سورة يس

مكية كلها

٧

{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي وَجَب.

٨

{فَهُمْ مُقْمَحُونَ} "المقمح": الذي يرفع رأسَه ويغُض بصرَه. يقال: بعيرٌ قامحٌ وإبِلٌ قِمَاحٌ؛ إذا رَوِيتْ من الماء وقَمَحتْ. قال الشاعر -وذكر سفينةً وركبانَها-:

ونحن على جَوانِبِها قُعُودٌ ... نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإِبِلِ القِمَاحِ (١)

يريد إنا حبَسناهم عن الإنفاق في سبيل اللّه بموانعَ كالأغلال.

٩

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} والسَّدُّ والسُّدُّ (٢) الجبلُ. وجمعهما: أسْدَادٌ.

{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} (٣) أي أغشينا عيونَهم وأعميناهم عن الهُدَى. وقال الأسود بن يَعْفُرَ -وكان قد كُفَّ بصره-:

ومنَ الحَوادثِ -لا أبَا لَكَ- أَنَّنِي ... ضُرِبَتْ علَيَّ الأرضُ بالأسْدَادِ

ما أهْتَدِي فيها لمَدْفَعِ تَلْعَةٍ ... بيْنَ العُذَيْبِ وبيْنَ أرْضِ مُرَادِ (٤)

__________

(١) البيت لبشر بن أبي خازم في اللسان ٣/٤٠١، ومختارات ابن الشجري ٣١، وتفسير القرطبي ١٥/٨، والبحر ٧/٣٢٤. وغير منسوب في الدر المنثور ٥/٢٥٩.

(٢) وقرئ بكل منهما، كما في تفسير الطبري ٢٢/٩٨-٩٩، والبحر ٧/٣٢٩، واللسان ٤/١٩٠-١٩١.

(٣) قرأ ابن عباس بالعين المهملة، والمعنى متقارب، كما قال القرطبي ١٥ / ١٠.

(٤) البيتان له في المفضليات ٢١٦، والشعر والشعراء ١/٢١٠، وتفسير القرطبي. وفيه "لموضع تلعة". والمدفع واحد مدافع المياه التي تجري فيها، كما في اللسان ٩/٤٤٣ وقد ورد عجز البيت الأول غير منسوب في اللسان ٤/١٩٢.

١٢

{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من أعمالهم؛ {وَآثَارَهُمْ} ما استُنَّ به بعدهم من سُننهم. وهو مثل قوله: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (١) أي بما قَدَّم من عملهِ وأخَّر من أثرٍ باقٍ بعده.

١٤

{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوَّيْنَا وشدَّدْنَا. يُقال: عَزِّز منه؛ أي قَوِّ من قلبِهِ. وتعزَّز لحمُ الناقة: إذ صَلُب.

١٨و١٩- {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} قال قَتادةُ: يقولون: إن أصابنا شرٌّ فهو بكم.

{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ثم قال: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} تَطَيَّرْتُم بنا؟ (٢)

وقال غيره: طائرُكم معكم أين ذُكِّرْتُم (٣) .

و"الطَّائرُ" هاهنا: العملُ والرزقُ. يقول: هو في أعناقكم ليس من شؤمنا. ومثلُه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (٤) . وقد ذكرناه فيما تقدم.

٢٥

{إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أي فاشهَدُوا.

٣٤ و ٣٥- {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}

__________

(١) سورة القيامة ١٣، وانظر القرطبي ١٥/١١-١٢، والطبري ٢٢/٩٩-١٠٠.

(٢) كلام قتادة هنا مختصر مقتضب. وهو بتمامه متصلا: في الدر المنثور ٥/٢٦١، ومتفرقا في تفسير الطبري ٢٢/١٠٢. وانظر القرطبي ١٥/١٦-١٧، والبحر ٧/٣٢٧-٣٢٨.

(٣) وبهذا قرأ الحسن البصري، وعيسى بن عمر. على ما في القرطبي. ونسبه في البحر ٧/٣٢٧ إلى قتادة أيضا.

(٤) سورة الإسراء ١٣، وراجع ما تقدَّم ص٢٥٢ و ٣٢٥-٣٢٦.

