سورة الزخرفمكية كلها(١) ٤{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أي في أصل الكتب عند اللّه. ٥{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} أي نُمسك عنكم فلا نذكركم صفحًا، أي إعراضًا. يقال: صفحت عن فلان؛ إذا أعرضت عنه. والأصل في ذلك: أنك تُولِّيه صفحةَ عنقك. قال كُثير يصف امرأة: صَفُوحًا فما تَلْقَاكَ إِلا بحيلةٍ ... فَمَن مَلَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ (٢) أي معرضةً بوجهها. ويقال: ضربت عن فلان كذا؛ أي أمسكته وأضربت عنه. {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} أي لأنْ كنتم قومًا مُسرفين. ١٣{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي مطيقين. يقال: أنا مُقْرِن لك؛ أي مطيق لك. ويقال: هو من قولهم: أنا قِرْن لفلان؛ إذا كنت مثله في الشدة. وإن فتحت - فقلت: أنا قَرْن لفلان. - أردتَ: أنا مثله في السنّ (٣) . __________ (١) في المخطوطة: (حم الزخرف) . (٢) البيت له: في اللسان ٣/٣٤٧، والبحر ٨/٦. وفي القرطبي ١٦/٢٣ غير منسوب. وفيها: "بخيلة"!. (٣) راجع في ذلك كله: اللسان ١٧/٢١٤ و٢١٨، وتفسير القرطبي ١٦/٦٦، والطبري ٢٥/٣٣-٣٤، والبحر ٨/٧. ١٥{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أي نصيبًا (١) . ويقال: شِبهًا ومِثًلا (٢) ؛ إذ عبدوا الملائكة والجن. وقال أبو إسحاقَ [الزجّاجُ] (٣) "إن معنى (جُزْءًا) هاهنا: بنات. يقال: له جزء من عيال؛ أي بنات". قال: وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى "جزء" معنى "إناث" - قال: ولا أدري: البيتُ قديم؟ أم مصنوع؟ (٤) إِنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يومًا فلا عَجَبٌ ... قد تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أحْيانا (٥) فمعنى "إن أجزأت" أي آنَثَتْ أي أتت بأنثى (٦) . وقال المفضَّل بن سَلَمَةَ: "حكى لي بعض أهل اللغة: أجزأ الرجلُ؛ إذا كان يولد له بناتٌ. وأجزأت المرأةُ: إذا ولدت البناتِ". وأنشد المفضل: زُوِّجْتُها من بَناتِ الأوسِ مُجْزِئَةً ... للعَوْسَجِ اللَّدْنِ في أبياتِها زَجَلُ (٧) ١٧-[ {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا} يريد] : __________ (١) وحظا. وهو قول العرب: الملائكة بنات اللّه على ما قال مجاهد. كما في البحر ٨/٨. وانظر تفسير الطبري ٢٥/٣٤. (٢) أي ندا وعدلا على ما قال قتادة. كما في البحر والطبري، والدر ٦/١٥، والقرطبي ١٦/٦٩. (٣) وكذلك أبو العباس المبرد، وأبو الحسن الماوردي. على ما في القرطبي. (٤) بل قال أيضا - على ما في اللسان ١/٣٩ -: "ولم أجده في شعر قديم، ولا رواه عن العرب، الثقات". كما قال: "والمعنى في قوله: (وجعلوا له من عباده جزءا) ، أي جعلوا نصيب اللّه من الولد الإناث". وقد شنع الزمخشري على تفسير الجزء بالإناث، وصرح بأن البيتين الآتيين مصنوعان. على ما نقله عنه القرطبي وأبو حيان. (٥) البيت: في اللسان، وتفسير القرطبي، والبحر. (٦) كما في اللسان ٢/٤١٧. (٧) كما أنشده أبو حنيفة الدينوري. على ما في اللسان ١/٣٩. وذكر فيه ما يؤيد كلام هذا البعض. وصدر البيت: في تفسير القرطبي، والبحر. جعلتم البناتِ للّه: وأنتم إذا ولد لأحدكم بنتٌ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} أي حزين؟!. ١٨{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أي رُبِّيَ في الحُليّ، يعني البناتِ. و (الْخِصَامُ) جمع "خصيمٍ". ويكون مصدرا لـ"خاصمت" (١) . {غَيْرُ مُبِينٍ} للحجة. ١٩{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} أي عبيده، يقال: عبد وعبيد وعباد. ٢٢-٢٣- {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي على دين واحد (٢) . ٢٢-٢٣- {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي على دين واحد (٣) . ٢٨{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} يعني: "لا إله إلا اللّه". ٣٣{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي كفارًا كلهم. و (المعارج) : الدَّرَج. يقال: عَرَج أي صعِد. ومنه "المِعراج"؛ كأنه سبب إلى السماء أو طريق. {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} أي يعلون. يقال: ظهرت على البيت؛ إذا علوت سطحه. ٣٥و (الزخرف) : الذهب. ٣٦{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يُظْلم بصره. هذا قول أبي عبيدةَ (٤) . قال الفراء: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يُعرِضُ عنه. ومن قرأ: __________ (١) وهو الذي ذهب إليه الطبري ٢٥/٣٥. ولم نعثر على كون الخصام جمعا في معاجم اللغة. (٢) تأويل المشكل ٣٤٦، والطبري ٢٥/٣٦، والقرطبي ١٦/٧٤. (٣) تأويل المشكل ٣٤٦، والطبري ٢٥/٣٦، والقرطبي ١٦/٧٤. (٤) والأخفش. على ما في القرطبي ١٦/٩٠. وورد كلام ابن قتيبة هذا ومعظم ما يليه: في تهذيب الأزهري؛ على ما في اللسان ١٩/٢٨٧. كما ورد بعض رده على الفراء: في القرطبي. (وَمَنْ يَعْشَ) بنصب الشين (١) أراد: [من] يعم عنه. وقال في موضع آخر: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} (٢) . ولا أرى القول إلا قولَ أبي عبيدةَ. ولم أر أحدًا يُجيز "عَشَوْتُ عن الشيء: أعرضتُ عنه؛ إنما يقال: "تَعاشَيْتُ عن كذا"؛ أي تغافلتُ عنه كأني لم أره. ومثله: "تعامَيْتُ". والعرب تقول: "عَشَوْتُ إلى النار" إذا استدللتُ إليها ببصر ضعيف (٣) قال الحُطَيْئة: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ (٤) ومنه حديث ابن المسيّب: "أن إحدى عينَيْهِ ذهبتْ وهو يَعْشُو بالأخرى"؛ أي يبصر بها بصرًا ضعيفًا (٥) . ٤٤{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي شرفٌ لكم؛ يعني القرآن (٦) . {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عن الشكر عليه. __________ (١) كابن عباس وعكرمة ويحيى بن سلام البصري. على ما في القرطبي ١٦/٨٩، والبحر ٨/١٥-١٦. وانظر الطبري ٢٥/٤٤. (٢) سورة الكهف ١٠١. (٣) قال أبو منصور الأزهري في التهذيب - على ما في اللسان ١٩/٢٨٧ - بعد أن ذكر هذا: "أغفل القتيبي موضع الصواب، واعترض - مع غفلته - على الفراء يرد عليه. فذكرت قوله لأبين عواره، فلا يغتر به الناظر في كتابه. والعرب تقول: "عشوت إلى النار أعشوعشوا، أي قصدته مهتديا به وعشوت عنها، أي أعرضت عنها" فيفرقون بين "إلى" و"عن": موصولين بالفعل" ثم نقل عن أبي زيد وأبي الهيثم ما يثبت ذلك ويؤكده. وقال القرطبي ١٦/٩٠: "والقول قول أبي الهيثم والأزهري". وقد انتصر الطبري ٢٥/٤٣-٤٤ لرأي الفراء، ونقله عن قتادة. (٤) البيت له: في ديوانه ٢٥، واللسان ١٩/٢٨٦. وغير منسوب: في القرطبي ١٦/٨٩. وبعجز آخر - هو: *تجد حطبا جزلا ونارا تأججا* - في الطبري. وهو بيت آخر مشهور. (٥) كما في اللسان ١٩/٢٨٦، والنهاية ٣/٨٩. (٦) كما في تأويل المشكل ١١١، وتفسير القرطبي ١٦/٩٣، والطبري ٢٥/٤٦ وما تقدم ص ٣٧٦. ٤٥{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} أي سَلْ من أرسلنا إليه رسولا - من رسلنا - قبلك؛ يعني: أهل الكتاب (١) . ٥٢{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} قال أبو عبيدةَ (٢) "أراد بل أنا خير". وقال الفراء: "أخبرني بعض المشيخة: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: (أمَا أنَا خَيْرٌ) وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت (٣) الأثر لقرأت به؛ وهو جيد في المعنى". ٥٥{فَلَمَّا آسَفُونَا} أي أغضَبونا (٤) . و"الأسف": الغضب. يقال: أسِفتُ آسَفُ أسفًا؛ أي غضبتُ. ٥٦{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} قومًا تقدَّموا. {وَمَثَلا} عبرةً. وقرأها الأعرج: (٥) (سُلَفًا) كأن واحدته: "سُلْفةٌ" [أي عُصبة