٣٥قوله عز وجل وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ أي اتخذها مأوى ومنزلا وليس معناه الاستقرار لأنه لم يقل أسكنتك الجنة لأنه خلق لعمارة الأرض ولما أسكن اللّه آدم في الجنة بقي وحده ليس معه من يستأنس به ويجالسه فألقى اللّه عليه النوم ثم أخذ ضلعا من أضلاع جنبه الأيسر ، وهو الأقصر فخلق منه زوجته حواء ، ووضع مكان الضلع لحما من غير أن يحس بذلك آدم ولم يجد ألما ، ولو وجد ألما لما عطف رجل على امرأة قط ، وسميت حواء لأنها خلقت من حي ، فلما استيقظ آدم من نومه ورآها جالسة كأحسن ما خلق اللّه تعالى فقال لها : من أنت؟ قالت : أنا زوجتك حواء قال : ولما ذا خلقت؟ قالت : لتسكن إلي وأسكن إليك. واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض بدليل أنه لو كانت الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لما أخرج منها. وأجاب صاحب هذا القول عن قوله تعالى : اهْبِطا بأن المراد من الهبوط التحول والانتقال فهو كقوله تعالى : اهْبِطُوا مِصْراً والقول الصحيح أنها الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لأن الألف واللام للعهد والجنة بين المسلمين وفي عرفهم التي هي دار الجزاء. وقيل : كلا القولين ممكن فلا وجه للقطع وَكُلا مِنْها رَغَداً أي واسعا كثيرا حَيْثُ شِئْتُما أي كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما والمقصود منه الإطلاق في الأكل من الجنة بلا منع إلّا ما نهى عنه ، وهو قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني للأكل قيل إنما وقع هذه النهي عن جنس الشجرة. وقيل عن شجرة مخصوصة قال ابن عباس هي السنبلة وقيل الكرمة. وقيل هي شجرة التين وقيل هي شجرة العلم. وقيل الكافور. وقيل : ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لأنه ليس المقصود تعرّف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصود لا يجب بيانه فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ يعني إن أكلتما من هذه الشجرة ظلمتما أنفسكما فمن جوّز ارتكاب الذنوب على الأنبياء قال ظلم نفسه بالمعصية. وأصل الظلم وصنع الشيء في غير موضعه ومن لم يجوز ذلك على الأنبياء جعل الظلم على أنه فعل ما كان الأولى أن لا يفعله. وقيل : يحمل على أنه فعل هذا قبل النبوة. فإن قلت : هل يجوز وصف الأنبياء بالظلم أو بظلم أنفسهم؟ قلت : لا يجوز أن يطلق عليهم ذلك لما فيه من الذم. قوله عز وجل : |
﴿ ٣٥ ﴾