} بما فيها من الثواب والعقاب.

{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} وعُرضتْ على الإنسان -بما فيها من الثواب والعقاب- فحَمَلها.

وقال بعض المفسرين: "إن آدمَ لما حضرتْه الوفاة قال: يا ربِّ! مَن أَسْتَخْلِفُ بعدي؟ فقيل له: اعرِضْ خلافتَك على جميع الخلق، فعَرَضها، فَكلٌّ أباها غيرَ ولدِه" (٣) .

__________

(١) انظر البحر ٧/٢٤٣، والقرطبي ١٤/٢١٤-٢١٥، والطبري ٢٢/١٨.

(٢) أي بلوغه ونضجه، واستوائه وتهيئته. انظر تفسير الطبري ٢٢/٢٥، والقرطبي ١٤/٢٢٦ والبحر ٧/٢٤٦، واللسان ١٨/٥٠-٥١.

(٣) انظر تأويل المشكل ٢٣٨، والقرطبي ١٤/٢٥٥-٢٥٦.

﴿ ٠