سورة الصافات

مكية كلها (١)

٢-٣- قال ابن مسعود: (الصَّافَّاتُ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتُ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتُ ذِكْرًا) هم الملائكة (٢) .

٨

{لا يَسَّمَّعُونَ} أي لا يَتَسمَّعون. فأدغمت التاء في السين.

{إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} ملائكةِ اللّه.

٩

{دُحُورًا} يعني طردًا. يقال: دحَرتُه دَحْرًا ودُحورًا؛ أي دفعتُه.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي دائمٌ.

١٠

{فَأَتْبَعَهُ} أي لَحِقه.

{شِهَابٌ ثَاقِبٌ} كوكبٌ مضيءٌ بَيِّنٌ. يقال: أثْقِبْ نارَك، أي أضئْها. و"الثَّقُوب" ما تُذْكَى به النارُ.

١١

{فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سَلْهم.

{مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي لاصقٍ لازمٍ. والباءُ تُبدلُ من الميم لقربِ مَخْرَجَيْهِمَا.

١٢

{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قال قتادةُ: "بل عجبتَ من وحيِ اللّه وكتابِه، وهم يسخرون [بما جئتَ به] " (٣) .

١٤

{وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} أي يَسْخَرون. يقال: سَخِر واسْتَسْخَر؛ كما يقال: قَرَّ واسْتَقَرَّ. ومثله: عَجِب واسْتَعْجَب. قال أوْس بن حَجَر:

ومُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى من أناتِنا ... ولو زَبَنَتْهُ الحَرْبُ لم يَتَرَمْرَمِ (٤)

ويجوز أن يكون: يسألون غيرَهم -من المشركين- أن يَسْخَروا من النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم (٥) . كما تقول: اسْتَعْتَبْتُه: سألتُه العُتْبَى. واسْتَوْهَبْتُهُ: سألتُه الهِبَةَ. واسْتَعْفَيْتُه سألتُه العفوَ.

٢٢

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أي أشكالَهم. تقول العرب: زوجْتُ إبِلِي؛ إذا قرنْت واحدًا بآخرَ.

ويقال: (٦) قُرَناؤُهم من الشياطين.

٢٨

{كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي تخدعوننا وتفتنوننا عن طاعة اللّه. وقد بينت هذا في كتاب "المشكل" (٧) .

٤٧

{لا فِيهَا غَوْلٌ} أي لا تَغتالُ عقولَهم فتذهبَ بها. يقال: "الخمرُ غَولٌ للحِلْم، والحربُ غَولٌ للنفوس". وغالني غولا. و"الغَوْلُ":البُعد.

{وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} أي لا تذهبُ خمرُهم وتنقطعُ ولا تذهبُ عقولُهم. يقال: نزفَ الرجلُ؛ إذا ذهب عقلُهُ وإذا نَفِد شرابه.

وتُقْرَأُ: (يُنزفُونَ) من "أنزف الرجلُ": إذا حان منه النزفُ

__________

(١) بلا خلاف. على ما في تفسير القرطبي ١٥/٦١، والبحر ٧/٣٥١.

(٢) الدر المنثور ٥/٢٧١، والقرطبي والبحر.

(٣) الدر المنثور ٥/٢٧٢، تفسير الطبري ٢٣/٢٩.

(٤) البيت له في ديوانه ٤٣، واللسان ٢/٦٩ و١٥/١٤٧.

(٥) البحر، وتفسير القرطبي.

(٦) كما قال الضحاك ومقاتل. على ما في القرطبي ٧٣ وانظر اللسان ٣/١١٧، وتأويل المشكل ٣٢٦ و٣٨٠.

(٧) ص٢٧١. وانظر تفسير القرطبي ١٥/٧٤-٧٥.

أو وقع له النزفُ. كما يقال: أقْطَفَ الكَرْمُ؛ [إذا حان قِطَافُه] ؛ وأحصَدَ الزَّرعُ [إذا حان حَصاده] .

٤٨

{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي قَصَرْن أبصارَهن على الأزواج ولم يَطْمَعن إلى غيرهم وأصل "القصر": الحَبْس.

{عِينٌ} نُجْلُ العيونُ أي واسعاتُها. جمعُ "عَيْنَاءَ".