وفرقة متقدمة] من الناس، مثل القِطعة. تقول: تقدمتْ سُلفةٌ من الناس. وقرئت: (سُلُفًا) (٦) ؛ كما قيل: خَشَب وخُشُب وثَمَر وثُمُر. ويقال (٧) : هو جمع "سَلِيفٍ". وكله من التقدُّم. __________ (١) كما في تأويل المشكل ٢٠٩-٢١٠. وانظر القرطبي ١٦/٩٥-٩٦. (٢) والسدي. على ما في الطبري ٢٥/٤٩، والقرطبي ١٦/٩٩، والبحر ٨/٢٢. (٣) كذا بالأصل. ولعل المراد: لو تأكدت من ثبوته واستفاضته. كما يدل عليه لفظ الطبري في روايته له: "ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قراءة الأمصار، لكانت صحيحة، وكان معناها حسنا ... " وهو: ألست خيرا؛ كما قال القرطبي ١٦/١٠٠. وانظر البحر ٨/٢٣. (٤) كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. على ما في تفسير الطبري ٢٥/٥٠، والقرطبي ١٦/١٠١، والدر المنثور ٦/١٩. (٥) في إحدى قراءتيه. وكذلك علي وابن مسعود ومجاهد والنخعي وغيرهم. (٦) وقد قرأ بها حمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعرج أيضا وآخرون. (٧) كما قال الزجاج والفراء. على ما في اللسان ١١/٥٩، وتفسير القرطبي ١٦/١٠٢. وراجع أيضا في ذلك كله: الطبري ٢٥/٥١، والبحر ٦/٢٣-٢٤. ٥٧{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} يَضِجُّون (١) . يقال: صددتُ أصُِدُّ صدًّا؛ إذا ضججتُ. و"التَّصْدِيَةُ" منهُ وهو: التصفيق. والياء فيه مبدلة من دال؛ كأن الأصل فيه: "صدَّدْت" بثلاث دالات؛ فقُلبتْ الأخرى ياءً فقالوا: "صَدَّيتُ" كما قالوا: قَصَّيْت أظفاري؛ والأصل: قصَّصْت. ومن قرأ: (يَصُدُّونَ) (٢) ؛ أراد: يَعدلون ويُعرضون. ٦١{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ أي نزول المسيح -عليه السلام- يُعلَم به قربُ الساعة. ومن قرأ: (لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) (٣) ؛ فإنه يعني: العلامة والدليل. ٧٠{تُحْبَرُونَ} أي تُسرون. و"الحَبْرةُ": السرور (٤) . ٧١(الأكواب) الأباريق لا عُرى لها؛ ويقال: ولا خراطيمَ. واحدها: "كُوب". ٧٥{وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي يائسون من رحمة اللّه. ٧٩{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا} أي أحْكموه. __________ (١) كما روي عن ابن عباس وابن المسيب ومجاهد وقتادة والسدي. (٢) كالنخعي والأعرج ونافع وابن عامر والكسائي. وأنكر ابن عباس هذه القراءة؛ وحمل إنكاره على أنه قبل استفاضتها وبلوغه تواترها، ويرى الكسائي والطبري: أن لا فرق بين القراءتين من حيث اللغة؛ وإن فرق بينهما أبو عبيدة بما صنع ابن قتيبة. فراجع: تفسير الطبري ٢٥/٥٢، والقرطبي ١٦/١٠٣، والبحر ٨/٢٥، والدر ٦/٢٠، واللسان ٤/٢٣٢-٢٣٣. (٣) كابن عباس وأبي هريرة والضحاك وقتادة ومالك بن دينار وغيرهم. وقال الطبري ٢٥/٥٥-٥٦: إن القراءة الأولى هي الصواب، والتي اجتمع عليها قراء الأمصار. وانظر تفسير القرطبي ١٦/١٠٥، والبحر ٨/٢٦، واللسان ١٥/٣١٤. (٤) انظر تفسير القرطبي ١٦/١١١، وما تقدم ص ٣٤٠. ٨١{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: أولُ من عبده بالتوحيد (١) . ويقال: {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أول الآنفين الغِضابِ. يقال: عَبِدتُ من كذا أعبَدُ عَبَدًا فأنا عَبِدٌ وعابد. قال الشاعر: وأَعْبَدُ أنْ تُهْجَى تَمِيمٌ بِدَارِمِ (٢) أي: آنَفُ. ٨٩{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أي أعرضْ عنهم. __________ (١) تأويل المشكل ٢٨٩، والطبري ٢٥/٦٠، والقرطبي ١٦/١١٩، والدر المنثور ٦/٢٤، والبحر ٨/٢٨. (٢) عجز بيت للفرزدق كما في اللسان ٤/٢٦٥، والقرطبي ١٦/١٢٠، والبحر. والرواية: "أن أهجو كليبا" أو "أن تهجى كليب" وصدره: * أولئك قوم إن هجوني هجوتهم* أو ناس. وروي: *أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم* أو آبائي. وانظر الطبري ٢٥/٦١. |
﴿ ٠ ﴾