سورة المدثر

١

{الْمُدَّثِّرُ} المُتَدثر ثيَابه إذا نام. فأدغم التاءَ في الدال. (١)

٤

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي طهِّر نفسك من الذنوب. فكنَّى عنه (٢) بثيابه: [لأنها تشتمل عليه] .

قال ابن عُيَيْنَةَ (٣) : "لا تَلْبَسْ ثيابَكَ على كذب، ولا فجور، ولا غدر، ولا إثم. البَسْها: وبدنُك طاهرٌ. (قال) : وقال الحسن: يُطيِّب أحدُهم ثوبه، وقد أَصَلَّ ريحُه! وقال ابن عباس: أمَا سمعتَ قول الشاعر:

إنِّي - بحمدِ اللّه - لا ثَوْبَ غَادِرٍ ... لَبِسْتُ, ولا مِن خَزْيَةٍ أَتَقَنَّعُ" (٤)

وقال بعضهم: "ثيابَك فقصِّر؛ فإن تقصيرَ الثياب طُهرٌ لها" (٥) .

٥

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} يعني: الأوثان (٦) . وأصل "الرجز" العذاب. فسمِّيتْ الأوثانُ رجزًا: لأنها تؤدِّي إلى العذاب.

__________

(١) مكية كلها بالإجماع. على ما في القرطبي ١٩/٥٨، والشوكاني ٥/٣١٤، وتفسير ابن عطية. ونقل في البحر ٨/٣٧٠ عن مقاتل: أنه استثنى الآية الحادية والثلاثين.

(٢) أي عن النفس، كما روي عن ابن عباس في القرطبي ١٩/ ٦٢. وعبارة المشكل ١٠٧: "عن الجسم". أي عن المعاصي الظاهرة، كما قال القرطبي في بيان قول آخر. وانظر الفخر ٨/٢٦٢، واللسان ١/٢٣٩.

(٣) كما في القرطبي ١٩/ ٦٣ باختصار، وبدون ذكره لكلام الحسن وابن عباس.

(٤) البيت في اللسان ١/٢٣٨ والشوكاني ٥/ ٣١٥. وورد في الطبري ٢٩/٩١، والقرطبي ١٩/ ٦٢، والبحر ٨/ ٣٧١، والدر ٦/ ٢٨١- منسوبا إلى غيلان بن سلمة الثقفي. وفي رواية: "وإني ... غدرة".

(٥) ذكر في اللسان والفخر، والكشاف ٢/٥٠١، والبحر. وهو رأي الزجاج وطاوس والفقهاء، ومروي أيضا عن ابن عباس. على ما في القرطبي ١٩/ ٦٤ والشوكاني. وحكى الشافعي نحوه في الأم ١/٤٧، والأحكام ١/٨١.

(٦) كما في المشكل ٣٦١. وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد، وروي عن ابن عباس على ما في القرطبي ١٩/ ٦٥، والطبري ٢٩/ ٩٣.

٦

{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} يقول: لا تُعطِ في الدنيا شيئًا، لتُصيبَ أكثر منه (١) .

٨

{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي نُفخ في الصور أولُ نفخةٍ.

١١-١٢-١٣- {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} أي فردًا: لا مال له ولا بنينَ؛ ثم " جَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا " دائمًا {وَبَنِينَ شُهُودًا} وهو الوَليد بن المُغيرة: كان له عشرة بنينَ (٢) لا يغيبون عنه في تجارة ولا عمل.

١٦

{إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا} أي معاندًا.

١٧

{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} أي سَأُغْشِيه مشقةً من العذاب.

و"الصَّعود": العَقبة الشاقة (٣) . وكذلك "الكَؤُود".

١٨

{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} في كيد محمد - صلى اللّه عليه وسلم - وما جاء به، فقال: "شاعرٌ" مرة، و "ساحرٌ" مرة، و "كاهنٌ" مرة؛ وأشباهَ ذلك.

١٩-٢٠- وقوله: {قُتِلَ} أي لُعن (٤) . كذلك قيل في التفسير.

٢١

{عَبَسَ وَبَسَرَ} أي قطَّب وكرَّه (٥) .

٢٩

{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} أي مغيِّرةٌ لهم. يقال: لاحتْه الشمسُ؛ إذا غيَّرتْه.

__________

(١) ذكر نحوه فيما تقدم ص ٣٨٠. وانظر هامشه، والقرطبي ١٩/ ٦٢، والفخر ٨/ ٢٦٤، والطبري ٢٩/ ٩٣-٩٤.

(٢) هذا قول مجاهد وقتادة، وقيل: سبعة أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر. انظر القرطبي ١٩/ ٧٠، والطبري ٢٩/ ٩٧، والفخر ٨/ ٢٦٧.

(٣) كما في المشكل ٣٣٥. وانظر ما تقدم ص ٤٩١، والقرطبي ١٩/ ٧٢.

(٤) هذا رأي الطبري ٢٩/ ٩٨، والقرطبي ١٩/ ٧٣. وذكر في البحر ٨/ ٣٧٤. وهو رأي الفراء في آية عبس (١٧) الآتية على ما في اللسان ١٤/٦٦.