٤٩

{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} العربُ تشبِّهُ النساءَ ببيضِ النَّعامِ. قال امرؤ القيس:

كبِكْرِ المُقَاناتِ البَياضُ بِصُفْرةٍ ... غَذَاها نمِيرُ الماءِ غيرَ مُحَلَّلِ (١)

و"المكنون": المَصُون. يقال. كَنَنْتُ الشيءَ؛ إذا صُنْتُه؛ وأكْنَنْتُه: أخفيتُه.

٥١

{إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} أي صاحبٌ.

٥٣

{أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} أي مَجْزِيُّون بأعمالنا. يقال: دِنْتُه بما صنع؛ أي جزَيتُه.

٥٥

{سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسَطها (٢) .

٥٦

{إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} أي لتُهْلِكُني. يقال: أرْدَيْتُ فلانًا، أي أهلكتُه. و"الرَّدَى": الموتُ والهلاكُ.

٥٧

{لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي من المحضرين [في] النار.

٦٢

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا} أي رزقًا. ومنه "إقامةُ الأنزال" (٣) . و"أنزالُ الجنود": أرزاقُها.

__________

(١) البيت له في اللسان ٢٠/٦٨، والبحر ٧/٣٦٠، وديوانه ... .وراجع تفسير الطبري ٢٣/٣٦-٣٧، والقرطبي ١٥/٨٠-٨١، واللسان ١٧/٢٤١-٢٤٢.

(٢) تأويل المشكل ٣٩٧، وتفسير الطبري ٢٣/٣٩، والقرطبي ١٥/٨٣، والبحر ٧/٣٦٢.

(٣) القرطبي ١٥/٨٥، واللسان ١٤/١٨١، والطبري ٢٣/٤٠.

٦٣

{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} أي عذابًا.

٦٥

{طَلْعُهَا} أي حَمْلُها. سمي طَلْعًا لطلوعه في كل سنة (١) .

٦٧

{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} أي خِلْطًا من الماء الحارِّ يشربونه عليها.

٦٩

{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أي وجدوهم كذلك.

٧٠

{فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي يُسرِعون و"الإهْراعُ": الإسراع، وفيه شَبِيهٌ بالرِّعدة.

٧٨

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} أي أبقينا عليه ذِكْرًا حسنًا.

{فِي الآخِرِينَ} أي في الباقين من الأمم.

٨٨-٨٩- {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} مفسر في كتاب "تأويل المشكل" (٢) .

٩٣

{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} أي مال عليهم يضربُهم. {بِالْيَمِينِ} و"الرَّوَاغُ" منه.

٩٤

{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي: يُسرعون إليه في المشي. يقال: زَفَّتِ النَّعامةُ (٣) .

٩٧

{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} أي في النار. و"الجحيمُ": الجَمر. قال عاصم بن ثابت:

وضالَّةٌ مثلُ الجحيمِ المُوقَدِ (٤)

__________

(١) تأويل المشكل ٣٠٢، والقرطبي ١٥/٨٦.

(٢) ٢٠٧ و٢٦٠-٢٦١. وتفسير القرطبي ١٥/٩٢-٩٣.

(٣) اللسان ١١/٣٦، والطبري ٢٣/٤٧، والقرطبي ١٥/٦٥-٩٦.

(٤) أنشده الأصمعي، على ما في اللسان ١٤/٣٥١. وانظر الطبري ٢٣/٤٨.

أراد: سهامًا مثلَ الجمر. ويقال: "رأيتُ جَحْمَةَ النارِ" أي تلهُّبَها؛ و"للنار جاحِمٌ" أي توقُّدٌ وتلهُّبٌ.

١٠٢

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي بلغ أن يَنْصرفَ معه ويُعينَه (١) .

{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} أي سأذبحُك.

ولم يُردْ -فيما يرى أهلُ النظر- أنه ذَبَحه في المنام. ولكنه أُمر في المنام بذبْحِه فقال: إني أَرَى في المنام أني سأذبحُكَ.

ومثلُ هذا: رجلٌ رأى في المنام أنه يُؤذِّن -والأذانُ دليلُ الحجِّ- فقال: إني رأيتُ في المنام أني أحُجُّ؛ أي سأحجُّ.

وقوله: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} دليلٌ على أنه أمر بذلك في المنام.

١٠٣

{فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي اسْتَسْلما لأمر اللّه. و"سَلَّمَا" (٢) مثلُه.

{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} (٣) أي صَرَعه على جَبِينه، فصار أحد جبينيه على الأرض. وهما جبينان والجبهةُ بينهما. وهي: ما أصاب الأرضَ في السجود.

