٢وقوله تعالى : ذلِكَ الْكِتابُ أي هذا الكتاب هو القرآن وقيل فيه إضمار ، والمعنى هذا الكتاب الذي وعدتك به وكان اللّه قد وعد نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الرد ، فلما أنزل القرآن قال هذا ذلك الكتاب الذي وعدتك به وقيل إن اللّه وعد بني إسرائيل أن ينزل كتابا ويرسل رسولا من ولد إسماعيل. فلما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة وبها من اليهود خلق كثير أنزل اللّه تعالى هذه الآية الم ذلِكَ الْكِتابُ أي هذا الكتاب الذي وعدت به على لسان موسى أن أنزله على النبي الذي هو من ولد إسماعيل والكتاب مصدر بمعنى المكتوب وأصله الضم والجمع ومنه يقال للجند كتيبة لاجتماعها فسمي الكتاب كتابا لأنه يجمع الحروف بعضها إلى بعض والكتاب اسم من أسماء القرآن لا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك فيه أنه من عند اللّه وأنه الحق والصدق ، وقيل : هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه. فإن قلت قد ارتاب به قوم فما معنى لا ريب فيه. قلت معناه أنه في نفسه حق وصدق فمن حقق النظر عرف حقيقة ذلك هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الهدى عبارة عن الدلالة وقيل دلالة بلطف وقيل الهداية الإرشاد والمعنى هو هدى للمتقين وقيل هو هاد لا ريب في هدايته والمتقي اسم فاعل من وقاه فاتقى والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف وقيل التقوى في عرف الشرع حفظ النفس مما يؤثم وذلك بترك المحظور وبعض المباحات قال ابن عباس : المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش ، وهو مأخوذ من الاتقاء وأصله الحجز بين الشيئين ، يقال : اتقى بترسه إذا جعله حاجزا بينه وبين ما يقصده وفي الحديث (كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم) معناه أنا كنا إذا اشتد الحرب جعلنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حاجزا بيننا وبين العدو فكأن المتقي يجعل امتثال أوامر اللّه واجتناب نواهيه حاجزا بينه وبين النار وقيل المتقي هو من لا يرى نفسه خيرا من أحد. وقيل : التقوى ترك ما حرم اللّه وأداء ما افترض. وقيل التقوى ترك الإصرار على المعصية وترك الاغترار بالطاعة. وقيل : التقوى أن لا يراك مولاك حيث نهاك وقيل : التقوى الاقتداء بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وفي الحديث (جماع التقوى في قوله تعالى : إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية) وقيل المتقي هو الذي يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس ، وخص المتقين بالذكر تشريفا لهم ، لأن مقام التقوى مقام شريف عزيز ، لأنهم هم المنتفعون بالهداية ، ولو لم يكن للمتقين فضل إلّا قوله تعالى هدى للمتقين لكناهم. فإن قلت كيف قال هدى للمتقين والمتقون هم المهتدون قلت هو كقولك للعزيز الكريم أعزك اللّه وأكرمك تريد طلب الزيادة له إلى ما هو ثابت فيه كقوله تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ |
﴿ ٢ ﴾