١٩٨

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي حرج أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ يعني رزقا ونفعا وهو الربح في التجارة

(خ) عن ابن عباس قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت :

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحج. وقرأها ابن عباس هكذا

وفي رواية أن تبتغوا في مواسم الحج فضلا من ربكم. وعكاظ سوق معروف بقرب مكة ، ومجنة بفتح الميم وكسرها سوق بقرب مكة أيضا ، قال الأزرقي : هي بأسفل مكة على بريد منها وذو المجاز سوق عند عرفة كانت العرب في الجاهلية يتجرون في هذه الأسواق ولها مواسم فكانوا يقيمون بعكاظ عشرين يوما من ذي القعدة ثم ينتقلون إلى مجنة فيقيمون بها ثمانية عشر يوما عشرة أيام من آخر ذي القعدة ، وثمانية أيام من أول ذي الحجة ثم يخرجون إلى عرفة في يوم التروية وقال الداودي : مجنة عند عرفة وعن أبي أمامة التيمي قال : كنت رجلا أكري في هذا الوجه وكان الناس يقولون لي : إنه ليس لك حج فلقيت ابن عمر فقلت له يا أبا عبد الرحمن إني رجل أكري في هذا الوجه وإن أناسا يقولون إنه ليس لك حج فقال ابن عمر أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ فقلت بلى قال فإن ذلك حجا جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فأرسل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (و قرأها عليه وقال لك حج) أخرجه أبو داود والترمذي. وقال بعض العلماء : إن التجارة إن أوقعت نقصا في أعمال الحج لم تكن مباحة وإن لم توقع نقصا فيه كانت من المباحات التي الأولى تركها لتجريد العبادة عن غيرها لأن الحج بدون التجارة أفضل وأكمل.

قوله تعالى : فَإِذا أَفَضْتُمْ أي دفعتم والإفاضة دفع بكثرة مِنْ عَرَفاتٍ جمع عرفة سميت بذلك وإن كانت بقعة واحدة لأن كل موضع من تلك المواضع عرفة فسمي مجموع تلك المواضع عرفات

وقيل. إن اسم الموضع عرفات. واسم اليوم عرفة قال عطاء كان جبريل يرى إبراهيم المناسك ويقول له : عرفت فيقول عرفت فسمي ذلك المكان عرفات واليوم عرفة. وقال الضحاك :

إن آدم لما أهبط وقع بالهند وحواء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات في يوم عرفة فتعارفا فسمي اليوم عرفة والموضع عرفات ، وقال السدي : إن إبراهيم لما أذن في الناس بالحج وأجابوه بالتلبية وأبى من أبى أمره اللّه تعالى أن يخرج إلى عرفات ونعتها له ، فخرج فلما بلغ الشجرة استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبر فطار فوقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبر فطار فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز فنظر إليه فلم يعرفه فجازه فسمي ذا المجاز ، ثم انطلق إبراهيم حتى وقع بعرفات فعرفها بالنعت ، فسمي الوقت عرفة والموضع عرفات حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع فسمي ذلك الموضع المزدلفة.

وفي رواية عن ابن عباس أن إبراهيم رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ولده فلما أصبح تروى يومه أجمع أي تفكر هل هذه الرؤيا من اللّه تعالى أم من الشيطان فسمي يوم التروية ، ثم رأى ذلك في ليلة عرفة ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من اللّه فسمي اليوم عرفة.

وقيل : سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم

وقيل : سمي عرفة من العرف وهو الطيب وسميت منى لما يمنى فيها من الدماء أي يصبّ فيكون فيه الفروث والدماء ، فلا يكون الموضع طيبا وعرفات طاهرة عن مثل هذا فتكون طيبة. واعلم أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج ولا يتم الحج إلّا به ، ومن فاته الوقوف في وقته فقد فاته الحج. ويدخل وقت الوقوف بعرفة بزوال الشمس من يوم عرفة ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر وذلك نصف يوم وليلة كاملة فمن وقف بعرفات في هذا الوقت ولو لحظة واحدة من ليل أو نهار ، فقد حصل له الوقوف ويتم حجه وقال أحمد : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوعه من يوم النحر ووقت الإفاضة من عرفات ، بعد غروب الشمس فإذا غربت الشمس دفع من عرفات وأخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء بمزدلفة

(ق) عن أسامة بن زيد قال دفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء ، ف

قلت : الصلاة يا رسول اللّه فقال الصلاة أمامك ثم ركب فلما جاء المزدلفة ، نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره ، في منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلى ولم يصل بينهما شيئا.

وقوله تعالى : فَاذْكُرُوا اللّه عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ سمي مشعرا من الشعار وهي العلامة لأنه من معالم الحج وأصل الحرام المنع فهو ممنوع من أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه ، والمشعر الحرام هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر ، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام

وقيل المشعر الحرام هو المزدلفة وسماه اللّه بذلك لأن الصلاة والمبيت به والدعاء عنده من معالم الحج

وقيل المشعر الحرام ، هو قزح وهو آخر حد المزدلفة والأول أصح. وسميت المزدلفة من الازدلاف وهو الاقتراب ، لأنها منزلة من اللّه تعالى وقربة.

وقيل : لنزول الناس بها زلف الليل :

وقيل : لاجتماع الناس بها وتسمى المزدلفة جمعا لأنه يجمع فيها بين المغرب والعشاء ، قيل المراد بالذكر عند المشعر الحرام هو الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء هناك. ويدل عليه أن قوله : فاذكروا اللّه أمر وهو للوجوب ولا يجب هناك إلّا الصلاة ، والذي عليه جمهور العلماء أن المراد بالذكر هو الدعاء والتلبية والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

(ق) عن ابن عباس أن أسامة بن زيد كان رديف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى فكلاهما قال : لم يزل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، عن جابر قال دفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة وكبره وهللّه ووحده ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس هذا الحديث ذكره البغوي بغير سند. ولم أجده في الأصول ، قال طاوس كانوا في الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن المزدلفة بعد طلوعها وكانوا يقولون : أشرق ثبير كيما نغير ، فنسخ اللّه تعالى أحكام الجاهلية فأخر الإفاضة من عرفة إلى ما بعد غروب الشمس وقدم الإفاضة من المزدلفة إلى ما قبل طلوعها. وثبير جبل بمكة ومعنى قولهم أشرق ثبير أدخل أيها الجبل في الشروق وهو نور الشمس وقولهم كيما نغير أي ندفع للنحر يقال أغار إذا أسرع ودفع في عدوه

(خ) عن عمرو بن ميمون قال قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس وكانوا يقولون : أشرق ثبير فخالفهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأفاض قبل طلوع الشمس.

وقوله تعالى : وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ أي اذكروه بالتوحيد والتعظيم كما ذكركم بالهداية فهداكم لدينه ومناسك حجه وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ أي لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه ، والهاء في من قبله راجعة إلى الهدي

وقيل إلى الرسول أي من قبل إرسال الرسول لمن الضالين ، وهو كناية عن غير مذكور

وقيل يرجع إلى القرآن والمعنى واذكروه كما هداكم بكتابه الذي أنزله عليكم ، وإن كنتم من قبل إنزاله لمن الضالين. قوله عز وجل :

﴿ ١٩٨