سورة البقرة١بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (١) قال ابن عباس : هي أول ما نزل بالمدينة قيل سوى آية وهي قوله تعالى : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّه فإنها نزلت يوم النحر بمكة في حجة الوداع وهي مائتان وست وقيل سبع وثمانون آية وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة وخمسة وعشرون ألف حرف وخمسمائة حرف. (فصل : في فضلها) (م) عن أبي أمامة قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة) قال معاوية بن سلام بلغني أن البطلة السحرة (قوله اقرءوا الزهراوين) سميتا بذلك لنورهما يقال لكل مستنير زاهر. قوله : كأنهما غمامتان أو غيايتان : قال أهل اللغة الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغيرها والمعنى أن ثوابهما يأتي كغمامتين (قوله : فرقان من طير صواف) الفرقان الجماعة من الطير والصواف جمع صافة وهي التي تصف أجنحتها عند الطيران يحاجان. المحاجة المجادلة والمخاصمة وإظهار الحجة والبطلة السحرة كما جاء في الحديث مبينا يقال أبطل إذا جاء بالباطل. وفي الحديث دليل على جواز قول سورة البقرة وسورة آل عمران وكذا باقي السور ، وأنه لا كراهة في ذلك وكرهه بعض المتقدمين. وقال : إنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة وكذا باقي السور والصواب هو الأول وبه قال الجمهور لورود النص به (م) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) وعنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) قوله عز وجل : الم قيل إن حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه ، وهي سر اللّه في القرآن ، فنحن نؤمن بظاهرها ، ونكل العلم فيها إلى اللّه تعالى ، وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ، في كل كتاب سر وسر اللّه في القرآن أوائل السور وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي. وأورد على هذا القول بأنه لا يجوز أن يخاطب اللّه عباده بما لا يعلمون ، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكلف اللّه عباده بما لا يعقل معناه كرمي الجمار فإنه مما لا يعقل معناه والحكمة فيه هو كمال الانقياد والطاعة فكذلك هذه الحروف يجب الإيمان بها ولا يلزم البحث عنها. وقال آخرون من أهل العلم : هي معروفة المعاني. ثم اختلفوا فيها فقيل كل حرف منها مفتاح اسم من أسماء اللّه تعالى فالألف مفتاح اسمه اللّه واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد وقيل الألف آلاء اللّه واللام لطفه والميم ملكه ، ويؤيد هذا أن العرب تذكر حرفا من كلمة تريد كلها قال الراجز : قلت لها قفي فقالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف قولها : قاف أي وقفت فاكتفت بجزء الكلمة عن كلها ، والإيجاف الإسراع في السير قال ابن عباس : الم أنا اللّه أعلم. وقيل : هي أسماء اللّه مقطعة لو علم الناس تأليفها لعلموا اسم اللّه الأعظم ألا ترى أنك تقول الر وحم ون فيكون مجموعها الرحمن وكذلك سائرها ، ولكن لم يتهيأ تأليفها جميعا وقيل أسماء السور وبه قال جماعة من المحققين وقال ابن عباس : هي أقسام فقيل أقسم اللّه بهذه الحروف لشرفها وفضلها لأنها مباني كتبه المنزلة وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وإنما اقتصر على بعضها وإن كان المراد كلها فهو كما تقول قرأت الحمد للّه ، وتريد أنك قرأت السورة بكمالها فكأنه تعالى أقسم بهذه الحروف أو هذا الكتاب هو الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ وقيل إن اللّه تعالى لما تحداهم بقوله : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وفي آية بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فعجزوا عنه أنزل هذه الأحرف ومعناه أن القرآن ليس هو إلّا من هذه الأحرف وأنتم قادرون عليها فكان يجب أن تأتوا بمثله فلما عجزتم عنه دل ذلك على أنه من عند اللّه لا من عند البشر. وقيل : إنهم لما أعرضوا عن سماع القرآن وأراد اللّه صلاح بعضهم أنزل هذه الأحرف فكانوا إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين اسمعوا إلى ما يجيء به محمد فإذا أصغوا إليه وسمعوه رسخ في قلوبهم ، فكان ذلك سببا لإيمانهم ، وقيل : إن اللّه تعالى غير عقول الخلق في ابتداء خطابه ليعلموا أن لا سبيل لأحد إلى معرفة خطابه إلّا باعترافهم بالعجز عن معرفة كنه حقيقة خطابه. واعلم أن مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور أربعة عشر حرفا في تسع وعشرين سورة وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون وهي نصف حروف المعجم ، وسيأتي الكلام على باقيها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى. |
﴿ ١ ﴾