١٠٤-١٠٥- {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} أي حقَّقْتَ الرؤيا. أي صدقتَ الأمرَ في الرؤيا وعملتَ به.

١٠٦

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار العظيمُ (٤) .

__________

(١) تأويل المشكل ٣٩٠، وتفسير القرطبي ١٥/٩٩، والطبري ٢٣/٤٨-٤٩.

(٢) وبه قرأ علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم. وقرئ أيضا "استسلما". انظر البحر ٧/٣٧٠، والقرطبي ١٥/١٠٤، والطبري ٢٣/٥٠.

(٣) راجع في الطبري ٢٣/٥١، والبحر، وتأويل المشكل ١٩٧ - الكلام عن زيادة الواو هنا.

(٤) تأويل المشكل ٣٦٠، والقرطبي ١٥/١٠٦، والطبري ٢٣/٥١.

١٠٧

{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي بكبشٍ. والذِّبح: اسم ما ذُبِحَ. والذَّبح بنصب الذال: مصدر ذَبَحْتُ.

١٢٥

{أَتَدْعُونَ بَعْلا} أي ربًّا. يقال: أنا بعلُ هذه الناقة، أي ربُّها. وبعلُ الدار أي مالكُها.

ويقال: بَعْلٌ صنمٌ كان لهم (١) .

١٤٠

{إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي السفينة المملوءة.

١٤١

{فَسَاهَمَ} أي فقارَعَ.

{فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي من المَقْرُوعِين. يقال: أدْحَض اللّه حُجَّتَه فدَحَضتْ؛ أي أزالها فزالتْ. وأصل الدَّحْض: الزَّلَق.

وقال ابن عُيَيْنَةَ: {فَسَاهَمَ} أي قامَرَ. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي المَقْمُورِين".

١٤٢

{وَهُوَ مُلِيمٌ} أي مذنبٌ. يقال: ألامَ الرجلُ (٢) ؛ إذا أذنَب ذنبًا يُلامُ عليه.

١٤٣

{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} يقال: من المصلِّين.

١٤٥

{فَنَبَذْنَاهُ} ألقَيْناه.

{بِالْعَرَاءِ} وهي: الأرضُ التي لا يُتَوَارَى فيها بشجر ولا غيره. وكأنه من عَرِيَ الشيءُ.

__________

(١) تفسير الطبري ٢٣/٥٨-٥٩، والقرطبي ١٥/١١٦-١١٧، والبحر ٧/٣٧٣، واللسان ١٣/٦٢.

(٢) تفسير الطبري ٢٣/٦٣، واللسان ١٦/٣٢، وتأويل المشكل ٣١٤ لا "لام" كما حرف في تفسير القرطبي ١٥/١٢٣.

١٤٦

و (الْيَقْطِينُ) الشجرُ الذي لا يقومُ على ساقٍ. مثل القرع والحنظل والبِطِّيخ. وهو: يَفْعِيلٌ.

١٤٧

{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي ويزيدون. و"أو" معنى "الواو". على ما بينت في "تأويل المشكل" (١)

١٤٩

{فَاسْتَفْتِهِمْ} أي سَلْهُم.

١٥٦

{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أي حجةٌ بيِّنةٌ (٢) .

١٥٨-١٦٠- {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} يقول: جعلوا الملائكة بناتِ اللّه، وجعلوهم من الجن.

{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ} يُريد: الذين جعلوهم بناتِ اللّه. {لَمُحْضَرُونَ} النارَ. {إِلا عِبَادَ اللّه الْمُخْلَصِينَ}

١٦٢

{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} أي بمُضِلِّينَ (٣)

١٦٣

{إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} أي من قُضِيَ عليه أن يَصْلَى الجحيمَ.

١٦٤

{وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} هذا قول الملائكة.

١٦٦

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أي المُصلُّون.

١٦٧

{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} يعني: أهلَ مكةَ.

١٧٠

{فَكَفَرُوا بِهِ} بمحمد صلى اللّه عليه وعلى آله. أي كذبوا بأنه مبعوث.

__________

(١) ٤١٤-٤١٥ وانظر تفسير القرطبي ١٥/١٣٢.

(٢) تأويل المشكل ٣٨٥، والقرطبي ١٥/١٣٤، والطبري ٢٣/٦٨.

(٣) تفسير الطبري والقرطبي. وانظر تأويل المشكل ٣٦٢.

﴿ ٠