أي ولِيأكلوا مما (١) عملتْه أيديهم. ويجوز أن يكون: إنا جعلنا لهم جناتٍ من نخيل وأعناب ولم تعملْه أيديهم. ويقرأ: (وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ) بلا هاء (٢) .

٣٦

{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} أي الأَجناسَ كلَّها (٣) .

٣٧

{فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي داخلون في الظلام.

٣٨

{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي موضعٍ تنتهي إليهُ فلا تُجَاوزُه؛ ثم ترجع (٤) .

٣٩

و (الْعُرْجُونُ) عُودُ الكِبَاسَةِ. وهو: الإهَانُ أيضًا. و (الْقَدِيمِ) الذي قد أتى عليه حَوْلٌ فاستَقْوَس ودَقَّ. وشُبِّهَ القمرُ -آخِرَ ليلةٍ يطلُع- به (٥) .

٤٠

{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فيجتمعا.

{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي لا يفوتُ الليلُ النهارَ فيذهبَ قبل مجيئه.

{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني: الشمسُ والقمرُ والنجومُ يَسْبحون أي يَجْرُون (٦) .

٤٣ و ٤٤- {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مُغيثَ لهم ولا مُجِيرَ.

__________

(١) كما ورد في قراءة عبد اللّه، على ما في تفسير الطبري ٢٣/٤.

(٢) وهي قراءة الكسائي وحمزة وشعبة وخلف. انظر القرطبي ١٥/٢٥، والبحر ٧/٣٣٥، وتأويل المشكل ٢٩.

(٣) تأويل المشكل ٣٨٠، وتفسير القرطبي ١٥/٢٦.

(٤) تأويل المشكل ٢٤٣، وتفسير القرطبي ١٥/٢٧.

(٥) تأويل المشكل ٢٤٤، والقرطبي ١٥/٣٠-٣١، واللسان ١٧/١٥٦.

(٦) تأويل المشكل ٢٤٤، والقرطبي ١٥/٣٣، والطبري ٢٣/٧، واللسان ٣/٢٩٩.

{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي إلا أن نرحمَهم ونُمَتِّعَهم إلى أجَلٍ.

٤٩

{يَخِصِّمُونَ} أي يَخْتَصِمون. فأدغم التاءَ في الصاد.

٥١

و (الأَجْدَاثُ) القبور. واحدها: جَدَثٌ.

{يَنْسِلُونَ} قد ذكرناه في سورة الأنبياء (١) .

٥٣

{مُحْضَرُونَ} مُشْهَدُون.

٥٥

(فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ) أي يَتَفَكَّهون. قال: أبو عُبيدٍ (٢) تقول العرب للرجُل -إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس-: إن فلانًا لَفَكِهٌ بكذا، قال الشاعر:

فَكِهٌ إلى جَنْبِ الخِوَانِ إذَا غَدَتْ ... نَكْبَاءُ تَقْطَعُ ثابتَ الأَطْنَابِ

ومنه يقالُ للمِزاح: فاكهةٌ. ومن قرأ: (فَاكِهُونَ) أراد ذَوِي فاكهةٍ؛ كما يقال: فلان لابنٌ تامرٌ.

وقال الفراء (٣) "هما جميعًا سواءٌ: فَكِهٌ وفاكِهٌ؛ كما يقال حَذِرٌ وحَاذِرٌ". وروي في التفسير: (فَاكِهُونَ) ناعمون. وفكهون: مُعْجَبُونَ.

٥٦

{فِي ظِلالٍ} جمع ظِلٍّ و (فِي ظُلَلٍ) (٤) جمعُ ظُلَّةٍ.

(الأَرَائِكُ) السُّرُر في الحِجَال. واحدُها: أرِيكةٌ.

__________

(١) ص ٢٨٨. وراجع القرطبي ١٥/٤٠-٤١، والطبري ٢٣/١١.

(٢) في اللسان ١٧/٤٢٠ إلى آخر البيت الآتي. وذكر في الطبري ٢٣/١٤ عن بعض البصريين، وبزيادة وبدون البيت. وانظر القرطبي ١٥/٤٤.