(٥) في الأصل: "وكرها"! وفي القرطين ٢/١٩١: "وكدر" ولعل أصله ما ذكرنا. فقد ورد في اللسان ١٧/٤٣٣: "رجل متكره" بكسر الراء مشددة. وقال أبو إسحاق -على ما في اللسان ٥/١٢٣-: "نظر بكراهة شديدة". وراجع القرطبي ١٩/ ٧٤، والطبري ٢٩/ ٩٨، والفخر ٨/ ٢٦٩.

٣٠-٣١- {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً} روي: أن رجلا (١) من المشركين - قال: أنا أكفِيكم سبعةَ عشرَ، واكفُوني اثنين: فأنزل اللّه: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً} فمن يطيقهم؟.

{وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} في هذه القِلَّة {إِلا فِتْنَةً} ؛ لأنهم قالوا: "ومَا قدْرُ تسعة عشر؟ فيُطيقوا هذا الخلق كله! ".

{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} حين وافقتْ عدَّةُ خَزَنَةِ أهل النار ما في كتابهم. هذا قول قتادة (٢) .

(وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ) (٣) . أي جاء بعد النهار، كما تقول: خَلَفَه. يقال: دَبَرني فلان وخَلَفني؛ إذا جاء بعدي.

٣٤

{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} أي أضاء.

٣٥

{إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} جمع "كُبرى". مثل الأولى والأوَلُ، والصُّغْرَى والصُّغَر. وهذا كما تقول: إنها لإحدى العظائم والعُظَم (٤) .

__________

(١) هو الحارث بن كلدة على ما في القرطبي ١٩/ ٧٩، أو أخوه أبو الأشد على ما في الفخر ٨/ ٢٧٠ وانظر الطبري ٢٩/ ١٠٠، والدر ٦/ ٢٨٤، والشوكاني ٥/ ٣٢٠.

(٢) كما في الطبري ٢٩/ ١٠١، والقرطبي ١٩/ ٨٠، والدر وهو رأي ابن عباس والضحاك ومجاهد.

(٣) كذا بالأصل. وهي قراءة بعض قراء مكة والكوفة: كابن عباس والكسائي وأبي عمرو وغيرهم. وقرأ نافع وحمزة وحفص: "إذ أدبر". وقال الفراء والزجاج والواحدي: هما بمعنى واحد، كقبل وأقبل. على ما في الفخر ٨/ ٢٧٣، واللسان ٥/٣٥٤. وهناك قراءة ثالثة: "إذا أدبر". حكاها في البحر ٨/ ٣٧٨ عن ابن مسعود والأعمش وغيرهما. كما حكى الفخر التفسير الآتي عن أبي عبيدة وابن قتيبة. وانظر الطبري ٢٩/ ١٠٢، والقرطبي ١٩/ ٨٢، والكشاف ٢/ ٥٠٥، واللسان ١٠/٤٣٤.

(٤) ورد بهامش الأصل: "جمع عظمى". وانظر القرطبي ١٩/ ٨٣.

٤٢

{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ؟ أي ما أدخلَكم النارَ؟

٥٠

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} مذعورة؛ اسْتُنْفِرَتْ فنَفَرَتْ.

ومن قرأ: (مُسْتَنْفِرَةٌ) بكسر الفاء (١) ؛ أراد: نافرة. قال الشاعر:

ارْبُطْ حِمَارَكَ, إنّهُ مُسْتَنْفِرٌ ... في إثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ (٢)

٥١

{فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال أبو عبيدة: هو الأسد (٣) . وكأنه من "القَسْر" وهو: القهر. والأسدُ يقهر السِّباع.

وفي بعض التفسير: "أنهم الرُّماة" (٤) .

وروى ابن عُيَيْنَة (٥) . أن ابن عباس قال: "هو رِكْزُ الناسِ"؛ يعني: حسَّهم وأصواتَهم.

٥٢

{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} قالت كفار قريش: "إن كان الرجلُ يذنبُ، فيُكتب ذنبُه في رُقعة: - فما بالُنا لا نرى ذلك؟! " (٦) .

٥٤

{كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} يعني: القرآن.

__________

(١) كالكسائي وأبي عمرو والأكثر. والأولى قراءة نافع وابن عامر والمفضل.

(٢) البيت أنشده الفراء وابن الأعرابي. وهو في اللسان ٧/٨٢، والطبري ٢٩/ ١٠٦، والقرطبي ١٩/ ٨٧، والبحر ٨/ ٣٨٠ ويروى: "أمسك".

(٣) روي عن جمهور من اللغويين، وعن الكلبي وابن عباس وأبي هريرة. وزعم بعضهم -أو ابن عباس- أن ذلك في لغة الحبشة. وخالفه عكرمة. راجع البحر ٨/ ٣٨٠، والفخر ٨/ ٢٧٥، والطبري ٢٩/ ١٠٦، والقرطبي ١٩/ ٨٧-٨٨، والدر ٦/ ٢٨٦، واللسان ٦/٤٠٢.

(٤) روي عن أبي موسى ومجاهد وعكرمة والأزهري، وابن عباس أيضا.

(٥) كما في الدر والطبري ٢٩/ ١٠٧، وفي اللسان بلفظ: "نكر". وروي عنه أيضا في القرطبي.

(٦) ذكره في الفخر بمعناه. وهو قول الكلبي على ما في القرطبي ١٩/ ٨٨.

﴿ ٠