٢٠٣قوله عز وجل : وَاذْكُرُوا اللّه يعني بالتوحيد والتعظيم والتكبير في أدبار الصلوات وعند رمي الجمرات ، وذلك أنه يكبر مع كل حصاة من حصى الجمار فقد ورد في الصحيح أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كبر مع كل حصاة فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ يعني أيام التشريق وهي أيام منى ورمي الجمار سميت معدودات لقلتهن وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، أولها اليوم الحادي عشر من ذي الحجة وهو قول ابن عمر وابن العباس والحسن وعطاء ومجاهد وقتادة وهو مذهب الشافعي. وقيل : إن الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده. وهو قول علي بن أبي طالب ويروى عن ابن عمر أيضا وهو مذهب أبي حنيفة (م) عن نبيشة الهذلي قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللّه) ومن الذكر في هذه الأيام التكبير (خ) عن ابن عمر أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات ، وعلى فراشه وفي فسطاطه وفي مجلسه وفي ممشاه في تلك الأيام جميعا وفي رواية أنه كان يكبر في قبته فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى أخرجه البخاري بغير إسناد وأجمع العلماء على أن المراد بهذا هو التكبير عند رمي الجمار ، وهو أن يكبر مع كل حصاة يرمي بها في جميع أيام التشريق ، وأجمعوا أيضا على أن التكبير في عيد الأضحى وفي هذه الأيام في إدبار الصلوات سنة واختلفوا في وقت التكبير فقيل يبتدئ به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق فيكون التكبير على هذا القول في خمسة عشر صلاة ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، وبه قال الشافعي : في أصح أقواله قال الشافعي : لأن الناس فيه تبع للحاج وذكر الحاج قيل : هذا الوقت هو التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من صلاة الظهر. وقيل : إنه يبتدئ به من صلاة المغرب ليلة النحر ويختم بصلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وهو القول الثاني الشافعي فيكون التكبير على هذا القول : في ثمانية عشر صلاة والقول الثالث للشافعي إنه يبتدئ بالتكبير من صلاة الصبح يوم عرفة ، ويختم به بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، فيكون التكبير على هذا القول في ثلاث وعشرين صلاة وهو قول علي بن أبي طالب ، ومكحول وبه قال أبو يوسف ومحمد ، وقال ابن مسعود يبتدأ به من صبح يوم عرفة ويختم بصلاة العصر من يوم النحر ، فعلى هذا القول يكون التكبير في ثمان صلوات ، وبه قال أبو حنيفة وقال أحمد بن حنبل : إذا كان حلالا كبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة أولها الصبح من يوم عرفة وآخرها صلاة العصر من آخر أيام التشريق وإن كان محرما كبر عقيب سبعة عشر صلاة أولها الظهر من يوم النحر وآخرها عصر آخر أيام التشريق. ولفظ التكبير عند الشافعي ثلاثا نسقا اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر وهو قول سعيد بن جبير والحسن ، وهو قول أهل المدينة ، قال الشافعي : وما زاد من ذكر اللّه فحسن ويروى عن ابن مسعود أنه يكبر مرتين فيقول اللّه أكبر اللّه أكبر وهو قول أهل العراق. وقوله تعالى : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أي فمن تعجل النفر الأول وهو في الثاني من أيام التشريق فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي فلا حرج عليه وذلك أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق ، ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمي عند كل جمرة سبع حصيات ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها فذلك واسع له لقوله تعالى : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يعني فلا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يعني ومن تأخر إلى النفر الثاني ، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه في تأخره. واعلم أنه إنما يجوز التعجيل لمن نفر بعد الزوال من اليوم الثاني من أيام التشريق وقبل غروب الشمس ، من ليلة ذلك اليوم وإن غربت عليه الشمس ، وهو بمنى لزمه المبيت بها لرمي اليوم الثالث ، هذا مذهب الشافعي وأكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة : يجوز له أن ينفر ما لم يطلع الفجر لأنه لم يدخل وقت الرمي ، بعد ورخص لرعاة الإبل وأهل سقاية الحاج ترك المبيت بمنى ليالي منى. فإن قلت : قوله ومن تأخر فلا إثم عليه فيه إشكال وهو أن الذي أتى بأفعال الحج كاملة تامة فقد أتى بما يلزمه ، فما معنى قوله فلا إثم عليه إنما يخاف من الإثم من قصر فيما يلزمه قلت فيه أجوبة أحدها أنه تعالى لما أذن في التعجيل على سبيل الرخصة احتمل أن يخطر ببال قوم أن من لم يجر على موجب هذه الرخصة ، فإنه يأثم فأزال اللّه تعالى هذه الشبهة وبين إنه لا إثم عليه في الأمرين فإن شاء عجل وإن شاء أخر. الجواب الثاني أن من الناس من كان يتعجل ومنهم من كان يتأخر ، وكل فريق يصوب فعله على فعل الفريق الآخر فبين اللّه تعالى أن كل واحد من الفريقين مصيب في فعله وأنه لا إثم عليه. الجواب الثالث إنما قال : ومن تأخر فلا إثم عليه لمشاكلة اللفظة الأولى فهو كقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ومعلوم أن جزاء السيئة ليس بسيئة. الجواب الرابع أن فيه دلالة على جواز الأمرين فكأنه تعالى قال : فتعجلوا أو تأخروا فلا إثم في التعجيل ولا في التأخير لِمَنِ اتَّقى أي ذلك التخيير ونفي الإثم للحاج المتقي وقيل لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئا مما نهاه اللّه عنه من قتل صيد وغيره ، مما هو محظور في الحج ، وقيل : معناه أنه ذهب إثمه إن اتقى فيمن بقي من عمره ، وذلك أن الحاج يرجع مغفورا له بشرط أن لا يرتكب ما نهي عنه فيما بقي من عمره وهو قوله : وَاتَّقُوا اللّه أي في المستقبل والتقوى عبارة عن فعل الواجبات وترك المحظورات وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي فيجازيكم بأعمالكم وفيه حث على التقوى. قوله عز وجل : |
﴿ ٢٠٣ ﴾