(٣) اللسان ١٧/٤٢٠ وتفسير القرطبي ١٥/٤٤. وحكاه الطبري ٢٣/١٤، وقال: هذا أشبه بالكلمة.

(٤) هذه قراءة ابن مسعود والأعمش وحمزة والكسائي وغيرهم. والأولى قراءة العامة. كما في تفسير القرطبي ١٥/٤٤. وانظر الطبري ٢٣/١٤، والبحر ٧/٣٤٢.

٥٧

{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أي ما يَتَمَنَّوْن. ومنه يقول الناس: هو في خيرِ ما ادَّعى؛ أي ما تَمَنَّى. والعرب تقول: (١) ادَّعِ [عليَّ] ما شئت؛ أي تَمَنَّ [عليَّ] ما شئت.

٥٨

{سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} أي سلامٌ يقال لهم [فيها] كأنهم يَتَلَقَّوْنه من رب رحيم.

٥٩

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي انقطِعُوا عن المؤمنين وتَميَّزُوا منهم. يقال: مِزْتُ الشيءَ من الشيءِ -إذا عزلتُه عنه- فانْمازَ وامْتازَ ومَيَّزتُه فتَميَّزَ.

٦٠

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم آمُرْكم ألم أُوصِكم؟!

٦٢

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} أي خَلْقًا. وجُبُلا بالضم والتخفيف، مثلُه. والجِبْلُ أيضًا: الخَلْقُ. قال الشاعر:

[جِهَارًا] ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجِبْلِ (٢)

٦٦

{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} والْمطْموسُ هو [الأعمى] الذي لا يكون بين جَفْنَيْه شقٌّ.

{فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} ليَجوزوا.

{فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} أي فكيف يبصرون؟!.

__________

(١) اللسان ١٨/٢٨٥، والطبري ٢٣/١٥. وقد حكاه أبو عبيدة، على ما في البحر ٧/٣٤٢. وانظر القرطبي ١٥/٤٥.

(٢) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي. وصدره -كما في اللسان، والديوان ٣٨:

*منايا يقربن الحتوف لأهلها*

٦٧

{عَلَى مَكَانَتِهِمْ} هو مثل مكانِهم. يقال: مكانٌ ومكانةٌ ومنزلٌ ومنزلةٌ.

٦٨

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} أي نَرُدَّه إلى أرذلِ العُمُرِ.

٧٠

{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي مؤمنًا. ويقال: عاقلا.

٧١

{خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} يجوز أن يكون مما عملناه بقدرتِنا وقوَّتنا. وفي اليد القوةُ والقدرةُ على العمل؛ فتُستعارُ اليدُ فتُوضَعُ موضعها. على ما بيَّناه في كتاب "المشكل" (١) . هذا مجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرفُ واللّه أعلم بما أراد.

٧٢

{فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي ما يَرْكَبون. والحَلوب: ما يَحْلُبون والجَلُوبة: ما يَجْلِبُونَ. ويُقْرَأ: "رَكُوبَتُهُمْ" أيضًا. [وهي] قراءةُ عائشةَ رضي اللّه عنها (٢) .

٧٨

{وَهِيَ رَمِيمٌ} أي باليةٌ. يقال: رَمَّ العظْمُ -إذا بَلِيَ- فهو رَمِيمٌ ورُمام (٣) . كما يقال: رُفاتٌ وفُتَاتٌ.

٨٠

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأعرابُ من شجر المَرْخ والعَفَار.

__________

(١) ص١١٧. وراجع البحر ٧/٣٤٧، والقرطبي ١٥/٥٥.

(٢) وأبي بن كعب. كما قرأ الحسن والأعمش وغيرهما (ركوبهم) : بضم الراء، على المصدر. وإن زعم الفراء أن القراء اجتمعوا على فتح الراء. انظر تفسير القرطبي ١٥/٥٥-٥٦، والبحر ٧/٣٤٧، واللسان ١/٤١٦.

(٣) بضم الراء -لا بكسرها كما في القرطبي ١٥/٥٨-: مبالغة في الرميم. كما في النهاية ٢/١٠٥، واللسان ١٥/١٤٦. أما بالكسر فهو جمع الرميم، كما في اللسان ١٤٤.

﴿ ٠